12 ربيع الأول 52 ق.هـ
26 نيسان 571 م
رجع الحديث إلى تمام أمر كسرى بن قباذ انوشروان

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ الْمَوْصِلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَيُّوبَ يَعْلَى بْنُ عِمْرَانَ الْبَجَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ عَنْ أَبِيهِ- …

وَأَتَتْ لَهُ خَمْسُونَ وَمِائَةُ سَنَةٍ- قَالَ: لَمَّا كانت ليله ولد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ارْتَجَسَ إِيَوانُ كِسْرَى وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً، وَخَمِدَتْ نَارُ فَارِسَ، وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ عَامٍ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَرَأَى الْمُوبَذَانُ إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، وَقَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا.
فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ مَا رَأَى، فَصَبَرَ تَشَجُّعًا، ثُمَّ رَأَى أَلَّا يَكْتُمَ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ، فَلَبِسَ تَاجَهُ وَقَعَدَ عَلَى سَرِيرِهِ وَجَمَعَهُمْ إِلَيْهِ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ أَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي بَعَثَ إِلَيْهِمْ فيه ودعاهم فبيناهم كَذَلِكَ إِذْ وَرَدَ عَلَيْهِ كِتَابٌ بِخُمُودِ النَّارِ فَازْدَادَ غَمًّا إِلَى غَمِّهِ، فَقَالَ الْمُوبَذَانُ:
وَأَنَا أَصْلَحَ اللَّهُ الْمَلِكَ! قَدْ رَأَيْتُ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ وَقَصَّ عَلَيْهِ الرُّؤْيَا فِي الإِبِلِ.
فَقَالَ: أَيُّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا يَا مُوبِذَانُ؟ – وَكَانَ أَعْلَمَهُمْ عِنْدَ نَفْسِهِ بِذَلِكَ- فَقَالَ: حَادِثٌ يَكُونُ مِنْ عِنْدِ الْعَرَبِ، فَكَتَبَ عِنْدَ ذَلِكَ:
مِنْ كِسْرَى مَلِكِ الْمُلُوكِ إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ، أَمَّا بَعْدُ، فَوَجِّهْ إِلَيَّ رَجُلًا عَالِمًا بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْهُ.
فَوَجَّهَ إِلَيْهِ عَبْدَ المسيح بن عمرو بن حيان بن بقيله الْغَسَّانِيَّ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَيْهِ، قَالَ لَهُ: أَعِنْدَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ؟ قَالَ: لِيُخْبِرْنِي الْمَلِكُ، فَإِنْ كَانَ عِنْدِي مِنْهُ عِلْمٌ، وَإِلَّا أَخْبَرْتُهُ بِمَنْ يُعْلِمُهُ لَهُ، فَأَخْبَرَهُ بِمَا رَأَى، فَقَالَ: عِلْمُ ذَلِكَ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ، يُقَالُ لَهُ سَطِيحٌ، قَالَ: فَأْتِهِ فَاسْأَلْهُ عَمَّا سَأَلْتُكَ، وَأْتِنِي بِجَوَابِهِ فَرَكِبَ عَبْدُ الْمَسِيحِ رَاحِلَتَهُ حَتَّى قَدِمَ عَلَى سَطِيحٍ- وَقَدْ أَشْفَى عَلَى الْمَوْتِ- فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ، فَلَمْ يُحِرْ سَطِيحٌ جَوَابًا، فَأَنْشَأَ عَبْدُ الْمَسِيحِ يَقُولُ:

أَصَمُّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنِ! *** يَا فَاصِلَ الْخُطَّةِ أَعَيْتَ مَنْ وَمَنْ
أَمْ فَازَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنِ *** أَتَاكَ شَيْخُ الْحَيِّ مِنْ آلِ سَنَنْ
وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ *** أَزْرَقُ مُمْهَى النَّابِ صَرَّارُ الأُذُنْ
أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ *** رَسُولُ قَيْلِ الْعُجْمِ يسرى للوسن
يجوب بي الارض علنداه شزن *** ترفعني وجن وتهوى بِي وَجَنْ
لا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلا رَيْبَ الزَّمَنِ *** حَتَّى أَتَى عَارِي الْجَآجِي وَالْقَطَنْ
تَلِفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدِّمَنْ *** كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ

