12 ربيع الأول 11 هـ
10 حزيران 632 م
ذِكْرُ أَزْوَاجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ

أَسَمَاؤُهُنّ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: …


وَكُنّ تِسْعًا: عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَان بن حَرْب، وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ، وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنٍ وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، وَصَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، فِيمَا حَدّثَنِي غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.
زَوَاجُهُ بِخَدِيجَةَ
وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَزَوّجَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ أَوّلُ مَنْ تَزَوّجَ زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا خُوَيْلِدُ بْنُ أَسَدٍ، وَيُقَالُ أَخُوهَا عَمْرُو بْنُ خُوَيْلِدٍ،
وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرِينَ بَكْرَةً فَوَلَدَتْ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَدَهُ كُلّهُمْ إلّا إبْرَاهِيمَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ بْنِ مَالِكٍ أَحَدِ بَنِي أُسَيّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ حَلِيفِ بَنِي عَبْدِ الدّارِ فَوَلَدَتْ لَهُ هِنْدَ بْنَ أَبِي هَالَةَ وَزَيْنَبَ بِنْتَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَتْ قَبْلَ أَبِي هَالَةَ عِنْدَ عُتَيّق بْنِ عَابِدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومٍ، فَوَلَدَتْ لَهُ عَبْدَ اللهِ وَجَارِيَةً
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: جَارِيَةٌ مِنْ الْجَوَارِي، تَزَوّجَهَا صَيْفِيّ بْنُ أَبِي رِفَاعَةَ.
زَوَاجُهُ بِعَائِشَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصّدّيقِ بِمَكّةَ وَهِيَ بِنْتُ سَبْعِ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا بِالْمَدِينَةِ وَهِيَ بِنْتُ تِسْعِ سِنِينَ أَوْ عَشْرٍ وَلَمْ يَتَزَوّجْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكْرًا غَيْرَهَا، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا أَبُو بَكْرٍ وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ.
زَوَاجُهُ بِسَوْدَةِ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، زَوّجَهُ إيّاهَا سَلِيطُ بْنُ عَمْرٍو، وَيُقَالُ أَبُو حَاطِبِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
ابْنُ إسْحَاقَ يُخَالِفُ هَذَا الْحَدِيثَ يَذْكُرُ أَنّ سَلِيطًا وَأَبَا حَاطِبٍ كَانَا غَائِبَيْنِ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ فِي هَذَا الْوَقْتِ.
وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ السّكْرَانِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلٍ.
زَوَاجُهُ بِزَيْنَبِ بِنْتِ جَحْشٍ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشِ بْنِ رِئَابٍ الْأَسَدِيّةَ. زَوّجَهُ إيّاهَا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِيهَا أَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا} [الْأَحْزَاب:37]
زَوَاجُهُ بِأُمّ سَلَمَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ سَلَمَةَ بِنْتَ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيّةَ، وَاسْمُهَا هِنْدٌ; زَوّجَهُ إيّاهَا سَلَمَةُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ ابْنُهَا، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِرَاشًا حَشْوُهُ لِيفٌ وَقَدَحًا. وَصَحْفَةٌ وَمَجِشّةٌ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الْأَسَدِ وَاسْمُهُ عَبْدُ اللهِ فَوَلَدَتْ لَهُ سَلَمَةَ وَعُمَرَ وَزَيْنَبَ وَرُقَيّةَ
زَوَاجُهُ بِحَفْصَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ، زَوّجَهُ إيّاهَا أَبُوهَا عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدِ خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السّهْمِيّ.
زَوَاجُهُ بِأُمّ حَبِيبَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمّ حَبِيبَةَ وَاسْمُهَا رَمْلَةُ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبٍ، زَوّجَهُ إيّاهَا خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ، وَهُمَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَأَصْدَقَهَا النّجَاشِيّ عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِينَارٍ، وَهُوَ الّذِي كَانَ خَطَبَهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَحْشٍ الْأَسَدِيّ.
زَوَاجُهُ بِجِوَيْرِيَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ الْخُزَاعِيّة، كَانَتْ فِي سَبَايَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَوَقَعَتْ فِي السّهْمِ لِثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشّمّاسِ الْأَنْصَارِيّ فَكَاتَبَهَا عَلَى نَفْسِهَا، فَأَتَتْ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْتَعِينُهُ فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَ لَهَا: «هَلْ لَك فِي خَيْرٍ مِنْ ذَلِكَ؟» لَمّا قَالَتْ وَمَا هُوَ؟ قَالَ «أَقْضِي عَنْك كِتَابَتَك وَأَتَزَوّجُك؟» فَقَالَتْ نَعَمْ فَتَزَوّجَهَا.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدّثْنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْبُكَائِيّ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ إسْحَاقَ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ:
وَيُقَالُ لَمّا انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ، وَمَعَهُ جُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ، فَكَانَ بِذَاتِ الْجَيْشِ دَفَعَ جُوَيْرِيَةَ إلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ وَدِيعَةً وَأَمَرَهُ بِالِاحْتِفَاظِ بِهَا، وَقَدِمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ، فَأَقْبَلَ أَبُوهَا الْحَارِثُ بْنُ أَبِي ضِرَارٍ بِفِدَاءِ ابْنَتِهِ فَلَمّا كَانَ بِالْعَقِيقِ نَظَرَ إلَى الْإِبِلِ الّتِي جَاءَ بِهَا لِلْفِدَاءِ فَرَغِبَ فِي بَعِيرَيْنِ مِنْهَا، فَغَيّبَهُمَا فِي شِعْبٍ مِنْ شِعَابِ الْعَقِيقِ، ثُمّ أَتَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا مُحَمّدُ، أَصَبْتُمْ ابْنَتِي، وَهَذَا فَدَاؤُهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَيْنَ الْبَعِيرَانِ اللّذَانِ غَيّبْت بِالْعَقِيقِ فِي شِعْبِ كَذَا وَكَذَا؟» فَقَالَ الْحَارِثُ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ، وَأَنّك رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْك، فَوَاَللهِ مَا اطّلَعَ عَلَى ذَلِكَ إلّا اللهُ تَعَالَى فَأَسْلَمَ الْحَارِثُ وَأَسْلَمَ مَعَهُ ابْنَانِ لَهُ وَنَاسٌ مِنْ قَوْمِهِ وَأَرْسَلَ إلَى الْبَعِيرَيْنِ فَجَاءَ بِهِمَا فَدَفَعَ الْإِبِلَ إلَى النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَدُفِعَتْ إلَيْهِ ابْنَتُهُ جُوَيْرِيَةُ فَأَسْلَمَتْ وَحَسُنَ إسْلَامُهَا، وَخَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَبِيهَا، فَزَوّجَهُ إيّاهَا، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَ قَبْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ابْنِ عَمّ لَهَا يُقَالُ لَهُ عَبْدُ اللهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ اشْتَرَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ، فَأَعْتَقَهَا وَتَزَوّجَهَا، وَأَصْدَقَهَا أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ.
زَوَاجُهُ بِصَفِيّةَ:
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَفِيّةَ بِنْتَ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، سَبَاهَا مِنْ خَيْبَرَ، فَاصْطَفَاهَا لِنَفْسِهِ وَأَوْلَمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِيمَةً مَا فِيهَا شَحْمٌ وَلَا لَحْمٌ كَانَ سَوِيقًا وَتَمْرًا، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ كِنَانَةَ بْنِ الرّبِيعِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ.
زَوَاجُهُ بِمَيْمُونَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَيْمُونَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبِةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، زَوّجَهُ إيّاهَا الْعَبّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، وَأَصْدَقَهَا الْعَبّاسُ عَنْ رَسُولِ اللهِ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ أَبِي قَيْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ ; وَيُقَالُ إنّهَا الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَلِكَ أَنّ خُطْبَةَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَتْ إلَيْهَا وَهِيَ عَلَى بَعِيرِهَا، فَقَالَتْ الْبَعِيرُ وَمَا عَلَيْهِ لِلّهِ وَلِرَسُولِهِ فَأَنْزَلَ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَٱمْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} [الْأَحْزَابُ:50] .
وَيُقَالُ إنّ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ، وَيُقَالُ أُمّ شَرِيكٍ غَزِيّةُ بِنْتُ جَابِرِ بْنِ وَهْبٍ مِنْ بَنِي مُنْقِذِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مَعِيصِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ، وَيُقَالُ بَلْ
هِيَ امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ بْنِ لُؤَيّ فَأَرْجَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
زَوَاجُهُ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ
وَتَزَوّجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، وَكَانَتْ تُسَمّى أُمّ الْمَسَاكِينِ لِرَحْمَتِهَا إيّاهُمْ وَرِقّتِهَا عَلَيْهِمْ زَوّجَهُ إيّاهَا قَبِيصَةُ بْنُ عَمْرٍو الْهِلَالِيّ، وَأَصْدَقَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَ مِائَةِ دِرْهَمٍ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَكَانَتْ قَبْلَ عُبَيْدَةَ عِنْدَ جَهْمِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ، وَهُوَ ابْنُ عَمّهَا.
عِدّتُهُنّ وَشَأْنُ الرّسُولِ مَعَهُنّ
فَهَؤُلَاءِ اللّاتِي بَنَى بِهِنّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى عَشْرَة، فَمَاتَ قَبْلَهُ مِنْهُنّ ثِنْتَانِ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ. وَتُوُفّيَ عَنْ تِسْعٍ قَدْ ذَكَرْنَاهُنّ فِي أَوّلِ هَذَا الْحَدِيثِ وَثِنْتَانِ لَمْ يَدْخُلْ بِهِمَا: أَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ تَزَوّجَهَا فَوَجَدَ بِهَا بَيَاضًا، فَمَتّعَهَا وَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا، وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّةُ وَكَانَتْ حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِكُفْرِ فَلَمّا قَدِمَتْ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَنِيعٌ عَائِذُ اللهِ» فَرَدّهَا إلَى أَهْلِهَا، وَيُقَالُ إنّ الّتِي اسْتَعَاذَتْ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
كِنْدِيّةُ بِنْتُ عَمّ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ النّعْمَانِ وَيُقَالُ إنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَاهَا، فَقَالَتْ إنّا قَوْمٌ نُؤْتَى وَلَا نَأْتِي; فَرَدّهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَهْلِهَا.
