9 هـ
630 م
ذكر لي أن أبا عبيدة ذكره في مقاتل الفرسان

قِصَّةُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ الطَّائِيِّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ فِي الصَّحِيحِ: وَفْدُ طَيِّئٍ وَحَدِيثُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ …

حَدَّثَنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، حَدثنَا أَبُو عوَانَة، حَدثنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عُمَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: أَتَيْنَا عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ فِي وَفْدٍ فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلًا رَجُلًا يُسَمِّيهِمْ، فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى أَسْلَمْتَ إِذْ كَفَرُوا، وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا، وَوَفَيْتَ إِذْ غَدَرُوا، وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا.
فَقَالَ عَدِيٌّ: لَا أُبَالِي إِذًا.
وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَأَمَّا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ فَكَانَ يَقُولُ فِيمَا بَلَغَنِي: مَا رَجُلٌ مِنَ الْعَرَبِ كَانَ أَشَدَّ كَرَاهَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ بِهِ مِنِّي، أما أَنا فَكنت امْرَءًا شريفا وَكنت نصراينا، وَكُنْتُ أَسِيرُ فِي قَوْمِي بِالْمِرْبَاعِ وَكُنْتُ فِي نَفْسِي عَلَى دِينٍ، وَكُنْتُ مَلِكًا فِي قَوْمِي لِمَا كَانَ يُصْنَعُ بِي.
فَلَمَّا سَمِعْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُهُ، فَقُلْتُ لِغُلَامٍ كَانَ لِي عَرَبِيٍّ وَكَانَ رَاعِيًا لِإِبِلِي: لَا أَبًا لَكَ، أُعْدُدْ لِي مِنْ إِبِلِي أَجْمَالًا ذُلُلًا سِمَانًا فَاحْتَبِسْهَا قَرِيبًا مِنِّي، فَإِذَا سَمِعْتَ بِجَيْشٍ لِمُحَمَّدٍ قَدْ وَطِئَ هَذِهِ الْبِلَادَ فَآذِنِّي.
فَفَعَلَ.
ثُمَّ أَنَّهُ أَتَانِي ذَاتَ غَدَاةٍ فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، مَا كُنْتَ صَانِعًا إِذَا غَشِيَتْكَ خَيْلُ مُحَمَّدٍ فَاصْنَعْهُ الْآنَ، فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رَايَاتٍ فَسَأَلْتُ عَنْهَا فَقَالُوا: هَذِهِ جُيُوشُ مُحَمَّدٍ.
قَالَ: قُلْتُ: فَقَرِّبْ إِلَى أَجْمَالِي.
فَقَرَّبَهَا.
فَاحْتَمَلْتُ بِأَهْلِي وَوَلَدِي، ثُمَّ قُلْتُ، أَلْحَقُ بِأَهْلِ دِينِي مِنَ النَّصَارَى بِالشَّامِ.
فَسَلَكْتُ الْجُوشِيَّةَ وَخَلَّفْتُ بِنْتًا لِحَاتِمٍ فِي الْحَاضِرِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ الشَّامَ أَقَمْتُ بِهَا.
وَتُخَالِفُنِي خَيْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتُصِيبُ ابْنَةَ حَاتِمٍ فِيمَنْ أَصَابَتْ، فَقَدِمَ بِهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَبَايَا مِنْ طَيِّئٍ، وَقَدْ بَلَغَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَرَبِي إِلَى الشَّامِ.
قَالَ: فَجُعِلَتِ ابْنَةُ حَاتِمٍ فِي حَظِيرَةٍ بِبَابِ الْمَسْجِدِ كَانَتِ السَّبَايَا تُحْبَسُ بِهَا، فَمَرَّ بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَامَتْ إِلَيْهِ، وَكَانَتِ امْرَأَةً جَزْلَةً، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.
قَالَ: «وَمَنْ وَافِدُكِ»؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.
قَالَ: «الْفَارُّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ».
قَالَتْ: ثُمَّ مَضَى وَتَرَكَنِي، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ مَرَّ بِي فَقُلْتُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ، وَقَالَ لِي مِثْلَ مَا قَالَ بِالْأَمْسِ.
قَالَتْ: حَتَّى إِذَا كَانَ بَعْدَ الْغَدِ مَرَّ بِي وَقَدْ يَئِسْتُ، فَأَشَارَ إِلَيَّ رَجُلٌ خَلْفَهُ أَنْ قُومِي فَكَلِّمِيهِ.
قَالَتْ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَ الْوَالِدُ وَغَابَ الْوَافِدُ، فَامْنُنْ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «قَدْ فَعَلْتُ، فَلَا تَعْجَلِي بِخُرُوجٍ حَتَّى تَجِدِي مِنْ قَوْمِكَ مَنْ يَكُونُ لَكِ ثِقَةً حَتَّى يُبَلِّغَكِ إِلَى بِلَادِكِ».
ثُمَّ آذِنِينِي فَسَأَلَتْ عَنِ الرَّجُلِ الَّذِي أَشَارَ إِلَيَّ أَنْ كَلِّمِيهِ، فَقِيلَ لى: على بن أَبى طَالب.
قَالَت: وأقمت حَتَّى قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ بَلِيٍّ أَوْ قُضَاعَةَ، قَالَتْ وَإِنَّمَا أُرِيدُ أَنْ آتِيَ أَخِي بِالشَّامِ، فَجِئْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ قَدِمَ رَهْطٌ مِنْ قَوْمِي لِي فِيهِمْ ثِقَةٌ وَبَلَاغٌ.
قَالَت: فَكَسَانِي وَحَمَلَنِي وَأَعْطَانِي نَفَقَةً، فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قدمت الشَّام.
قَالَ عدى، فو الله إنى لقاعد فِي أهلى فَنَظَرت إِلَى ظَعِينَةٍ تُصَوِّبُ إِلَى قَوْمِنَا قَالَ: فَقُلْتُ ابْنَةُ حَاتِمٍ.
قَالَ: فَإِذَا هِيَ هِيَ.
فَلَمَّا وَقَفَتْ عَلَيَّ انْسَحَلَتْ تَقُولُ: الْقَاطِعُ الظَّالِمُ! احْتَمَلْتَ بِأَهْلِكَ وَوَلَدِكَ وَتَرَكْتَ بَقِيَّةَ وَالِدِكَ عَوْرَتَكَ؟! قَالَ: قُلْتُ: أَيْ أُخَيَّةُ لَا تَقُولِي إِلَّا خَيْرًا، فو الله مالى مِنْ عُذْرٍ، لَقَدْ صَنَعْتُ مَا ذَكَرْتِ.
قَالَ: ثُمَّ نَزَلَتْ فَأَقَامَتْ عِنْدِي، فَقُلْتُ لَهَا وَكَانَتِ امْرَأَةً حَازِمَةً: مَاذَا تَرَيْنَ فِي أَمْرِ هَذَا الرَّجُلِ؟ قَالَتْ: أَرَى وَاللَّهِ أَنْ تَلْحَقَ بِهِ سَرِيعًا، فَإِنْ يَكُنِ الرَّجُلُ نَبِيًّا فَلِلسَّابِقِ إِلَيْهِ فَضله، وَإِن يكن ملكا فَلَنْ تذل فِي عز الْيمن وَأَنت أَنْت.
قَالَ: فَقلت: وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الرَّأْيُ.
قَالَ: فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدُمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ وَهُوَ فِي مَسْجِدِهِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: «مَنِ الرَّجُلُ»؟ فَقُلْتُ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَانْطَلَقَ بِي إِلَى بَيْتِهِ، فَوَاللَّهِ إِنَّهُ لَعَامِدٌ بِي إِلَيْهِ إِذْ لَقِيَتْهُ امْرَأَةٌ ضَعِيفَةٌ كَبِيرَةٌ فَاسْتَوْقَفَتْهُ، فَوَقَفَ لَهَا طَوِيلًا تُكَلِّمُهُ فِي حَاجَتِهَا.
قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِمَلِكٍ! قَالَ: ثُمَّ مَضَى بِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى إِذَا دَخَلَ بَيْتَهُ تَنَاوَلَ وِسَادَةً مِنْ أَدَمٍ مَحْشُوَّةً لِيفًا، فَقَذَفَهَا إِلَيَّ فَقَالَ: «اجْلِسْ عَلَى هَذِهِ» قَالَ قُلْتُ: بَلْ أَنْتَ فَاجْلِسْ عَلَيْهَا.
قَالَ: «بل أَنْت».
فَجَلَسْتُ وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْأَرْضِ، قَالَ قُلْتُ فِي نَفْسِي: وَاللَّهِ مَا هَذَا بِأَمْرِ مَلِكٍ.
ثُمَّ قَالَ: «إِيهِ يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ؟ أَلَمْ تَكُ رَكُوسِيًّا»؟  قَالَ قلت: بلَى.
قَالَ: «أَو لم تَكُنْ تَسِيرُ فِي قَوْمِكَ بِالْمِرْبَاعِ»؟ قَالَ قُلْتُ: بَلَى.
قَالَ: «فَإِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ» قَالَ: قُلْتُ أَجَلْ وَاللَّهِ.
قَالَ: وَعَرَفْتُ أَنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ يَعْلَمُ مَا يُجْهَلُ.
ثُمَّ قَالَ: «لَعَلَّكَ يَا عَدِيُّ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِي هَذَا الدِّينِ مَا تَرَى مِنْ حَاجَتِهِمْ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ الْمَالُ أَنْ يَفِيضَ فِيهِمْ حَتَّى لَا يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ، وَلَعَلَّكَ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ مَا تَرَى مِنْ كَثْرَةِ عَدُوِّهِمْ وَقِلَّةِ عَدَدِهِمْ، فَوَاللَّهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْمَرْأَةِ تَخْرُجُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرِهَا حَتَّى تَزُورَ هَذَا الْبَيْتَ لَا تَخَافُ، وَلَعَلَّكَ إِنَّمَا يَمْنَعُكَ مِنْ دُخُولٍ فِيهِ أَنَّكَ تَرَى أَنَّ الْمُلْكَ وَالسُّلْطَانَ فِي غَيْرِهِمْ، وَايْمُ اللَّهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ تَسْمَعَ بِالْقُصُورِ الْبِيضِ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ».
قَالَ: فَأَسْلَمْتُ.
قَالَ فَكَانَ عَدِيٌّ يَقُولُ: مَضَتِ اثْنَتَانِ وَبَقِيَتِ الثَّالِثَةُ، وَاللَّهِ لَتَكُونَنَّ، وَقَدْ رَأَيْتُ الْقُصُورَ الْبِيضَ مِنْ أَرْضِ بَابِلَ قَدْ فُتِحَتْ، وَرَأَيْتُ الْمَرْأَةَ تَخْرُجُ مِنَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى بَعِيرِهَا لَا تَخَافُ حَتَّى تَحُجَّ هَذَا الْبَيْتَ، وَايْمُ اللَّهِ لتكونن الثَّالِثَة، ليفيضن الْمَالُ حَتَّى لَا يُوجَدَ مَنْ يَأْخُذُهُ.
هَكَذَا أَوْرَدَ ابْنُ إِسْحَاقَ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا السِّيَاقَ بِلَا إِسْنَادٍ وَلَهُ شَوَاهِدُ مِنْ وُجُوهٍ أُخَرَ.
فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ سِمَاكَ بْنَ حَرْبٍ، سَمِعْتُ عَبَّادَ بْنَ حُبَيْشٍ، يُحَدِّثُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: جَاءَتْ خَيْلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا بِعَقْرَبٍ فَأَخَذُوا عَمَّتِي وَنَاسًا، فَلَمَّا أَتَوْا بِهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَصُفُّوا لَهُ.
قَالَتْ: يَا رَسُول الله بَان الْوَافِدُ وَانْقَطَعَ الْوَلَدُ وَأَنَا عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ مَا بِي مِنْ خِدْمَةٍ، فَمُنَّ عَلَيَّ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْكَ.
فَقَالَ: «وَمَنْ وَافِدُكَ»؟ قَالَتْ: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.
قَالَ: «الَّذِي فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ»، قَالَتْ: فَمُنَّ عَلَيَّ.
فَلَمَّا رَجَعَ وَرَجُلٌ إِلَى جنبه – نرى أَنَّهُ عَلِيٌّ – قَالَ: «سَلِيهِ حُمْلَانًا».
قَالَ: فَسَأَلَتْهُ فَأَمَرَ لَهَا.
قَالَ عَدِيٌّ: فَأَتَتْنِي فَقَالَتْ: لَقَدْ فَعَلْتَ فَعْلَةً مَا كَانَ أَبُوكَ يَفْعَلُهَا.
وَقَالَتْ: إيته رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا، فَقَدْ أَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ، وَأَتَاهُ فُلَانٌ فَأَصَابَ مِنْهُ.
قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَإِذَا عِنْدَهُ امْرَأَةٌ وَصِبْيَانٌ أَوْ صَبِيٌّ، فَذَكَرَ قُرْبَهُمْ مِنْهُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مَلِكَ كِسْرَى وَلَا قَيْصَرَ.
فَقَالَ لَهُ: يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ مَا أَفَرَّكَ؟ أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ فَهَلْ مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ، مَا أَفَرَّكَ؟ أَفَرَّكَ أَنْ يُقَالَ اللَّهُ أكبر؟ فَهَل شئ هُوَ أكبر من الله عزوجل؟ فَأَسْلَمْتُ فَرَأَيْتُ وَجْهَهُ اسْتَبْشَرَ وَقَالَ: إِنَّ الْمَغْضُوبَ عَلَيْهِمُ الْيَهُودُ، وَإِنَّ الضَّالِّينَ النَّصَارَى.
قَالَ: ثُمَّ سَأَلُوهُ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بعد، فلكم أَيهَا النَّاس أَن ترتضخوا مِنَ الْفَضْلِ، ارْتَضَخَ امْرُؤٌ بِصَاعٍ، بِبَعْضِ صَاعٍ، بقبضة، بِبَعْض قَبْضَة.