فَلَمَّا سَمِعَ سَطِيحٌ شِعْرَهُ، رَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ: عَبْدُ الْمَسِيحِ، عَلَى جَمَلٍ يَسِيحُ، إِلَى سَطِيحٍ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحِ، بَعَثَكَ مَلِكُ بَنِي سَاسَانَ، لارْتِجَاسِ الإِيوَانِ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ رَأَى إِبِلًا صِعَابًا، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِهَا، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ:
إِذَا كَثُرَتِ التِّلَاوَةُ، وَبُعِثَ صَاحِبُ الْهَرَاوَةِ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَةِ، وَغَاضَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَةَ، وَخَمِدَتْ نَارُ فَارِسَ، فَلَيْسَتِ الشَّامُ لِسَطِيحٍ شَأْمًا، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ، عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتِ، وَكُلُّ مَا هُو آتٍ آتِ.
ثُمَّ قَضَى سَطِيحٌ مَكَانَهُ، فَقَامَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى رَحْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ:

شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الْهَمَّ شِمِّيرُ *** لا يُفْزِعَنَّكَ تَفْرِيقٌ وَتَغْيِيرُ
إِنْ يَكُ مُلْكُ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطَهُمْ *** فَإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فَرُبَّمَا رُبَّمَا أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ *** تَهَابُ صَوْلَهُمُ الأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ مِهْرَانُ وَإِخْوَتُهُ *** وَالْهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ
وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا *** أَنْ قَدْ أَقَلَّ، فَمَهْجُورٌ وَمَحْقُورُ
وَهُمْ بَنُو الأُمِّ لَمَّا أَنْ رَأَوْا نَشَبًا *** فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ
وَالْخَيْرُ والشَّرُ مَقْرُونَانِ فِي قَرْنٍ *** فَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ

فَلَمَّا قَدِمَ عَبْدُ الْمَسِيحِ عَلَى كِسْرَى، أَخْبَرَهُ بِقَوْلِ سَطِيحٍ، فَقَالَ: إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَةَ عَشَرَ مَلِكًا قَدْ كَانَتْ أُمُورٌ.
فَمَلَكَ مِنْهُمْ عَشَرَةٌ أَرْبَعَ سِنِينَ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ إِلَى مُلْكِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَحُدِّثْتُ عَنْ هِشَامِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: بَعَثَ وَهْرَزٌ بِأَمْوَالٍ وَطرفٍ مِنْ طرفِ الْيَمَنِ إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا صَارَتْ بِبِلادِ بَنِي تَمِيمٍ، دَعَا صعصعة ابن نَاجِيَةَ بْنِ عِقَالٍ الْمُجَاشِعِيُّ بَنِي تَمِيمٍ إِلَى الْوُثُوبِ عَلَيْهِ، فَأَبَوْا ذَلِكَ، فَلَمَّا صَارَتْ فِي بِلادِ بَنِي يَرْبُوعٍ دَعَاهُمْ إِلَى ذَلِكَ، فَهَابُوهُ، فَقَالَ: يَا بَنِي يَرْبُوعٍ، كَأَنِّي بِهَذِهِ الْعِيرِ قَدْ مَرَّتْ بِبِلادِ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، فَوَثَبُوا عَلَيْهَا فَاسْتَعَانُوا بِهَا عَلَى حَرْبِكُمْ! فَلَمَّا سَمِعُوا ذَلِكَ انْتَهَبُوهَا، وَأَخَذَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِيطٍ يُقَالُ لَهُ النَّطِفُ خَرَجَا فِيهِ جَوْهَرُ، فَكَانَ يُقَالُ: أَصَابَ كَنْزَ النَّطِفِ، فَصَارَ مَثَلًا، وَأَخَذَ صَعْصَعَةُ خَصَفَةً فِيهَا سَبَائِكُ فِضَّةٍ، وَصَارَ أَصْحَابُ الْعِيرِ إِلَى هَوْذَةَ بْنِ عَلِيٍّ الْحَنَفِيِّ بِالْيَمَامَةِ، فَكَسَاهُمْ، وَزَوَّدَهُمْ وَحَمَلَهُمْ، وَسَارَ مَعَهُمْ حَتَّى دَخَل عَلَى كِسْرَى وَكَانَ لِهَوْذَةَ جَمَالٌ وَبَيَانٌ، فَأُعْجِبَ بِهِ كِسْرَى وَحَفِظَ لَهُ مَا كَانَ مِنْهُ، وَدَعَا بِعِقْدٍ مِنْ دُرٍّ فَعَقَدَ عَلَى رَأْسِهِ، وَكَسَاهُ قَبَاءَ دِيبَاجٍ، مَعَ كِسْوَةٍ كَثِيرَةٍ، فَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَ هَوْذَةُ ذَا التَّاجِ، وَقَالَ كِسْرَى لِهَوْذَةَ: أَرَأَيْتَ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ صَنَعُوا مَا صَنَعُوا مِنْ قَوْمِكَ هُمْ؟
قَالَ: لا، قَالَ: أَصُلْحٌ هُمْ لَكَ؟ قَالَ: بَيْنَنَا الْمَوْتُ، قَالَ: قَدْ أَدْرَكْتَ بَعْضَ حَاجَتِكَ وَنِلْتَ ثَأْرَكَ وَعَزَمَ عَلَى تَوْجِيهِ الْخَيْلِ إِلَى بَنِي تَمِيمٍ، فَقِيلَ لَهُ:
إِنَّ بِلَادَهُمْ بِلَادُ سَوْءٍ، إِنَّمَا هِيَ مَفَاوِزُ وَصَحَارَى لا يُهْتَدَى لِمَسَالِكِهَا، وَمَاؤُهُمْ مِنَ الآبَارِ، وَلا يُؤْمِنُ أَنْ يُعَوِّرُوَهَا فَيَهْلَكُ جُنْدُكَ وَأُشِيرَ إِلَيْهِ أَنْ يَكْتُبَ إِلَى عَامِلِهِ بِالْبَحْرَيْنِ وهو آزاذفروز بْنُ جَشْنَسَ الَّذِي سَمَّتْهُ الْعَرَبُ الْمُكَعْبَرُ- وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْمُكَعْبَرُ، لأَنَّهُ كَانَ يَقْطَعُ الأَيْدِي وَالأَرْجُلِ وَآلَى أَلَّا يَدَعَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ عَيْنًا تُطْرَفُ- فَفَعَلَ، وَوَجَّهَ لَهُ رَسُولًا وَدَعَا بِهَوْذَةَ فَجَدَّدَ لَهُ كَرَامَةً وَصِلَةً وَقَالَ: سِرْ مَعَ رَسُولِي هَذَا فَاشْفِنِي وَاشْتَفَّ، فَأَقْبَلَ هَوْذَةُ وَالرَّسُولُ مَعَهُ حَتَّى صَارَ إِلَى الْمُكَعْبَرِ، وَذَلِكَ قَرِيبٌ مِنْ أَيَّامِ اللِّقَاطِ، وَكَانَ بَنُو تَمِيمٍ يَصِيرُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ إِلَى هَجَرِ، لِلْمِيرَةِ وَاللِّقَاطِ، فنادى منادى المكعبر: من كان هاهنا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَلْيَحْضُرْ فَإِنَّ الْمَلِكَ قَدْ أَمَرَ لَهُمْ بِمِيرَةٍ وَطَعَامٍ يُقَسِّمُ فِيهِمْ، فَحَضَرُوَا، فَأَدْخَلَهُمِ الْمُشَقَّرَ- وَهُوَ حِصْنٌ حِيَالَهُ حِصْنٌ يُقَالُ لَهُ الصَّفَا، وَبَيْنَهُمَا نَهْرٌ يُقَالُ لَهُ مُحَلِّمٌ- وَكَانَ الَّذِي بَنَى الْمُشَقَّرَ رَجُلًا مِنْ أَسَاوِرَةِ كِسْرَى يُقَالُ لَهُ: بسكُ بْنُ مَاهبُوذَ، كَانَ كِسْرَى وَجَّهَهُ لِبِنَائِهِ، فَلَمَّا ابْتَدَأَهُ قِيلَ لَهُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الْفَعَلَةَ لا يُقِيمُونَ بِهَذَا الْمَوْضِعِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ مَعَهُمْ نِسَاءٌ، فَإِنْ فَعَلْتَ ذَلِكَ بِهِمْ تَمَّ بِنَاؤُكَ، وَأَقَامُوا عَلَيْهِ حَتَّى يَفْرُغُوا مِنْهُ، فَنَقَلَ إِلَيْهِمُ الْفَوَاجِرَ مِنْ نَاحِيَةِ السَّوَادِ وَالأَهْوَازِ، وَحُمِلَتْ إِلَيْهِمْ رَوَايَا الْخَمْرِ مِنْ أَرْضِ فَارِسَ فِي الْبَحْرِ، فَتَنَاكَحُوا وَتَوَالَدُوا، فَكَانُوا جل أَهْل مَدِينَةِ هَجَرٍ، وَتَكَلَّمَ الْقَوْمُ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَكَانَتْ دَعْوَتُهُمْ إِلَى عَبْدِ الْقَيْسِ، فَلَمَّا جَاءَ الإِسْلَامُ قَالُوا لِعَبْدِ الْقَيْسِ:
قَدْ عَلِمْتُمْ عَدَدَنَا وَعُدَّتَنَا وَعَظِيمَ غِنَائِنَا، فَأَدْخِلُونَا فِيكُمْ وَزَوِّجُونَا، قَالُوا: لا، وَلَكِنْ أَقِيمُوا عَلَى حَالِكُمْ، فَأَنْتُمْ إِخْوَانُنَا وَمَوَالِينَا، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عبد القيس: يا معاشر عَبْدِ الْقَيْسِ، أَطِيعُونِي وَأَلْحِقُوهُمْ، فَإِنَّهُ لَيْسَ عَنْ مِثْلِ هَؤُلَاءِ مَرْغَبٌ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: اما تستحي! أَتَأْمُرُنَا أَنْ نَدْخُلَ فِينَا مَنْ قَدْ عَرَفْتَ أَوَّلَهُ وَأَصْلَهُ! قَالَ: إِنَّكُمْ إِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أَلْحَقَهُمْ غَيْرُكُمْ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: إِذًا لا نَسْتَوْحِشُ لَهُمْ، فَتَفَرَّقَ الْقَوْمُ فِي الْعَرَبِ، وَبَقِيَتْ فِي عَبْدِ الْقَيْسِ مِنْهُمْ بَقِيَّةٌ فَانْتَمَوْا إِلَيْهِمْ، فَلَمْ يَرُدُّوهُمْ عَنْ ذَلِكَ فَلَمَّا أَدْخَلَ الْمُكَعْبَرُ بَنِي تَمِيمٍ الْمُشَقَّرَ قَتَلَ رِجَالَهُمْ وَاسْتَبْقَى الْغِلْمَانَ، وَقَتَلَ يَوْمَئِذٍ قَعْنَبَ الرِّيَاحِيَّ- وَكَانَ فَارِسَ بَنِي يَرْبُوعٍ- قَتَلَهُ رَجُلانِ مِنْ شَنٍّ كَانَا يَنُوبَانِ الْمُلُوكَ، وَجَعَلَ الْغِلْمَانَ فِي السُّفُنِ، فَعَبَرَ بِهِمْ إِلَى فَارِسَ، فَخَصُّوا مِنْهُمْ بَشَرًا قَالَ هُبَيْرَةُ بْنُ حُدَيْرٍ الْعَدَوِيُّ: رَجَعَ إِلَيْنَا بَعْد مَا فُتِحَتْ إصْطَخَرُ عِدَّةٌ مِنْهُمْ، أَحَدُهُمْ خِصْيٌ وَالآخَرُ خِيَاطٌ وَشَدَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، يُقَالُ لَهُ عُبَيْدُ بْنُ وَهْبٍ عَلَى سِلْسِلَةِ الْبَابِ فَقَطَعَهَا وَخَرَجَ، فَقَالَ:

