رمضان 9 هـ
كانون الاول 630 م
ذِكْرُ مَا كَانَ مِنَ الْحَوَادِثِ بَعْدَ رُجُوعِهِ عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى الْمَدِينَةِ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ

قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ إِمْلَاءً، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا أبوالبخترى عبد الله بْنِ شَاكِرٍ، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ …

يَحْيَى، حَدَّثَنَا عَم أَبى زخر بْنُ حِصْنٍ، عَنْ جَدِّهِ حُمَيْدِ بْنِ مُنْهِبٍ، قَالَ: سَمِعْتُ جَدِّي خُرَيْمَ بْنَ أَوْسِ بْنِ حَارِثَة ابْن لَامٍ يَقُولُ: هَاجَرْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْصَرَفَهُ مِنْ تَبُوكَ، فَسَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ يَقُولُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَمْتَدِحَكَ.

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قُلْ لَا يَفْضُضِ اللَّهُ فَاكَ» فَقَالَ:

مِنْ قَبْلِهَا طِبْتَ فِي الظِّلَالِ وَفِي مُسْتَوْدَعٍ حَيْثُ يُخْصَفُ الْوَرَقُ
ثُمَّ هَبَطْتَ الْبِلَادَ لَا بَشَرٌ أَنْتَ وَلَا نُطْفَة وَلَا عَلَقُ
بَلْ نُطْفَةٌ تَرْكَبُ السَّفِينَ وَقَدْ أَلْجَمَ نَسْرَا وَأَهْلَهُ الْغَرَقُ
تُنْقَلُ مِنْ صَالِبٍ إِلَى رَحَمٍ إِذَا مَضَى عَالَمٌ بَدَا طَبَقُ
حَتَّى احْتَوَى بَيْتُكَ الْمُهَيْمِنُ مِنْ خِنْدَفَ عَلْيَاءَ تَحْتَهَا النُّطُقُ
وَأَنْتَ لَمَّا وُلِدْتَ أَشْرَقَتِ الْأَرْض فضاءت بِنُورِكَ الْأُفُقُ
فَنَحْنُ فِي ذَلِكَ الضِّيَاءِ وَفِي النُّور وسبل الرشاد نخترق

ثمَّ رَوَاهُ البيهقى من طَرِيق أُخْرَى، عَن أَبى السكن زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى الطَّائِيُّ، وَهُوَ فِي جُزْءٍ لَهُ مَرْوِيٌّ عَنْهُ.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَزَادَ ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذِهِ الْحِيرَةُ الْبَيْضَاءُ رُفِعَتْ لِي، وَهَذِهِ الشَّيْمَاءُ بنت نفيلة الْأَزْدِيَّةُ عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُعْتَجِرَةٍ بِخِمَارٍ أَسْوَدَ» فَقلت: يَا رَسُول اللَّهِ إِنْ نَحْنُ دَخَلْنَا الْحِيرَةَ فَوَجَدْتُهَا كَمَا تَصِفُ فَهِيَ لِي؟ قَالَ: «هِيَ لَكَ».
قَالَ: ثُمَّ كَانَتِ الرِّدَّةُ فَمَا ارْتَدَّ أَحَدٌ مِنْ طَيِّئٍ، وَكُنَّا نُقَاتِلُ مَنْ يَلِينَا مِنَ الْعَرَبِ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَكُنَّا نُقَاتِلُ قَيْسًا وَفِيهَا عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَكُنَّا نُقَاتِلُ بَنِي أَسَدٍ وَفِيهِمْ طَلْحَة ابْن خُوَيْلِدٍ، وَكَانَ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ يَمْدَحُنَا، وَكَانَ فِيمَا قَالَ فِينَا:

جَزَى اللَّهُ عَنَّا طَيِّئًا فِي دِيَارِهَا بِمُعْتَرَكِ الْأَبْطَالِ خَيْرَ جَزَاءِ
هُمْ أَهْلُ رَايَاتِ السَّمَاحَةِ وَالنَّدَى إِذَا مَا الصَّبَا أَلْوَتْ بِكُلِّ خِبَاءِ
هُمْ ضَرَبُوا قَيْسًا عَلَى الدّين بعد مَا أَجَابُوا مُنَادِيَ ظُلْمَةٍ وَعَمَاءِ

قَالَ: ثُمَّ سَارَ خَالِدٌ إِلَى مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ فَسِرْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنْ مُسَيْلِمَةَ أَقْبَلْنَا إِلَى نَاحِيَةِ الْبَصْرَةِ، فَلَقِينَا هُرْمُزَ بِكَاظِمَةَ فِي جَيْشٍ هُوَ أَكْبَرُ من جَمعنَا، وَلم يكن أحد من الْعَجم أَعْدَى لِلْعَرَبِ وَالْإِسْلَامِ مِنْ هُرْمُزَ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ خَالِدٌ وَدَعَاهُ إِلَى الْبِرَازِ فَبَرَزَ لَهُ فَقَتَلَهُ خَالِدٌ، وَكَتَبَ بِخَبَرِهِ إِلَى الصِّدِّيقِ فَنَفَّلَهُ سَلَبَهُ، فَبَلَغَتْ قَلَنْسُوَةُ هُرْمُزَ مِائَةَ أَلْفِ دِرْهَمٍ، وَكَانَتِ الْفُرْسُ إِذَا شَرُفَ فِيهَا الرَّجُلُ جَعَلَتْ قَلَنْسُوَتَهُ بِمِائَة ألف دِرْهَم.