تَسْمِيَةُ الْقُرَشِيّاتِ مِنْهُنّ
الْقُرَشِيّاتُ مِنْ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتّ:
خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَعَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي قُحَافَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ كَعْبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ تَيْمِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ بْنِ غَالِبٍ، وَحَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ بْنِ نُفَيْلِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ قُرْطِ بْنِ رِيَاحِ بْنِ رِزَاحِ بْنِ عَدِيّ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَأُمّ حَبِيبَةَ بِنْتُ أَبِي سُفْيَانَ بْنِ حَرْبِ بْنِ أُمَيّةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ قُصَيّ بْنِ كِلَابِ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ ; وَأُمّ سَلَمَةَ بِنْتُ أَبِي أُمَيّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ مَخْزُومِ بْنِ يَقَظَة بْنِ مُرّةَ بْنِ كَعْبِ بْنِ لُؤَيّ، وَسَوْدَةُ بِنْتُ زَمْعَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَبْدِ شَمْسِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ نَصْرِ بْنِ مَالِكِ بْنِ حِسْلِ بْنِ عَامِرِ بْنِ لُؤَيّ.
تَسْمِيَةُ الْعَرَبِيّاتِ وَغَيْرُهُنّ
وَالْعَرَبِيّاتُ وَغَيْرُهُنّ سَبْعٌ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشِ بْنِ رِئَابِ بْنِ يَعْمَرَ بْنِ صُبْرَةَ بْنِ مُرّةَ بْنِ كَبِيرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ دُودَانَ بْنِ أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ ; وَمَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ حَزْنِ بْنِ بَحِيرِ بْنِ هُزَمَ بْنِ رُوَيْبِةَ بْنِ
عَبْدِ اللهِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ هَوَازِنَ بْنِ مَنْصُورِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ خَصَفَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَيَلَانَ ; وَزَيْنَبُ بِنْتُ خُزَيْمَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَبْدِ مَنَافِ بْنِ هِلَالِ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَجُوَيْرِيَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارِ الْخُزَاعِيّة، ثُمّ الْمُصْطَلِقيّة، وَأَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ الْكِنْدِيّةُ وَعَمْرَةُ بِنْتُ يَزِيدَ الْكِلَابِيّةُ.
غَيْرُ الْعَرَبِيّاتِ
وَمِنْ غَيْرِ الْعَرَبِيّاتِ صَفِيّةُ بِنْتُ حُيَيّ بْنِ أَخْطَبَ، مِنْ بَنِي النّضِيرِ.
تَمْرِيضُ رَسُولِ اللهِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ
مَجِيئُهُ إلَى بَيْتِ عَائِشَةَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: حَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ مُحَمّدِ بْنِ مُسْلِمٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ عَائِشَة زَوْجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ:
فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ يَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِهِ أَحَدُهُمَا الْفَضْلُ بْنُ الْعَبّاسِ وَرَجُلٌ آخَرُ عَاصِبًا رَأْسَهُ تُخَطّ قَدَمَاهُ حَتّى دَخَلَ بَيْتِي. قَالَ عُبَيْدُ اللهِ فَحَدّثْت هَذَا الْحَدِيثَ عَبْدَ اللهِ بْنَ الْعَبّاسِ فَقَالَ هَلْ تَدْرِي مَنْ الرّجُلُ الْآخَرُ؟ قَالَ قُلْت: لَا، قَالَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
شِدّةُ الْمَرَضِ وَصَبّ الْمَاءِ عَلَيْهِ
ثُمّ غُمِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاشْتَدّ بِهِ وَجَعُهُ فَقَالَ «هَرِيقُوا عَلَيّ سَبْعَ قِرَبٍ مِنْ آبَارٍ شَتّى، حَتّى أَخْرُجَ إلَى النَّاس فأعهد إِلَيْهِم». قَالَتْ فَأَقْعَدْنَاهُ فِي مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ ثُمّ صَبَبْنَا عَلَيْهِ الْمَاءَ حَتّى طَفِقَ يَقُولُ «حَسْبُكُمْ حَسْبُكُمْ».
كَلِمَةٌ لِلنّبِيّ وَاخْتِصَاصُهُ أَبَا بَكْرٍ بِالذّكْرِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَيّوبُ بْنُ بَشِيرٍ
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ ثُمّ كَانَ أَوّلَ مَا تَكَلّمَ بِهِ أَنّهُ صَلّى عَلَى أَصْحَابِ أُحُدٍ، وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ فَأَكْثَرَ الصّلَاةَ عَلَيْهِمْ ثُمّ قَالَ «إنّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِ اللهِ خَيّرَهُ اللهُ بَيْنَ الدّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللهِ». قَالَ فَفَهِمَهَا أَبُو بَكْرٍ وَعَرَفَ أَنّ نَفْسَهُ يُرِيدُ فَبَكَى وَقَالَ بَلْ نَحْنُ نَفْدِيك بِأَنْفَسِنَا وَأَبْنَائِنَا، فَقَالَ «عَلَى رِسْلِك يَا أَبَا بَكْرٍ»، ثُمّ قَالَ «اُنْظُرُوا هَذِهِ الْأَبْوَابَ اللّافِظَةَ فِي الْمَسْجِدِ فَسُدّوهَا إلّا بَيْتَ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّي لَا أَعْلَمُ أَحَدًا كَانَ أَفْضَلَ فِي الصّحْبَةِ عِنْدِي يَدًا مِنْهُ»
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُرْوَى: إلّا بَابَ أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ بَعْضِ آلِ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلّى:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمئِذٍ فِي كَلَامِهِ هَذَا: «فَإِنّي لَوْ كُنْت مُتّخِذًا مِنْ الْعِبَادِ خَلِيلًا لَاِتّخَذْت أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا، وَلَكِنْ صُحْبَةٌ وَإِخَاءٌ إيمَانٌ حَتّى يَجْمَعَ اللهُ بَيْنَنَا عِنْدَهُ».
أَمْرُ الرّسُولِ بِإِنْفَاذِ بَعْثِ أُسَامَةَ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْعُلَمَاءِ.
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَبْطَأَ النّاسَ فِي بَعْثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَهُوَ فِي وَجَعِهِ فَخَرَجَ عَاصِبًا رَأْسَهُ حَتّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ وَقَدْ كَانَ النّاسُ قَالُوا فِي إمْرَةِ أُسَامَةَ أَمّرَ غُلَامًا حَدَثًا عَلَى جُلّةِ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ. فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ لَهُ أَهْلٌ ثُمّ قَالَ «أَيّهَا النّاسُ اُنْفُذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ فَلَعَمْرِي لَئِنْ قُلْتُمْ فِي إمَارَتِهِ لَقَدْ قُلْتُمْ فِي إمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلِهِ وَإِنّهُ لَخَلِيقٌ لِلْإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ أَبُوهُ لَخَلِيقًا لَهَا».
قَالَ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْكَمَشَ النّاسُ فِي جِهَازِهِمْ وَاسْتَعَزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعُهُ فَخَرَجَ أُسَامَةُ وَخَرَجَ جَيْشُهُ مَعَهُ حَتّى نَزَلُوا الْجُرْفَ، مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى فَرْسَخٍ فَضَرَبَ بِهِ عَسْكَرَهُ وَتَتَامّ إلَيْهِ النّاسُ وَثَقُلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقَامَ أُسَامَةُ وَالنّاسُ لِيَنْظُرُوا مَا اللهُ قَاضٍ فِي رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَصِيّةُ الرّسُولِ بِالْأَنْصَارِ
وَقَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ صَلّى وَاسْتَغْفَرَ لِأَصْحَاب أُحُد، وَذَكَرَ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا ذَكَرَ مَعَ مَقَالَتِهِ يَوْمئِذٍ «يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ اسْتَوْصُوا بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا، فَإِنّ النّاسَ يَزِيدُونَ وَإِنّ الْأَنْصَارَ عَلَى هَيْئَتِهَا لَا تَزِيدُ وَإِنّهُمْ كَانُوا عَيْبَتِي الّتِي أَوَيْت إلَيْهَا، فَأَحْسِنُوا إلَى مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ». قَالَ عَبْدُ اللهِ ثُمّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَتَتَامّ بِهِ وَجَعُهُ حَتّى غُمِرَ.
شَأْنُ اللّدُودِ
قَالَ عَبْدُ اللهِ فَاجْتَمَعَ إلَيْهِ نِسَاءٌ مِنْ نِسَائِهِ أُمّ سَلَمَةَ وَمَيْمُونَةُ وَنِسَاءٌ مِنْ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ مِنْهُنّ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ، وَعِنْدَهُ الْعَبّاسُ عَمّهُ فَأَجْمَعُوا أَنْ يَلُدّهُ وَقَالَ الْعَبّاسُ لَأَلُدّنّهُ قَالَ فَلَدّوهُ فَلَمّا أَفَاقَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَنْ صَنَعَ هَذَا بِي؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ عَمّك، قَالَ «هَذَا دَوَاءٌ أَتَى بِهِ نِسَاءٌ جِئْنَ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْأَرْضِ»، وَأَشَارَ نَحْوَ أَرْضِ الْحَبَشَةِ ; قَالَ «وَلِمَ فَعَلْتُمْ ذَلِكَ؟» فَقَالَ عَمّهُ الْعَبّاسُ خَشِينَا يَا رَسُولَ اللهِ أَنْ يَكُونَ بِك ذَاتُ الْجَنْبِ فَقَالَ «إنّ ذَلِكَ لَدَاءٌ مَا كَانَ اللهُ عَزّ وَجَلّ لِيَقْذِفَنِي بِهِ لَا يَبْقَى فِي الْبَيْتِ أَحَدٌ إلّا لُدّ إلّا عَمّي»، فَلَقَدْ لُدّتْ مَيْمُونَةُ وَإِنّهَا لَصَائِمَةٌ، لِقَسَمِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ بِمَا صَنَعُوا بِهِ.
