16 هـ
637 م
ذكر ما جمع من فيء أهل المدائن

كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن محمد وَالْمُهَلَّبِ وَعُقْبَةَ وَعَمْرٍو وَأَبِي عُمَرَ وَسَعِيدٍ، قَالُوا: نَزَلَ سَعْدٌ إِيوَانَ كِسْرَى، وَقَدِمَ زَهْرَةَ …

وَأَمَرَهُ أَنْ يَبْلُغَ النَّهْرَوَانَ فَبَعَثَ فِي كُلِّ وَجْهٍ مِقْدَارَ ذَلِكَ لِنَفِي الْمُشْرِكِينَ وَجَمْعِ الْفُيُوءِ، ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى الْقَصْرِ بَعْدَ ثَالِثَةٍ، وَوَكَّلَ بِالأَقْبَاضِ عمرو بن عمرو ابن مُقَرِّنٍ، وَأَمَرَهُ بِجَمْعِ مَا فِي الْقَصْرِ وَالإِيوَانِ وَالدُّورِ وَإِحْصَاءِ مَا يَأْتِيهِ بِهِ الطَّلَبُ، وَقَدْ كَانَ أَهْلُ الْمَدَائِنِ تَنَاهَبُوا عِنْدَ الْهَزِيمَةِ غَارَةً، ثُمَّ طَارُوا فِي كُلِّ وَجْهٍ، فَمَا أَفْلَتَ احد منهم بشيء لم يكن في عسكر مهران بالنهروان وَلا بِخَيْطٍ وَأَلَحَّ عَلَيْهِمُ الطَّلَبُ فَتَنَقَّذُوا مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَرَجَعُوا بِمَا أَصَابُوا مِنَ الأَقْبَاضِ، فَضَمُّوهُ إِلَى مَا قَدْ جُمِعَ، وَكَانَ أَوَّلُ شَيْءٍ جُمِعَ يَوْمَئِذٍ مَا فِي الْقَصْرِ الأَبْيَضِ وَمَنَازِلِ كِسْرَى وَسَائِرِ دُورِ الْمَدَائِنِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن الأعمش، عن حبيب بْن صهبان، قال: دخلنا المدائن، فأتينا على قباب تركية مملوءة سلالا مختمة بالرصاص، فما حسبناها إلا طعاما، فإذا هي آنية الذهب والفضة فقسمت بعد بين الناس وقال حبيب: وقد رأيت الرجل يطوف ويقول: من معه بيضاء بصفراء؟ وأتينا على كافور كثير، فما حسبناه إلا ملحا، فجعلنا نعجن به حتى وجدنا مرارته في الخبز.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن النضر بن السري، عن ابن الرفيل، عن أبيه الرفيل بْن ميسور، قال: خرج زهرة في المقدمة يتبعهم حتى انتهى إلى جسر النهروان، وهم عليه، فازدحموا، فوقع بغل في الماء فعجلوا وكلبوا عليه، فقال زهرة: إني أقسم بالله إن لهذا البغل لشأنا! ما كلب القوم عليه ولا صبروا للسيوف بهذا الموقف الضنك إلا لشيء بعد ما أرادوا تركه، وإذا الذي عليه حلية كسرى، ثيابه وخرزاته ووشاحه ودرعه التي كان فيها الجوهر، وكان يجلس فيها للمباهاة، وترجل زهرة يومئذ حتى إذا أزاحهم أمر أصحابه بالبغل فاحتملوه، فأخرجوه فجاءوا بما عليه، حتى رده إلى الاقباض، ما يدرون ما عليه، وارتجز يومئذ زهرة:

فدى لقومي اليوم أخوالي وأعمامي *** هم كرهوا بالنهر خذلاني وإسلامي
هم فلجوا بالبغل في الخصام       ***       بكل قطاع شئون الهام