قَالَ: ثمَّ قَفَلْنَا عَلَى طَرِيقِ الطَّفِ إِلَى الْحِيرَةِ، فَأَوَّلُ مَنْ تلقانا حِين دخلناها الشيماء بنت نفيلة كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى بَغْلَةٍ شَهْبَاءَ مُعْتَجِرَةٍ بِخِمَارٍ أَسْوَدَ، فَتَعَلَّقْتُ بِهَا وَقُلْتُ: هَذِهِ وَهَبَهَا لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَدَعَانِي خَالِدٌ عَلَيْهَا بِالْبَيِّنَةِ فَأَتَيْتُهُ بِهَا، وَكَانَتِ الْبَيِّنَةُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَمُحَمَّدَ بْنَ بَشِيرٍ الْأَنْصَارِيَّ، فَسَلَّمَهَا إِلَيَّ.
فَنَزَلَ إِلَيَّ أَخُوهَا عَبْدُ الْمَسِيحِ يُرِيدُ الصُّلْحَ فَقَالَ: بِعْنِيهَا.
فَقُلْتُ: لَا أَنْقُصُهَا وَاللَّهِ عَن عشرَة مِائَةِ دِرْهَمٍ.
فَأَعْطَانِي أَلْفَ دِرْهَمٍ وَسَلَّمْتُهَا إِلَيْهِ، فَقيل لى: لَوْ قُلْتَ مِائَةَ أَلْفٍ لَدَفَعَهَا إِلَيْكَ.
فَقُلْتُ: مَا كُنْتُ أَحْسَبُ أَنَّ عَدَدًا أَكْثَرَ مِنْ عشر مائَة!
قُدُومُ وَفْدِ ثَقِيفٍ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رَمَضَانَ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ تَقَدَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ارْتَحَلَ عَنْ ثَقِيفٍ سُئِلَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ فَدَعَا لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسْلَمَ مَالِكُ بْنُ عَوْفٍ النَّصْرِيُّ أَنْعَمَ عَلَيْهِ وَأَعْطَاهُ وَجَعَلَهُ أَمِيرًا عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، فَكَانَ يَغْزُو بِلَادَ ثَقِيفٍ وَيُضَيِّقُ عَلَيْهِمْ حَتَّى أَلْجَأَهُمْ إِلَى الدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ.
وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ صَخْرِ بْنِ الْعَيْلَةِ الْأَحْمَسِيِّ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ بِثَقِيفٍ حَتَّى أَنْزَلَهُمْ مِنْ حِصْنِهِمْ عَلَى حُكْمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَقْبَلَ بِهِمْ إِلَى الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ بِإِذْنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ مِنْ تَبُوكَ فِي رَمَضَانَ، وَقدم عَلَيْهِ فِي ذَلِك الشَّهْر وَفد من ثَقِيفٍ.
وَكَانَ مِنْ حَدِيثِهِمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا انْصَرَفَ عَنْهُمْ اتَّبَعَ أَثَرَهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ حَتَّى أَدْرَكَهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَأَسْلَمَ وَسَأَلَهُ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى قَوْمِهِ بِالْإِسْلَامِ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ – كَمَا يَتَحَدَّثُ قَوْمُهُ -: «إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ» وَعرف رَسُول الله أَنَّ فِيهِمْ نَخْوَةَ الِامْتِنَاعِ لِلَّذِي كَانَ مِنْهُمْ، فَقَالَ عُرْوَةُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَحَبُّ إِلَيْهِمْ مِنْ أَبْكَارِهِمْ وَكَانَ فِيهِمْ كَذَلِكَ مُحَبَّبًا مُطَاعًا.