قَالَ شُعْبَة – وَأَكْثَرُ عِلْمِي أَنَّهُ قَالَ بِتَمْرَةٍ، بِشِقِّ تَمْرَةٍ – وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَاقِي اللَّهِ فَقَائِلٌ مَا أَقُولُ: أَلَمْ أَجْعَلْكَ سَمِيعًا بَصِيرًا؟ أَلَمْ أَجْعَلْ لَكَ مَالًا وَوَلَدًا فَمَاذَا قَدَّمْتَ.
فَيَنْظُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ، وَعَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ، فَلَا يَجِدُ شَيْئًا فَمَا يَتَّقِي النَّارَ إِلَّا بِوَجْهِهِ، فَاتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوهُ فَبِكَلِمَةٍ لَيِّنَةٍ، إِنِّي لَا أَخْشَى عَلَيْكُمُ الْفَاقَةَ لَيَنْصُرَنَّكُمُ اللَّهُ وَلَيُعْطِيَنَّكُمْ – أَوْ لَيَفْتَحَنَّ عَلَيْكُمْ – حَتَّى تَسِيرَ الظَّعِينَةُ بَيْنَ الْحِيرَةِ وَيَثْرِبَ، إِن أَكْثَرَ مَا تَخَافُ السَّرَقَ عَلَى ظَعِينَتِهَا.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ وَعَمْرِو بْنِ أَبِي قَيْسٍ، كِلَاهُمَا عَنْ سِمَاكٍ.
ثُمَّ قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ سِمَاكٍ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ – هُوَ ابْنُ حُذَيْفَةَ – عَنْ رَجُلٍ، قَالَ: قُلْتُ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكَ أُحِبُّ أَنْ أَسْمَعَهُ مِنْكَ.
قَالَ نَعَمْ: لَمَّا بَلَغَنِي خُرُوجَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهْتُ خُرُوجَهُ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً، فَخَرَجْتُ حَتَّى وَقَعْتُ نَاحِيَةَ الرُّومِ – وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى قَدِمْتُ عَلَى قَيْصَرَ – قَالَ: فَكَرِهْتُ مَكَانِي ذَلِكَ أَشَدَّ مِنْ كَرَاهَتِي لِخُرُوجِهِ.
قَالَ قُلْتُ: وَاللَّهِ لَوْ أَتَيْتُ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ يَضُرَّنِي، وَإِنْ كَانَ صَادِقًا عَلِمْتُ.
قَالَ: فَقَدِمْتُ فَأَتَيْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْتُ قَالَ النَّاس: عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ.
فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِي: «يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ أَسْلِمْ تَسْلَمْ».
ثَلَاثًا.
قَالَ قُلْتُ: إِنِّي عَلَى دِينٍ.
قَالَ: «أَنَا أَعْلَمُ بِدينِك مِنْك».
فَقلت: أَنْت تعلم بِدِينِي مِنِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ».
«أَلَسْتَ مِنَ الرَّكُوسِيَّةِ، وَأَنت تَأْكُل مرباع قَوْمك»؟ قلت: بلَى.
قَالَ: «فَإِن هَذَا لَا يَحِلُّ لَكَ فِي دِينِكَ».
قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمْ يَعْدُ أَنْ قَالَهَا فَتَوَاضَعْتُ لَهَا.
قَالَ: «أَمَا إِنِّي أَعْلَمُ الَّذِي يَمْنَعُكَ مِنَ الْإِسْلَامِ ; تَقُولُ: إِنَّمَا اتَّبَعَهُ ضَعَفَةُ النَّاسِ وَمَنْ لَا قُوَّة لَهُم، وَقَدْ رَمَتْهُمُ الْعَرَبُ، أَتَعْرِفُ الْحِيرَةَ»؟ قُلْتُ: لَمْ أرها وَقد سَمِعت بهَا: قَالَ : «فو الذى نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى تَخْرُجَ الظَّعِينَةُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارِ أَحَدٍ، وَلَيَفْتَحَنَّ كُنُوزَ كِسْرَى بن هُرْمُز».
قَالَ قلت: كنوز ابْن هُرْمُزَ؟ قَالَ: «نَعَمْ كِسْرَى بْنَ هُرْمُزَ، وَلَيُبْذَلَنَّ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ».
قَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ: فَهَذِهِ الظَّعِينَةُ تَخْرُجُ مِنَ الْحِيرَةِ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فِي غَيْرِ جِوَارٍ، وَلَقَدْ كُنْتُ فِيمَن فتح كنوز كسْرَى، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَكُونَنَّ الثَّالِثَةُ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَالَهَا.
ثُمَّ قَالَ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، عَنْ أبي عُبَيْدَةَ بْنِ حُذَيْفَةَ، عَنْ رَجُلٍ – وَقَالَ حَمَّادٌ وَهِشَام، عَن مُحَمَّد بن أَبِي عُبَيْدَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ عَنْ رَجُلٍ – قَالَ: كُنْتُ أَسْأَلُ النَّاسَ عَنْ حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ وَهُوَ إِلَى جَنْبِي وَلَا أَسْأَلُهُ، قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: نَعَمْ.
فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَمْرٍو الْأَدِيبُ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بن سُفْيَان، حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَهِيمُ، أَنْبَأَنَا النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ، أَنْبَأَنَا إِسْرَائِيلُ، أَنْبَأَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ، أَنْبَأَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَى إِلَيْهِ الْفَاقَة، وَأَتَاهُ آخر فَشَكا إِلَيْهِ قطع السَّبِيل.
قَالَ: «يَا عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ»؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا.
قَالَ: «فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لَا تخَاف أحدا إِلَّا الله عزوجل».
قَالَ: قُلْتُ فِي نَفْسِي: فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ سَعَّرُوا الْبِلَادَ؟ ! وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ.
قُلْتُ: كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ؟ قَالَ: «كِسْرَى بْنُ هُرْمُزَ».
وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يَخْرُجُ بِمِلْءِ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلَا يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ، وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ، فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ وَيَنْظُرُ عَنْ شِمَالِهِ فَلَا يَرَى إِلَّا جَهَنَّمَ.
قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجدوا شِقَّ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ».
قَالَ عَدِيٌّ: فَقَدْ رَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْكُوفَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْبَيْتِ لَا تخَاف إِلَّا الله عزوجل، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ سَتَرَوْنَ مَا قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَكَمِ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ شُمَيْلٍ بِهِ بِطُولِهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعْدَانَ بْنِ بِشْرٍ، عَنْ سَعْدٍ أَبِي مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ، عَنْ مُحِلِّ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَدِيٍّ بِهِ.
وَرَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ سَعْدٍ أَبَى مُجَاهِدٍ الطَّائِيِّ بِهِ.
وَمِمَّنْ رَوَى هَذِهِ الْقِصَّةَ عَنْ عَدِيٍّ عَامِرُ بْنُ شُرَحْبِيلَ الشَّعْبِيُّ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
وَقَالَ: لَا تَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْب على غنمها.
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعْقِلِ بْنِ مُقَرِّنٍ الْمُزَنِيِّ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ،قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ».
وَلَفْظُ مُسْلِمٍ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَتِرَ مِنَ النَّارِ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ فَلْيَفْعَلْ» طَرِيقٌ أُخْرَى فِيهَا شَاهِدٌ لِمَا تَقَدَّمَ.
وَقَدْ قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنِي أَبُو بكر بن مُحَمَّد ابْن عبد الله بن يُوسُف، حَدَّثَنَا أَبُو سَعِيدٍ عُبَيْدُ بْنُ كَثِيرِ بْنِ عَبْدِ الْوَاحِدِ الْكُوفِيُّ، حَدَّثَنَا ضِرَارُ بْنُ صُرَدَ، حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ أَبِي حَمْزَةَ الثُّمَالِيِّ، عَن عبد الرَّحْمَن ابْن جُنْدُبٍ، عَنْ كُمَيْلِ بْنِ زِيَادٍ النَّخَعِيِّ، قَالَ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَزْهَدَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فِي خَيْرٍ! عَجَبًا لِرَجُلٍ يَجِيئُهُ أَخُوهُ الْمُسْلِمُ فِي الْحَاجَةِ فَلَا يَرَى نَفْسَهُ لِلْخَيْرِ أَهْلًا، فَلَوْ كَانَ لَا يَرْجُو ثَوَابًا وَلَا يَخْشَى عِقَابًا لَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُسَارِعَ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى سَبِيلِ النَّجَاحِ.
فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَمَا هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ.
لَمَّا أُتِيَ بِسَبَايَا طَيِّئٍ وَقَفَتْ جَارِيَةٌ حَمْرَاءُ لَعْسَاءُ ذَلْفَاءُ عَيْطَاءُ، شَمَّاءُ الْأَنْفِ مُعْتَدِلَةُ الْقَامَةِ وَالْهَامَةِ دَرْمَاءُ الْكَعْبَيْنِ خَدْلَةُ السَّاقَيْنَ لَفَّاءُ الْفَخِذَيْنِ خَمِيصَةُ الْخَصْرَيْنِ ضَامِرَةُ الْكَشْحَيْنِ مَصْقُولَةُ الْمَتْنَيْنِ.
قَالَ: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا أُعْجِبْتُ بِهَا وَقُلْتُ: لَأَطْلُبَنَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْعَلهَا فِي فيئى.
فَلَمَّا تَكَلَّمت أنسيت جمَالهَا من فصاحتها.
فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ عَنَّا وَلَا تُشْمِتْ بِنَا أَحْيَاءَ الْعَرَبِ فَإِنِّي ابْنَةُ سَيِّدِ قَوْمِي، وَإِنَّ أَبِي كَانَ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَفُكُّ الْعَانِيَ وَيُشْبِعُ الْجَائِعَ وَيَكْسُو الْعَارِيَ وَيَقْرِي الضَّيْفَ وَيُطْعِمُ الطَّعَامَ وَيُفْشِي السَّلَامَ، وَلَمْ يَرُدَّ طَالِبَ حَاجَةٍ قَطُّ، أَنَا ابْنَةُ حَاتِمِ طَيِّئٍ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا جَارِيَةُ هَذِهِ صِفَةُ الْمُؤْمِنِينَ حَقًّا، لَوْ كَانَ أَبُوكِ مُسْلِمًا لَتَرَحَّمْنَا عَلَيْهِ، خَلُّوا عَنْهَا فَإِنَّ أَبَاهَا كَانَ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ وَاللَّهُ يُحِبُّ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ».
فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نيار فَقَالَ: يَا رَسُول الله تحب مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ الْجَنَّةَ إِلَّا بِحُسْنِ الْخُلُقِ».
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنُ الْمَتْنِ غَرِيبُ الْإِسْنَادِ جِدًّا عَزِيزُ الْمَخْرَجِ.
وَقد ذكرنَا تَرْجَمَة حَاتِم طَيئ أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ عِنْدَ ذِكْرِنَا مَنْ مَاتَ مِنْ أَعْيَانِ الْمَشْهُورِينَ فِيهَا، وَمَا كَانَ يُسْدِيهِ حَاتِمٌ إِلَى النَّاس من المكارم ولاحسان، إِلَّا أَنَّ نَفْعَ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ مَعْذُوقٌ بِالْإِيمَانِ، وَهُوَ مِمَّنْ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ: رَبِّ اغْفِرْ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ.
وَقَدْ زَعَمَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبً فِي رَبِيعٍ الْآخِرِ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ إِلَى بِلَادِ طَيِّئٍ فَجَاءَ مَعَهُ بِسَبَايَا فِيهِمْ أُخْتُ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ، وَجَاءَ مَعَهُ بِسَيْفَيْنِ كَانَا فِي بَيْتِ الصَّنَمِ يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا الرَّسُوبُ وَالْآخَرُ الْمِخْذَمُ، كَانَ الْحَارِثُ بْنُ أَبِي شِمْرٍ قَدْ نَذَرَهُمَا لِذَلِكَ الصَّنَمِ.
قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ الله:

قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو
حَدَّثَنَا أَبُو نعيم، حَدثنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ – هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بن زِيَاد – عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِن دوسا قد هَلَكت وعصت وَأَبَتْ، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ».
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
ثُمَّ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:

يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا عَلَى أَنَّهَا من دارة الْكفْر نجت

وأبق لى غُلَام فِي الطَّرِيقِ، فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلَامُ، فَقَالَ لِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ هَذَا غلامك».
فَقلت: هُوَ حر لوجه الله عزوجل فَأَعْتَقْتُهُ.
انْفَرَدَ بِهِ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أبي حَازِمٍ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ قُدُومِ الطُّفَيْل بن عَمْرو قد كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ، ثُمَّ إِنْ قُدِّرَ قُدُومُهُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ فَقَدْ كَانَ قَبْلَ الْفَتْحِ، لِأَنَّ دَوْسًا قَدِمُوا وَمَعَهُمْ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَكَانَ قُدُومُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحَاصِرٌ خَيْبَرَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بَعْدَ الْفَتْحِ فَرَضَخَ لَهُمْ شَيْئًا مِنَ الْغَنِيمَةِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ كُلَّهُ مطولا فِي موَاضعه.
قَالَ البُخَارِيّ رَحمَه الله:

قدوم الاشعريين وَأهل الْيمن
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ مِهْرَانَ الْأَعْمَشِ، عَنْ ذَكْوَانَ أَبِي صَالِحٍ
السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ، وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلَاءُ فِي أَصْحَابِ الْإِبِلِ، وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ».
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ الْيَمَنِ أَضْعَفُ قُلُوبًا وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً، الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».
ثُمَّ رَوَيَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ سُلَيْمَان، عَن ثَوْر، عَن أَبى المغيث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِتْنَةُ هَاهُنَا، هَاهُنَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.
ثُمَّ رَوَى الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «الْإِيمَانُ هَاهُنَا – وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْيَمَنِ – وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الْإِبِلِ مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ.رَبِيعَةَ وَمُضَرَ».
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا وَمُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ عُقْبَةَ بْنِ عَمْرٍو.
ثُمَّ رَوَى مِنْ حَدِيثِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ أَبِي صَخْرَة جَامع بن شَدَّاد، حَدثنَا صَفْوَان ابْن مُحْرِزٍ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ «أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ» فَقَالُوا: أَمَّا إِذْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَجَاءَ نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلُهَا بَنُو تَمِيمٍ» فَقَالُوا: قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الثَّوْرِيِّ بِهِ.
وَهَذَا كُلُّهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ وُفُودِ أَهْلِ الْيَمَنِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَعَرُّضٌ لِوَقْتِ وُفُودِهِمْ، وَوَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا قُدُومُهُمْ لَا يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ يَكُونَ مُقَارِنًا لِقُدُومِ الْأَشْعَرِيِّينَ، بَلِ الْأَشْعَرِيُّونَ مُتَقَدِّمٌ وَفْدُهُمْ عَلَى هَذَا، فَإِنَّهُمْ قَدِمُوا صُحْبَةَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ فِي صُحْبَةِ جَعْفَرِ ابْن أَبِي طَالِبٍ وَأَصْحَابِهِ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ كَانُوا بِالْحَبَشَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ حِينَ فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ.
كَمَا قَدَّمْنَاهُ مَبْسُوطًا فِي مَوْضِعِهِ، وَتَقَدَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاللَّهِ مَا أَدْرِي بِأَيِّهِمَا أُسَرُّ أَبِقُدُومِ جَعْفَرٍ أَوْ بِفَتْحِ خَيْبَرَ» وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعلم.
قَالَ البُخَارِيّ:

قصَّة عمان والبحرين
حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد، حَدثنَا سُفْيَانُ، سَمِعَ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ، سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا» ثَلَاثًا.
فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ فَلْيَأْتِنِي.
قَالَ جَابِرٌ: فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَو قد جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلَاثًا» قَالَ: فَأَعْرض عَنى.
قَالَ جَابِرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُهُ الثَّالِثَةَ فَلَمْ يُعْطِنِي.
فَقُلْتُ لَهُ: قد أَتَيْتُك فَلم تعطنى ثمَّ أتينك فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا أَنْ تُعْطِيَنِي
وَإِمَّا أَنْ تبخل عَنى قَالَ: قلت: تَبْخَلُ عَنِّي؟ قَالَ: «وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ الْبُخْل»: قَالَهَا ثَلَاثًا مَا منعنك مِنْ مَرَّةٍ إِلَّا وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ هَاهُنَا وَقَدْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَمْرٍو النَّاقِدِ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ بِهِ.
ثُمَّ قَالَ الْبُخَارِيُّ بَعْدَهُ: وَعَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ: عُدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ.
فَقَالَ: «خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ».
وَقَدْ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ أَيْضًا عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ، هُوَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَن عَمْرو ابْن دِينَارٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ، عَنْ جَابِرٍ.
كَرِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ قُتَيْبَةَ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا هُوَ وَمُسْلِمٌ مِنْ طُرُقٍ أُخَرَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ جَابِرٍ بِنَحْوِهِ.
وَفِي رِوَايَة آخرى لَهُ أَنه أمره فَحَثَا بِيَدَيْهِ مِنْ دَرَاهِمَ فَعَدَّهَا فَإِذَا هِيَ خَمْسُمِائَةٍ، فَأَضْعَفَهَا لَهُ مَرَّتَيْنِ يَعْنِي فَكَانَ جُمْلَةُ مَا أَعْطَاهُ أَلْفًا وَخَمْسَمِائَةِ دِرْهَمٍ.
وُفُودُ فَرْوَةَ بْنِ مسيك المرادى أَحَدِ رُؤَسَاءِ قَوْمِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ الْمُرَادِيُّ، مُفَارِقًا لِمُلُوكِ كِنْدَةَ وَمُبَاعِدًا لَهُمْ، إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ كَانَ بَيْنَ قَوْمِهِ مُرَادٍ وَبَيْنَ هَمْدَانَ وَقْعَةٌ قُبَيْلَ الْإِسْلَامِ، أَصَابَتْ هَمْدَانُ مِنْ قَوْمِهِ حَتَّى أَثْخَنُوهُمْ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ يُقَالُ لَهُ الرَّدْمُ، وَكَانَ الَّذِي قَادَ هَمدَان إِلَيْهِم الاجدع ابْن مَالِكٍ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَيُقَالُ: مَالِكُ بْنُ خُرَيْمٍ الْهَمْدَانِيُّ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَقَالَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ:

