36 هـ
656 م
ذِكْرُ الْخَبَرِ عَنْ مَسِيرِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ نَحْوَ الْبَصْرَةِ

مِمَّا كتب به الى السرى، أَنَّ شُعَيْبًا حَدَّثَهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَيْفٌ، عَنْ عُبَيْدَةَ بْنِ مُعَتِّبٍ،عَنْ يَزِيدَ الضَّخْمِ، قَالَ: لَمَّا أَتَى عَلِيًّا الْخَبَرُ وَهُوَ بِالْمَدِينَةِ …

بِأَمْرِ عَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ أَنَّهُمْ قَدْ تَوَجَّهُوا نَحْوَ الْعِرَاقِ، خَرَجَ يُبَادِرُ وَهُوَ يَرْجُو أَنْ يُدْرِكَهُمْ وَيَرُدَّهُمْ، فَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الرَّبَذَةِ أَتَاهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَدْ أُمْعِنُوا، فَأَقَامَ بِالرَّبَذَةِ أَيَّامًا، وَأَتَاهُ عَنِ الْقَوْمِ أَنَّهُمْ يُرِيدُونَ الْبَصْرَةَ، فَسُرِّيَ بِذَلِكَ عَنْهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْكُوفَةِ أَشَدُّ إِلَيَّ حبا، وفيهم رؤوس الْعَرَبِ وَأَعْلامُهُمْ فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي قَدِ اخْتَرْتُكُمْ عَلَى الأَمْصَارِ وَإِنِّي بِالأَثَرَةِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حدثنا أبو الحسن، عن بشير بن عاصم، عن محمد ابن عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَتَبَ عَلِيٌّ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي اخْتَرْتُكُمْ وَالنُّزُولَ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ لِمَا أَعْرِفُ مِنْ مَوَدَّتِكُمْ وحبكم لله عز وجل ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فَمَنْ جَاءَنِي وَنَصَرَنِي فَقَدْ أَجَابَ الْحَقَّ وَقَضَى الَّذِي عَلَيْهِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ قَالَ: حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى، عَنْ طلحه بن الأعلم وبشر بن عاصم، عن ابن أبي ليلى، عن أَبِيهِ، قَالَ: بَعَثَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ إِلَى الْكُوفَةِ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَوْنٍ، فَجَاءَ النَّاسُ إِلَى أَبِي مُوسَى يَسْتَشِيرُونَهُ فِي الْخُرُوجِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَّا سَبِيلُ الآخِرَةِ فَأَنْ تُقِيمُوا، وَأَمَّا سَبِيلُ الدُّنْيَا فَأَنْ تَخْرُجُوا، وَأَنْتُمْ أَعْلَمُ وَبَلَغَ الْمُحَمَّدَيْنِ قَوْلُ أَبِي مُوسَى، فَبَايَنَاهُ وَأَغْلَظَا لَهُ، فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ بَيْعَةَ عُثْمَانَ فِي عُنُقِي وَعُنُقِ صَاحِبِكُمَا الَّذِي أَرْسَلَكُمَا، إِنْ أَرَدْنَا أَنْ نُقَاتِلَ لا نُقَاتِلْ حَتَّى لا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ إِلا قُتِلَ حَيْثُ كَانَ وَخَرَجَ عَلِيٌّ مِنَ الْمَدِينَةِ فِي آخِرِ شَهْرِ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ، فَقَالَتْ أُخْتُ عَلِيِّ بْنِ عدى من بنى عبد العزى ابن عبد شمس:

لاهم فَاعْقِرْ بِعَلِيٍّ جَمَلَهْ *** وَلا تُبَارِكْ فِي بَعِيرٍ حَمَلَهْ
أَلا عَلِيُّ بْنُ عَدِيٍّ لَيْسَ لَهْ

حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، عن ابى مخنف، عن نمير ابن وَعْلَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَ عَلِيٌّ بالربذة اتته جماعه من طيّئ، فقيل لعلى: هذه جماعه من طيّئ قَدْ أَتَتْكَ، مِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ الْخُرُوجَ مَعَكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُرِيدُ التَّسْلِيمَ عَلَيْكَ، قَالَ: جَزَى اللَّهُ كُلا خَيْرًا {وَفَضَّلَ ٱللَّهُ ٱلْمُجَٰهِدِينَ عَلَى ٱلْقَٰعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً} [النساء: 95] ثُمَّ دَخَلُوا عَلَيْهِ [فَقَالَ عَلِيٌّ: مَا شَهِدْتُمُونَا بِهِ؟ قَالُوا: شَهِدْنَاكَ بِكُلِّ مَا تُحِبُّ، قَالَ: جَزَاكُمُ اللَّهُ خَيْرًا! فَقَدْ أَسْلَمْتُمْ طَائِعِينَ وَقَاتَلْتُمُ الْمُرْتَدِّينَ وَوَافَيْتُمْ بِصَدَقَاتِكُمُ الْمُسْلِمِينَ] فَنَهَضَ سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدٍ الطَّائِيُّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يُعَبِّرُ لِسَانُهُ عَمَّا فِي قَلْبِهِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا كُلُّ مَا أَجِدُ فِي قَلْبِي يُعَبِّرُ عَنْهُ لِسَانِي وَسَأَجْهَدُ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ، أَمَّا أَنَا فَسَأَنْصَحُ لَكَ فِي السِّرِّ وَالعَلانِيَةِ وَأُقَاتِلُ عَدُوَّكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَأَرَى لَكَ مِنَ الْحَقِّ مَا لا أَرَاهُ لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ زَمَانِكَ لِفَضْلِكَ وَقَرَابَتِكَ قَالَ: رَحِمَكَ اللَّهُ! قَدْ أَدَّى لِسَانُكَ عَمَّا يَجُنُّ ضَمِيرُكَ فَقُتِلَ مَعَهُ بِصِفِّينَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وَطَلْحَةَ، قَالا: لَمَّا قَدِمَ عَلِيٌّ الرَّبَذَةَ أَقَامَ بِهَا وَسَرَّحَ مِنْهَا إِلَى الْكُوفَةِ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَمُحَمَّدَ بْنَ جَعْفَرٍ، وَكَتَبَ إِلَيْهِمْ: إِنِّي اخْتَرْتُكُمْ عَلَى الأَمْصَارِ وَفَزِعْتُ إِلَيْكُمْ لِمَا حَدَثَ، فَكُونُوا لِدِينِ اللَّهِ أَعْوَانًا وَأَنْصَارًا، وَأَيِّدُونَا وَانْهَضُوا إِلَيْنَا فَالإِصْلاحُ مَا نُرِيدُ، لِتَعُودَ الأُمَّةُ إِخْوَانًا، وَمَنْ أَحَبَّ ذَلِكَ وَآثَرَهُ فَقَدْ أَحَبَّ الْحَقَّ وَآثَرَهُ، وَمَنْ أَبْغَضَ ذَلِكَ فَقَدْ أَبْغَضَ الْحَقَّ وَغَمَصَهُ.