فَخرج يَدْعُو قومه إِلَى الاسلام رَجَاء أَلا يُخَالِفُوهُ لِمَنْزِلَتِهِ فِيهِمْ، فَلَمَّا أَشْرَفَ عَلَى عِلِّيَّةٍ لَهُ وَقَدْ دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَأَظْهَرَ لَهُمْ دِينَهُ، رَمَوْهُ بِالنَّبْلِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ.
فَيَزْعُمُ بَنُو مَالِكٍ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ أَوْسُ بْنُ عَوْفٍ أَخُو بنى سَالم بن مَالك وَيَزْعُم الْأَحْلَافُ أَنَّهُ قَتَلَهُ رَجُلٌ مِنْهُمْ مِنْ بَنِي عَتَّابٍ يُقَالُ لَهُ وَهْبُ بْنُ جَابِرٍ، فَقِيلَ لعروة مَا ترى فِي ديتك؟ قَالَ: كَرَامَةٌ أَكْرَمَنِي اللَّهُ بِهَا، وَشَهَادَةٌ سَاقَهَا اللَّهُ إِلَيَّ، فَلَيْسَ فِيَّ إِلَّا مَا فِي الشُّهَدَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ عَنْكُمْ، فَادْفِنُونِي مَعَهُمْ.
فَدَفَنُوهُ مَعَهُمْ.
فَزَعَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِيهِ: «إِنَّ مَثَلَهُ فِي قَوْمِهِ كَمَثَلِ صَاحِبِ يس فِي قَوْمِهِ».
وَهَكَذَا ذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قِصَّةَ عُرْوَةَ، وَلَكِنْ زَعَمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، وَتَابَعَهُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ فِي ذَلِكَ.
وَهَذَا بَعِيدٌ.
وَالصَّحِيحُ أَنَّ ذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ أَبِي بَكْرٍ، كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: ثُمَّ أَقَامَتْ ثَقِيفٌ بَعْدَ قَتْلِ عُرْوَةَ أشهرا، ثمَّ إِنَّهُم ائْتَمرُوا بَينهم رَأَوْا أَنَّهُ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِحَرْبِ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَقَدْ بَايَعُوا وَأَسْلَمُوا.
فَائْتَمَرُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَذَلِكَ عَنْ رَأْيِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ أَخِي بَنِي عِلَاجٍ، فَائْتَمَرُوا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يُرْسِلُوا رَجُلًا مِنْهُمْ، فَأَرْسَلُوا عَبْدَ يَالِيلَ بْنَ عَمْرِو بْنِ عُمَيْرٍ وَمَعَهُ اثْنَانِ مِنَ الْأَحْلَافِ وَثَلَاثَةٌ مِنْ بَنِي مَالِكٍ ; وَهُمْ الْحَكَمُ بْنُ عَمْرِو بْنِ وَهْبِ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ غَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ، وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ، وَأَوْسُ بْنُ عَوْفٍ أَخُو بَنِي سَالِمٍ، وَنُمَيْرُ بْنُ خَرَشَةَ بْنِ رَبِيعَةَ.
وَقَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ كِنَانَةُ بْنُ عَبْدِ يَالِيلَ – وَهُوَ رَئِيسُهُمْ – وَفِيهِمْ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ وَهُوَ أَصْغَرُ الْوَفْدِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ وَنَزَلُوا قَنَاةً ; أَلْفَوُا الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ يَرْعَى فِي نَوْبَتِهِ رِكَابَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَآهُمْ ذَهَبَ يَشْتَدُّ لِيُبَشِّرَ رَسُولَ اللَّهِ بِقُدُومِهِمْ، فَلَقِيَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَأَخْبَرَهُ عَنْ رَكْبِ ثَقِيف أَن قَدِمُوا يُرِيدُونَ الْبَيْعَةَ وَالْإِسْلَامَ بِأَنْ يَشْرِطَ لَهُمْ رَسُول الله شُرُوطًا ويكتبوا كِتَابًا فِي قَوْمِهِمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِلْمُغِيرَةِ: أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ لَا تَسْبِقُنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى أَكُونَ أَنَا أُحَدِّثُهُ.
فَفَعَلَ الْمُغِيرَةُ فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَأَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدُومِهِمْ، ثُمَّ خَرَجَ الْمُغِيرَةُ إِلَى أَصْحَابِهِ فَرَوَّحَ الظَّهْرَ مَعَهُمْ، وَعَلَّمَهُمْ كَيْفَ يُحَيُّونَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يَفْعَلُوا إِلَّا بِتَحِيَّةِ الْجَاهِلِيَّةِ.