 مَرَرْنَ عَلَى لِفَاتَ وَهُنَّ خُوصٌ يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ يَنْتَحِينَا
فَإِنْ نَغْلِبْ فَغَلَّابُونَ قِدْمًا وَإِنْ نُغْلَبْ فَغَيْرُ مُغَلَّبِينَا
وَمَا إِنْ طِبُّنَا جُبْنٌ وَلَكِنْ مَنَايَانَا وَطُعْمَةُ آخَرِينَا
كَذَاكَ الدَّهْرُ دَوْلَتُهُ سِجَالٌ تَكُرُ صُرُوفُهُ حِينًا فَحِينَا
فَبَيْنَا مَا نُسَرُّ بِهِ وَنرْضى وَلَو لبست غضارته سنينا
إِذا انقلبت بِهِ كرات دهر فألفى فِي الالى غُبِطُوا طَحِينَا 
فَمَنْ يُغْبَطْ بِرَيْبِ الدَّهْرِ مِنْهُمْ يَجِدْ رَيْبَ الزَّمَانِ لَهُ خَئُونَا
فَلَوْ خَلَدَ الْمُلُوكُ إِذًا خَلَدْنَا وَلَوْ بَقِيَ الْكِرَامُ إِذًا بَقِينَا
فَأَفْنَى ذَلِكُمْ سَرَوَاتِ قَوْمِي كَمَا أَفْنَى الْقُرُونَ الْأَوَّلِينَا

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَلَمَّا تَوَجَّهَ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُفَارِقًا مُلُوكَ كِنْدَةَ قَالَ:

لَمَّا رَأَيْتُ مُلُوكَ كِنْدَةَ أَعْرَضَتْ كَالرِّجْلِ خَانَ الرِّجْلَ عِرْقُ نَسَائِهَا
قَرَّبْتُ رَاحِلَتِي أَؤُمُّ مُحَمَّدًا أَرْجُو فواضله وَحسن ثنائها 

قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَى فَرْوَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: – فِيمَا بَلَغَنِي – «يَا فَرْوَةُ هَلْ سَاءَكَ مَا أَصَابَ قَوْمَكَ يَوْمَ الرَّدْمِ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ ذَا الَّذِي يُصِيبُ قَوْمَهُ مَا أَصَابَ قومِي يَوْم الرَّدْم لَا يسؤوه ذَلِكَ.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَمَا إِنَّ ذَلِكَ لَمْ يَزِدْ قَوْمَكَ فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا خَيْرًا» وَاسْتَعْمَلَهُ عَلَى مُرَادٍ وَزُبَيْدٍ وَمَذْحِجٍ كُلِّهَا، وَبَعَثَ مَعَهُ خَالِدَ بن سعيد بن الْعَاصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فَكَانَ مَعَهُ فِي بِلَادِهِ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قدوم عَمْرو بن معديكرب فِي أُنَاسٍ مِنْ زُبَيْدٍ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقد كَانَ عَمْرو بن معدى كرب قَالَ لِقَيْسِ بْنِ مَكْشُوحٍ الْمُرَادِيِّ، حِينَ انْتَهَى إِلَيْهِمْ أَمْرُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا قَيْسُ إِنَّكَ سَيِّدُ قَوْمِكَ، وَقَدْ ذُكِرَ لَنَا أَنَّ رَجُلًا مِنْ قُرَيْشٍ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ قَدْ خَرَجَ بِالْحِجَازِ يُقَالُ إِنَّهُ نَبِيٌّ، فَانْطَلِقْ بِنَا إِلَيْهِ حَتَّى نَعْلَمَ عِلْمَهُ، فَإِنْ كَانَ نَبِيًّا كَمَا يَقُولُ فَإِنَّهُ لَنْ يخفى علينا إِذا لَقِينَاهُ اتَّبَعْنَاهُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ عَلِمْنَا عِلْمَهُ فَأَبَى عَلَيْهِ قَيْسٌ ذَلِكَ وَسَفَّهَ رَأْيَهُ.
فَرَكِبَ عَمْرُو بْنُ مَعْدِ يكَرِبَ حَتَّى قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَصَدَّقَهُ وَآمَنَ بِهِ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قَيْسَ بْنَ مَكْشُوحٍ أَوْعَدَ عَمْرًا وَقَالَ: خَالَفَنِي وَترك أمرى ورأيى.
فَقَالَ عَمْرو بن معديكرب فِي ذَلِكَ:

أَمَرْتُكَ يَوْمَ ذِي صَنْعَا ءَ أمرا باديا رشده
أَمرتك باتقاء الل – هـ وَالْمَعْرُوفِ تَتَّعِدُهْ
خَرَجْتَ مِنَ الْمُنَى مِثْلَ الْ – حُمَيِّرِ غَرَّهُ وَتِدُهْ
تَمَنَّانِي عَلَى فَرَسٍ عَلَيْهِ جَالِسًا أَسَدُهْ
عَلَيَّ مُفَاضَةٌ كَالنَّهْ يِ أَخْلَصَ مَاءَهُ جدده
يرد الرمْح منثنى السنان عَوَائِرًا قِصَدُهْ
فَلَوْ لَاقَيْتَنِي لَلَقِي تَ لَيْثًا فَوْقه لبده 
تُلَاقِي شَنْبَثًا شَثْنَ الْ بَرَاثِنِ نَاشِزًا كَتَدُهْ 
يُسَامِي الْقِرْنَ إِنْ قِرْنٌ تَيَمَّمَهُ فَيَعْتَضِدُهْ
فَيَأْخُذُهُ فَيَرْفَعُهُ فَيَخْفِضُهُ فَيَقْتَصِدُهْ
فَيَدْمَغُهُ فَيَحْطِمُهُ فَيَخْضِمُهُ فَيَزْدَرِدُهْ 
ظَلُومُ الشِّرْكِ فِيمَا أَحْ رَزَتْ أَنْيَابُهُ وَيَدُهْ

قَالَ ابْن إِسْحَاق: فَأَقَامَ عَمْرو بن معديكرب فِي قَوْمِهِ مِنْ بَنِي زُبَيْدٍ وَعَلَيْهِمْ فَرْوَةُ بْنُ مُسَيْكٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَدَّ عَمْرو بن معديكرب فِيمَن ارْتَدَّ، وَهَجَا فَرْوَةَ بْنَ مُسَيْكٍ فَقَالَ:

وَجَدْنَا ملك فَرْوَة شَرّ ملك حمَار سَافَ مَنْخِرُهُ بِثَفْرِ 
وَكُنْتَ إِذَا رَأَيْتَ أَبَا عُمَيْرٍ تَرَى الْحُوَلَاءَ مِنْ خُبْثٍ وَغَدْرِ

قُلْتُ: ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَشَهِدَ فُتُوحَاتٍ كَثِيرَةً فِي أَيَّامِ الصَّدِيقِ وَعُمَرَ الْفَارُوقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.
وَكَانَ مِنَ الشُّجْعَانِ الْمَذْكُورِينَ وَالْأَبْطَالِ الْمَشْهُورِينَ وَالشُّعَرَاءِ الْمُجِيدِينَ، تُوُفِّيَ سَنَةَ إِحْدَى وَعشْرين بعد مَا شَهِدَ فَتْحَ نَهَاوَنْدَ، وَقِيلَ بَلْ شَهِدَ الْقَادِسِيَّةَ وَقُتِلَ يَوْمَئِذٍ.
قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَكَانَ وُفُودُهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَةَ تِسْعٍ، وَقِيلَ سَنَةَ عَشْرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ وَالْوَاقِدِيُّ.
قُلْتُ: وَفِي كَلَامِ الشَّافِعِيِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَاللَّهُ أعلم.
قَالَ يُونُسُ عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ: وَقَدْ قِيلَ إِن عَمْرو بن معديكرب لَمْ يَأْتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ قَالَ فِي ذَلِكَ:

إِنَّنِي بِالنَّبِيِّ مُوقِنَةٌ نفس ى وَإِنْ لَمْ أَرَ النَّبِيَّ عَيَانَا
سَيِّدُ الْعَالَمِينَ طُرًّا وَأَدْنَا هُمْ إِلَى اللَّهِ حِينَ بَانَ مَكَانا
جَاءَ بِالنَّامُوسِ مِنْ لَدُنِ اللَّهِ وَكَانَ الْأَمِينَ فِيهِ الْمُعَانَا
حُكْمُهُ بَعْدَ حِكْمَةٍ وِضِيَاءٍ فَاهْتَدَيْنَا بِنُورِهَا مِنْ عَمَانَا
وَرَكِبْنَا السَّبِيلَ حِينَ رَكِبْنَ اهُ جَدِيدًا بِكُرْهِنَا وَرِضَانَا
وَعَبَدْنَا الْإِلَهَ حَقًّا وَكُنَّا لِلْجَهَالَاتِ نَعْبُدُ الْأَوْثَانَا
وَائْتَلَفْنَا بِهِ وَكُنَّا عَدُوًّا فرجعنا بِهِ مَعًا إخْوَانًا
فَعَلَيهِ السَّلَام وَالسَّلَام مِنَّا حَيْثُ كُنَّا مِنَ الْبِلَادِ وَكَانَا
إِنْ نَكُنْ لَمْ نَرَ النَّبِيَّ فَإِنَّا قَدْ تَبِعْنَا سَبِيلَهُ إِيمَانَا

قُدُومُ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ.
فَحَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّهُ قَدِمَ فِي ثَمَانِينَ رَاكِبًا مِنْ كِنْدَةَ، فَدَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسْجِدَهُ قَدْ رَجَّلُوا جُمَمَهُمْ وَتَكَحَّلُوا، عَلَيْهِمْ جُبَبُ الْحِبَرَةِ قَدْ كَفَّفُوهَا بِالْحَرِيرِ.
فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُمْ: «أَلَمْ تُسْلِمُوا»؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: «فَمَا بَالُ هَذَا الْحَرِيرِ فِي أَعْنَاقِكُمْ»؟ قَالَ: فشقوه مِنْهَا فألقوه.
ثُمَّ قَالَ لَهُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ، وَأَنْتَ ابْنُ
آكِلِ الْمُرَارِ.
قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «نَاسِبُوا بِهَذَا النَّسَبِ الْعَبَّاسَ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَرَبِيعَةَ بْنَ الْحَارِثِ».
وَكَانَا تَاجِرَيْنِ، إِذَا شَاعَا فِي الْعَرَبِ فَسُئِلَا: مِمَّنْ أَنْتُمَا؟ قَالَا: نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ يَعْنِي يَنْتَسِبَانِ إِلَى كِنْدَةَ لِيَعِزَّا فِي تِلْكَ الْبِلَادِ، لِأَنَّ كِنْدَةَ كَانُوا مُلُوكًا، فَاعْتَقَدَتْ كِنْدَةُ أَنَّ قُرَيْشًا مِنْهُمْ، لِقَوْلِ عَبَّاسٍ وَرَبِيعَةَ:  نَحْنُ بَنُو آكِلِ الْمُرَارِ وَهُوَ الْحَارِثُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حُجْرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ ثَوْرِ بْنِ مُرَتِّعِ بْنِ مُعَاوِيَةَ بْنِ كِنْدِيِّ – وَيُقَالُ ابْنُ كِنْدَةَ.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ: «لَا نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبِينَا».
فَقَالَ لَهُمُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ: وَاللَّهِ يَا مَعْشَرَ كِنْدَةَ لَا أَسْمَعُ رَجُلًا يَقُولُهَا إِلَّا ضَرَبْتُهُ ثَمَانِينَ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مُتَّصِلًا مِنْ وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا بهز وَعَفَّان، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، حَدَّثَنِي عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ، وَقَالَ عَفَّانُ فِي حَدِيثِهِ: أَنْبَأَنَا عَقِيلُ بْنُ طَلْحَةَ السُّلَمِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ هَيْصَمٍ، عَنِ الْأَشْعَثِ بْنِ قَيْسٍ، أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي وَفد كِنْدَة – قَالَ عُثْمَان – لَا يَرَوْنِي أَفْضَلَهُمْ، قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ الله: إِنَّا ابْن عَم أَنَّكُمْ مِنَّا.
قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نَحْنُ بَنُو النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ، لَا نَقْفُو أُمَّنَا وَلَا نَنْتَفِي مِنْ أَبينَا».
قَالَ: قَالَ الْأَشْعَثُ: فَوَاللَّهِ لَا أَسْمَعُ أَحَدًا نَفَى قُرَيْشًا مِنَ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ إِلَّا
جَلَدْتُهُ الْحَدَّ.
وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ هَارُونَ، وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ.
وَعَنْ هَارُونَ بْنِ حَيَّانَ، عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ الْمُغِيرَةِ، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ نَحْوَهُ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا شُرَيْحُ بْنُ النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، أَنْبَأَنَا مُجَالِدٌ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، حَدَّثَنَا الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدِ كِنْدَةَ فَقَالَ لِي: «هَلْ لَكَ مِنْ وَلَدٍ»؟ قُلْتُ: غُلَامٌ وُلِدَ لِي فِي مَخْرَجِي إِلَيْكَ مِنَ ابْنَةِ جَمْدٍ، وَلَوَدِدْتُ أَنَّ مَكَانَهُ شَبِعَ الْقَوْمُ.
قَالَ: «لَا تَقُولَنَّ ذَلِكَ فَإِنَّ فِيهِمْ قُرَّةَ عَيْنٍ وَأَجْرًا إِذَا قُبِضُوا، ثَمَّ وَلَئِنْ قُلْتَ ذَاكَ إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ إِنَّهُمْ لَمَجْبَنَةٌ مَحْزَنَةٌ».
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَهُوَ حَدِيثٌ حَسَنٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ.