فَمَضَى الرَّجُلانِ وَبَقِيَ عَلِيٌّ بِالرَّبَذَةِ يَتَهَيَّأُ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلَحِقَهُ مَا أَرَادَ مِنْ دَابَّةٍ وَسِلاحٍ، وأمر أَمْرَهُ وَقَامَ فِي النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَعَزَّنَا بِالإِسْلامِ وَرَفَعَنَا بِهِ وَجَعَلَنَا بِهِ إِخْوَانًا بَعْدَ ذِلَّةٍ وَقِلَّةٍ وَتَبَاغُضٍ وَتَبَاعُدٍ، فَجَرَى النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ مَا شَاءَ اللَّهُ، الإِسْلامُ دِينُهُمْ وَالْحَقُّ فِيهِمْ وَالْكِتَابُ إِمَامُهُمْ، حَتَّى أُصِيبَ هَذَا الرَّجُلُ بِأَيْدِي هَؤُلاءِ الْقَوْمِ الَّذِينَ نَزَغَهُمُ الشَّيْطَانُ لِيَنْزَغَ بَيْنَ هَذِهِ الأُمَّةِ، أَلا إِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ لا بُدَّ مُفْتَرِقَةٌ كَمَا افْتَرَقَتِ الأُمَمُّ قَبْلَهُمْ، فَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّ مَا هُوَ كَائِنٌ ثُمَّ عَادَ ثَانِيَةً، فَقَالَ: إِنَّهُ لا بُدَّ مِمَّا هُوَ كَائِنٌ أَنْ يَكُونَ، أَلا وَإِنَّ هَذِهِ الأُمَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً، شَرُّهَا فِرْقَةٌ تَنْتَحِلُنِي وَلا تَعْمَلُ بِعَمَلِي، فَقَدْ أَدْرَكْتُمْ وَرَأَيْتُمْ فَالْزَمُوا دِينَكُمْ وَاهْدُوا بِهَدْيِ نبيكم ص، وَاتَّبِعُوا سُنَّتَهُ، وَاعْرِضُوا مَا أُشْكِلَ عَلَيْكُمْ عَلَى الْقُرْآنِ، فَمَا عَرَّفَهُ الْقُرْآنُ فَالْزَمُوهُ وَمَا أَنْكَرَهُ فَرُدُّوهُ، وَارْضَوْا بِاللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ رَبًّا وَبِالإِسْلامِ دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نَبِيًّا، وَبِالْقُرْآنِ حَكَمًا وَإِمَامًا.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قَالا: لَمَّا أَرَادَ عَلِيٌّ الْخُرُوجَ مِنَ الرَّبَذَةِ إِلَى الْبَصْرَةِ قَامَ إِلَيْهِ ابْنٌ لِرِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبُ بِنَا؟ فَقَالَ: أَمَّا الَّذِي نُرِيدُ وَنَنْوِي فَالإِصْلاحَ، إِنْ قَبِلُوا مِنَّا واجابونا اليه، قال: فان لم يجيبوا إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَدَعُهُمْ بِعُذْرِهِمْ وَنُعْطِيهِمُ الْحَقَّ وَنَصْبِرُ، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا؟ قَالَ: نَدَعُهُمْ مَا تَرَكُونَا، قَالَ: فَإِنْ لَمْ يَتْرُكُونَا؟ قَالَ: امْتَنَعْنَا مِنْهُمْ، قَالَ: فَنَعَمْ إِذًا وَقَامَ الْحَجَّاجُ بْنُ غَزِيَّةَ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: لأُرْضِيَنَّكَ بِالْفِعْلِ كَمَا أَرْضَيْتَنِي بِالْقَوْلِ وَقَالَ:

دِرَاكَهَا دِرَاكَهَا قَبْلَ الْفَوْت *** وَانْفُرْ بِنَا وَاسْمُ بِنَا نَحْوَ الصَّوْت
لا وَأَلَتْ نَفْسِي إِنْ هِبْتُ الْمَوْت.