وَلَمَّا قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمْ قُبَّةٌ فِي الْمَسْجِدِ، وَكَانَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ هُوَ الَّذِي يَمْشِي بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ، فَكَانَ إِذَا جَاءَهُمْ بِطَعَامٍ مِنْ عِنْدِهِ لَمْ يَأْكُلُوا مِنْهُ حَتَّى يَأْكُلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ قَبْلَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ كِتَابَهُمْ.
قَالَ: وَكَانَ مِمَّا اشْتَرَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ يدع لَهُم الطاغية ثَلَاثَ سِنِينَ، فَمَا بَرِحُوا يَسْأَلُونَهُ سَنَةً سَنَةً وَيَأْبَى عَلَيْهِمْ حَتَّى سَأَلُوهُ شَهْرًا وَاحِدًا بَعْدَ مَقْدَمِهِمْ لِيَتَأَلَّفُوا سُفَهَاءَهُمْ، فَأَبَى عَلَيْهِمْ أَنْ يَدَعَهَا شَيْئًا مُسَمًّى، إِلَّا أَنْ يَبْعَثَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَان بن حَرْب والمغيرة ليهدماها.
وسألوه مَعَ ذَلِك أَلا يصلوا وَألا يَكْسِرُوا أَصْنَامَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ فَقَالَ: «أَمَّا كَسْرُ أَصْنَامِكُمْ بِأَيْدِيكُمْ فَسَنُعْفِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ.وَأَمَّا الصَّلَاةُ فَلَا خَيْرَ فِي دِينٍ لَا صَلَاةَ فِيهِ».
فَقَالُوا: سَنُؤْتِيكَهَا وَإِنْ كَانَتْ دَنَاءَةً.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن مسلمة، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأنزلها الْمَسْجِدَ لِيَكُونَ أَرَقَّ لِقُلُوبِهِمْ، فَاشْتَرَطُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلا يُحْشَرُوا وَلَا يُعْشَرُوا وَلَا يُجَبُّوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ غَيْرُهُمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لكم أَلا تُحْشَرُوا وَلَا تُعْشَرُوا وَلَا يُسْتَعْمَلَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ، وَلَا خير فِي فِي دِينٍ لَا رُكُوعَ فِيهِ».
وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلِّمْنِي الْقُرْآنَ وَاجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ بِهِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا الْحسن بن الصَّباح، حَدثنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ عقيل بن معقل بن مُنَبّه، عَن وهب، سَأَلْتُ جَابِرًا عَنْ شَأْنِ ثَقِيفٍ إِذْ بَايَعَتْ قَالَ: اشْتَرَطَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ لَا صَدَقَةَ عَلَيْهَا وَلَا جِهَادَ، وَأَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ: «سَيَتَصَدَّقُونَ وَيُجَاهِدُونَ إِذَا أَسْلَمُوا».
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا أَسْلَمُوا وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَهُمْ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانَ بْنَ أَبى الْعَاصِ – وَكَانَ من أَحْدَثَهُمْ سِنًّا – لِأَنَّ الصِّدِّيقَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ هَذَا الْغُلَامَ مِنْ أَحْرَصِهِمْ على التفقه فِي الاسلام وَتعلم الْقُرْآن.
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ وَفْدَهُمْ كَانُوا إِذَا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ خَلَّفُوا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي رِحَالِهِمْ، فَإِذَا رَجَعُوا وَسْطَ النَّهَارِ جَاءَ هُوَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ عَن الْعلم واستقرأه الْقُرْآنَ، فَإِنْ وَجَدَهُ نَائِمًا ذَهَبَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَلَمْ يَزَلْ دَأْبُهُ حَتَّى فَقُهَ فِي الْإِسْلَامِ وَأَحَبَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ غليه وَسَلَّمَ حُبًّا شَدِيدًا.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، عَنْ مُطَرِّفِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الشِّخِّيرِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: كَانَ مِنْ آخِرَ مَا عَهِدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِين بعثنى إِلَى ثَقِيف قَالَ: «يَا عُثْمَانُ تَجَوَّزْ فِي الصَّلَاةِ، وَاقْدُرِ النَّاسَ بِأَضْعَفِهِمْ، فَإِنَّ فِيهِمُ الْكَبِيرَ وَالصَّغِيرَ وَالضَّعِيفَ وَذَا الْحَاجَةِ».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا سَعِيدٌ الْجَرِيرِيُّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ، عَنْ مُطَرِّفٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْنِي إِمَامَ قَوْمِي.
قَالَ: «أَنْتَ إِمَامُهُمْ، فَاقْتَدِ بِأَضْعَفِهِمْ وَاتَّخِذْ مُؤَذِّنًا لَا يَأْخُذُ عَلَى أَذَانه أجرا».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ.
