8 صفر 4 هـ
19 تموز 625 م
سرية المنذر بن عمرو رضي اللهّٰ عنه

بعث النبي أصحابه لأهل نجد

عن المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عبد اللهّٰ بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وغيرهم من أهل العلم، قالوا:
قدم أبو براء عامرُ بن مالك بن جعفر ملُاعبُ الأسنة على رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، فعرض عليه الإسلام ودعاه إليه، فلم يسلم ولم يبعد عن الإسلام، وقال: يا محمد، لو بعثت رجالًا من أصحابك إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك، فقال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “إني أخشى أهل نجد عليهم”. قال أبو براء: أنا لهم جارٌ، فابعثهم فليدعوا الناس إلى أمرك.
فبعث رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم المنذر بن عمرو أخي بني ساعدة المعُْنقِ ليموت في أربعين.

مقتل حرام بن ملحان

وعن غير ابن إسحاق في سبعين رجلاً من أصحابه من خيار المسلمين، فساروا حتى نزلوا ب بئر معونة، وهي بين أرض بني عامر وحَرَّة بني سليم، كلا البلدين منها قريب، وهي إلى حرة بني سليم أقرب، فلما أنزلوها بعثوا حَرَام بن ملحان بكتاب رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم إلى عدو اللهّٰ عامر بن الطفيل، فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا على الرجل فقتله، ثم استصرخ عليهم بني عامر، فأبوا أن يجيبوه إلى ما دعاهم إليه، وقالوا: لن نُخفْرِ أبا براء، وقد عقد لهم عقدًا وجوارًا، فاستصرخ عليهم قبائل من سُليم عصَُيَةّ ورِعْلاً ، فأجابوه إلى ذلك، ثم خرجوا حتى غشوا القوم، فأحاطوا بهم في رحالهم، فلما رأوهم أخذوا سيوفهم فقاتلوهم حتى قتلوا إلى آخرهم رحمهم اللهّٰ إلا كعب بن زيد أخا بني دينار بن النجار، فإنهم تركوه وبه رمق، فارْتثَُّ من بين القتلى، فعاش حتى قتل يوم الخندق شهيدًا رحمه اللهّٰ.
وكان في سرح القوم عمرو بن أمية الضَّمْري، ورجل آخر من الأنصار أحد بني عمرو بن عوف.
قال ابن هشام: هو المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح.

مقتل المنذر بن عمرو

قال ابن إسحاق: فلم ينبئهما بمصاب أصحابهما إلا الطير تحوم على العسكر، فقالا: واللهّٰ إن لهذه الطير لشأناً، فأقبلا ينظران، فإذا القوم في دمائهم، وإذا الخيل التي أصابتهم واقفة، فقال الأنصاري لعمرو بن أمية: ماذا ترى؟ قال: نرى أن نلحق برسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم فنخبره الخبر، فقال الأنصاري: لكني ما كنت لأرغب بنفسي عن موطن قتل فيه المنذر بن عمرو، ثم قاتل القوم حتى قتل رحمه اللهّٰ.

أسر عمرة بن أمية

وأخذوا عمرو بن أمية أسيراً، فلما أخبرهم أنه من مضر أخذه عامر بن الطفيل وجَزَّ ناصيته، وأعتقه عن رقبة زعم أنها كانت على أمه.
فخرج عمرو بن أمية، حتى إذا كان ب القرقرة من صدر قناة، أقبل رجلان من بني عامر حتى نزلا معه في ظل هو فيه، فكان مع العامرين عقد من رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم وجوار، لم يعلم به عمرو بن أمية، وقد سألهما حين نزلا ممن أنتما؟ فقالا: من بني عامر، فأمهلهما، حتى إذا ناما عدا عليهما فقتلهما، وهو يرى أن قد أصاب بهما ثؤُرَة من بني عامر فيما أصابوا من أصحاب رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم. فلما قدم عمرو بن أمية على رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم فأخبره الخبر، قال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “لقد قتلت قتيلين، لأدينهما“.
ثم قال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “هذا عملُ أبي براء، قد كنت لهذا كارهاً متخوفاً، فبلغ ذلك أبا براء، فشق عليه إخفار عُامر إياه، وما أصاب أصحاب رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بسببه“.