وَاللَّهِ لأَنْصُرَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ كَمَا سَمَّانَا أَنْصَارًا فَخَرَجَ أَمِيرُ المؤمنين وعلى مُقَدِّمَتِهِ أَبُو لَيْلَى بْنُ عُمَرَ بْنِ الْجَرَّاحِ، والراية مع محمد بن الْحَنَفِيَّةِ، وَعَلَى الْمَيْمَنَةِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَلَى الْمَيْسَرَةِ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ أَوْ عَمْرُو بْنُ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ الأَسَدِ، وَخَرَجَ على وهو في سبعمائة وَسِتِّينَ، وَرَاجِزُ عَلِيٍّ يَرْجُزُ بِهِ:

سِيرُوا أَبَابِيلَ وَحُثُّوا السَّيْرَا *** إِذْ عُزِمَ السَّيْرُ وَقُولُوا خَيْرًا
حَتَّى يُلاقُوا وَتُلاقُوا خَيْرًا ***  نَغْزُو بِهَا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَا

وَهُوَ أَمَامَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَأَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ عَلَى نَاقَةٍ لَهُ حَمْرَاءَ يَقُودُ فَرَسًا كُمَيْتًا فَتَلَقَّاهُمْ بِفَيْدَ غُلامٌ مِنْ بَنِي سَعْدِ بْنِ ثَعْلَبَةَ بْنِ عَامِرٍ يُدْعَى مُرَّةَ، فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاءِ؟ فَقِيلَ: أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَقَالَ: سُفْرَةٌ فَانِيَةٌ فِيهَا دِمَاءٌ مِنْ نُفُوسٍ فَانِيَةٍ، فَسَمِعَهَا عَلِيٌّ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مُرَّةُ، قال: امر الله عيشك، كاهن سائر اليوم؟ قَالَ: بَلْ عَائِفٌ، فَلَمَّا نَزَلَ بِفَيْدَ أَتَتْهُ اسد وطيّئ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ أَنْفُسَهُمْ، فَقَالَ: الْزَمُوا قَرَارَكُمْ، فِي الْمُهَاجِرِينَ كِفَايَةٌ. وَقَدِمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ فَيْدَ قَبْلَ خُرُوجِ عَلِيٍّ فَقَالَ: مَنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ: عَامِرُ بْنُ مَطَرٍ، قَالَ: اللَّيْثِيُّ؟ قَالَ الشَّيْبَانِيُّ: قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمَّا وَرَاءَكَ، قَالَ: فَأَخْبَرَهُ حَتَّى سَأَلَهُ عَنْ أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: إِنْ أَرَدْتَ الصُّلْحَ فَأَبُو مُوسَى صَاحِبُ ذَلِكَ، وَإِنْ أَرَدْتَ الْقِتَالَ فَأَبُو مُوسَى لَيْسَ بِصَاحِبِ ذَلِكَ، قَالَ: وَاللَّهِ مَا أُرِيدُ إِلا الإِصْلاحَ حَتَّى يُرَدَّ عَلَيْنَا، قَالَ: قَدْ أَخْبَرْتُكَ الْخَبَرَ، وَسَكَتَ وَسَكَتَ عَلِيٌّ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن عمير، عن محمد بن الْحَنَفِيَّةِ، قَالَ: قَدِمَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ عَلَى عَلِيٍّ بِالرَّبَذَةِ وَقَدْ نَتَفُوا شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ وَحَاجِبَيْهِ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، بَعَثْتَنِي ذَا لِحْيَةٍ وَجِئْتُكَ أَمْرَدَ، قَالَ: أَصَبْتَ أَجْرًا وَخَيْرًا، إِنَّ النَّاسَ وَلِيَهُمْ قَبْلِي رَجُلانِ، فَعَمِلا بِالْكِتَابِ، ثُمَّ وَلِيَهُمْ ثَالِثٌ، فَقَالُوا وَفَعَلُوا، ثُمَّ بَايَعُونِي، وَبَايَعَنِي طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ، ثُمَّ نَكَثَا بَيْعَتِي، وَأَلَّبَا النَّاسَ عَلَيَّ، وَمِنَ الْعَجَبِ انْقِيَادُهُمَا لأَبِي بَكْرٍ وعمر وَخِلافُهُمَا عَلَيَّ، وَاللَّهِ إِنَّهُمَا لَيَعْلَمَانِ أَنِّي لَسْتُ بِدُونِ رَجُل مِمَّنْ قَدْ مَضَى، اللَّهُمَّ فَاحْلُلْ مَا عَقَدَا، وَلا تُبْرِمْ مَا قَدْ أَحْكَمَا فِي أَنْفُسِهِمَا وَأَرِهِمَا الْمَسَاءَةَ فِيمَا قَدْ عَمِلا.