قُدُومُ أَعْشَى بَنِي مَازِنٍ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: حَدَّثَنِي الْعَبَّاس بن عبد الْعَظِيم الْعَنْبَري، حَدثنَا أَبُو سَلَمَةَ عُبَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحَنَفِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي الْجُنَيْدُ بْنُ أُمَيْنِ بْنِ ذِرْوَةَ بن نَضْلَة بن طريف ابْن نهمشل الْحِرْمَازِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي أُمَيْنٌ، عَنْ أَبِيهِ ذِرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ نَضْلَةَ، أَنَّ رَجُلًا مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ الاعشى واسْمه عبد الله الْأَعْوَرِ كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ يُقَالُ لَهَا مُعَاذَةُ خَرَجَ فِي رَجَبٍ يَمِيرُ أَهْلَهُ مِنْ هَجَرَ، فهربت امْرَأَته بعده نشزا عَلَيْهِ، فَعَاذَتْ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُطَرِّفُ ابْن نهشل بن كَعْب بن قميثع بن دلف بْنِ أَهْضِمَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحِرْمَازِ، فَجَعَلَهَا خَلْفَ ظَهْرِهِ فَلَمَّا قَدِمَ لَمْ يَجِدْهَا فِي بَيْتِهِ وَأُخْبِرَ أَنَّهَا نَشَزَتْ عَلَيْهِ وَأَنَّهَا عَاذَتْ بِمُطَرِّفِ بْنِ نهشل، فَأَتَاهُ فَقَالَ: يَا بن عَمِّ أَعِنْدَكَ امْرَأَتِي مُعَاذَةُ فَادْفَعْهَا إِلَيَّ.
قَالَ: لَيْسَتْ عِنْدِي، وَلَوْ كَانَتْ عِنْدِي لَمْ أَدْفَعْهَا إِلَيْكَ.
قَالَ: وَكَانَ مُطَرِّفٌ أَعَزَّ مِنْهُ.
قَالَ: فَخرج الاعشى حَتَّى أَتَى النَّبِي صلى عَلَيْهِ وَسلم فعاذ بِهِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

يَا سَيِّدَ النَّاسِ وَدَيَّانَ الْعَرَبْ إِلَيْكَ أَشْكُو ذربة من الذرب 
كالذئبة العنساء فِي ظِلِّ السَّرَبْ خَرَجْتُ أَبْغِيهَا الطَّعَامَ فِي رَجَبْ فَخَلَّفَتْنِي بِنِزَاعٍ وَهَرَبْ أَخْلَفَتِ الْوَعْدَ وَلَطَّتْ بَالذَّنَبْ
وَقَذَفَتْنِي بَيْنَ عَصْرٍ مُؤْتَشَبْ وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لِمَنْ غَلَبْ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ: «وَهُنَّ شَرُّ غَالِبٍ لمن غلب».
فَشَكا إِلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَمَا صَنَعَتْ بِهِ، وَأَنَّهَا عِنْدَ رَجُلٍ مِنْهُمْ يُقَالُ لَهُ مُطَرِّفُ بْنُ نَهْشَلٍ، فَكَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مُطَرِّفٍ: «انْظُرِ امْرَأَةَ هَذَا مُعَاذَةَ فَادْفَعْهَا إِلَيْهِ».
فَأَتَاهُ كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُرِئَ عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهَا: يَا مُعَاذَةُ هَذَا كِتَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيكِ فَأَنَا دَافِعُكِ إِلَيْهِ.
فَقَالَتْ: خُذْ لِي عَلَيْهِ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ وَذِمَّةَ نَبِيِّهِ أَنْ لَا يُعَاقِبَنِي فِيمَا صَنَعْتُ فَأَخَذَ لَهَا ذَلِكَ عَلَيْهِ وَدَفَعَهَا مُطَرِّفٌ إِلَيْهِ، فَأَنْشَأَ يَقُولُ:

لَعَمْرُكَ مَا حُبِّي مُعَاذَةَ بِالَّذِي يُغَيِّرُهُ الْوَاشِي وَلَا قِدَمُ الْعَهْدِ
وَلَا سُوءُ مَا جَاءَتْ بِهِ إِذْ أزالها غواة الرِّجَال إِذْ يناجونها بعدى قُدُومُ

صُرَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيِّ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ ثُمَّ وُفُودِ أَهِلِ جُرَشَ بَعْدَهُمْ قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ صُرَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَزْدِيُّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَفْدٍ مِنَ الْأَزْدِ، فَأَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ، وَأَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَنْ أَسْلَمَ مِنْ قَوْمِهِ، وَأَمَرَهُ أَنْ يُجَاهِدَ بِمَنْ أَسْلَمَ مَنْ يَلِيهِ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ مِنْ قَبَائِلِ الْيَمَنِ.
فَذَهَبَ فَحَاصَرَ جُرَشَ وَبِهَا قَبَائِلُ مِنَ الْيَمَنِ وَقَدْ ضَوَتْ إِلَيْهِمْ خَثْعَمُ حِينَ سَمِعُوا بِمَسِيرِهِ إِلَيْهِمْ، فَأَقَامَ عَلَيْهِمْ قَرِيبًا مِنْ شَهْرٍ فَامْتَنَعُوا فِيهَا مِنْهُ، ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُمْ حَتَّى إِذَا كَانَ قَرِيبًا مِنْ جَبَلٍ يُقَالُ لَهُ شَكَرُ فَظَنُّوا أَنَّهُ قَدْ وَلَّى عَنْهُمْ مُنْهَزِمًا، فَخَرَجُوا فِي طَلَبِهِ فَعَطَفَ عَلَيْهِمْ فَقَتَلَهُمْ قَتْلًا شَدِيدًا.
وَقَدْ كَانَ أَهْلُ جُرَشَ بَعَثُوا مِنْهُمْ رَجُلَيْنِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْمَدِينَة، فَبَيْنَمَا هما عِنْدَهُ بَعْدَ الْعَصْرِ إِذْ قَالَ: «بِأَيِّ بِلَادِ اللَّهِ شَكَرُ»؟ فَقَامَ الْجُرَشِيَّانِ فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِبِلَادِنَا جَبَلٌ يُقَالُ لَهُ كَشَرُ.
وَكَذَلِكَ تسميه أَهْلُ جُرَشَ.
فَقَالَ: «إِنَّهُ لَيْسَ بِكَشَرَ وَلَكِنَّهُ شَكَرُ».
قَالَا: فَمَا شَأْنُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: «إِنَّ بُدْنَ اللَّهِ لَتُنْحَرُ عِنْدَهُ الْآنَ».
قَالَ: فَجَلَسَ الرَّجُلَانِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَوْ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُمَا: وَيْحَكُمَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لآن لينعى قَوْمَكُمَا، فَقُومَا إِلَيْهِ فَاسْأَلَاهُ أَنْ يَدْعُوَ اللَّهَ فَيَرْفَعَ عَنْ قَوْمِكُمَا فَقَامَا إِلَيْهِ فَسَأَلَاهُ ذَلِكَ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ ارْفَعْ عَنْهُمْ».
فَرَجَعَا فَوَجَدَا قَوْمَهُمَا قَدْ أُصِيبُوا يَوْمَ أَخْبَرَ عَنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَجَاءَ وَفْدُ أَهْلِ جُرَشَ بِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ، حَتَّى قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمُوا وَحَسُنَ إِسْلَامُهُمْ وَحَمَى لَهُمْ حَوْلَ قريتهم.

قُدُومُ رَسُولِ مُلُوكِ حِمْيَرَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ تِسْعٍ.
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ كِتَابُ مُلُوكِ حِمْيَرَ وَرُسُلُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ مَقْدِمَهُ مِنْ تَبُوكَ، وَهُمْ الْحَارِث بن كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذِي رُعَيْنٍ وَمَعَافِرَ وَهَمْدَانَ وَبَعَثَ إِلَيْهِ زُرْعَةُ ذُو يَزَنَ مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ الرَّهَاوِيَّ بِإِسْلَامِهِمْ وَمُفَارَقَتِهِمُ الشِّرْكَ وَأَهْلَهُ.
فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ النَّبِيِّ إِلَى الْحَارِث بن عبد كلال ونعيم بن عبد كلال والنعمان قيل ذِي رعين ومعافر وهمدان، أَمَّا بَعْدَ ذَلِكُمْ فَإِنِّي أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، فَإِنَّهُ قَدْ وَقَعَ بِنَا رَسُولُكُمْ مُنْقَلَبَنَا مِنْ أَرْضِ الرُّومِ، فلقينا بِالْمَدِينَةِ فَبلغ مَا أرسلتم بِهِ وخبرنا مَا قَبِلَكُمْ وَأَنْبَأَنَا بِإِسْلَامِكُمْ وَقَتْلِكُمُ الْمُشْرِكِينَ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ هَدَاكُمْ بِهُدَاهُ، إِنْ أَصْلَحْتُمْ وَأَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَأَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَأَعْطَيْتُمْ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ وَسَهْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفِيَّهُ وَمَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ، مِنَ الْعَقَارِ عُشْرُ مَا سَقَتِ الْعَيْنُ وَسَقَتِ السَّمَاءُ وَعَلَى مَا سَقَى الْغَرْبُ نِصْفُ الْعُشْرِ، وَأَنَّ فِي الْإِبِلِ فِي الْأَرْبَعِينَ ابْنَةَ لَبُونٍ وَفِي ثَلَاثِينَ مِنَ الْإِبِلِ ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، وَفِي كُلِّ خَمْسٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاةٌ وَفِي كُلِّ عَشْرٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاتَانِ وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وفى كل ثَلَاثِينَ تَبِيعٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ من الْغنم سَائِمَة وَحدهَا شَاة، إِنَّهَا فَرِيضَةُ اللَّهِ الَّتِي فَرَضَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَةِ، فَمَنْ زَادَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ وَأَشْهَدَ عَلَى إِسْلَامِهِ وَظَاهَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَالهم وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ وَلَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَإِنَّهُ مَنْ أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ. وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُرَدُّ عَنْهَا، وَعَلَيْهِ الْجِزْيَة على كل حالم ذكر وَأُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ مِنْ قِيمَةِ الْمَعَافِرِ أَوْ عِوَضُهِ ثِيَابًا، فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ فَإِنَّ لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، وَمَنْ مَنَعَهُ فَإِنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ مُحَمَّدًا النَّبِيَّ أَرْسَلَ إِلَى زُرْعَةَ ذِي يَزَنَ: أَنْ إِذْ أَتَاكَ رُسُلِي فَأُوصِيكُمْ بِهِمْ خَيْرًا، مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ وَمَالِكُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ نَمِرٍ وَمَالِكُ بْنُ مُرَّةَ وَأَصْحَابُهُمْ، وَأَنِ اجْمَعُوا مَا عِنْدَكُمْ مِنَ الصَّدَقَةِ وَالْجِزْيَةِ مِنْ مَخَالِيفِكُمْ وَأَبْلِغُوهَا رُسُلِي، وَإِنَّ أَمِيرَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَا يَنْقَلِبَنَّ إِلَّا رَاضِيًا. أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مُحَمَّدًا يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّهُ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، ثُمَّ إِنَّ مَالِكَ بْنَ مُرَّةَ الرَّهَاوِيَّ قَدْ حَدَّثَنِي أَنَّكَ أَسْلَمْتَ مِنْ أَوَّلِ حِمْيَرَ وَقَتَلْتَ الْمُشْرِكِينَ، فَأَبْشِرْ بِخَيْرٍ، وَآمُرُكَ بِحِمْيَرَ خَيْرًا، وَلَا تَخُونُوا وَلَا تَخَاذَلُوا فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ هُوَ مَوْلَى غَنِيِّكُمْ وَفَقِيرِكُمْ، وَإِنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِأَهْلِ بَيْتِهِ، وَإِنَّمَا هِيَ زَكَاةٌ يُزَكَّى بِهَا عَلَى فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَابْنِ السَّبِيلِ، وَإِنَّ مَالِكًا قَدْ بَلَّغَ الْخَبَرَ وَحَفِظَ الْغَيْبَ فَآمُرُكُمْ بِهِ خَيْرًا، وَإِنِّي قَدْ أَرْسَلْتُ إِلَيْكُمْ مِنْ صَالِحِي أَهْلِي وَأُولِي دِينِهِمْ وَأُولِي عِلْمِهِمْ، فَآمُرُكُمْ بِهِمْ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ مَنْظُورٌ إِلَيْهِمْ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَة الله وَبَرَكَاته».
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنٌ، حَدَّثَنَا عُمَارَةُ، عَنْ ثَابت، عَن أنس بن مَالك،أَن مَالك ذى بزن أَهْدَى إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةً قَدْ أَخَذَهَا بِثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ بَعِيرًا أَو ثَلَاثَة وَثَلَاثِينَ نَاقَةً.
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْنٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ عُمَارَةَ بْنِ زَاذَانَ الصَّيْدَلَانِيِّ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أَنَسٍ بِهِ.
وَقد روى الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ هَاهُنَا – حَدِيثَ كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ فَقَالَ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، أَنْبَأَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْجَبَّارِ، حَدَّثَنَا يُونُس ابْن بُكَيْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، عَنْ أَبِيهِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، قَالَ: هَذَا كِتَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَنَا الَّذِي كَتَبَهُ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ يُفَقِّهُ أَهْلَهَا وَيُعَلِّمُهُمُ السُّنَّةَ وَيَأْخُذُ صَدَقَاتِهِمْ، فَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا وَعَهْدًا وَأَمَرَهُ فِيهِ أَمْرَهُ.
فَكَتَبَ: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هَذَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا أَوْفوا بِالْعُقُودِ، عَهْدًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعْثِهِ إِلَى الْيَمَنِ. آمُرُهُ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي أَمْرِهِ كُلِّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتقوه وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ بِالْحَقِّ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، وَأَنْ يُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْخَيْرِ وَيَأْمُرَهُمْ بِهِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ وَيُفَقِّهَهُمْ فِي الدِّينِ، وَأَنْ يَنْهَى النَّاسَ فَلَا يَمَسَّ أَحَدٌ الْقُرْآنَ إِلَّا وَهُوَ طَاهِرٌ، وَأَنْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِالَّذِي لَهُمْ وَالَّذِي عَلَيْهِمْ، وَيَلِينُ لَهُمْ فِي الْحَقِّ وَيَشْتَدُّ عَلَيْهِمْ فِي الظُّلْمِ، فَإِنَّ اللَّهَ حرم الظُّلم وَنهى عَنهُ فَقَالَ: {أَلاَ لَعْنَةُ ٱللَّهِ عَلَى ٱلظَّالِمِينَ (18) ٱلَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ} [هود:18-19].
وَأَنْ يُبَشِّرَ النَّاسَ بِالْجَنَّةِ وَبِعَمَلِهَا، وَيُنْذِرَ النَّاسَ النَّارَ وَعَمَلَهَا، وَيَسْتَأْلِفَ النَّاسَ حَتَّى يَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ، وَيُعَلِّمَ النَّاسَ مَعَالِمَ الْحَجِّ وَسُنَنِهِ وَفَرَائِضِهِ وَمَا أمره اللَّهُ بِهِ، وَالْحَجُّ الْأَكْبَرُ الْحَجُّ وَالْحَجُّ الْأَصْغَرُ الْعُمْرَةُ.
وَأَنْ يَنْهَى النَّاسَ أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ صَغِيرٍ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَاسِعًا فَيُخَالِفُ بَيْنَ طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَيَنْهَى أَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَيُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ، وَلَا يَنْقُضَ شَعْرَ رَأْسِهِ إِذَا عفى فِي قَفَاهُ، وَيَنْهَى النَّاسَ إِنْ كَانَ بَيْنَهُمْ هيج أَن يَدْعُو إِلَى الْقَبَائِلِ وَالْعَشَائِرِ، وَلْيَكُنْ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، فَمَنْ لَمْ يَدْعُ إِلَى الله وَدَعَا إِلَى الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ فَلْيَعْطِفُوا بِالسَّيْفِ حَتَّى يَكُونَ دُعَاؤُهُمْ إِلَى اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ. وَيَأْمُرَ النَّاسَ بِإِسْبَاغِ الْوُضُوءِ، وُجُوهَهُمْ وَأَيْدِيَهُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَأَرْجُلَهُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَأَنْ يَمْسَحُوا رؤوسهم كَمَا أَمرهم الله عزوجل، وَأُمِرُوا بِالصَّلَاةِ لِوَقْتِهَا وَإِتْمَامِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَأَنْ يغلس بالصبح وأَن يُهَجَّرَ بِالْهَاجِرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ، وَصَلَاةُ الْعَصْرِ وَالشَّمْس فِي الارض مبدرة، وَالْمغْرب حِين يقبل اللَّيْل لَا تُؤَخَّرُ حَتَّى تَبْدُوَ النُّجُومُ فِي السَّمَاءِ، وَالْعِشَاءُ أول اللَّيْل. وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الْمَغَانِمِ خُمُسَ اللَّهِ مَا كُتِبَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ مِنَ الصَّدَقَةِ مِنَ الْعَقَارِ فِيمَا سقى الْعَيْنُ وَفِيمَا سَقَتِ السَّمَاءُ الْعُشْرُ، وَمَا سَقَى الغرب فَنِصْفُ الْعُشْرِ، وَفِي كُلِّ عَشْرٍ مِنَ الْإِبِلِ شَاتَانِ وَفِي عِشْرِينَ أَرْبَعُ شِيَاهٍ، وَفِي أَرْبَعِينَ مِنَ الْبَقَرِ بَقَرَةٌ، وَفِي كُلِّ ثَلَاثِينَ مِنَ الْبَقَرِ تَبِيعٌ أَوْ تَبِيعَةٌ جَذَعٌ أَوْ جَذَعَةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ مِنَ الْغَنَمِ سَائِمَةٍ وَحْدَهَا شَاةٌ، فَإِنَّهَا فَرِيضَةُ اللَّهِ الَّتِي افْتَرَضَ عَلَى الْمُؤمنِينَ، فَمن زَاد فَهُوَ خير لَهُ.
وَمن أَسْلَمَ مِنْ يَهُودِيٍّ أَوْ نَصْرَانِيٍّ إِسْلَامًا خَالِصًا مِنْ نَفْسِهِ فَدَانَ دِينَ الْإِسْلَامِ، فَإِنَّهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَهُ مَا لَهُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْهِمْ، وَمَنْ كَانَ عَلَى يَهُودِيَّتِهِ أَوْ نَصْرَانِيَّتِهِ فَإِنَّهُ لَا يُغَيَّرُ عَنْهَا، وَعَلَى كُلِّ حَالِمٍ ذَكَرٍ وَأُنْثَى حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ دِينَارٌ وَافٍ أَوْ عِوَضُهُ مِنَ الثِّيَابِ، فَمَنْ أَدَّى ذَلِكَ فَإِنَّ لَهُ ذمَّة الله وَرَسُوله، وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ عَدُوُّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْمُؤمنِينَ جَمِيعًا.
صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ. وَالسَّلَامُ عَلَيْهِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ».
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: وَقَدْ رَوَى سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ جِدِّهِ هَذَا الْحَدِيثَ مَوْصُولًا بِزِيَادَاتٍ كَثِيرَةٍ وَنُقْصَانٍ عَنْ بَعْضِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الزَّكَاةِ وَالدِّيَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْوَجْهِ رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ مُطَوَّلًا، وَأَبُو دَاوُدَ فِي كِتَابِ الْمَرَاسِيلِ.
وَقَدْ ذَكَرْتُ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي السُّنَنِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَسَنَذْكُرُ بَعْدَ الْوُفُودِ بَعْثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمَرَاءَ إِلَى الْيَمَنِ لِتَعْلِيمِ النَّاسِ وَأَخْذِ صَدَقَاتِهِمْ وأخماسهم، معَاذ بن جبل وَأَبُو مُوسَى وَخَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ.
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ.