وَرَوَاهُ بن مَاجَه عَن أَبى بكر ابْن أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُلَيَّةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ.
كَمَا تَقَدَّمَ.
وَرَوَى أَحْمَدُ عَن عَفَّان، عَن وهب، وَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زَائِدَةَ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي عَاصِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّ آخِرَ مَا فَارَقَهُ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ اسْتَعْمَلَهُ عَلَى الطَّائِفِ أَنْ قَالَ: «إِذَا صَلَّيْتَ بِقَوْمٍ فَخَفِّفْ بِهِمْ»، حَتَّى وَقَّتَ لِي: {ٱقْرَأْ بِٱسْمِ رَبِّكَ ٱلَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]، وَأَشْبَاهِهَا مِنَ الْقُرْآنِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مرّة، سَمِعت سعيد ابْن الْمُسَيَّبِ، قَالَ: حَدَّثَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: آخِرَ مَا عَهِدَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ قَالَ: «إِذَا أَمَمْتَ قَوْمًا فَخَفِّفْ بِهِمُ الصَّلَاةَ».
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُثَنَّى وَبُنْدَارٍ، كِلَاهُمَا عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر، عَن غُنْدَرٍ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزبيرِي، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يعلى الطَّائِفِيُّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَكَمِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ يَقُولُ: اسْتَعْمَلَنِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِف، فَكَانَ آخر مَا عهد إِلَيَّ أَنْ قَالَ: «خَفِّفْ عَنِ النَّاسِ الصَّلَاةَ».
تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنِي مُوسَى – هُوَ ابْنُ طَلْحَةَ – أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَؤُمَّ قَوْمَهُ ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَمَّ قَوْمًا فليخفف بهم، فَإِن فيهم الضَّعِيف وَالْكَبِير وَذَا الْحَاجَةِ، فَإِذَا صَلَّى وَحْدَهُ فَلْيُصَلِّ كَيْفَ شَاءَ».
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ سَالِمٍ، سَمِعْتُ أَشْيَاخًا مِنْ ثَقِيفٍ قَالُوا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم: «أم قَوْمك، وَإِذا أممت قوما فَخفف بِهِمُ الصَّلَاةَ فَإِنَّهُ يَقُومُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَالْكَبِيرُ وَالضَّعِيفُ وَالْمَرِيضُ وَذُو الْحَاجَةِ».
وَقَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الْجَرِيرِيِّ، عَنْ أَبِي الْعَلَاءِ بْنِ الشِّخِّيرِ أَنَّ عُثْمَانَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ حَالَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي.
قَالَ: «ذَاكَ شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ، فَإِذَا أَنْتَ حَسَسْتَهُ فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ ثَلَاثًا» قَالَ فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ الله عَنى.
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِيِّ بِهِ.
وَرَوَى مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ مِنْ طُرُقٍ، عَنْ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ، فَقَالَ لَهُ: «ضَعْ يدك على الذى يألم مِنْ جَسَدِكَ وَقُلْ: بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا، وَقُلْ سَبْعَ مَرَّاتٍ أَعُوذُ بِعِزَّةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ مِنْ شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ».
وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَ اللَّهُ مَا كَانَ بِي، فَلَمْ أَزَلْ آمُرُ بِهِ أَهْلِي وَغَيْرَهُمْ.
وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ مَاجَهْ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، حَدَّثَنِي عُيَيْنَةُ بن عبد الرَّحْمَن – هُوَ ابْن جوشن – حَدَّثَنى أَبى، عَن عُثْمَان ابْن أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: لَمَّا اسْتَعْمَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الطَّائِفِ جَعَلَ يعرض لى شئ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي، فَلَمَّا رَأَيْتُ ذَلِكَ رَحَلْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «ابْنُ أَبِي الْعَاصِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «مَا جَاءَ بِكَ»؟  قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ عرض لى شئ فِي صَلَاتِي حَتَّى مَا أَدْرِي مَا أُصَلِّي.
قَالَ: «ذَاك الشَّيْطَان ادن» فَدَنَوْتُ مِنْهُ فَجَلَسْتُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيَّ، قَالَ: فَضَرَبَ صَدْرِي بِيَدِهِ وَتَفَلَ فِي فَمِي وَقَالَ: «اخْرُج عَدو الله» فعل ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ قَالَ: «الْحَقْ بِعَمَلِكَ».
قَالَ فَقَالَ عُثْمَانُ: فَلَعَمْرِي مَا أَحْسَبُهُ خَالَطَنِي بَعْدُ.