كتب إلي السري عن شعيب، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ، قَالا:
وَلَمَّا نَزَلَ عَلِيٌّ الثَّعْلَبِيَّةَ أَتَاهُ الَّذِي لَقِيَ عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ وَحَرَسَهُ، فَقَامَ وَأَخْبَرَ الْقَوْمَ الْخَبَرَ، وَقَالَ: اللَّهُمَّ عَافِنِي مِمَّا ابْتَلَيْتَ بِهِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ مِنْ قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ، وَسَلِّمْنَا مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَلَمَّا انْتَهَى إِلَى الإِسَادِ أَتَاهُ مَا لَقِيَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ وَقَتَلَةُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، [فَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، مَا يُنْجِينِي مِنْ طلحه والزبير إذ أصابا ثَأْرَهُمَا أَوْ يُنْجِيهِمَا! وَقَرَأَ: {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي ٱلأَرْضِ وَلاَ فِيۤ أَنفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَٰبٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} [الحديد: 22] وَقَالَ:

دَعَا حَكِيمٌ دَعْوَةَ الزِّمَاعِ *** حَلَّ بِهَا مَنْزِلَةَ النزاعِ

وَلَمَّا انْتَهَوْا إِلَى ذِي قَارٍ انْتَهَى إِلَيْهِ فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَلَيْسَ فِي وَجْهِهِ شَعْرٌ، فَلَمَّا رَآهُ عَلِيٌّ نَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: انْطَلَقَ هَذَا مِنْ عِنْدِنَا وَهُوَ شَيْخٌ، فَرَجَعَ إِلَيْنَا وَهُوَ شَابٌّ فَلَمْ يَزَلْ بِذِي قَارٍ يَتَلَوَّمُ مُحَمَّدًا وَمُحَمَّدًا، وَأَتَاهُ الْخَبَرُ بِمَا لَقِيَتْ رَبِيعَةُ وَخُرُوجِ عَبْدِ الْقَيْسِ وَنُزُولِهِمْ بِالطَّرِيقِ، فَقَالَ: عَبْدُ الْقَيْسِ خَيْرُ رَبِيعَةَ، فِي كُلِّ رَبِيعَةَ خَيْرٌ وَقَالَ:

يَا لَهْفَ نَفْسِي عَلَى رَبِيعَةْ *** رَبِيعَةَ السَّامِعَةِ الْمُطِيعَةْ
قَدْ سَبَقَتْنِي فِيهِمُ الْوَقِيعَةْ *** دَعَا عَلِيٌّ دَعْوَةً سَمِيعَةْ
حُلُّوا بِهَا الْمَنْزِلَةَ الرَّفِيعَةْ.

قَالَ: وَعُرِضَتْ عَلَيْهِ بَكْرُ بْنُ وَائِلٍ، فَقَالَ لَهُمْ مِثْلَ مَا قال لطيئ وَأَسَدٍ.
وَلَمَّا قَدِمَ مُحَمَّدٌ وَمُحَمَّدٌ عَلَى الْكُوفَةِ وَأَتَيَا أَبَا مُوسَى بِكِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَامَا في الناس بامره، لم يُجَابَا إِلَى شَيْءٍ، فَلَمَّا أَمْسَوْا دَخَلَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْحِجَى عَلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالُوا: مَا تَرَى فِي الْخُرُوجِ؟ فَقَالَ: كَانَ الرَّأْيُ بِالأَمْسِ لَيْسَ بِالْيَوْمِ، إِنَّ الَّذِي تَهَاوَنْتُمْ بِهِ فِيمَا مَضَى هُوَ الَّذِي جَرَّ عَلَيْكُمْ مَا تَرَوْنَ، وَمَا بَقِيَ إِنَّمَا هُمَا أَمْرَانِ: الْقُعُودُ سَبِيلُ الآخِرَةِ وَالْخُرُوجُ سَبِيلُ الدُّنْيَا، فَاخْتَارُوا فَلَمْ يَنْفِرْ إِلَيْهِ أَحَدٌ، فَغَضِبَ الرَّجُلانِ وَأَغْلَظَا لأَبِي موسى، فقال أَبُو مُوسَى: وَاللَّهِ إِنَّ بَيْعَةَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَفِي عُنُقِي وَعُنُقِ صَاحِبِكُمَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ قِتَالٍ لا نُقَاتِلُ أَحَدًا حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ حَيْثُ كَانُوا فَانْطَلَقَا إِلَى عَلِيٍّ فَوَافَيَاهُ بِذِي قَارٍ وَأَخْبَرَاهُ الْخَبَرَ، وَقَدْ خَرَجَ مَعَ الأَشْتَرِ وَقَدْ كَانَ يُعَجِّلُ إِلَى الْكُوفَةِ، فَقَالَ عَلِيٌّ: يَا أَشْتَرُ، أَنْتَ صَاحِبُنَا فِي أَبِي مُوسَى وَالْمُعْتَرِضُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، اذْهَبْ أَنْتَ وَعَبْدُ اللَّهَ بْنُ عَبَّاسٍ فَأَصْلِحْ مَا أَفْسَدْتَ.
فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ وَمَعَهُ الأَشْتَرُ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ وَكَلَّمَا أَبَا مُوسَى وَاسْتَعَانَا عَلَيْهِ بِأُنَاسٍ مِنَ الْكُوفَةِ، فَقَالَ لِلْكُوفِيِّينَ: أَنَا صَاحِبُكُمْ يَوْمَ الْجَرَعَةِ وَأَنَا صَاحِبُكُمُ الْيَوْمَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ وَقَالَ: يا ايها النَّاسُ، أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ فِي الْمَوَاطِنِ أَعْلَمُ بِاللَّهِ جل وعز وبرسوله صلى الله عليه وسلم مِمَّنْ لَمْ يَصْحَبْهُ، وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْنَا حَقًّا فَأنَا مُؤَدِّيهِ إِلَيْكُمْ.