دُعَاءُ الرّسُولِ لِأُسَامَةَ بِالْإِشَارَةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ السّبّاقِ عَنْ مُحَمّدِ بْنِ أُسَامَةَ عَنْ أَبِيهِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ:
لَمّا ثَقُلَ رَسُولُ اللهِ هَبَطْت وَهَبَطَ النّاسُ مَعِي إلَى الْمَدِينَةِ، فَدَخَلْت عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَصْمَتَ فَلَا يَتَكَلّمُ فَجَعَلَ يَرْفَعُ يَدَهُ إلَى السّمَاءِ ثُمّ يَضَعُهَا عَلَيّ فَأَعْرِفُ أَنّهُ يَدْعُو لِي.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرًا مَا أَسْمَعُهُ يَقُولُ:
«إنّ اللهَ لَمْ يَقْبِضْ نَبِيّا حَتّى يُخَيّرَهُ». قَالَتْ فَلَمّا حُضِرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آخِرُ كَلِمَةٍ سَمِعْتهَا وَهُوَ يَقُولُ «بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ»، قَالَتْ فَقُلْت: إِذا وَاَللهِ لَا يَخْتَارُنَا، وَعَرَفْت أَنّهُ الّذِي كَانَ يَقُولُ لَنَا: «إنّ نَبِيّا لَمْ يُقْبَضْ حَتّى يُخَيّرَ».
صَلَاةُ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ
قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، أَنّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
لَمّا اسْتَعَزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مُرُوا أَبَا بَكْرٍ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ» قَالَتْ قُلْت: يَا نَبِيّ اللهِ إنّ أَبَا بَكْرٍ رَجُلٌ رَقِيقٌ ضَعِيفُ الصّوْتِ كَثِيرُ الْبُكَاءِ إذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ قَالَ «مُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ». قَالَتْ فَعُدْت بِمِثْلِ قَوْلِي، فَقَالَ
إنّكُنّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ فَمُرُوهُ فَلْيُصَلّ بِالنّاسِ، قَالَتْ فَوَاَللهِ مَا أَقُولُ ذَلِكَ إلّا أَنّي كُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَعَرَفْت أَنّ النّاسَ لَا يُحِبّونَ رَجُلًا قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا، وَأَنّ النّاسَ سَيَتَشَاءَمُونَ بِهِ فِي كُلّ حَدَثٍ كَانَ فَكُنْت أُحِبّ أَنْ يُصْرَفَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ زَمْعَةَ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، قَالَ:
لَمّا اُسْتُعِزّ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا عِنْدَهُ فِي نَفَرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَالَ دَعَاهُ بِلَالٌ إلَى الصّلَاةِ فَقَالَ «مُرُوا مَنْ يُصَلّي بِالنّاسِ» قَالَ فَخَرَجْت فَإِذَا عُمَرُ فِي النّاسِ. وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا، فَقُلْت: قُمْ يَا عُمَرُ فَصَلّ بِالنّاسِ قَالَ فَقَامَ فَلَمّا كَبّرَ سَمِعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَهُ وَكَانَ عُمَرُ رَجُلًا مِجْهَرًا، قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَأَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ» قَالَ فَبَعَثَ إلَى أَبِي بَكْرٍ فَجَاءَ بَعْدَ أَنْ صَلّى عُمَرُ تِلْكَ الصّلَاةَ فَصَلّى بِالنّاسِ. قَالَ قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ زَمْعَةَ قَالَ لِي عُمَرُ وَيْحَك، مَاذَا صَنَعْت بِي يَا ابْنَ زَمْعَةَ وَاَللهِ مَا ظَنَنْت حِينَ أَمَرْتنِي إلّا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَك بِذَلِكَ وَلَوْلَا ذَلِكَ مَا صَلّيْت بِالنّاسِ. قَالَ قُلْت: وَاَللهِ مَا أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ وَلَكِنّي حِينَ لَمْ أَرَ أَبَا بَكْرٍ رَأَيْتُك أَحَقّ مَنْ حَضَرَ بِالصّلَاةِ بِالنّاسِ.
الْيَوْمُ الّذِي قَبَضَ اللهُ فِيهِ نَبِيّهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ الزّهْرِيّ: حَدّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ: أَنّهُ لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ الّذِي قَبَضَ اللهُ فِيهِ رَسُولَهُ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ خَرَجَ إلَى النّاسِ وَهُمْ يُصَلّونَ الصّبْحَ فَرَفَعَ السّتْرَ وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَ عَلَى بَابِ عَائِشَةَ فكاد الْمُسلمُونَ يفتتنون فِي صَلَاتِهِمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ رَأَوْهُ فَرَحًا بِهِ وَتَفَرّجُوا فَأَشَارَ إلَيْهِمْ أَنْ اُثْبُتُوا عَلَى صَلَاتِكُمْ قَالَ فَتَبَسّمَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُرُورًا لَمّا رَأَى مِنْ هَيْئَتِهِمْ فِي صَلَاتِهِمْ وَمَا رَأَيْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ هَيْئَةً مِنْهُ تِلْكَ السّاعَةَ قَالَ: ثُمّ رَجَعَ وَانْصَرَفَ النّاسُ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَفْرَقَ مِنْ وَجَعِهِ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمّدٍ:
أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حِينَ سَمِعَ تَكْبِيرَ عُمَرَ فِي الصّلَاةِ: أَيْنَ أَبُو بَكْرٍ؟ يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَالْمُسْلِمُونَ. فَلَوْلَا مَقَالَةٌ قَالَهَا عُمَرُ عِنْدَ وَفَاتِهِ لَمْ يَشُكّ الْمُسْلِمُونَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ اسْتَخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ وَلَكِنّهُ قَالَ عِنْدَ وَفَاتِهِ: إنْ أَسْتَخْلَفَ فَقَدْ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي وَإِنْ أَتْرُكُهُمْ فَقَدْ تَرَكَهُمْ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنّي. فَعَرَفَ النّاسُ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَسْتَخْلِفْ أَحَدًا وَكَانَ عُمَرُ غَيْرَ مُتّهَمٍ عَلَى أَبِي بَكْرٍ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ:
لَمّا كَانَ يَوْمُ الِاثْنَيْنِ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَاصِبًا رَأْسَهُ إِلَى الصُّبْح وأبوبكر يُصَلّي بِالنّاسِ فَلَمّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَفَرّجَ النّاسُ فَعَرَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنّ النّاسَ لَمْ يَصْنَعُوا ذَلِكَ إلّا لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَكَصَ عَنْ مُصَلّاهُ فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ظَهْرِهِ وَقَالَ: «صَلّ بِالنّاسِ» وَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جَنْبِهِ فَصَلّى قَاعِدًا عَنْ يَمِينِ أَبِي بَكْرٍ فَلَمّا فَرَغَ مِنْ الصّلَاةِ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَكَلّمَهُمْ رَافِعًا صَوْتَهُ حَتّى خَرَجَ صَوْتُهُ مِنْ بَابِ الْمَسْجِدِ يَقُولُ «أَيّهَا النّاسُ سُعّرَتْ النّارُ، وَأَقْبَلَتْ الْفِتَنُ كَقِطَعِ اللّيْلِ الْمُظْلِمِ وَإِنّي وَاَللهِ مَا تَمَسّكُونَ عَلَيّ بِشَيْءِ إنّي لَمْ أَحِلّ إلّا مَا أَحَلّ الْقُرْآنُ وَلَمْ أُحَرّمْ إلّا مَا حَرّمَ الْقُرْآنُ»
قَالَ فَلَمّا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ مِنْ كَلَامِهِ قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ يَا نَبِيّ اللهِ إنّي أَرَاك قَدْ أَصْبَحْت بِنِعْمَةِ مِنْ اللهِ وَفَضْلٍ كَمَا نُحِبّ، وَالْيَوْمُ يَوْمُ بِنْتِ خَارِجَةَ أَفَآتِيهَا؟ قَالَ «نَعَمْ»، ثُمّ دَخَلَ رَسُولُ اللهِ صَلّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إلَى أَهْلِهِ بِالسّنْحِ
شَأْنُ الْعَبّاسِ وَعَلِيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي عَبْدُ اللهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبّاسٍ، قَالَ:
خَرَجَ يَوْمئِذٍ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى النّاسِ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ النّاسُ يَا أَبَا حَسَنٍ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَصْبَحَ بِحَمْدِ اللهِ بَارِئًا، قَالَ فَأَخَذَ الْعَبّاسُ بِيَدِهِ ثُمّ قَالَ يَا عَلِيّ، أَنْتَ وَاَللهِ عَبْدُ الْعَصَا بَعْدَ ثَلَاثٍ أَحْلِفُ بِاَللهِ لَقَدْ عَرَفْت الْمَوْتَ فِي وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا كُنْت أَعْرِفُهُ فِي وُجُوهِ بَنِي عَبْدِ الْمُطّلِبِ، فَانْطَلِقْ بِنَا إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنْ كَانَ هَذَا الْأَمْرُ فِينَا عَرَفْنَاهُ وَإِنْ كَانَ فِي غَيْرِنَا، أَمَرْنَاهُ فَأَوْصَى بِنَا النّاسَ. قَالَ فَقَالَ لَهُ عَلِيّ: إنّي وَاَللهِ لَا أَفْعَلُ وَاَللهِ لَئِنْ مَنَعْنَاهُ لَا يُؤْتِينَاهُ أَحَدٌ بَعْدَهُ.
فَتُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ اشْتَدّ الضّحَاءُ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ.
سِوَاك الرّسُولِ قُبَيْلَ الْوَفَاةِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عُتْبَةَ، عَنْ الزّهْرِيّ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ قَالَتْ:
رَجَعَ إلَيّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ حِينَ دَخَلَ مِنْ الْمَسْجِدِ فَاضْطَجَعَ فِي حِجْرِي، فَدَخَلَ عَلَيّ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي بَكْرٍ، وَفِي يَدِهِ سِوَاكٌ أَخْضَرُ. قَالَ فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَيْهِ فِي يَدِهِ نَظَرًا عَرَفْت أَنّهُ يُرِيدُهُ قَالَتْ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُحِبّ أَنْ أُعْطِيَك هَذَا السّوَاكَ؟ قَالَ «نَعَمْ»، قَالَتْ فَأَخَذَتْهُ فَمَضَغَتْهُ لَهُ حَتّى لَيّنَتْهُ ثُمّ أَعْطَيْته إيّاهُ قَالَتْ فَاسْتَنّ بِهِ كَأَشَدّ مَا رَأَيْته يَسْتَنّ بِسِوَاكِ قَطّ، ثُمّ وَضَعَهُ وَوَجَدْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَثْقُلُ فِي حِجْرِي، فَذَهَبْت أَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ فَإِذَا بَصَرُهُ قَدْ شَخَصَ وَهُوَ يَقُولُ «بَلْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى مِنْ الْجَنّةِ»، قَالَتْ فَقُلْت: خُيّرْت فَاخْتَرْت وَاَلّذِي بَعَثَك بِالْحَقّ قَالَتْ وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي يَحْيَى بْنُ عَبّادِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، عَنْ أَبِيهِ عَبّادٍ، قَالَ:
سَمِعْت عَائِشَةَ تَقُولُ مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي وَفِي دَوْلَتِي، لَمْ أَظْلِمْ فِيهِ أَحَدًا، فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُبِضَ وَهُوَ فِي حِجْرِي، ثُمّ
وَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى وِسَادَةٍ وَقُمْت أَلْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ وَأَضْرِبُ وَجْهِي.
مَقَالَةُ عُمَرَ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: قَالَ الزّهْرِيّ: وَحَدّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ لَمّا تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ، فَقَالَ إنّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ يَزْعُمُونَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تُوُفّيَ وَإِنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مَاتَ وَلَكِنّهُ ذَهَبَ إلَى رَبّهِ كَمَا ذَهَبَ مُوسَى بْنُ عِمْرَانَ، فَقَدْ غَابَ عَنْ قَوْمِهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمّ رَجَعَ إلَيْهِمْ بَعْدَ أَنْ قِيلَ قَدْ مَاتَ وَوَاللهِ لَيَرْجَعَنّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا رَجَعَ مُوسَى، فَلَيَقْطَعَنّ أَيْدِي رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ زَعَمُوا أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ.
مَوْقِفُ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ الرّسُولِ
قَالَ وَأَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ حَتّى نَزَلَ عَلَى بَابِ الْمَسْجِدِ حِينَ بَلَغَهُ الْخَبَرُ، وَهُوَ يُكَلّمُ النّاسَ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إلَى شَيْءٍ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَجّى فِي نَاحِيَةِ الْبَيْتِ عَلَيْهِ بُرْدٌ حِبَرَةٌ فَأَقْبَلَ حَتّى كَشَفَ عَنْ وَجْهِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ ثُمّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ فَقَبّلَهُ ثُمّ قَالَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي، أَمّا الْمَوْتَةُ الّتِي كَتَبَ اللهُ عَلَيْك فَقَدْ ذُقْتهَا، ثُمّ لَنْ تُصِيبَك بَعْدَهَا مَوْتَةٌ أَبَدًا. قَالَ ثُمّ رَدّ الْبُرْدَ عَلَى وَجْهِ رَسُولِ اللهِ ثُمّ خَرَجَ وَعُمَرُ يُكَلّمُ النّاسَ فَقَالَ عَلَى رِسْلِك يَا عُمَرُ أَنْصِتْ فَأَبَى إلّا أَنْ يَتَكَلّمَ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ لَا يُنْصِتُ أَقْبَلَ عَلَى النّاسِ فَلَمّا سَمِعَ النّاسُ كَلَامَهُ أَقْبَلُوا عَلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمّ قَالَ
أَيّهَا النّاسُ إنّهُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنّ اللهَ حَيّ لَا يَمُوتُ.
قَالَ ثُمّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ أَفإِنْ مَّاتَ أَوْ قُتِلَ ٱنْقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي ٱللَّهُ ٱلشَّاكِرِينَ} [آلُ عِمْرَانَ:144] .
قَالَ فَوَاَللهِ لَكَانَ النّاسُ لَمْ يَعْلَمُوا أَنّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ حَتّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ يَوْمئِذٍ
قَالَ وَأَخَذَهَا النّاسُ عَنْ أَبِي بَكْرٍ فَإِنّمَا هِيَ فِي أَفْوَاهِهِمْ قَالَ فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ عُمَرُ وَاَللهِ مَا هُوَ إلّا أَنْ سَمِعْت أَبَا بَكْرٍ تَلَاهَا، فَعَقَرْت حَتّى وَقَعْت إلَى الْأَرْضِ مَا تَحْمِلُنِي رِجْلَايَ وَعَرَفْت أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ مَاتَ.


 

ذِكْرُ أَزْوَاجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
خَدِيجَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا
قَدْ تَقَدّمَ فِي مَوَاضِعَ مِنْ هَذَا الْكِتَابِ نُبَذٌ كَافِيَةٌ مِنْ التّعْرِيفِ بِهِنّ وَذَكَرَ هَاهُنَا خَدِيجَةَ وَأَنّهَا كَانَتْ عِنْدَ أَبِي هَالَةَ وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ عُتَيّق بْنِ عَائِذٍ قَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ وَلَدَتْ لِعُتَيّق عَبْدَ مَنَافٍ وَكَانَ اسْمُ أَبِي هَالَةَ هِنْدَ بْنَ زُرَارَةَ بْنِ النّبّاشِ وَقِيلَ بَلْ أَبُو هَالَةَ هُوَ زُرَارَةُ وَابْنُهُ هِنْدٌ، مَاتَ هِنْدٌ فِي طَاعُونِ الْبَصْرَة.
عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا
وَمِمّا نَزِيدُهُ هُنَا فِي ذِكْرِ عَائِشَةَ أَنّهَا كَانَتْ تُكَنّى أُمّ عَبْدِ اللهِ رَوَى ابْنُ الْأَعْرَابِيّ، فِي الْمُعْجَمِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا أَنّهَا أَسَقَطَتْ جَنِينًا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسُمّيَ عَبْدَ اللهِ فَكَانَتْ تُكَنّى بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُورُ عَلَى دَاوُدَ بْنِ الْمُحَبّرِ وَهُوَ ضَعِيفٌ وَأَصَحّ مِنْهُ حَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهَا: «تَكَنّي بِابْنِ أُخْتِك عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ»، وَيُرْوَى بِابْنِك عَبْدِ اللهِ بْنِ الزّبَيْرِ، لِأَنّهَا كَانَتْ قَدْ اسْتَوْهَبَتْهُ مِنْ أَبَوَيْهِ فَكَانَ فِي حِجْرِهَا يَدْعُوهَا، أُمّا، ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ وَغَيْرُهُ وَأَصَحّ مَا رُوِيَ فِي فَضْلِهَا عَلَى النّسَاءِ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النّسَاءِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ عَلَى الطّعَامِ»، وَأَرَادَ الثّرِيدَ بِاللّحْمِ كَذَا رَوَاهُ مُعْمَرٌ فِي جَامِعِهِ مُفَسّرًا عَنْ قَتَادَةَ، وَأَبَانُ يَرْفَعُهُ فَقَالَ فِيهِ كَفَضْلِ الثّرِيدِ بِاللّحْمِ وَوَجْهُ التّفْضِيلِ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ قَالَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ «سَيّدُ إدَامِ الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ اللّحْمُ»، مَعَ أَنّ الثّرِيدَ إذَا أُطْلِقَ لَفْظُهُ فَهُوَ ثَرِيدُ اللّحْمِ وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

إذَا مَا الْخُبْزُ تَأْدِمُهُ بِلَحْمِ *** فَذَاكَ أَمَانَةَ اللهِ الثّرِيدُ

خَدِيجَةُ وَعَائِشَة وَمَرْيَم رَضِي الله عَنْهُن:
وَلَوْلَا مَا تَقَدّمَ مِنْ الْحَدِيثِ الْمُخَصّصِ لِخَدِيجَةَ بِالْفَضْلِ عَلَيْهَا حَيْثُ قَالَ «وَاَللهِ مَا أَبْدَلَنِي اللهُ خَيْرًا مِنْهَا» لَقُلْنَا بِتَفْضِيلِهَا عَلَى خَدِيجَةَ وَعَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي مَرْيَمَ الصّدّيقَةِ فَإِنّهَا عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ نَبِيّةٌ نَزَلَ عَلَيْهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالْوَحْيِ وَلَا يُفَضّلُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ غَيْرُهُمْ وَمَنْ قَالَ لَمْ تَكُنْ نَبِيّةً وَجَعَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَٱصْطَفَـٰكِ عَلَىٰ نِسَآءِ ٱلْعَـٰلَمِينَ} [آلُ عِمْرَانَ:42] مَخْصُوصًا بِعَالَمِ زَمَانِهَا، فَمِنْ قَوْلِهِ: إنّ عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَفَضْلُ مِنْهَا، وَكَذَلِكَ يَقُولُونَ فِي سَائِرِ أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنّهُنّ أَفْضَلُ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ وَنَزَعُوا فِي تَصْحِيحِ هَذَا الْمَذْهَبِ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ وَاَللهُ أَعْلَمُ وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي فَاطِمَةَ «هِيَ سَيّدَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنّةِ إلّا مَرْيَمَ».