قُدُومُ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ وَإِسْلَامُهُ
قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو قَطَنٍ، حَدَّثَنِي يُونُسُ، عَنِ الْمُغيرَة بن شبْل، قَالَ: قَالَ جَرِيرٌ: لَمَّا دَنَوْتُ مِنَ الْمَدِينَةِ أَنَخْتُ رَاحِلَتِي ثُمَّ حَلَلْتُ عَيْبَتِي ثُمَّ لَبِسْتُ حُلَّتِي، ثُمَّ دَخَلْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فَرَمَانِي النَّاسُ بِالْحَدَقِ، فَقُلْتُ لِجَلِيسِي: يَا عبد الله هَل ذَكَرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نعم ذكرك بِأَحْسَن الذّكر، بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ إِذْ عُرِضَ لَهُ فِي خُطْبَتِهِ وَقَالَ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ أَوْ مِنْ هَذَا الْفَجِّ مِنْ خَيْرِ ذِي يَمَنٍ، إِلَّا أَنَّ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةَ مَلَكٍ».
قَالَ جرير: فحمدت الله عزوجل على مَا أبلاني.
قَالَ أَبُو قَطَنٍ: فَقُلْتُ لَهُ: سَمِعْتَهُ مِنْهُ أَوْ سَمِعْتَهُ مِنَ الْمُغِيرَةِ بْنِ شِبْلٍ؟ قَالَ: نَعَمْ.
ثُمَّ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ يُوسُفَ.
وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى، ثَلَاثَتُهُمْ عَنْ يُونُسَ، عَن أَبى إِسْحَاق السبيعى، عَن الْمُغيرَة ابْن شِبْلٍ – وَيُقَالُ ابْنُ شُبَيْلٍ – عَنْ عَوْفٍ الْبَجَلِيِّ الْكُوفِيِّ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَلَيْسَ لَهُ عَنْهُ غَيْرُهُ.
وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جرير وَنَصه: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ مَلَكٍ».
وَهَذَا عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحَيْنِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي.
وَقَدْ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا أَبَا دَاوُدَ، مِنْ طُرُقٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْهُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ زِيَادَةٌ: وَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي لَا أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ قَيْسٍ عَنْهُ وَزَادَ فِيهِ: «يَدْخُلُ عَلَيْكُمْ مِنْ هَذَا الْبَابِ رَجُلٌ عَلَى وَجْهِهِ مَسْحَةُ ملك» فَذكر نَحْو مَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ، حَدَّثَنَا أَبُو عَمْرو وَعُثْمَان بْنُ أَحْمَدَ السَّمَّاكُ، حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ سَلَّامٍ السَّوَّاقُ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ الْخُرَاسَانِيُّ، حَدَّثَنَا حُصَيْن ابْن عُمَرَ الْأَحْمَسِيُّ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «يَا جرير لاى شئ جِئْت»؟ قلت: أسلم على يَديك يارسول اللَّهِ.
قَالَ: فَأَلْقَى عَلَيَّ كِسَاءً ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «إِذَا أَتَاكُمْ كَرِيمُ قَوْمٍ فَأَكْرِمُوهُ».
ثُمَّ قَالَ: «يَا جَرِيرُ، أَدْعُوكَ إِلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، وَتُصَلِّيَ الصَّلَاةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ».
فَفَعَلْتُ ذَلِكَ، فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ لَا يَرَانِي إِلَّا تَبَسَّمَ فِي وَجْهِي.
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ.
وَأَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ بِهِ.
وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث زِيَاد بن علاثة عَنْ جَرِيرٍ بِهِ.
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو سعيد، حَدثنَا زَائِدَة، حَدثنَا عَاصِم، عَن سُفْيَان يَعْنِي – أَبَا وَائِلٍ – عَنْ جَرِيرٍ، قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اشْتَرِطْ عَلَيَّ فَأَنْتَ أَعْلَمُ بِالشَّرْطِ.
قَالَ: «أُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَحده لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاة، وتنصح الْمُسلم، وتبرأ من الشّرك».
وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ جَرِيرٍ وفى طَرِيق أُخْرَى عَن الاعمش، عَن مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ أَبِي نُخَيْلَةَ، عَنْ جَرِيرٍ بِهِ.
فَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَاهُ أَيْضًا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قُدَامَةَ، عَنْ جَرِيرٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَالشَّعْبِيِّ عَنْ جَرِيرٍ بِهِ.
وَرَوَاهُ عَنْ جَرِيرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَيْرَةَ.
رَوَاهُ أَحْمَدُ مُنْفَرِدًا بِهِ.
وَابْنُهُ عُبَيْدُ الله بن جرير أَحْمَدُ أَيْضًا مُنْفَرِدًا بِهِ.
وَأَبُو جَمِيلَةَ وَصَوَابُهُ نُخَيْلَةَ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا وَالنَّسَائِيُّ.
وَرَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا عَنْ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ رَجُلٍ عَنْ جَرِيرٍ فَذَكَرَهُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الرَّجُلَ هُوَ أَبُو نُخَيْلَةَ الْبَجَلِيُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ ذَكَرْنَا بَعْثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ حِينَ أَسْلَمَ إِلَى ذِي الْخَلَصَةِ بَيْتٍ كَانَ يَعْبُدُهُ خَثْعَمٌ وَبُجَيْلَةُ، وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، يُضَاهُونَ بِهِ الْكَعْبَةَ الَّتِي بِمَكَّةَ، وَيَقُولُونَ لِلَّتِي بِبَكَّةَ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ، وَلِبَيْتِهِمْ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا تريحنى من ذى الخلصة»؟ فَحِينَئِذٍ شكا إِلَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْكَرِيمَةِ فِي صَدْرِهِ حَتَّى أَثَّرَتْ فِيهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» فَلَمْ يَسْقُطْ بَعْدَ ذَلِكَ عَنْ فَرَسٍ.
وَنَفَرَ إِلَى ذِي الْخَلَصَةِ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ رَاكِبٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ أَحْمَسَ، فَخَرَّبَ ذَلِكَ الْبَيْتَ وَحَرَّقَهُ حَتَّى تَرَكَهُ مِثْلَ الْجَمَلِ الْأَجْرَبِ، وَبَعَثَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بشيرا يُقَالُ لَهُ أَبُو أَرْطَاةَ فَبَشَّرَهُ بِذَلِكَ، فَبَرَّكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ مَرَّاتٍ.
وَالْحَدِيثُ مَبْسُوطٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا كَمَا قَدَّمْنَاهُ بَعْدَ الْفَتْحِ اسْتِطْرَادًا بَعْدَ ذِكْرِ تَخْرِيبِ بَيْتِ الْعُزَّى عَلَى يَدَيْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْفَتْحِ بِمِقْدَارٍ جَيِّدٍ.
فَإِنَّ الْإِمَامَ أَحْمَدَ قَالَ: حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ، حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُلَاثَةَ عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ بْنِ مَالِكٍ الْجَزَرِيِّ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ، قَالَ: إِنَّمَا أَسْلَمْتُ بَعْدَ مَا أُنْزِلَتِ الْمَائِدَةُ وَأَنَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ بَعْدَ مَا أَسْلَمْتُ.
تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَهُوَ إِسْنَادٌ جَيِّدٌ اللَّهُمَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا بَيْنَ مُجَاهِدٍ وَبَيْنَهُ.
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ أَصْحَابَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ كَانَ يُعْجِبُهُمْ حَدِيثُ جَرِيرٍ فِي مَسْحِ الْخُفِّ، لِأَنَّ إِسْلَامَ جَرِيرٍ إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ، وَسَيَأْتِي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ يَا جَرِيرُ».
وَإِنَّمَا أَمَرَهُ بِذَلِكَ لانه كَانَ صيتًا.
وَكَانَ ذَا شَكْلٍ عَظِيمٍ، كَانَتْ نَعْلُهُ طُولُهَا ذِرَاعا، وَكَانَ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ وَجْهًا، وَكَانَ مَعَ هَذَا مِنْ أَغَضِّ النَّاسِ طَرْفًا.
وَلِهَذَا رَوَيْنَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نظر الْفجأَة فَقَالَ: «اصرف بَصرك».
وِفَادَةُ وَائِلِ بْنِ حُجْرِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ وَائِل بن يعمر الْحَضْرَمِيّ بن هنيدة أَحَدِ مُلُوكِ الْيَمَنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: كَانَ أَحَدَ أَقْيَالِ حَضْرَمَوْتَ، وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ مُلُوكِهِمْ.
وَيُقَالُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَّرَ أَصْحَابَهُ قَبْلَ قُدُومِهِ بِهِ، وَقَالَ: «يَأْتِيكُمْ بَقِيَّةُ أَبْنَاءِ الْمُلُوكِ».
فَلَمَّا دَخَلَ رَحَّبَ بِهِ وَأَدْنَاهُ مِنْ نَفْسِهِ وَقَرَّبَ مَجْلِسَهُ وَبَسَطَ لَهُ رِدَاءَهُ.
وَقَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي وَائِلٍ وَوَلَدِهِ وَوَلِدِ وَلَدِهِ».
وَاسْتَعْمَلَهُ على الاقيال من حَضرمَوْت، وَكتب مَعَه ثَلَاثَة كُتُبٍ ; مِنْهَا كِتَابٌ إِلَى الْمُهَاجِرِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ، وَكِتَابٌ إِلَى الْأَقْيَالِ وَالْعَبَاهِلَةِ، وَأَقْطَعَهُ أَرْضًا وَأرْسل مَعَه مُعَاوِيَة ابْن أَبى سُفْيَان فَخرج مَعَه رَاجِلا، فَشَكا إِلَيْهِ حَرَّ الرَّمْضَاءِ فَقَالَ: انْتَعِلْ ظِلَّ النَّاقَةِ.
فَقَالَ: وَمَا يُغْنِي عَنِّي ذَلِكَ، لَوْ جَعَلْتَنِي رِدْفًا؟ فَقَالَ لَهُ وَائِلٌ: اسْكُتْ فَلَسْتَ مِنْ أَرْدَافِ الْمُلُوكِ.
ثُمَّ عَاشَ وَائِلُ بْنُ حُجْرٍ حَتَّى وَفَدَ عَلَى مُعَاوِيَةَ وَهُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَعَرَفَهُ مُعَاوِيَةُ، فَرَحَّبَ بِهِ وَقَرَّبَهُ وَأَدْنَاهُ، وَأَذْكَرَهُ الْحَدِيثَ، وَعَرَضَ عَلَيْهِ جَائِزَةً سَنِيَّةً فَأَبَى أَنْ يَأْخُذَهَا، وَقَالَ: أَعْطِهَا مَنْ هُوَ أَحْوَجُ إِلَيْهَا مِنِّي.
وَأَوْرَدَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْضَ هَذَا، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الْبُخَارِيَّ فِي التَّارِيخِ رَوَى فِي ذَلِكَ شَيْئًا.
وَقَدْ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، أَنْبَأَنَا شُعْبَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ، عَنْ عَلْقَمَة ابْن وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أقطعه أَرضًا.
قَالَ: وَأرْسل مَعِي مُعَاوِيَةَ أَنْ أَعْطِهَا إِيَّاهُ – أَوْ قَالَ أعلمها إِيَّاه -.
قَالَ: فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: أَرْدِفْنِي خَلْفَكَ.
فَقُلْتُ: لَا تَكُونُ مِنْ أَرْدَافِ الْمُلُوكِ.
قَالَ: فَقَالَ: أَعْطِنِي نَعْلَكَ.
فَقُلْتُ: انْتَعِلْ ظِلَّ النَّاقَةِ.
قَالَ: فَلَمَّا اسْتُخْلِفَ مُعَاوِيَةُ أَتَيْتُهُ فَأَقْعَدَنِي مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ فَذَكَّرَنِي الْحَدِيثَ.
قَالَ سِمَاكٌ: فَقَالَ: وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ حَمْلَتُهُ بَيْنَ يَدَيَّ وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: صَحِيح.