كَانَ الرَّأْيُ أَلا تَسْتَخِفُّوا بِسُلْطَانِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلا تَجْتَرِئُوا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَكَانَ الرَّأْيُ الثَّانِي أَنْ تَأْخُذُوا مَنْ قَدِمَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَتَرُدُّوهُمْ إِلَيْهَا حَتَّى يَجْتَمِعُوا، وَهُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ تَصْلُحُ لَهُ الإِمَامَةُ مِنْكُمْ، وَلا تُكَلَّفُوا الدَّخُولَ فِي هذا، فاما إذ كَانَ مَا كَانَ فَإِنَّهَا فِتْنَةٌ صَمَّاءُ، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْيَقْظَانِ، وَالْيَقْظَانُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، فَكُونُوا جُرْثُومَةً مِنْ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ، فَاغْمِدُوا السُّيُوفَ، وَانْصِلُوا الأَسِنَّةَ، وَاقْطَعُوا الأَوْتَارَ، وَآوُوا الْمَظْلُومَ وَالْمُضْطَهَدَ حَتَّى يَلْتَئِمَ هَذَا الأَمْرُ، وَتَنْجَلِي هَذِهِ الْفِتْنَةُ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وَلَمَّا رَجَعَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِلَى عَلِيٍّ بِالْخَبَرِ دَعَا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ فَأَرْسَلَهُ، فَأَرْسَلَ مَعَهُ عَمَّارَ بْنَ يَاسِرٍ، فَقَالَ لَهُ: انْطَلِقْ فَأَصْلِحْ مَا أَفْسَدْتَ، فَأَقْبَلا حَتَّى دَخَلا الْمَسْجِدَ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنْ أَتَاهُمَا مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِمَا، وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَّارٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، عَلامَ قَتَلْتُمْ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ؟ قَالَ: عَلَى شَتْمِ أَعْرَاضِنَا وَضَرْبِ أَبْشَارِنَا! فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا عَاقَبْتُمْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَكَانَ خَيْرًا لِلصَّابِرِينَ فَخَرَجَ أَبُو مُوسَى، فَلَقِيَ الْحَسَنَ فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، وَأَقْبَلَ عَلَى عَمَّارٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، أَعَدَوْتَ فِيمَنْ عَدَا عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَحْلَلْتَ نَفْسَكَ مَعَ الْفُجَّارِ! فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، وَلَمْ تسوؤنى؟ [وَقَطَعَ عَلَيْهِمَا الْحَسَنُ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، لِمَ تُثَبِّطِ النَّاسَ عنا! فو الله مَا أَرَدْنَا إِلا الإِصْلاحَ، وَلا مِثْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ يَخَافُ عَلَى شَيْءٍ] فَقَالَ: صَدَقْتَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! وَلَكِنَّ الْمُسْتَشَارَ مُؤْتَمَنٌ، سَمِعْتُ رَسُولَ الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتْنَةٌ، الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي خير من الراكب» قد جَعَلَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِخْوَانًا، وَحَرَّمَ عَلَيْنَا أموالنا ودماءنا، وقال: {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ} [النساء: 29]، {وَلاَ تَقْتُلُوۤاْ أَنْفُسَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً} [النساء : 29] وَقَالَ جَلَّ وَعَزَّ: {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93].
فغضب عمار وساءه وقام وقال: يا ايها النَّاسُ، إِنَّمَا قَالَ لَهُ خَاصَّةً: أَنْتَ فِيهَا قَاعِدًا خَيْرٌ مِنْكَ قَائِمًا وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَقَالَ لِعَمَّارٍ: اسْكُتْ أَيُّهَا الْعَبْدُ، أَنْتَ أَمْسِ مَعَ الْغَوْغَاءِ وَالْيَوْمَ تُسَافِهُ أَمِيرَنَا، وَثَارَ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَطَبَقَتُهُ وَثَارَ النَّاسُ، وَجَعَلَ أَبُو مُوسَى يُكَفْكِفُ النَّاسَ، ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى أَتَى الْمِنْبَرَ، وَسَكَنَ النَّاسُ، وَأَقْبَلَ زَيْدٌ عَلَى حِمَارٍ حَتَّى وَقَفَ بِبَابِ الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ الْكِتَابَانِ مِنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَيْهِ وَإِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ، وَقَدْ كَانَ طَلَبَ كِتَابَ الْعَامَّةِ فَضَمَّهُ إِلَى كِتَابِهِ، فَأَقْبَلَ بِهِمَا وَمَعَهُ كِتَابُ الْخَاصَّةِ وَكِتَابُ الْعَامَّةِ: أَمَّا بَعْدُ، فَثَبِّطُوا أَيُّهَا النَّاسُ وَاجْلِسُوا فِي بُيُوتِكُمْ إِلا عَنْ قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه.
فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الْكِتَابِ قَالَ: أُمِرَتْ بِأَمْرٍ وَأُمِرْنَا بِأَمْرٍ، أُمِرَتْ أَنْ تَقَرَّ فِي بَيْتِهَا، وَأُمِرْنَا أَنْ نُقَاتِلَ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ، فَأَمَرَتْنَا بِمَا أُمِرَتْ بِهِ وَرَكِبَتْ مَا أُمِرْنَا بِهِ فَقَامَ إِلَيْهِ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ فَقَالَ: يَا عُمَانِيُّ- وَزَيْدٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عُمَانَ وَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْرَيْنِ- سَرَقْتَ بِجَلُولاءَ فَقَطَعَكَ اللَّهُ، وَعَصَيْتَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَتَلَكَ اللَّهُ! مَا أَمَرَتْ إِلا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهِ بِالإِصْلاحِ بَيْنَ النَّاسِ، فَقُلْتُ: وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، وَتَهَاوَى النَّاسُ وَقَامَ أَبُو مُوسَى فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، أَطِيعُونِي تَكُونُوا جُرْثُومَةً مِنْ جَرَاثِيمِ الْعَرَبِ يَأْوِي إِلَيْكُمُ الْمَظْلُومُ وَيَأْمَنُ فِيكُمُ الْخَائِفُ، إِنَّا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أعلم بِمَا سَمِعْنَا، إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ بَيَّنَتْ، وَإِنَّ هَذِهِ الْفِتْنَةَ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ تَجْرِي بِهَا الشَّمَالُ وَالْجَنُوبُ وَالصَّبَا وَالدَّبُورُ، فَتَسْكُنُ أَحْيَانًا فَلا يُدْرَى مِنْ أَيْنَ تُؤْتَى، تَذَرُ الْحَلِيمَ كَابْنِ أَمْسِ، شَيِّمُوا سُيُوفَكُمْ وَقَصِّدُوا رِمَاحَكُمْ، وَأَرْسِلُوا سِهَامَكُمْ، واقطعوا أوتاركم، والزموا بيوتكم خلوا قريشا- إذ أَبَوْا إِلا الْخُرُوجَ مِنْ دَارِ الْهِجْرَةِ وَفِرَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالإِمْرَةِ- تَرْتِقُ فَتْقَهَا، وَتُشْعِبُ صَدْعَهَا، فَإِنْ فَعَلَتْ فَلأَنْفُسِهَا سَعَتْ، وَإِنْ أَبَتْ فَعَلَى أَنْفُسِهَا مَنَّتْ سَمْنَهَا تُهْرِيقُ فِي أَدِيمِهَا، اسْتَنْصِحُونِي وَلا تَسْتَغِشُّونِي، وَأَطِيعُونِي يَسْلَمْ لَكُمْ دِينُكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَيَشْقَى بحر هَذِهِ الْفِتْنَةِ مَنْ جَنَاهَا.
فَقَامَ زَيْدٌ فَشَالَ يَدَهُ الْمَقْطُوعَةَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ، رُدَّ الْفُرَاتَ عَنْ دِرَاجِهِ، ارْدُدْهُ مِنْ حَيْثُ يَجِيءُ حَتَّى يَعُودَ كَمَا بَدَأَ، فَإِنْ قَدِرْتَ عَلَى ذَلِكَ فَسَتَقْدِرُ عَلَى مَا تُرِيدُ، فَدَعْ عَنْكَ مَا لَسْتَ مُدْرِكَهُ ثُمَّ قَرَأَ: {الۤـمۤ *أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتْرَكُوۤاْ} [العنكبوت: 1-2] إِلَى آخِرِ الآيَتَيْنِ، سِيرُوا إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَسَيِّدِ الْمُسْلِمِينَ، وَانْفُرُوا إِلَيْهِ أَجْمَعِينَ تُصِيبُوا الْحَقَّ.
فَقَامَ الْقَعْقَاعُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: إِنِّي لَكُمْ نَاصِحٌ، وَعَلَيْكُمْ شَفِيقٌ، أُحِبُّ أَنْ تَرْشُدُوا، وَلأَقُولَنَّ لَكُمْ قَوْلا هُوَ الْحَقُّ، أَمَّا مَا قَالَ الأمير فهو الأَمْرِ لَوْ أَنَّ إِلَيْهِ سَبِيلا، وَأَمَّا مَا قَالَ زَيْدٌ فَزَيْدٌ فِي الأَمْرِ فَلا تَسْتَنْصِحُوهُ فَإِنَّهُ لا يُنْتَزَعُ أَحَدٌ مِنَ الْفِتْنَةِ طَعَنَ فِيهَا وَجَرَى إِلَيْهَا، وَالْقَوْلُ الَّذِي هُوَ الْقَوْلُ إِنَّهُ لا بُدَّ مِنْ إِمَارَةٍ تُنَظِّمُ النَّاسَ وتزع الظَّالِمَ وَتُعِزُّ الْمَظْلُومَ، وَهَذَا عَلِيٌّ يَلِي بِمَا وُلِّيَ، وَقَدْ أَنْصَفَ فِي الدُّعَاءِ وَإِنَّمَا يَدْعُو إِلَى الإِصْلاحِ، فَانْفُرُوا وَكُونُوا مِنْ هَذَا الأَمْرِ بِمَرْأًى وَمْسَمِعٍ.
وَقَالَ سَيْحَانُ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّهُ لا بُدَّ لِهَذَا الأَمْرِ وَهَؤُلاءِ النَّاسِ مِنْ وَالٍ يَدْفَعُ الظَّالِمَ وَيُعِزُّ الْمَظْلُومَ وَيَجْمَعُ النَّاسَ، وَهَذَا وَالِيكُمْ يَدْعُوكُمْ لِيَنْظُرَ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ صَاحِبَيْهِ، وَهُوَ الْمَأْمُونُ عَلَى الأُمَّةِ، الْفَقِيهُ فِي الدِّينِ، فَمَنْ نَهَضَ إِلَيْهِ فَإِنَّا سَائِرُونَ مَعَهُ وَلانَ عَمَّارٌ بَعْدَ نَزْوَتِهِ الأُولَى فَلَمَّا فَرَغَ سَيْحَانُ مِنْ خُطْبَتِهِ، تَكَلَّمَ عَمَّارٌ فَقَالَ: هَذَا ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنفركم الى زوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم وَإِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، وَإِنِّي أَشْهَدُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَانْظُرُوا ثُمَّ انْظُرُوا فِي الْحَقِّ فَقَاتِلُوا مَعَهُ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْيَقْظَانِ، لَهُوَ مَعَ مَنْ شَهِدْتَ لَهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى مَنْ لَمْ تَشْهَدْ لَهُ فَقَالَ الْحَسَنُ: اكْفُفْ عَنَّا يَا عَمَّارُ، فَإِنَّ لِلإِصْلاحِ أَهْلا.