أم سَلمَة رَضِي الله عَنْهَا
وَذَكَرَ أُمّ سَلَمَةَ وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْدَقَهَا مَجِشّةً وَهِيَ الرّحَى. وَمَعَهُ سُمّيَ الْجَشِيشُ. وَذَكَرَ مَعَ الْمَجِشّةِ أَشْيَاءَ لَا تُعْرَفُ قِيمَتُهَا، مِنْهَا جَفْنَةٌ وَفِرَاشٌ. وَفِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ ذِكْرُ قِيمَتِهَا، قَالَ أَنَسُ “أَصْدَقَهَا مَتَاعًا قِيمَتُهُ عَشَرَةُ دَرَاهِم” قَالَ الْبَزّارُ: وَيُرْوَى أَرْبَعُونَ درهما.
جوَيْرِية رَضِي الله عَنْهَا
وَذَكَرَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ بْنِ أَبِي ضِرَارٍ، وَكَانَتْ قَبْلَهُ عِنْدَ مُسَافِعِ بْنِ صَفْوَانَ الْخُزَاعِيّ وَقَالَ أَسْلَمُ الْحَارِثُ وَأَسْلَمَ ابْنَاهُ وَلَمْ يُسَمّهِمَا، وَهُمَا الْحَارِثُ بْنُ الْحَارِثِ وَعَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، وَذَكَرَهُ الْبُخَارِيّ.
زَيْنَبُ بنت جحش رَضِي الله عَنْهَا
وَذَكَرَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ، وَأَنّ أَخَاهَا أَبَا أَحْمَدَ هُوَ الّذِي أَنْكَحَهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَذَا خِلَافُ مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ أَنّهَا كَانَتْ تَفْخَرُ عَلَى صَوَاحِبِهَا، وَتَقُولُ زَوّجَكُنّ أَهْلُوكُنّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَوّجَنِي رَبّ الْعَالَمِينَ مِنْ فَوْقِ سَبْعِ سَمَاوَاتٍ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ أَنّه لَمّا نَزَلَتْ الْآيَةُ {زَوَّجْنَاكَهَا} [الْأَحْزَابُ: 37] قَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَدَخَلَ عَلَيْهَا بِغَيْرِ إذْنٍ وَلَمْ يَذْكُرْ ابْنُ إسْحَاقَ فِي أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرَافِ بِنْتَ خَلِيفَةَ أُخْتَ دِحْيَةَ بْنِ خَلِيفَةَ الْكَلْبِيّ، وَذَكَرَهَا غَيْرُهُ وَلَمْ تَقُمْ عِنْدَهُ إلّا يَسِيرًا حَتّى مَاتَتْ وَكَذَلِكَ الْعَالِيَةُ بِنْتُ ظَبْيَانَ [بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفِ بْنِ عَبْدِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ كِلَابٍ] ذَكَرَهَا غَيْرُهُ فِي أَزْوَاجِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَكَذَلِكَ وَسْنَى بِنْتُ الصّلْتِ تَزَوّجَهَا ثُمّ خَلّى سَبِيلَهَا، وَيُقَالُ فِيهَا: سَنَا بِنْتُ أَسْمَاءَ بِنْتِ الصّلْتِ. وَمِنْهُنّ أَسْمَاءُ بِنْتُ النّعْمَانِ بْنِ الْجَوْنِ الْكِنْدِيّةُ اتّفَقُوا عَلَى تَزْوِيجِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إيّاهَا، وَاخْتَلَفُوا، فِي سَبَبِ فِرَاقِ النّبِيّ لَهَا. وَكَذَلِكَ قِيلَ فِي: شَرَافِ بِنْتِ خَلِيفَةَ إنّهَا هَلَكَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَذَكَرَ خَوْلَةَ وَيُقَالُ فِيهَا: خُوَيْلَةُ ذُكِرَتْ فِيمَنْ تَزَوّجَهُمْ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ وَيُقَالُ هِيَ الّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ.
وَفَاةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذِكْرُ خُرُوجِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ إلَى الْمَسْجِدِ وَأَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ وَأَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتَمّ بِهِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مُرْسَلٌ فِي السّيرَةِ وَالْمَعْرُوفُ فِي الصّحَاحِ أَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ يُصَلّي بِصَلَاةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنّاسُ يُصَلّونَ بِصَلَاةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَكِنْ قَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقٍ مُتّصِلٍ أَنّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ الْإِمَامَ يَوْمئِذٍ وَاخْتُلِفَ فِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، وَرَوَى الدّارَقُطْنِيّ مِنْ طَرِيقِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «مَا مَاتَ نَبِيّ حَتّى يَؤُمّهُ رَجُلٌ مِنْ أُمّتِهِ»، وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ هَذَا الْحَدِيثَ إلّا أَنّهُ سَاقَهُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرّحْمَنِ مُرْسَلًا، وَقَدْ أَسْنَدَهُ الْبَزّارُ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الزّبَيْرِ عَنْ عُمَرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ وَفِي مَرَاسِيلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرِضَ عَشَرَةَ أَيّامِ صَلّى أَبُو بَكْرٍ بِالنّاسِ تِسْعَةَ أَيّامٍ مِنْهَا، ثُمّ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ مِنْهَا يُهَادِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ أُسَامَةَ وَالْفَضْلِ بْنِ عَبّاسٍ حَتّى صَلّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ رَوَاهُ الدّارَقُطْنِيّ، فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّهُ مَرِضَ عَشَرَةَ أَيّامٍ وَهُوَ غَرِيبٌ وَفِيهِ أَنّ أَحَدَ الرّجُلَيْنِ كَانَ أُسَامَةَ وَالْمَعْرُوفُ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ أَنّهُ كَانَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَفِيهِ صَلَاتُهُ عَلَيْهِ السّلَامُ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ.
حَدِيث الْعَبَّاس رَضِي الله عَنهُ:
فَصْلٌ وَذَكَرَ حَدِيثَ الْعَبّاسِ وَأَنّهُ قَالَ لَأَلُدّنّهُ فَلَدّوهُ وَحَسَبُوا أَنّ بِهِ ذَاتَ الْجَنْبِ فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنّ الْعَبّاسَ حَضَرَهُ وَلّدَهُ مَعَ مَنْ لَدّ. وَفِي الصّحِيحَيْنِ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «لَا يَبْقِيَنّ أَحَدٌ بِالْبَيْتِ إلّا لُدّ إلّا عَمّي الْعَبّاسُ فَإِنّهُ لَمْ يَشْهَدْكُمْ»، وَهَذِهِ أَصَحّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ إسْحَاقَ وَإِنّمَا لَدّوهُ لِأَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ قَدْ قَالَ «فِي الْقُسْطِ فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ يُلَدّ بِهِ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ وَيُسْعَطُ بِهِ مِنْ الْعَذِرَةِ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَمْسَةَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَنَحْنُ نَسْتَعْمِلُهُ فِي أَدْوِيَتِنَا كُلّهَا لَعَلّنَا نُصِيبُهَا، وَاللّدُودُ فِي جَانِبِ الْفَمِ مِنْ دَاخِلِهِ يَجْعَلُ هُنَاكَ الدّوَاءَ وَيُحَكّ بِالْإِصْبَعِ قَلِيلًا.