تَذَكَّرْتُ هِنْدًا لاتَ حِينَ تَذَكُّرُ *** تَذَكَّرْتُهَا وَدُونَهَا سَيْرُ أَشْهُرِ
حِجَازِيَّةً عَلَوِيَّةً حَلَّ أَهْلُهَا *** مُصَابَ الْخَرِيف بَيْنَ زَوْرٍ وَمَنْوَرِ
أَلا هَلْ أَتَى قَوْمِي عَلَى النَّأْيِ أَنَّنِي *** حميت ذِمَارِي يَوْمَ بَابِ المُشَقَّرِ
ضَرَبْتُ رِتَاجَ الْبَابِ بِالسَّيْفِ ضَرْبَةً *** تَفَرَّجَ مِنْهَا كُلُّ بَابٍ مُضَبَّرِ

وَكَلَّمَ هَوْذَةُ بْنُ عَلِيٍّ الْمُكَعْبَرَ يَوْمَئِذٍ فِي مِائَةٍ مِنْ أَسْرَى بَنِي تَمِيمٍ، فَوَهَبَهُمْ لَهُ يَوْمَ الْفِصْحِ، فَأَعْتَقَهُمْ، فَفِي ذَلِكَ يَقُولُ الأَعْشَى:

سَائِلْ تَمِيمًا بِهِ أَيَّامَ صَفْقَتِهِمْ *** لَمَّا أَتَوْهُ أُسَارَى كُلُّهُمْ ضَرَعًا
وَسَطَ المُشَقَّرِ فِي غَبْرَاءَ مُظْلِمَةٍ *** لا يَسْتَطِيعُونَ بَعْدَ الضُّرِّ مُنْتَفِعًا
فَقَالَ لِلْمَلِكِ اطْلِقْ مِنْهُمْ مِائَةً *** رُسُلًا مِنَ الْقَوْلِ مَخْفُوضًا وَمَا رَفَعَا
فَفَكَّ عَنْ مِائَةٍ مِنْهُمْ إِسَارَهُمْ *** وَأَصْبَحُوا كُلُّهُمْ مِنْ غُلِّهِ خَلِعًا
بِهِمْ تقرب يوم الفصح ضاحية *** يرجو الإله بما اسدى وما صنعا
فلا يرون بذاكم نعمة سبقت *** إن قَالَ قائلها حقا بها وسعا

يصف بني تميم بالكفر لنعمته.
قَالَ: فلما حضرت وهرز الوفاة- وذلك في آخر ملك انوشروان- دعا بقوسه ونشابته، ثم قَالَ: أجلسوني، فأجلسوه، فرمى وقال: انظروا حيث وقعت نشابتى فاجعلوا ناؤوسى هناك، فوقعت نشابته من وراء الدير، وهي الكنيسة التي عند نعم، وهي تسمى اليوم مقبرة وهرز، فلما بلغ كسرى موت وهرز، بعث الى اليمن اسوارا يقال له وين، وكان جبارا مسرفا، فعزله هرمز بن كسرى، واستعمل مكانه المروزان، فأقام باليمن حتى ولد له بها، وبلغ ولده ثم هلك كسرى انوشروان، وكان ملكه ثمانيا واربعين سنه.