تحر يض حسان بن ثابت على عامر بن الطفيل

وقال حسان بن ثابت يحرضبني أبي براء على عامر بن الطفيل:
بني أم البنين ألم يرعكم … وأنتم من ذوائب أهل نجد
تهكم عامر بأبي براء … ليخفره وما خطأ كعمد
ألا أبلغ ربيعة ذا المساعي … فما أحدثت في الحدثان بعدي
أبوك أبو الحروب أبو براء … وخالك ماجدٌ حكم بُنُ سعد

التعر يف بأم البنين

أم البنين هي أم أبي البراء من بني عامر بن صعصعة.

بعض الأحداث

فحمل ربيعة بن أبي براء على عامر بن الطفيل فطعنه بالرمح، فوقع في فخذه فأشواه، ووقع عن فرسه، فقال هذا عمل أبي براء، إن أنا مت فدمي لعمي، فلا يتَُبّعن به، وإن أعش فسأرى رأيي. قال أبو عمر: … عن أنس بن مالك، أن حرام بن ملحان – وهو خال أنس- طعن يوم بئر معونة في رأسه، فتلقى دمه بكفه، ثم نضحه على رأسه ووجهه، وقال: فزت ورب الكعبة.

الضحاك بن سفيان كاتم إسلامه

وقيل: إن حرام بن ملحان ارتثَُّ يوم بئر معونة، فقال الضحاك بن سفيان الكلابي- وكان مسلماً يكتم إسلامه- لامرأة من قومه، هل لك في رجل إن صح كان نعم المراعي؟ فضمته إليها، فعالجته، فسمعته يقول:
أتت عامر ترجو الهوادة بَيننا … وهل عامرٌ إلا عدوّ مٌدُاجن
إذا ما رجعنا ثم لم تك وقعة … بأسيافنا في عامر أو نطاعن
فلا ترجونا أن تقاتل بعدنا … عشائرنا والمقربات الصوافن
فوثبوا عليه فقتلوه، والأول أصح. وقتل يومئذ عامر بن فهيرة ، قتله عامر بن الطفيل.

رفع عامر بن فهيرة بين السماء والأرض

وعن هشام بن عروة، عن أبيه، قال: لما قدم عامر بن الطفيل على رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، قال له: من الرجل الذي لما قتل رأيته رفع بين السماء والأرض حتى رأيت السماء دونه، ثم وضع فقال له: هو عامر بن فهيرة“.

عامر بن فهيرة دفين الملائكة

و عن ابن شهاب، قال: زعم عروة بن الزبير أن عامر بن فهيرة قتل يومئذ فلم يوجد جسده حين دفنوا، يرون أن الملائكة دفنته، رحمه اللهّٰ. واللهّٰ أعلم بالصواب.