تَفَرَّدَ بِهِ ابْنُ مَاجَهْ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَحَدَّثَنِي عِيسَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَطِيَّةَ بْنِ سُفْيَانَ بْنِ رَبِيعَةَ الثَّقَفِيِّ، عَنْ بَعْضِ وَفْدِهِمْ قَالَ: كَانَ بِلَالٌ يَأْتِينَا حِينَ أَسْلَمْنَا وَصُمْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَقِيَ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ بِفَطُورِنَا وَسَحُورِنَا، فَيَأْتِينَا بالسحور وَإِنَّا لَنَقُولُ: إِنَّا لَنَرَى الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ؟ فَيَقُولُ: قَدْ تَرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَسَحَّرُ لِتَأْخِيرِ السَّحُورِ.
وَيَأْتِينَا بِفِطْرِنَا وَإِنَّا لَنَقُولُ: مَا نَرَى الشَّمْسَ ذَهَبَتْ كُلَّهَا بَعْدُ.
فَيَقُولُ: مَا جِئْتُكُمْ حَتَّى أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ثُمَّ يَضَعُ يَدَهُ فِي الْجَفْنَةِ فَيَلْقَمُ مِنْهَا.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الرَّحْمَن بن يعلى الطَّائِفِي، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَوْسٍ، عَنْ جَدِّهِ أَوْسِ بْنِ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ.
قَالَ: فَنَزَلَتِ الْأَحْلَافُ عَلَى الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ؟ وَأَنْزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي مَالِكٍ فِي قُبَّةٍ لَهُ، كُلَّ لَيْلَةٍ يَأْتِينَا بَعْدَ الْعِشَاءِ يُحَدِّثُنَا قَائِمًا عَلَى رِجْلَيْهِ حَتَّى يُرَاوِحَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ من طول الْقيام، فَأكْثر مَا يحدثنا مالقى مِنْ قَوْمِهِ مِنْ قُرَيْشٍ، ثُمَّ يَقُولُ: «لَا آسى»، وَكُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ مُسْتَذَلِّينَ بِمَكَّةَ، فَلَمَّا خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ كَانَتْ سِجَالُ الْحَرْبِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ نُدَالُ عَلَيْهِمْ وَيُدَالُونَ عَلَيْنَا.
فَلَمَّا كَانَتْ لَيْلَةٌ أَبْطَأَ عَنَّا الْوَقْتِ الَّذِي كَانَ يَأْتِينَا فِيهِ، فَقُلْنَا: لَقَدْ أَبْطَأت علينا اللَّيْلَةَ.
فَقَالَ: «إِنَّهُ طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبِي مِنَ الْقُرْآن فَكرِهت أَن أجئ حَتَّى أُتِمَّهُ».
قَالَ أَوْسٌ: سَأَلْتُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ فَقَالُوا: ثَلَاثٌ، وَخُمْسٌ، وَسَبْعٌ، وَتِسْعٌ، وَإِحْدَى عَشْرَةَ، وَثَلَاثَ عَشْرَةَ، وَحِزْبُ الْمُفَصَّلِ وَحْدَهُ.
لَفْظُ أَبى دَاوُد.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْ أَمْرِهِمْ وَتَوَجَّهُوا إِلَى بِلَادِهِمْ رَاجِعِينَ ; بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهُمْ أَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ وَالْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ فِي هَدْمِ الطَّاغِيَةِ.
فَخَرَجَا مَعَ الْقَوْمِ، حَتَّى إِذَا قَدِمُوا الطَّائِفَ أَرَادَ الْمُغِيرَةُ أَنْ يُقَدِّمَ أَبَا سُفْيَانَ فَأَبَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَبُو سُفْيَانَ وَقَالَ: ادْخُلْ أَنْتَ عَلَى قَوْمِكَ.
وَأَقَامَ أَبُو سُفْيَانَ بِمَالِهِ بذى الْهدم .
فَلَمَّا دَخَلَ الْمُغِيرَةُ عَلَاهَا يَضْرِبُهَا بِالْمِعْوَلِ، وَقَامَ قومه بنى مُعَتِّبٍ دُونَهُ خَشْيَةَ أَنْ يُرْمَى أَوْ يُصَابَ كَمَا أُصِيبَ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ.
قَالَ: وَخَرَجَ نسَاء ثَقِيف حسرا يبْكين عَلَيْهَا وَيَقُلْنَ:

لنبكين دَفَّاعْ أَسْلَمَهَا الرُّضَّاعْ 
لَمْ يُحْسِنُوا الْمِصَاعْ

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَيَقُولُ أَبُو سُفْيَانَ – وَالْمُغِيرَةُ يَضْرِبُهَا بالفأس -: واها لَك! آها لَك.
