شوال 6 هـ
شباط 628 م
سرية ابن رواحة إلى ابن رزام

وكان سببها أنه لما قتل أبو رافع سلام بن أبى الحقيق، أمرت يهود عليها أسيرا، فسار فى غطفان وغيرهم يجمعهم لحربه- صلى الله عليه وسلم- …


وبلغه ذلك فوجه عبد الله بن رواحة فى ثلاثة نفر، فى شهر رمضان سرّا، فسأل عن خبره وغرته، فأخبر بذلك، فقدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأخبره.
فندب- عليه السّلام- الناس، فانتدب له ثلاثون رجلا، فبعث عليهم عبد الله ابن رواحة، فقدموا عليه وقالوا: إن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بعثنا إليك لتخرج إليه، يستعملك على خيبر ويحسن إليك، فطمع فى ذلك فخرج وخرج معه ثلاثون رجلا من اليهود، مع كل رجل رديف من المسلمين، حتى إذا كانوا بقرقرة ضربه عبد الله بن أنيس- وكان فى السرية- بالسيف فسقط عن بعيره ومالوا على أصحابه فقتلوهم غير رجل، ولم يصب من المسلمين أحد، ثم قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال: «قد نجاكم الله من القوم الظالمين».
سرية كرز – بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاى- ابن جابر الفهرى، إلى العرنيين- بضم العين وفتح الراء المهملتين- حى من قضاعة، وحى من بجيلة، والمراد هذا الثانى، كذا ذكره ابن عقبة فى المغازى.
وذكر ابن إسحاق: أن قدومهم كان بعد غزوة ذى قرد، وكانت فى جمادى الآخرة سنة ست.
وذكرها البخارى بعد الحديبية، وكانت فى ذى القعدة منها.
وعند الواقدى: فى شوال منها، وتبعه ابن سعد وابن حبان.
وفى البخارى- فى كتاب المغازى- عن أنس أن ناسا من عكل- يعنى بضم العين وسكون الكاف- وعرينة قدموا على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وتكلموا بالإسلام، فقالوا يا نبى الله، إنا كنا أهل ضرع، ولم نكن أهل ريف، واستوخموا المدينة، فأمر لهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بذود وراع، وأمرهم أن يخرجوا فيه فيشربوا من ألبانها وأبوالها.
فانطلقوا حتى إذا كانوا ناحية الحرة، كفروا بعد إسلامهم، وقتلوا راعى النبى- صلى الله عليه وسلم- واستاقوا الذود. فبلغ النبى- صلى الله عليه وسلم- فبعث الطلب فى آثارهم، فأمر بهم فسمروا أعينهم، وقطعوا أيديهم، وتركوا فى ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم.
وفى لفظ: وسمر أعينهم، ثم نبذوا فى الشمس حتى ماتوا.
وفى لفظ: ولم يحسمهم، أى لم يكو مواضع القطع فينحسم الدم.
وقال أنس: إنما سمل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أعينهم لأنهم سملوا أعين الرعاة. رواه مسلم فيكون ما فعل بهم قصاصا.
وفى رواية أنهم كانوا ثمانية.
وعند البخارى أيضا- فى المحاربين- أنهم كانوا فى الصفة قبل أن يطلبوا الخروج إلى الإبل.
وفى رواية قال أنس: فلقد رأيت أحدهم يكدم الأرض بفيه حتى مات.
وعند الدمياطى- كابن سعد- أن اللقاح كانت خمسة عشر لقحة- بكسر اللام وسكون القاف- ويقال لها ذلك إلى ثلاثة أشهر.
وفى صحيح مسلم: أن السرية كانت قريبا من عشرين فارسا من الأنصار.
وروى ابن مردويه عن سلمة بن الأكوع قال: كان النبى- صلى الله عليه وسلم- مولى يقال له: يسار، فنظر إليه يحسن الصلاة فأعتقه، وبعثه فى لقاح له بالحرة، فكان بها. قال: فأظهر قوم الإسلام من عرينة، وجاؤا- وهم مرضى موعوكون قد عظمت بطونهم- وعدوا على يسار فذبحوه وجعلوا الشوك فى عينيه، ثم طردوا الإبل، فبعث النبى- صلى الله عليه وسلم- فى آثارهم خيلا من المسلمين، أميرهم كرز بن جابر الفهرى، فلحقهم فجاء بهم إليه، فقطع أيديهم وأرجلهم، وسمر أعينهم. قال ابن كثير: غريب جدّا.
وروى ابن جرير عن محمد بن إبراهيم عن جرير بن عبد الله البجلى قال: قدم على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قوم من عرينة الحديث.. وفيه قال جرير: فبعثنى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ونفرا من المسلمين حتى أدركناهم، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف وسمل أعينهم، فجعلوا يقولون: الماء، ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول: «النار» ، حتى هلكوا. قال: وكره الله عز وجل سمل الأعين، فأنزل الله هذه الآية: {إِنَّمَا جَزَآءُ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المائدة:33] .
إلى آخر الآية. وهو حديث غريب ضعيف. وفيه أن أمير السرية جرير بن عبد الله البجلى. قال مغلطاى: وفيه نظر، لأن إسلام جرير كان بعد هذه بنحو أربع سنين.
وفى مغازى ابن عقبة: أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد، كذا عنده بزيادة ياء- وعند غيره: أنه سعد- بسكون العين- ابن زيد الأشهلى، وهذا أنصارى، فيحتمل أنه كان رأس الأنصار، وكان كرز أمير الجماعة.
وأما قوله: فكره الله سمل الأعين فأنزل الله هذه الآية، فإنه منكر. فقد تقدم أن فى صحيح مسلم أنهم سملوا أعين الرعاة، فكان ما فعل بهم قصاصا والله أعلم.
تنبيه: قال فى فتح البارى: وزعم ابن التين تبعا للداودى أن عرينة هم عكل وهو غلط، بل هما قبيلتان متغايرتان، عكل من عدنان، وعرينة من قحطان.
ثم سرية عمرو بن أمية الضمرى إلى أبى سفيان بن حرب بمكة، لأنه أرسل للنبى- صلى الله عليه وسلم- من يقتله غدرا، فأقبل الرجل ومعه خنجر ليغتاله، فلما رآه النبى- صلى الله عليه وسلم- قال: «إن هذا يريد غدرا» . فجذبه أسيد بن حضير بداخلة إزاره فإذا بالخنجر، فسقط فى يده. فقال- صلى الله عليه وسلم-: «أصدقنى ما أنت؟» قال: وأنا آمن؟ قال: «نعم» ، فأخبره بخبره فخلى عنه- صلى الله عليه وسلم-.
وبعث عمرو بن أمية الضمرى ومعه سلمة بن أسلم، ويقال: جبار بن صخر إلى أبى سفيان وقال: إن أصبتما منه غرة فاقتلاه.
ومضى عمرو بن أمية يطوف بالبيت ليلا، فرآه معاوية بن أبى سفيان، فأخبر قريشا بمكانه، فخافوه وطلبوه، وكان فاتكا فى الجاهلية، فحشد له أهل مكة وتجمعوا له.
فهرب عمرو وسلمة، فلقى عمرو عبيد الله بن مالك التيمى فقتله، وقتل آخر، ولقى رسولين لقريش بعثتهما يتحسسان الخبر، فقتل أحدهما وأسر الآخر، فقدم به المدينة. فجعل عمرو يخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- خبره، وهو- عليه السّلام- يضحك.