وصرعوا الفرس على الآكام        ***        كأنهم نعم من الأنعام

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن هبيرة بْن الأشعث، عن جده الكلج، قال: كنت فيمن خرج في الطلب، فإذا أنا ببغالين قد ردا الخيل عنهما بالنشاب، فما بقي معهما غير نشابتين، فألظظت بهما، فاجتمعا، فقال أحدهما لصاحبه: ارمه وأحميك، أو أرميه وتحميني!
فحمى كل واحد منهما صاحبه حتى رميا بها ثم إني حملت عليهما فقتلتهما وجئت بالبغلين ما أدري ما عليهما، حتى أبلغتهما صاحب الأقباض، وإذا هو يكتب ما يأتيه به الرجال وما كان في الخزائن والدور، فقال: على رسلك حتى ننظر ما معك! فحططت عنهما، فإذا سفطان على أحد البغلين فيهما تاج كسرى مفسخا- وكان لا يحمله إلا أسطوانتان- وفيهما الجوهر، وإذا على الآخر سفطان فيهما ثياب كسرى التي كان يلبس من الديباج المنسوج بالذهب المنظوم بالجوهر وغير الديباج منسوجا منظوما.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة والمهلب، قالوا: وخرج القعقاع بْن عمرو يومئذ في الطلب، فلحق بفارسي يحمي الناس، فاقتتلا فقتله، وإذا مع المقتول جنيبة عليها عيبتان وغلافان في أحدهما خمسة أسياف وفي الآخر ستة أسياف، وإذا في العيبتين أدراع، فإذا في الأدراع درع كسرى ومغفره وساقاه وساعداه، ودرع هرقل، ودرع خاقان ودرع داهر ودرع بهرام شوبين ودرع سياوخش ودرع النعمان، وكانوا استلبوا ما لم يرثوا، استلبوها أيام غزاتهم خاقان وهرقل وداهر، وأما النعمان وبهرام فحين هربا وخالفا كسرى، وأما أحد الغلافين ففيه سيف كسرى وهرمز وقباذ وفيروز، وإذا السيوف الأخر، سيف هرقل وخاقان وداهر وبهرام وسياوخش والنعمان فجاء به إلى سعد، فقال: اختر أحد هذه الأسياف، فاختار سيف هرقل، وأعطاه درع بهرام، وأما سائرها فنفلها في الخرساء إلا سيف كسرى والنعمان- ليبعثوا بهما إلى عمر لتسمع بذلك العرب لمعرفتهم بهما، وحبسوهما في الأخماس- وحلي كسرى وتاجه وثيابه، ثم بعثوا بذلك إلى عمر ليراه المسلمون، ولتسمع بذلك العرب، وعلى هذا الوجه سلب خالد بْن سعيد عمرو بْن معد يكرب سيفه الصمصامة في الردة والقوم يستحيون من ذلك.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن عبيدة بْن معتب، عن رجل من بني الحارث بْن طريف، عن عصمة بْن الحارث الضبي، قال: خرجت فيمن خرج يطلب، فأخذت طريقا مسلوكا وإذا عليه حمار،فلما رآني حثه فلحق بآخر قدامه، فمالا، وحثا حماريهما، فانتهيا إلى جدول قد كسر جسره، فثبتا حتى أتيتهما، ثم تفرقا، ورماني أحدهما فألظظت به فقتلته وأفلت الآخر، ورجعت إلى الحمارين، فأتيت بهما صاحب الأقباض، فنظر فيما على أحدهما، فإذا سفطان في أحدهما فرس من ذهب مسرج بسرج من فضة، على ثفره ولببه الياقوت، والزمرد منظوم على الفضة، ولجام كذلك، وفارس من فضة مكلل بالجوهر، وإذا في الآخر ناقة من فضة، عليها شليل من ذهب، وبطان من ذهب ولها شناق- أو زمام- من ذهب، وكل ذلك منظوم بالياقوت، وإذا عليها رجل من ذهب مكلل بالجوهر، كان كسرى يضعهما إلى أسطوانتي التاج.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن هبيرة بْن الأشعث، عن أبي عبيدة العنبري، قال: لما هبط المسلمون المدائن، وجمعوا الأقباض، أقبل رجل بحق معه، فدفعه إلى صاحب الأقباض، فقال والذين معه:
ما رأينا مثل هذا قط، ما يعد له ما عندنا ولا يقاربه، فقالوا: هل أخذت منه شيئا؟ فقال: أما والله لولا اللَّه ما أتيتكم به، فعرفوا أن للرجل شأنا، فقالوا: من أنت؟ فقال: لا والله لا أخبركم لتحمدوني، ولا غيركم ليقرظوني، ولكني أحمد اللَّه وأرضى بثوابه فأتبعوه رجلا حتى انتهى إلى أصحابه، فسأل عنه، فإذا هو عامر بْن عبد قيس.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عَنْ مُحَمَّدٍ وَطَلْحَةَ وَالْمُهَلَّبِ وَعَمْرٍو وَسَعِيدٍ، قَالُوا: قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ إِنَّ الْجَيْشَ لَذُو أَمَانَةٍ، وَلَوْلا مَا سَبَقَ لأَهْلِ بَدْرٍ لَقُلْتُ: وَايْمُ اللَّهِ- عَلَى فَضْلِ أَهْلِ بَدْرٍ- لَقَدْ تَتَبَّعْتُ مِنْ أَقْوَامِ مِنْهُمْ هَنَات وَهَنَات فِيمَا أَحْرَزُوا، مَا أَحْسَبُهَا وَلا أَسْمَعُهَا مِنْ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عن سيف، عن مبشر بن الفضيل، عن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: وَاللَّهِ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ، مَا اطَّلَعْنَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْقَادِسِيَّةِ، أَنَّهُ يُرِيدُ الدُّنْيَا مَعَ الآخِرَةِ، وَلَقَدِ اتَّهَمْنَا ثَلاثَةَ نَفَرٍ، فَمَا رَأَيْنَا كَالَّذِي هَجَمْنَا عَلَيْهِ مِنْ أَمَانَتِهِمْ وَزُهْدِهِمْ: طليحة بن خويلد، وعمرو بن معد يكرب، وَقَيْسَ بْنَ الْمَكْشُوحِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شعيب، عن سيف، عن مخلد بن قيس الْعِجْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا قُدِمَ بِسَيْفِ كِسْرَى عَلَى عُمَرَ وَمِنْطِقَتِهِ وَزِبْرِجِهِ، قَالَ: إِنَّ أَقْوَامًا أَدَّوْا هَذَا لَذَوُو أَمَانَةٍ! [فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّكَ عَفَفْتَ فَعَفَّتِ الرَّعِيَّةُ] .
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَمْرٍو وَالْمُجَالِدِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ حِينَ نَظَرَ إِلَى سِلاحِ كِسْرَى: إِنَّ أَقْوَامًا أَدَّوْا هَذَا لَذُوُو أَمَانَةٍ.