فَلَمَّا هَدَمَهَا الْمُغِيرَةُ وَأَخَذَ مَالَهَا وَحُلِيَّهَا أَرْسَلَ إِلَى أَبى سُفْيَان، فَقَالَ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَمَرَنَا أَنْ نَقْضِيَ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ وَأَخِيهِ الْأَسْوَدِ بْنِ مَسْعُودٍ وَالِدِ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ دَيْنَهُمَا مِنْ مَالِ الطَّاغِيَةِ.
فَقَضَى ذَلِكَ عَنْهُمَا.
قُلْتُ: كَانَ الْأَسْوَدُ قَدْ مَاتَ مُشْرِكًا، وَلَكِنْ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ تَأْلِيفًا وَإِكْرَامًا لِوَلَدِهِ قَارِبِ بْنِ الْأَسْوَدِ رَضِيَ الله عَنهُ.
وَذَكَرَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ أَنَّ وَفْدَ ثَقِيفٍ كَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَلَمَّا قَدِمُوا
أَنْزَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ الْمَسْجِدَ لِيَسْمَعُوا الْقُرْآنَ، فَسَأَلُوهُ عَنِ الرِّبَا وَالزِّنَا وَالْخَمْرِ، فَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ كُلَّهُ.
فَسَأَلُوهُ عَنِ الرَّبَّةِ مَا هُوَ صَانِعٌ بِهَا؟ قَالَ: «اهْدِمُوهَا».
قَالُوا: هَيْهَاتَ! لَوْ تَعْلَمُ الرَّبَّةُ أَنَّكَ تُرِيدُ أَنْ تَهْدِمَهَا قَتَلَتْ أَهْلَهَا.
فَقَالَ عمر بن الْخطاب: وَيحك يَابْنَ عَبْدِ يَالِيلَ مَا أَجْهَلَكَ! إِنَّمَا الرَّبَّةُ حَجَرٌ.
فَقَالُوا: إِنَّا لم نأتك يَابْنَ الْخَطَّابِ.
ثُمَّ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَوَلَّ أَنْتَ هَدْمَهَا، أَمَّا نَحْنُ فَإِنَّا لَنْ نَهْدِمَهَا أَبَدًا.
فَقَالَ: «سَأَبْعَثُ إِلَيْكُمْ مَنْ يَكْفِيكُمْ هَدْمَهَا».
فَكَاتَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ، وَاسْتَأْذَنُوهُ أَنْ يَسْبِقُوا رُسُلَهُ إِلَيْهِمْ، فَلَمَّا جَاءُوا قَوْمَهُمْ تَلَقَّوْهُمْ فَسَأَلُوهُمْ: مَا وَرَاءَكُمْ؟ فَأَظْهَرُوا الْحُزْنَ وَأَنَّهُمْ إِنَّمَا جَاءُوا مِنْ عِنْدِ رَجُلٍ فَظٍّ غَلِيظٍ قَدْ ظَهَرَ بِالسَّيْفِ، يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ، وَقَدْ دَوَّخَ الْعَرَبَ، قَدْ حَرَّمَ الرِّبَا وَالزِّنَا وَالْخَمْرَ، وَأَمَرَ بِهَدْمِ الرَّبَّةِ.
فَنَفَرَتْ ثَقِيفٌ وَقَالُوا: لَا نُطِيعُ لِهَذَا أَبَدًا.
قَالَ: فتأهبوا لِلْقِتَالِ وَأَعِدُّوا السِّلَاحَ، فَمَكَثُوا عَلَى ذَلِكَ يَوْمَيْنِ – أَوْ ثَلَاثَةً – ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، فَرَجَعُوا وَأَنَابُوا وَقَالُوا: ارْجِعُوا إِلَيْهِ فَشَارِطُوهُ عَلَى ذَلِكَ وَصَالِحُوهُ عَلَيْهِ.
قَالُوا: فَإِنَّا قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النَّاسِ وَأَوْفَاهُمْ وَأَرْحَمَهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ، وَقَدْ بُورِكَ لَنَا وَلَكُمْ فِي مَسِيرِنَا إِلَيْهِ وَفِيمَا قَاضَيْنَاهُ عَلَيْهِ، فَافْهَمُوا مَا فِي الْقَضِيَّةِ وَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ.
قَالُوا: فَلِمَ كَتَمْتُمُونَا هَذَا أَوَّلًا؟ قَالُوا: أَرَدْنَا أَنْ يَنْزِعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ نَخْوَةَ الشَّيْطَانِ.