وقام الحسن بن على، فقال: يا ايها النَّاسُ، أَجِيبُوا دَعْوَةَ أَمِيرِكُمْ، وَسِيرُوا إِلَى إِخْوَانِكُمْ، فَإِنَّهُ سَيُوجَدُ لِهَذَا الأَمْرِ مَنْ يَنْفُرُ إِلَيْهِ، وَاللَّهِ لأَنْ يَلِيَهُ أُولُو النُّهَى أَمْثَلُ فِي الْعَاجِلَةِ وَخَيْرٌ فِي الْعَاقِبَةِ، فَأَجِيبُوا دَعْوَتَنَا وَأَعِينُونَا عَلَى مَا ابْتُلِينَا بِهِ وَابْتُلِيتُمْ.
فَسَامَحَ النَّاسُ وَأَجَابُوا وَرَضُوا بِهِ وَأَتَى قَوْمٌ مِنْ طَيِّئٍ عَدِيًّا فَقَالُوا: مَاذَا تَرَى وَمَاذَا تَأْمُرُ؟ فَقَالَ: نَنْتَظِرُ مَا يَصْنَعُ النَّاسُ، فَأُخْبِرَ بِقِيَامِ الْحَسَنِ وَكَلامِ مَنْ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: قَدْ بَايَعْنَا هَذَا الرَّجُلَ، وَقَدْ دَعَانَا إِلَى جَمِيلٍ، وَإِلَى هَذَا الْحَدَثِ الْعَظِيمِ لِنَنْظُرَ فِيهِ، وَنَحْنُ سَائِرُونَ وَنَاظِرُونَ.
وَقَامَ هِنْدُ بْنُ عَمْرٍو، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ دَعَانَا وَأَرْسَلَ إِلَيْنَا رُسُلَهُ حَتَّى جَاءَنَا ابْنُهُ، فَاسْمَعُوا إِلَى قَوْلِهِ، وَانْتَهُوا إِلَى أَمْرِهِ، وَانْفُرُوا إِلَى أَمِيرِكُمْ فَانْظُرُوا مَعَهُ فِي هَذَا الأَمْرِ وَأَعِينُوهُ بِرَأْيِكُمْ.
وَقَامَ حُجْرُ بْنُ عَدِيٍّ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ أَجِيبُوا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وانْفِرُوا خِفافاً وَثِقالًا مروا، انا أَوَّلُكُمْ، وَقَامَ الأَشْتَرُ فَذَكَرَ الْجَاهِلِيَّةَ وَشِدَّتَهَا، وَالإِسْلامَ وَرَخَاءَهُ، وَذَكَرَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَامَ إِلَيْهِ الْمُقَطِّعُ بْنُ الْهَيْثَمِ بْنِ فُجَيْعٍ الْعَامِرِيُّ ثُمَّ الْبَكَّائِيُّ، فَقَالَ: اسْكُتْ قَبَّحَكَ اللَّهُ! كَلْبٌ خُلِّيَ وَالنُّبَاحَ، فَثَارَ النَّاسُ فَأَجْلَسُوهُ.
وَقَامَ الْمُقَطِّعُ، فَقَالَ: إِنَّا وَاللَّهِ لا نَحْتَمِلُ بَعْدَهَا أَنْ يَبُوءَ أَحَدٌ بِذِكْرِ أَحَدٍ مِنْ أَئِمَّتِنَا، وَإِنَّ عَلِيًّا عِنْدَنَا لَمُقْنَعٌ، وَاللَّهِ لَئِنْ يَكُنْ هَذَا الضَّرْبُ لا يَرْضَى بِعَلِّيٍ، فَعَضَّ امْرُؤٌ عَلَى لِسَانِهِ فِي مَشَاهِدْنَا، فَأَقْبِلُوا عَلَى مَا أَحْثَاكُمْ.
فَقَالَ الْحَسَنُ: صَدَقَ الشَّيْخُ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَيُّهَا الناس، انى غاد فمن شاء منكم أَنْ يَخْرُجَ مَعِي عَلَى الظَّهْرِ، وَمَنْ شَاءَ فَلْيَخْرُجْ فِي الْمَاءِ فَنَفَرَ مَعَهُ تِسْعَةُ آلافٍ، فَأَخَذَ بَعْضُهُمُ الْبَرَّ، وَأَخَذَ بَعْضُهُمُ الْمَاءَ وَعَلَى كُلِّ سَبْعٍ رَجُلٌ، أَخَذَ الْبَرَّ سِتَّةُ آلافٍ ومائتان، وأخذ الماء الفان وثمانمائه وَفِيمَا ذَكَرَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ الْعَطَّارُ، عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَمَّنْ أَدْرَكَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ عَبْدَ خَيْرٍ الْخَيْوَانِيَّ قَامَ إِلَى أَبِي مُوسَى فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، هَلْ كَانَ هَذَانِ الرَّجُلانِ- يَعْنِي طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ- مِمَّنْ بَايَعَ عَلِيًّا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَلْ أَحْدَثَ حَدَثًا يَحِلُّ بِهِ نَقْضَ بَيْعَتِهِ؟
قَالَ: لا أَدْرِي، قَالَ: لا دَرَيْتَ، فَإِنَّا تَارِكُوكَ حَتَّى تَدْرِيَ! يَا أَبَا مُوسَى هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا خَارِجًا من هذه الْفِتْنَةِ الَّتِي تَزْعُمُ إِنَّهَا هِيَ فِتْنَةٌ؟ إِنَّمَا بقي اربع فرق: عَلِيٌّ بِظَهْرِ الْكُوفَةِ، وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ بِالْبَصْرَةِ، وَمُعَاوِيَةُ بِالشَّامِ، وَفِرْقَةٌ أُخْرَى بِالْحِجَازِ، لا يُجْبَى بِهَا فَيْءٌ، وَلا يُقَاتَلُ بِهَا عَدُوٌّ، فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى: أُولَئِكَ خَيْرُ النَّاسِ، وَهِيَ فِتْنَةٌ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ خَيْرٍ: يَا أَبَا مُوسَى، غَلَبَ عَلَيْكَ غِشُّكَ.