شهداء يوم بئر معونة

عامر بن فهيرة مولى أبي بكر الصديق، وهو ابن أربعين سنة، قديم الإسلام، أسلم قبل أن يدخل رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم دار الأرقم بن أبي الأرقم، و الحكم بن كيسان مولى بني مخزوم، و المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن الجلاح ، و أبو عبيدة بن عمرو بن محصن ، و الحارث بن الصمة بن عمرو ابنا عتيك بن عمرو بن مبذول، و أبي بن معاذ بن أنس بن قيس بن عبيد بن زيد بن معاو ية بن عمرو بن مالك بن النجار وأخوه أنس ، وابن إسحاق وابن عقبة يسميانه: أوسا، والواقدي يقول:
إن أَنسًا هذا مات في خلافة عثمان.
و أبو شيخ ابن أبي بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار ، و حرام و سليم ابنا ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار، واسم ملحان مالك، وهما أخوا أم سليم أم أنس بن مالك ، وأخوا أم حرام امرأة عبادة بن الصامت ، و مالك و سفيان ابنا ثابت من الأنصار من بني النَبّيت، وذلك مما انفرد به محمد بن عمر الواقدي، لم يوجد ذكر مالك وسفيان في شهداء بئر معونة عن غير محمد بن عمر، و عروة بن أسماء بن الصلت من بني عمرو بن عوف من حلفائهم، و قطبة بن عبد عمرو بن مسعود بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار ، و المنذر بن عمرو بن خنيس بن لوذان بن عبد وُد بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن ساعدة وهو أميرهم، و معاذ بن
ماعصبن قيس بن خلدة بن عامر بن زر يق وأخوه عائذ .
وغير الواقدي يقول: جرح معاذ ببدر ومات منه بالمدينة، وقيل في عائذ: مات باليمامة، و مسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر بن زر يق عند الواقدي، وأما ابن القداح، فقال: مات بخيبر، و خالد بن ثابت بن النعمان بن الحارث بن عبد رزاح بن ظفر وقيل: بل قتل خالد بن ثابت بمؤتة، و سفيان بن حاطب بن أمية بن رافع بن سويد بن حرام بن الهيثم بن ظفر ، و سعد بن عمرو بن ثقف ، واسمه: كعب بن مالك بن مبذول ، وابنه الطفيل ، وابن أخيه سهل بن عامر بن سعد بن عمرو بن ثقف ، و عبد اللهّٰ بن قيس بن صرمة بن أبي أنس بن صرمة بن مالك بن عدي بن النجار ، و نافع بن بديل بن ورقاء الخزاعي ، وفيه يقول عبد اللهّٰ بن رواحة يرثيه:
رحم اللهّٰ نافع بن بديل … رحمة المبتغى ثواب الجهاد
صابراً صادق اللقاء إذا ما … أكثر القوم قال قول السداد 
وعند ابن سعد: فيهم الضحاك بن عبد عمرو بن مسعود بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار بن النجار ، وذكر ابن القداح فيهم: عمرو بن معبد بن الأزعر بن زيد بن العطاف بن ضبيعة من بني عمرو بن عوف ، واسمه عند ابن إسحاق: عمرو ، وهو عند ابن القداح: عمير ، وذكر ابن الكلبي: خالد بن كعب بن عمرو بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار في شهداء بئر معونة، وذكر أبو عمر النمري في الاستيعاب: سهيل بن عامر بن سعد فيهم، وأظنه سهل بن عامر الذي ذكرناه، على أنه
ذكر ذلك في ترجمتين، إحداهما في باب سهل والأخرى في باب سهيل، والمختلف في قتله في هذه الواقعة مختلف في حضوره، فأرباب المغازي متفقون على أن الكل قتلوا إلا عمرو بن أمية الضمري، وكعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة بن دينار، فإنه جرح يوم بئر معونة ومات بالخندق.

إخبار جبر يل النبي بخبرهم

وقال ابن سعد: لما أحيط بهم قالوا: اللهم إنا لا نجد من يبلغ رسولك منا السلام غيرك، فأقرئه منا السلام، فأخبره جبر يل عليه السلام بذلك، فقال: وعليهم السلام.

استشهاد عامر بن فهيرة

وقال: فقََدَ عمروُ بن أمية عامرَ بن فهيرة من بين القتلى، فسأل عنه عامر بن الطفيل، فقال: قتله رجل من بني كلاب يقال له: جبار بن سلمى، فلما قتله قال: فزت واللهّٰ، ورفع إلى السماء، فأسلم جبار بن سلمى لما رأى من قتلى عامر بن فهيرة ورفعه، وقال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “إن الملائكة وارت جثته وأنزل في عليين“.

حزن النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم على القراء

وعن عاصم، قال: سمعت أنس بن مالك، قال: ما رأيت رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم وجد على أحد ما وجد على أصحاب بئر معونة.
و عن أنس بن مالك، قال: دعا رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم على الذين قتلوا أصحاب بئر معونة ثلاثين صباحًا، يدعو على رِعل ولحيان وعصَُيَةّ، عصت اللهّٰ ورسوله.
قال أنس: أنزل اللهّٰ في الذين قتلوا ببئر معونة قرآناً قرأناه ثم نسخ بعدُ: أنْ بلغوا قومَنا أنْ قد لقينا ربنا؛ فرضيَ عَنَاّ ورضينا عنه.

تحقيق وهم في الرواية

كذا وقع في هذه الرواية، وهو يوهم أن بني لحيان ممن أصاب القراء يوم بئر معونة وليس كذلك، وإنما أصاب هؤلاء رِعْل وذكَْوان وعصية ومن صحبهم من سليم. وأما بنو لحيان فهم الذين أصابوا بعث الرجيع، وإنما أتى الخبر إلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم عنهم كلهم في وقت واحد، فدعا على الذين أصابوا أصحابه في الموضعين دعاء واحدًا.