وَقَوْلُهُ فِي ذَاتِ الْجَنْبِ «ذَاكَ دَاءٌ مَا كَانَ اللهُ لِيَقْذِفَنِي بِهِ» وَقَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ الطّبَرِيّ لَهُ «أَنَا أَكْرَمُ عَلَى اللهِ مِنْ أَنْ يَقْذِفَنِي بِهَا» وَفِي رِوَايَةٍ وَقَامَتْ السّاعَةُ وَسَيَأْتِيكُمْ خَبَرُ بِئْرِ أَرِيسَ وَمَا بِئْرُ أَرِيسَ. قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيّبِ: ثُمّ هَلَكَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي خَطْمَةَ فَسُجّيَ بِثَوْبِ فَسَمِعُوا جَلْجَلَةً فِي صَدْرِهِ ثُمّ تَكَلّمَ فَقَالَ إنّ أَخَا بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ صِدْقٌ صِدْقٌ وَكَانَتْ وَفَاتُهُ فِي خِلَافَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَدْ عُرِضَ مِثْلُ هَذِهِ الْقِصّةِ لِرَبِيعِ بْنِ حِرَاشٍ أَخِي رِبْعِيّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ رِبْعِيّ: مَاتَ أَخِي فَسَجَيْنَاهُ وَجَلَسْنَا عِنْدَهُ فَبَيْنَمَا نَحْنُ كَذَلِك إذْ كَشَفَ الثّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمّ قَالَ السَّلَام عَلَيْكُم قلت: سُبْحَانَ اللهِ أَبَعْدَ الْمَوْتِ؟ قَالَ إنّي لَقِيت رَبّي فَتَلَقّانِي بِرَوْحِ وَرَيْحَانٍ وَرَبّ غَيْرِ غَضْبَانَ وَكَسَانِي ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ أَسْرِعُوا بِي إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَإِنّهُ قَدْ أَقَسَمَ أَنْ لَا يَبْرَحَ حَتّى آتِيَهُ وَأُدْرِكُهُ وَإِنّ الْأَمْرَ أَهْوَنُ مَا تَذْهَبُونَ إلَيْهِ فَلَا تَغْتَرّوا، ثُمّ وَاَللهِ كَأَنّمَا كَانَتْ نَفْسُهُ حَصَاةً فَأُلْقِيَتْ فِي طَسْتٍ
آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ
فَصْلٌ وَذَكَرَ أَنّ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ «اللهُمّ الرّفِيقَ الْأَعْلَى»
وَهَذَا مُنْتَزَعٌ مِنْ قَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {فَأُوْلَـٰئِكَ مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ ٱلنَّبِيِّينَ وَٱلصِّدِّيقِينَ} [النساء: 69] إلَى قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {وَحَسُنَ أُولَـٰئِكَ رَفِيقاً} [النّسَاءُ:69] فَهَذَا هُوَ الرّفِيقُ الْأَعْلَى، وَلَمْ يَقُلْ الرّفَقَاءُ لِمَا قَدّمْنَاهُ فِي هَذَا الْكِتَابِ مِمّا حَسُنَ ذَلِكَ مَعَ أَنّ أَهْلَ الْجَنّةِ يُدْخِلُونَهَا عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ فَهَذِهِ آخِرُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا عَلَيْهِ السّلَامُ وَهِيَ تَتَضَمّنُ مَعْنَى التّوْحِيدِ الّذِي يَجِبُ أَنْ يَكُونَ آخِرَ كَلَامِ الْمُؤْمِنِ لِأَنّهُ قَالَ {مَعَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِم} [النساء: 69] وَهُمْ أَصْحَابُ الصّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَهُمْ أَهْلُ لَا إلَهَ إلّا اللهُ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {ٱهْدِنَا ٱلصِّرَاطَ ٱلْمُسْتَقِيمَ (6) صِرَاطَ ٱلَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} [الْفَاتِحَة:6-7] ثُمّ بَيّنَ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدّمَةِ مِنْ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ فَذَكَرَهُمْ وَهُمْ الرّفِيقُ الْأَعْلَى الّذِي ذَكَرَهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خُيّرَ فَاخْتَارَ وَبَعْضُ الرّوَاةِ يَقُولُ عَنْ عَائِشَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ وَقَالَ «فِي الرّفِيقِ» وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى أَنّهُ قَالَ «اللهُمّ الرّفِيقَ»، وَأَشَارَ بِالسّبّابَةِ يُرِيدُ التّوْحِيدَ فَقَدْ دَخَلَ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ «مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلّا اللهُ دَخَلَ الْجَنّةَ»، وَلَا شَكّ أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَعَلَى دَرَجَاتِ الْجَنّةِ وَلَوْ لَمْ يُشِرْ وَلَكِنْ ذَكَرْنَا هَذَا لِئَلّا يَقُولَ الْقَائِلُ لِمَ لَمْ يَكُنْ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَأَوّلُ كَلِمَةٍ تَكَلّمَ بِهَا رَسُولُ اللهِ وَهُوَ مُسْتَرْضِعٌ عِنْدَ حَلِيمَةَ أَنْ قَالَ «اللهُ أَكْبَرُ » رَأَيْت ذَلِكَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْوَاقِدِيّ.
وَأَمّا آخِرَ مَا أَوْصَى بِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ بِأَنْ قَالَ «الصّلَاةَ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ» حَرّكَ لَهَا لِسَانَهُ وَمَا يَكَادُ يُبِينُ، وَفِي قَوْلِهِ «مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ قَوْلَانِ»: قِيلَ أَرَادَ الرّفْقَ بِالْمَمْلُوكِ وَقِيلَ أَرَادَ الزّكَاةَ لِأَنّهَا فِي الْقُرْآنِ مَقْرُونَةٌ بِالصّلَاةِ وَهِيَ مِنْ مِلْكِ الْيَمِينِ قَالَهُ الْخَطّابِيّ.
وَقَوْلُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا: “فَمِنْ سَفَهِي وَحَدَاثَةِ سِنّي أَنّهُ قُبِضَ فِي حِجْرِي فَوَضَعْت رَأْسَهُ عَلَى الْوِسَادَةِ وَقُمْت أَلْتَدِمُ مَعَ النّسَاءِ” الِالْتِدَامُ ضَرْبُ الْخَدّ بِالْيَدِ وَلَمْ يَدْخُلْ هَذَا فِي التّحْرِيمِ لِأَنّ التّحْرِيمَ إنّمَا وَقَعَ عَلَى الصّرَاخِ وَالنّوَاحِ وَلُعِنَتْ الْخَارِقَةُ وَالْحَالِقَةُ وَالصّالِقَةُ وَهِيَ الرّافِعَةُ لِصَوْتِهَا، وَلَمْ يَذْكُرْ اللّدْمَ لَكِنّهُ وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَإِنّهُ مَكْرُوهٌ فِي حَالِ الْمُصِيبَةِ وَتَرْكُهُ أَحْمَدُ إلّا عَلَى أَحْمَدَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

فَالصّبْرُ يُحْمَدَ فِي الْمَصَائِبِ كُلّهَا *** إلّا عَلَيْك فَإِنّهُ مَذْمُومُ
وَقَدْ كَانَ يُدْعَى لَابِسُ الصّبْرِ حَازِمًا *** فَأَصْبَحَ يُدْعَى حَازِمًا حِينَ يَجْزَعُ

مَتَى تُوُفّيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
وَاتّفَقُوا أَنّهُ تُوُفّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ إلّا شَيْئًا ذَكَرَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ الْأَرْبِعَاءِ قَالُوا كُلّهُمْ وَفِي رَبِيعٍ الْأَوّلِ غَيْرَ أَنّهُمْ قَالُوا، أَوْ قَالَ أَكْثَرُهُمْ فِي الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ وَلَا يَصِحّ أَنْ يَكُونَ تُوُفّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلّا فِي الثّانِي مِنْ الشّهْرِ أَوْ الثّالِثَ عَشَرَ أَوْ الرّابِعَ عَشَرَ أَوْ الْخَامِسَ عَشَرَ لِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنّ وَقْفَةَ عَرَفَةَ فِي حَجّةِ الْوَدَاعِ كَانَتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَهُوَ التّاسِعُ مِنْ ذِي الْحَجّةِ فَدَخَلَ ذُو الْحَجّةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَكَانَ الْمُحَرّمُ إمّا الْجُمُعَةُ وَإِمّا السّبْتُ فَإِنْ كَانَ الْجُمُعَةُ فَقَدْ كَانَ صَفَرٌ إمّا السّبْتُ وَإِمّا الْأَحَدُ فَإِنْ كَانَ السّبْتُ فَقَدْ كَانَ رَبِيعٌ الْأَحَدَ أَوْ الِاثْنَيْنِ وَكَيْفَا دَارَتْ الْحَالُ عَلَى هَذَا الْحِسَابِ فَلَمْ يَكُنْ الثّانِي عَشَرَ مِنْ رَبِيعٍ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ بِوَجْهِ وَلَا الْأَرْبِعَاءَ أَيْضًا كَمَا قَالَ الْقُتَبِيّ وَذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ أَنّهُ تُوُفّيَ فِي الثّانِي مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهَذَا الْقَوْلُ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ أَهْلِ الْجُمْهُورِ فَإِنّهُ لَا يُبْعَدُ أَنْ كَانَتْ الثّلَاثَةُ الْأَشْهُرُ الّتِي قَبْلَهُ كُلّهَا مِنْ تِسْعَةٍ وَعِشْرِينَ فَتَدَبّرْهُ فَإِنّهُ صَحِيحٌ وَلَمْ أَرَ أَحَدًا تَفَطّنَ لَهُ وَقَدْ رَأَيْت لِلْخَوَارِزْمِيّ أَنّهُ تُوُفّيَ عَلَيْهِ السّلَامُ فِي أَوّلِ يَوْمٍ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوّلِ وَهَذَا أَقْرَبُ فِي الْقِيَاسِ بِمَا ذَكَرَ الطّبَرِيّ عَنْ ابْنِ الْكَلْبِيّ وَأَبِي مِخْنَفٍ.
السّوَاكُ
فَصْلٌ وَذَكَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أَنّهَا نَاوَلَتْهُ السّوَاكَ حِينَ رَأَتْهُ يَنْظُرُ إلَيْهِ فَاسْتَاك بِهِ وَفِيهِ مِنْ الْفِقْهِ التّنَظّفُ وَالتّطَهّرُ لِلْمَوْتِ وَلِذَلِكَ يُسْتَحَبّ الِاسْتِحْدَادُ لِمَنْ اسْتَشْعَرَ الْقَتْلَ أَوْ الْمَوْتَ كَمَا فَعَلَ خُبَيْبٌ لِأَنّ الْمَيّتَ قَادِمٌ عَلَى رَبّهِ كَمَا أَنّ الْمُصَلّيَ مُنَاجٍ لِرَبّهِ فَالنّظَافَةُ مِنْ شَأْنِهِمَا، وَفِي الْحَدِيثِ «إنّ اللهَ نَظِيفٌ يُحِبّ النّظَافَةَ» خَرّجَهُ التّرْمِذِيّ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُولَ السّنَدِ، فَإِنّ مَعْنَاهُ صَحِيحٌ وَلَيْسَ النّظِيفُ مِنْ أَسْمَاءِ الرّبّ وَلَكِنّهُ حَسُنَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِازْدِوَاجِ الْكَلَامِ وَلِقُرْبِ مَعْنَى النّظَافَةِ مِنْ مَعْنَى الْقُدُسِ، وَمِنْ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ الْقُدّوسُ وَكَانَ السّوَاكُ الْمَذْكُورُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ عَسِيبِ نَخْلٍ فِيمَا رَوَى بَعْضُهُمْ وَالْعَرَبُ تَسْتَاكُ بِالْعَسِيبِ وَكَانَ أَحَبّ السّوَاكِ إلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صُرْعُ الْأَرَاكِ، وَاحِدُهَا صَرِيعٌ وَهُوَ قَضِيبٌ يَنْطَوِي مِنْ الْأَرَاكَةِ حَتّى يَبْلُغَ التّرَابَ فَيَبْقَى فِي ظِلّهَا فَهُوَ أَلْيَنُ مِنْ فَرْعِهَا.