قَالَ: وَقَدْ كَانَ الأَشْتَرُ قَامَ إِلَى عَلِيٍّ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنِّي قَدْ بَعَثْتُ إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ رَجُلا قَبْلَ هَذَيْنِ فَلَمْ أَرَهْ أَحْكَمَ شَيْئًا وَلا قَدَرَ عَلَيْهِ، وَهَذَانِ أَخْلَقُ مَنْ بَعَثْتَ أَنْ ينشب بِهِمُ الأَمْرُ عَلَى مَا تَحِبُّ، وَلَسْتُ أَدْرِي مَا يَكُونُ، فَإِنْ رَأَيْتَ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ- يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَبْعَثَنِي فِي أَثَرِهِمْ، فَإِنَّ أَهْلَ الْمِصْرِ أَحْسَنُ شَيْءٍ لِي طَاعَةً، وَإِنْ قَدِمْتُ عَلَيْهِمْ رَجَوْتُ أَلا يُخَالِفَنِي مِنْهُمْ أَحَدٌ.
فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ: الْحَقْ بِهِمْ، فَأَقْبَلَ الأَشْتَرُ حَتَّى دَخَلَ الْكُوفَةَ وَقَدِ اجْتَمَعَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ الأَعْظَمِ، فَجَعَلَ لا يَمُرُّ بِقَبِيلَةٍ يَرَى فِيهَا جَمَاعَةً فِي مَجْلِسٍ أَوْ مَسْجِدٍ إِلا دَعَاهُمْ وَيَقُولُ: اتْبَعُونِي إِلَى الْقَصْرِ، فَانْتَهَى إِلَى الْقَصْرِ فِي جَمَاعَةٍ مِنَ النَّاسِ، فَاقْتَحَمَ الْقَصْرَ فَدَخَلَهُ وَأَبُو مُوسَى قَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ يخطب الناس ويثبطهم، يقول: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ هَذِهِ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ تَطَأُ خِطَامَهَا، النَّائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَاعِدِ، وَالْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي، وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَالسَّاعِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الرَّاكِبِ، إِنَّهَا فِتْنَةٌ بَاقِرَةٌ كَدَاءِ الْبَطْنِ، أَتَتْكُمْ مِنْ قِبَلِ مَأْمَنِكُمْ، تَدَعُ الْحَلِيمَ فِيهَا حَيْرَانَ كَابْنِ أَمْسِ.
انا معاشر اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ بِالْفِتْنَةِ، إِنَّهَا إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَسْفَرَتْ وَعَمَّارٌ يُخَاطِبُهُ وَالْحَسَنُ يَقُولُ لَهُ: اعْتَزِلْ عَمَلَنَا لا أُمَّ لَكَ! وَتَنَحَّ عَنْ مِنْبَرِنَا وَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: أَنْتَ سَمِعْتَ هَذَا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فَقَالَ أَبُو مُوسَى: هَذِهِ يَدِي بِمَا قُلْتُ، فَقَالَ لَهُ عَمَّارٌ: إِنَّمَا قَالَ لَكَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم هَذَا خَاصَّةً، فَقَالَ: أَنْتَ فِيهَا قَاعِدًا خَيْرٌ مِنْكَ قَائِمًا، ثُمَّ قَالَ عَمَّارٌ: غَلَبَ اللَّهُ مَنْ غَالَبَهُ وَجَاحَدَهُ. قَالَ نصر بن مزاحم: حَدَّثَنَا عُمَر بن سَعِيد، قَالَ: حَدَّثَنِي رجل، عن نعيم، عن أبي مريم الثقفي، قَالَ: وَاللَّهِ إني لفي المسجد يَوْمَئِذٍ وعمار يخاطب أبا مُوسَى ويقول لَهُ ذَلِكَ القول، إذ خرج علينا غلمان لأبي مُوسَى يشتدون ينادون: يَا أَبَا مُوسَى، هَذَا الأَشْتَر قَدْ دخل القصر فضربنا وأخرجنا، فنزل أَبُو مُوسَى، فدخل القصر، فصاح بِهِ الأَشْتَر: اخرج من قصرنا لا أم لك! اخرج الله نفسك، فو الله إنك لمن المنافقين قديما، قَالَ: أجلني هَذِهِ العشية، فَقَالَ: هي لك، وَلا تبيتن فِي القصر الليلة ودخل الناس ينتهبون متاع أبي مُوسَى، فمنعهم الأَشْتَر وأخرجهم من القصر، وَقَالَ: إني قَدْ أخرجته، فكف الناس عنه.