فَأَسْلَمُوا مَكَانَهُمْ.
وَمَكَثُوا أَيَّامًا ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِمْ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَفِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَعَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ وَقَدِ اسْتَكَفَّتْ ثَقِيفٌ رِجَالُهَا وَنِسَاؤُهَا وَالصِّبْيَانُ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنِ الْحِجَالِ، وَلَا يَرَى عَامَّةُ ثَقِيفٍ أَنَّهَا مَهْدُومَةٌ وَيَظُنُّونَ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ.
فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَأَخَذَ الْكِرْزِينَ – يَعْنِي الْمِعْوَلَ – وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاللَّهِ لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيفٍ.
فَضَرَبَ بِالْكِرْزِينِ ثُمَّ سَقَطَ يَرْكُضُ بِرِجْلِهِ، فَارْتَجَّ أَهْلُ الطَّائِفِ بِصَيْحَةٍ وَاحِدَةٍ وَفَرِحُوا وَقَالُوا: أَبْعَدَ اللَّهُ الْمُغِيرَةَ قَتَلَتْهُ الرَّبَّةُ! وَقَالُوا لِأُولَئِكَ: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَقْتَرِبْ.
فَقَامَ الْمُغِيرَةُ فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ ثَقِيفٍ إِنَّمَا هِيَ لَكَاعِ حِجَارَةٌ وَمَدَرٌ، فَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ وَاعْبُدُوهُ.
ثُمَّ إِنَّهُ ضَرَبَ الْبَابَ فَكَسَرَهُ.
ثُمَّ عَلَا سُورَهَا وَعَلَا الرِّجَالُ مَعَهُ، فَمَا زَالُوا يَهْدِمُونَهَا حَجَرًا حَجَرًا حَتَّى سَوَّوْهَا بِالْأَرْضِ.
وَجَعَلَ سَادِنُهَا يَقُولُ: لَيَغْضَبَنَّ الْأَسَاسُ فَلَيَخْسِفَنَّ بِهِمْ.
فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ الْمُغِيرَةُ قَالَ لِخَالِدٍ: دَعْنِي أَحْفِرْ أَسَاسَهَا.
فَحَفَرُوهُ حَتَّى أَخْرَجُوا تُرَابَهَا وَجَمَعُوا مَاءَهَا وَبِنَاءَهَا.
وَبُهِتَتْ عِنْدَ ذَلِكَ ثَقِيفٌ.
ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَسَمَ أَمْوَالَهَا مِنْ يَوْمِهِ، وَحَمِدُوا اللَّهَ تَعَالَى على إعزاز دِينِهِ وَنُصْرَةِ رَسُولِهِ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَكَانَ كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي كَتَبَ لَهُمْ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ. إِنَّ عِضَاةَ وَجٍّ وَصَيْدَهُ لَا يُعْضَدُ، مَنْ وَجَدَ يَفْعَلُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُجْلَدُ وَتُنْزَعُ ثِيَابُهُ، وَإِنْ تَعَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ فَيبلغ بِهِ النَّبِي مُحَمَّد، وَإِنَّ هَذَا أَمْرُ النَّبِيِّ مُحَمَّدٍ».
وَكَتَبَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ بِأَمْرِ الرَّسُولِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَا يَتَعَدَّهُ أَحَدٌ فَيَظْلِمَ نَفْسَهُ فِيمَا أَمر بِهِ مُحَمَّد رَسُول الله.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ – مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ مَخْزُومِيٌّ – حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِنْسَانَ – وَأَثْنَى عَلَيْهِ خَيْرًا – عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزبير، قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لِيَةَ حَتَّى إِذَا كُنَّا عِنْدَ السِّدْرَةِ وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طرف الْقرن حذوها، فَاسْتقْبل محبسا ببصره – يعْنى وَاديا – ووقف حَتَّى اتّفق النَّاسُ كُلُّهُمْ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ صَيْدَ وَجٍّ وَعِضَاهَهُ حَرَمٌ مُحَرَّمٌ لِلَّهِ» وَذَلِكَ قَبْلَ نُزُولِهِ الطَّائِفَ وَحِصَارِهِ ثَقِيفًا.
وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ إِنْسَانَ الطَّائِفِيِّ، وَقَدْ ذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي ثِقَاتِهِ.
وَقَالَ ابْنُ مَعِينٍ: لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ.
وَتكلم فِيهِ بَعْضُهُمْ.
وَقَدْ ضَعَّفَ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَصَحَّحَهُ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ بِمُقْتَضَاهُ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.