وَمِمّا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللهُ عَنْهَا – فِي مَعْنَى قَوْلِهَا: بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي، أَنّهَا قَالَتْ قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ حَاقِنَتِي وَدَاقِنَتِي فَالْحَاقِنَةُ الثّغْرَةُ وَالدّاقِنَةُ تَحْتَ الدّقْنِ وَيُقَالُ لَهَا: النّونَةُ أَيْضًا. وَرُوِيَ أَيْضًا: بَيْنَ شَجْرِي -بِالشّيْنِ وَالْجِيمِ- وَنَحْرِي، وَسُئِلَ عُمَارَةُ بْنُ عُقَيْلٍ عَنْ مَعْنَاهُ فَشَبّكَ بَيْنَ أَصَابِعِ يَدَيْهِ وَضَمّهَا إلَى نَحْرِهِ.
وَغُسّلَ عَلَيْهِ السّلَامُ حِينَ قُبِضَ مِنْ بِئْرٍ لِسَعْدِ بْنِ خَيْثَمَةَ يُقَالُ لَهَا: بِئْرُ الْغَرْسِ.
كَرَامَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ
فَصْلٌ
وَذَكَرَ أَنّهُمْ كُلّمُوا حِينَ أَرَادُوا نَزْعَ قَمِيصِهِ لِلْغُسْلِ وَكُلّهُمْ سَمِعَ الصّوْتَ وَلَمْ يُرَ الشّخْصُ وَذَلِكَ مِنْ كَرَامَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ آيَاتِ نُبُوّتِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فَقَدْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ السّلَامُ كَرَامَاتٌ وَمُعْجِزَاتٌ فِي حَيَاتِهِ وَقَبْلَ مَوْلِدِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللهُ فِي التّمْهِيدِ مِنْ طُرُقٍ صِحَاحٍ أَنّ أَهْلَ بَيْتِهِ سَمِعُوا وَهُوَ مُسَجّى بَيْنَهُمْ قَائِلًا يَقُولُ «السّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ يَا أَهْلَ الْبَيْتِ إنّ فِي اللهِ عِوَضًا مِنْ كُلّ تَالِفٍ وَخَلَفًا مِنْ كُلّ هَالِكٍ وَعَزَاءً مِنْ كُلّ مُصِيبَةٍ فَاصْبِرُوا وَاحْتَسِبُوا، إنّ اللهَ مَعَ الصّابِرِينَ وَهُوَ حَسْبُنَا، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» قَالَ فَكَانُوا يَرَوْنَ أَنّهُ الْخَضِرُ صَلّى اللهُ عَلَى نَبِيّنَا وَعَلَيْهِ وَمِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنّ الْفَضْلَ بْنَ عَبّاسٍ كَانَ يُغَسّلُهُ هُوَ وَعَلِيّ، فَجَعَلَ الْفَضْلُ وَهُوَ يَصُبّ الْمَاءَ يَقُولُ أَرِحْنِي أَرِحْنِي، فَإِنّي أَجِدُ شَيْئًا يَتَنَزّلُ عَلَى ظَهْرِي.
وَمِنْهَا أَنّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ لَمْ يَظْهَرْ مِنْهُ شَيْءٌ مِمّا يَظْهَرُ مِنْ الْمَوْتَى، وَلَا تَغَيّرَتْ لَهُ رَائِحَةٌ وَقَدْ طَالَ مُكْثُهُ فِي الْبَيْتِ قَبْلَ أَنْ يُدْفَنَ وَكَانَ مَوْتُهُ فِي شَهْرِ أَيْلُولَ فَكَانَ طَيّبًا حَيّا وَمَيّتًا، وَإِنْ كَانَ عَمّهُ الْعَبّاسُ قَدْ قَالَ لِعَلِيّ إنّ ابْنَ أَخِي مَاتَ لَا شَكّ وَهُوَ مِنْ بَنِي آدَمَ يَأْسُنُ كَمَا يَأْسِنُونَ فَوَارَوْهُ. وَكَانَ مِمّا زَادَ الْعَبّاسُ يَقِينًا بِمَوْتِهِ عَلَيْهِ السّلَامُ أَنّهُ كَانَ قَدْ رَأَى قَبْلَ ذَلِكَ بِيَسِيرِ كَأَنّ الْقَمَرَ رُفِعَ مِنْ الْأَرْضِ إلَى السّمَاءِ بِأَشْطَانِ فَقَصّهَا عَلَى نَبِيّ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهُ «هُوَ ابْنُ أَخِيك».
وَرَوَى يُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ فِي السّيرَةِ أَنّ أُمّ سَلَمَةَ قَالَتْ وَضَعْت يَدِي عَلَى صَدْرِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مَيّتٌ فَمَرّتْ عَلَيّ جُمَعٌ لَا آكُلُ وَلَا أَتَوَضّأُ إلّا وَجَدْت رِيحَ الْمِسْكِ مِنْ يَدِي، وَفِي رِوَايَتِهِ أَيْضًا: أَنّ عَلِيّا نُودِيَ وَهُوَ يُغَسّلُهُ أَنْ ارْفَعْ طَرَفَك إلَى السّمَاءِ. وَفِيهَا أَيْضًا أَنّ عَلِيّا وَالْفَضْلَ حِينَ انْتَهَيَا فِي الْغُسْلِ إلَى أَسْفَلِهِ سَمِعُوا مُنَادِيًا يَقُولُ لَا تَكْشِفُوا عَوْرَةَ نَبِيّكُمْ عَلَيْهِ السّلَامُ.
مُوَازَنَةٌ بَيْنَ عُمَرَ وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ رَضِي الله عَنْهُمَا:
وَأَمّا جَزَعُ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَقَوْلُهُ وَاَللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيَرْجِعَنّ كَمَا رَجَعَ مُوسَى عَلَيْهِ السّلَامُ حَتّى كَلّمَهُ أَبُو بَكْرٍ رَحِمَهُ اللهُ وَذَكّرَهُ بِالْآيَةِ فَعَقِرَ حَتّى سَقَطَ إلَى الْأَرْضِ وَمَا كَانَ مِنْ ثَبَاتِ جَأْشِ أَبِي بَكْرٍ وَقُوّتِهِ فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ فَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الصّدّيقُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ مِنْ شِدّةِ التّأَلّهِ وَتَعَلّقِ الْقَلْبِ بِالْإِلَهِ وَلِذَلِكَ قَالَ لَهُمْ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا، فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنّ اللهَ حَيّ لَا يَمُوتُ. وَمَنْ قُوّةِ تَأَلّهِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ حِينَ أَجْمَعَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَدّ جَيْشِ أُسَامَةَ حِينَ رَأَوْا الرّدّةَ قَدْ اسْتَعَرَتْ نَارُهَا، وَخَافُوا عَلَى نِسَاءِ الْمَدِينَةِ وَذَرَارِيّهَا، فَقَالَ وَاَللهِ لَوْ لَعِبَتْ الْكِلَابُ بِخَلَاخِلِ نِسَاءِ الْمَدِينَةِ، مَا رَدَدْت جَيْشًا أَنْفَذَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَلّمَهُ عُمَرُ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَكَانَ أَشَدّ شَيْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُخَالِفَ رَأْيُهُ رَأْيَ سَالِمٍ فَكَلّمُوهُ أَنْ يَدَعَ لِلْعَرَبِ زَكَاةَ ذَلِكَ الْعَامِ تَأَلّفًا لَهُمْ حَتّى يَتَمَكّنَ لَهُ الْأَمْرُ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلّفُهُمْ وَكَلّمَهُ عُمَرُ أَنْ يُوَلّيَ مَكَانَ أُسَامَةَ مَنْ هُوَ أَسَنّ مِنْهُ وَأَجْلَدُ فَأَخَذَ بِلِحْيَةِ عُمَرَ وَقَالَ لَهُ يَا ابْنَ الْخَطّابِ أَتَأْمُرُنِي أَنْ أَكُونَ أَوّلَ حَالّ عَقْدًا عَقَدَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاَللهِ لَأَنْ أَخِرّ مِنْ السّمَاءِ إلَى الْأَرْضِ فَتَخْطَفُنِي الطّيْرُ أَحَبّ إلَيّ مِنْ أَنْ أُمَالِئَكُمْ عَلَى هَذَا الرّأْيِ وَقَالَ لَهُمْ وَاَللهِ لَوْ أَفْرَدْت مِنْ جَمِيعِكُمْ لَقَاتَلْتهمْ وَحْدِي حَتّى تَنْفَرِدَ سَالِفَتِي، وَلَوْ مَنَعُونِي عِقَالًا، لَجَاهَدْتهمْ عَلَيْهِ أَوَفِي شَكّ أَنْتُمْ أَنّ وَعَدَ اللهِ لَحَقّ. وَإِنّ قَوْلَهُ لَصِدْقٌ وَلَيُظْهِرَنّ اللهُ هَذَا الدّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ. ثُمّ خَرَجَ وَحْدَهُ إلَى ذِي الْقِصّةِ حَتّى اتّبَعُوهُ وَسَمِعَ الصّوْتَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي كُلّ قَبِيلَةٍ أَلَا إنّ الْخَلِيفَةَ قَدْ تَوَجّهَ إلَيْكُمْ الْهَرَبَ الْهَرَبَ حَتّى اتّصَلَ الصّوْتُ مِنْ يَوْمِهِ بِبِلَادِ حِمْيَرَ، وَكَذَلِكَ فِي أَكْثَرِ أَحْوَالِهِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ كَانَ يَلُوحُ الْفَرَقُ فِي التّأَلّهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ حِينَ قَالَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «سَمِعْتُك وَأَنْتَ تَخْفِضُ مِنْ صَوْتِك» يَعْنِي فِي صَلَاةِ اللّيْلِ فَقَالَ قَدْ أَسْمَعْت مَنْ نَاجَيْت، وَقَالَ لِلْفَارُوقِ سَمِعْتُك وَأَنْتَ تَرْفَعُ مِنْ صَوْتِك، فَقَالَ كَيْ أَطْرُدَ الشّيْطَانَ وَأُوقِظَ الْوَسْنَانَ.
قَالَ عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ هَوَازِنَ الْقُشَيْرِيّ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ اُنْظُرُوا إلَى فَضْلِ الصّدّيقِ عَلَى الْفَارُوقِ هَذَا فِي مَقَامِ الْمُجَاهَدَةِ وَهَذَا فِي بِسَاطِ الْمُشَاهَدَةِ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَقَالَتَهُ لِلنّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَهُوَ مَعَهُ فِي الْعَرِيشِ وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ الصّدَقَةِ حِينَ رَغِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا، فَجَاءَ عُمَرُ بِنِصْفِ مَالِهِ وَجَاءَ الصّدّيقُ بِجَمِيعِ مَالِهِ فَقَالَ لَهُ النّبِيّ عَلَيْهِ السّلَامُ «مَا أَبْقَيْت لِأَهْلِك» قَالَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَكَذَلِكَ فَعَلَهُ فِي قِسْمِ الْفَيْءِ حِينَ سَوّى بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ هُمْ إخْوَةٌ أَبُوهُمْ الْإِسْلَامُ فَهُمْ فِي هَذَا الْفَيْءِ أُسْوَةٌ وَأُجُورُ أَهْلِ السّوَابِقِ عَلَى اللهِ. وَفَضْلُ عُمَرَ فِي قَسْمِ الْفَيْءِ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ عَلَى حَسَبِ سَوَابِقِهِمْ ثُمّ قَالَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ لَئِنْ بَقِيت إلَى قَابِلٍ لَأُسَوّيَنّ بَيْنَ النّاسِ وَأَرَادَ الرّجُوعَ إلَى رَأْيِ أَبِي بَكْرٍ ذَكَرَهُ أَبُو عُبَيْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَعَنْ جَمِيعِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ–
مَا حَدَثَ لِلصّحَابَةِ عَقِبَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا وَغَيْرِهَا مِنْ الصّحَابَةِ أَنّ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمّا قُبِضَ وَارْتَفَعَتْ الرّنّةُ وَسَجّى رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَلَائِكَةَ دُهِشَ النّاسُ وَطَاشَتْ عُقُولُهُمْ وَأُقْحِمُوا، وَاخْتَلَطُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ خُبِلَ وَمِنْهُمْ مَنْ أُصْمِتَ وَمِنْهُمْ مَنْ أُقْعِدَ إلَى أَرْضٍ فَكَانَ عُمَرُ مِمّنْ خُبِلَ وَجَعَلَ يَصِيحُ وَيَحْلِفُ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ مِمّنْ أُخْرِسَ عُثْمَانُ بْنُ عَفّانَ حَتّى جَعَلَ يُذْهَبُ بِهِ وَيُجَاءُ وَلَا يَسْتَطِيعُ كَلَامًا، وَكَانَ مِمّنْ أُقْعِدَ عَلِيّ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَلَمْ يَسْتَطِعْ حَرَاكًا، وَأَمّا عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، فَأُضْنِيَ حَتّى مَاتَ كَمَدًا، وَبَلَغَ الْخَبَرُ أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَهُوَ بِالسّنْحِ فَجَاءَ وَعَيْنَاهُ نَهْمُلَانَ وَزَفَرَاتُهُ تَتَرَدّدُ فِي صَدْرِهِ وَغُصَصُهُ تَرْتَفِعُ كَقِطَعِ الْجِرّةِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ جَلْدُ الْعَقْلِ وَالْمَقَالَةِ حَتّى دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكَبّ عَلَيْهِ وَكَشَفَ وَجْهَهُ وَمَسَحَهُ وَقَبّلَ جَبِينَهُ وَجَعَلَ يَبْكِي، وَيَقُولُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمّي طِبْت حَيّا وَمَيّتًا، وَانْقَطَعَ لِمَوْتِك مَا لَمْ يَنْقَطِعْ لِمَوْتِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ النّبُوّةِ فَعَظُمْت عَنْ الصّفّةِ وَجَلَلْت عَنْ الْبُكَاءِ وَخَصَصْت حَتّى صِرْت مَسْلَاةً وَعَمَمْت حَتّى صِرْنَا فِيك سَوَاءً وَلَوْ أَنّ مَوْتَك كَانَ اخْتِيَارًا لَجُدْنَا لِمَوْتِك بِالنّفُوسِ وَلَوْلَا أَنّك نَهَيْت عَنْ الْبُكَاءِ لَأَنْفَدْنَا عَلَيْك مَاءَ الشّؤُونِ فَأَمّا مَا لَا نَسْتَطِيعُ نَفِيَهُ فَكَمَدٌ وَإِدْنَافٌ يَتَحَالَفَانِ لَا يَبْرَحَانِ اللهُمّ أَبْلِغْهُ عَنّا، اُذْكُرْنَا يَا مُحَمّدُ عِنْدَ رَبّك، وَلْنَكُنْ مِنْ بَالِك، فَلَوْلَا مَا خَلّفْت مِنْ السّكِينَةِ لَمْ نَقُمْ لِمَا خَلّفْت مِنْ الْوَحْشَةِ اللهُمّ أَبْلِغْ نَبِيّك عَنّا، وَاحْفَظْهُ فِينَا، ثُمّ خَرَجَ لَمّا قَضَى النّاسُ غَمَرَاتِهِمْ وَقَامَ خَطِيبًا فِيهِمْ بِخُطْبَةِ جُلّهَا الصّلَاةُ عَلَى النّبِيّ مُحَمّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِيهَا: “أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنّ مُحَمّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَاتَمُ أَنْبِيَائِهِ وَأَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ وَأَنّ الدّينَ كَمَا شُرِعَ وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ وَأَنّ الْقَوْلَ كَمَا قَالَ وَأَنّ اللهَ هُوَ الْحَقّ الْمُبِينُ” فِي كَلَامٍ طَوِيلٍ ثُمّ قَالَ أَيّهَا النّاسُ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمّدًا، فَإِنّ مُحَمّدًا قَدْ مَاتَ وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللهَ فَإِنّ اللهَ حَيّ لَمْ يَمُتْ وَأَنّ اللهَ قَدْ تَقَدّمَ لَكُمْ فِي أَمْرِهِ فَلَا تَدْعُوهُ جَزَعًا، وَأَنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ اخْتَارَ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ مَا عِنْدَهُ عَلَى مَا عِنْدَكُمْ وَقَبَضَهُ إلَى ثَوَابِهِ وَخَلّفَ فِيكُمْ كِتَابَهُ وَسُنّةَ نَبِيّهِ فَمَنْ أَخَذَ بِهِمَا عَرَفَ وَمَنْ فَرّقَ بَيْنَهُمَا أَنْكَرَ {يَٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ} [النّسَاءُ:135] وَلَا يَشْغَلَنّكُمْ الشّيْطَانُ بِمَوْتِ نَبِيّكُمْ وَلَا يَلْفِتَنّكُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَعَاجِلُوا الشّيْطَانَ بِالْخِزْيِ تُعْجِزُوهُ وَلَا تَسْتَنْظِرُوهُ فَيَلْحَقَ بِكَمْ. فَلَمّا فَرَغَ مِنْ خُطْبَتِهِ قَالَ يَا عُمَرُ أَأَنْتَ الّذِي بَلَغَنِي عَنْك أَنّك تَقُولُ عَلَى بَابِ نَبِيّ اللهِ وَاَلّذِي نَفْسُ عُمَرَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ نَبِيّ اللهِ أَمّا عَلِمْت أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ كَذَا: كَذَا، وَكَذَا، وَقَالَ اللهُ عَزّ وَجَلّ فِي كِتَابِهِ {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ} [الزّمَرُ:30] فَقَالَ عُمَرُ وَاَللهِ لَكَأَنّي لَمْ أَسْمَعْ بِهَا فِي كِتَابِ اللهِ تَعَالَى قَبْلَ الْآنَ لَمَا نَزَلَ بِنَا، أَشْهَدُ أَنّ الْكِتَابَ كَمَا نَزَلَ وَأَنّ الْحَدِيثَ كَمَا حُدّثَ وَأَنّ اللهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيّ لَا يَمُوتُ إنّا لِلّهِ وَإِنّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَى رَسُولِهِ وَعِنْدَ اللهِ نَحْتَسِبُ رَسُولَهُ.
وَقَالَ عُمَرُ فِيمَا كَانَ مِنْهُ

لَعَمْرِي لَقَدْ أَيْقَنْت أَنّك مَيّتٌ *** وَلَكِنّمَا أَبْدَى الّذِي قُلْته الْجَزَعْ
وَقُلْت يَغِيبُ الْوَحْيُ عَنّا لِفَقْدِهِ *** كَمَا غَابَ مُوسَى، ثُمّ يَرْجِعْ كَمَا رَجَعَ
وَكَانَ هَوَايَ أَنْ تَطُولَ حَيَاتُهُ *** وَلَيْسَ لِحَيّ فِي بَقَا مَيّتٍ طَمَعْ
فَلَمّا كَشَفْنَا الْبُرْدَ عَنْ حُرّ وَجْهِهِ *** إذَا الْأَمْرُ بِالْجَزَعِ الْمُوهِبِ قَدْ وَقَعْ
فَلَمْ تَكُ لِي عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حِيلَةٌ *** أَرُدّ بِهَا أَهْلَ الشّمَاتَةِ وَالْقَذَعْ
سِوَى آذَنَ اللهُ فِي كِتَابِهِ *** وَمَا آذَنَ اللهُ الْعِبَادَ بِهِ يَقَعْ
وَقَدْ قَلّتْ مِنْ بَعْدِ الْمَقَالَةِ قَوْلَةً *** لَهَا فِي حُلُوقِ الشّامِتِينَ بِهِ بَشَعْ