وفادة لَقِيط بن عَامر بن الْمُنْتَفِقِ أَبِي رَزِينٍ الْعُقَيْلِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن الامام أَحْمد حَدَّثَنى أَبى، حَدثنَا عبد الله: كَتَبَ إِلَيَّ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ حَمْزَةَ ابْن مُصْعَبِ بْنِ الزُّبَيْرِ الزُّبَيْرِيُّ: كَتَبْتُ إِلَيْكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَدْ عَرَضْتُهُ وَسَمِعْتُهُ عَلَى مَا كَتَبْتُ بِهِ إِلَيْكَ، فَحَدِّثْ بِذَلِكَ عَنِّي.
قَالَ: حَدَّثَنِي عبد الرَّحْمَن بن الْمُغيرَة الحزامى، حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَيَّاشٍ السَّمَعِيُّ الْأَنْصَارِيُّ الْقُبَائِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ، عَنْ دَلْهَمِ بْنِ الْأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَاجِبِ بْنِ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ الْعُقَيْلِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَمِّهِ لَقِيطِ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ دَلْهَمٌ: وَحَدَّثَنِيهِ أَبِي الْأَسْوَدُ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ لَقِيطٍ أَنَّ لَقِيطًا خَرَجَ وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ صَاحِبٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ نَهِيكُ بْنُ عَاصِمِ بْنِ مَالك ابْن الْمُنْتَفِقِ.
قَالَ لَقِيطٌ: فَخَرَجْتُ أَنَا وَصَاحِبِي حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَة انْسِلَاخَ رَجَبٍ، فَأَتَيْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَافَيْنَاهُ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَقَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا فَقَالَ: «أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنِّي قَدْ خَبَّأْتُ لَكُمْ صَوْتِي مُنْذُ أَرْبَعَة أَيَّام أَلا لاسمعكم، أَلَا فَهَلْ مِنَ امْرِئٍ بَعَثَهُ قَوْمُهُ».
فَقَالُوا: اعْلَم لنا مَا يَقُول رَسُول الله.
ثمَّ قَالَ: «أَلا لَعَلَّهُ أَنْ يُلْهِيَهُ حَدِيثُ نَفْسِهِ أَوْ حَدِيثُ صَاحِبِهِ أَوْ يُلْهِيَهُ الضُّلَّالُ، أَلَا إِنِّي مَسْئُولٌ هَل بلغت؟ أَلا فَاسْمَعُوا تعيشوا، أَلا اجلسوا أَلا اجلسوا».
فَجَلَسَ النَّاسُ وَقُمْتُ أَنَا وَصَاحِبِي، حَتَّى إِذَا فَرَغَ لَنَا فُؤَادُهُ وَبَصَرُهُ قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَكَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ؟ فَضَحِكَ لَعَمْرُ اللَّهِ وَهَزَّ رَأْسَهُ وَعَلِمَ أَنِّي أَبْتَغِي لِسَقْطِهِ، فَقَالَ: «ضَنَّ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ بِمَفَاتِيحِ خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا اللَّهُ» وَأَشَارَ بِيَدِهِ.
قُلْتُ: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: «عِلْمُ الْمَنِيَّةِ، قَدْ عَلِمَ مَتَى مَنِيَّةُ أَحَدِكُمْ وَلَا تَعْلَمُونَهُ، وَعِلْمُ الْمَنِيِّ حِينَ يَكُونُ فِي الرَّحِمِ قَدْ عَلِمَهُ وَلَا تَعْلَمُونَ وَعِلْمُ مَا فِي غَدٍ وَمَا أَنْتَ طَاعِمٌ غَدًا وَلَا تَعْلَمُهُ، وَعِلْمُ يَوْمِ الْغَيْثِ يُشْرِفُ عَلَيْكُمْ آزِلِينَ مُسْنِتِينِ فَيَظَلُّ يَضْحَكُ قَدْ عَلِمَ أَنَّ غَيْرَكُمْ إِلَى قَرِيبٍ».
قَالَ لَقِيطٌ: قُلْتُ لَنْ نَعْدَمَ مِنْ رَبٍّ يَضْحَكُ خَيْرًا.
وَعِلْمُ يَوْمِ السَّاعَة.
قُلْنَا: يَا رَسُول الله علمنَا مِمَّا لَا يعلم النَّاس وَمِمَّا تعلم، فَإنَّا من قبيل لَا يصدقون تَصْدِيق أَحَدٌ، مِنْ مَذْحِجٍ الَّتِي تَرْبُو عَلَيْنَا وَخَثْعَمٍ الَّتِي تَوَالِينَا وَعَشِيرَتِنَا الَّتِي نَحْنُ مِنْهَا.
قَالَ: «تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمَّ يُتَوَفَّى نَبِيُّكُمْ، ثُمَّ تَلْبَثُونَ مَا لَبِثْتُمْ ثُمَّ تُبْعَثُ الصَّائِحَةُ، لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا من شئ إِلَّا مَاتَ، وَالْمَلَائِكَة الَّذين مَعَ رَبك فَأصْبح رَبك عزوجل يطوف فِي الارض قد خَلَتْ عَلَيْهِ الْبِلَادُ، فَأَرْسَلَ رَبُّكُ السَّمَاءَ تَهْضِبُ مِنْ عِنْدِ الْعَرْشِ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَدَعُ عَلَى ظَهْرِهَا مِنْ مَصْرَعِ قَتِيلٍ وَلَا مَدْفَنِ مَيِّتٍ إِلَّا شَقَّتِ الْقَبْرَ عَنْهُ حَتَّى تخلقه مِنْ عِنْدِ رَأْسِهِ، فَيَسْتَوِي جَالِسًا، فَيَقُولُ رَبُّكَ عزوجل: مَهْيَمْ؟ لِمَا كَانَ فِيهِ – فَيَقُولُ: يَا رَبِّ أَمْسِ الْيَوْمَ، فَلِعَهْدِهِ بِالْحَيَاةِ يَحْسَبُهُ حَدِيثًا بِأَهْلِهِ».
قلت: يَا رَسُول الله كَيفَ يجمعنا بعد مَا تفرقنا الرِّيَاحُ وَالْبِلَى وَالسِّبَاعُ.
فَقَالَ: «أُنْبِئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاء الله، فِي الْأَرْضُ أَشْرَفْتَ عَلَيْهَا وَهِيَ مَدَرَةٌ بَالِيَةٌ فَقُلْتَ لَا تَحْيَا أَبَدًا.ثُمَّ أَرْسَلَ رَبُّكَ عَلَيْهَا السَّمَاء فَلم تلبث عَلَيْك أَيَّام حَتَّى أشرفت عَلَيْهَا وهى شرية وَاحِدَةٌ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَجْمَعَكُمْ مِنَ الْمَاءِ عَلَى أَنْ يَجْمَعَ نَبَاتَ الْأَرْضِ.فَتُخْرَجُونَ مِنَ الْأَصْوَاءِ وَمِنْ مَصَارِعِكُمْ فَتَنْظُرُونَ إِلَيْهِ وَيَنْظُرُ إِلَيْكُمْ».
قَالَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ وَنحن ملْء الارض، وَهُوَ عزوجل شَخْصٌ وَاحِدٌ يَنْظُرُ إِلَيْنَا وَنَنْظُرُ إِلَيْهِ؟ فَقَالَ: «أُنْبِئُكَ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي آلَاءِ اللَّهِ، الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ آيَةٌ مِنْهُ صَغِيرَةٌ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ سَاعَةً وَاحِدَةً لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا، وَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَهُوَ أَقْدَرُ عَلَى أَنْ يَرَاكُمْ وَتَرَوْنَهُ مِنْ أَنْ تَرَوْنَهُمَا وَيَرَيَانِكُمْ لَا تُضَارُّونَ فِي رُؤْيَتِهِمَا».
قلت: يَا رَسُول الله فَمَا يفعل رَبُّنَا إِذَا لَقِينَاهُ؟ قَالَ: «تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةً لَهُ صحائفكم لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ، فَيَأْخُذُ رَبُّكَ عزوجل بِيَدِهِ غرفَة من المَاء فينضح قبلكُمْ بهَا، فلعمر إلهك مَا يُخطئ وَجْهَ أَحَدِكُمْ مِنْهَا قَطْرَةٌ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ على وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ بِمِثْلِ الْحُمَمِ الْأَسْوَدِ. أَلَا ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ وَيَنْصَرِفُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ، فَتَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ فَيَطَأُ أَحَدُكُمُ الْجَمْرَ فَيَقُولُ: حَسِّ.
فَيَقُولُ رَبك عزوجل: أَوَانه . فَتَطْلُعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ عَلَى أَظْمَأِ وَاللَّهِ نَاهِلَةٍ عَلَيْهَا مَا رَأَيْتُهَا قَطُّ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ لَا يَبْسُطُ وَاحِدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلَّا وَقَعَ عَلَيْهَا قَدَحٌ يُطَهِّرُهُ مِنَ الطَّوْفِ وَالْبَوْلِ وَالْأَذَى، وَتُحْبَسُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ فَلَا تَرَوْنَ مِنْهُمَا وَاحِدًا».
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَبِمَ نُبْصِرُ؟ قَالَ: «مثل بَصَرِكَ سَاعَتَكَ هَذِهِ، وَذَلِكَ مَعَ طُلُوعِ الشَّمْسِ فِي يَوْم أشرقته الارض وواجهته الْجبَال».
قَالَ: قلت: يَا رَسُول الله فيمَ نجزى من سيئاتنا وحسناتنا؟ فَقَالَ: «الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ».
قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِمَّا الْجَنَّةُ وَإِمَّا النَّارُ؟ قَالَ: «لَعَمْرُ إِلَهِكَ، إِنَّ لِلنَّارِ سَبْعَةَ أَبْوَابٍ مَا مِنْهُنَّ بَابَانِ إِلَّا يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا وَإِنَّ لِلْجَنَّةِ لَثَمَانِيَةَ أَبْوَابٍ، مَا مِنْهَا بَابَانِ إِلَّا يَسِيرُ الرَّاكِبُ بَيْنَهُمَا سَبْعِينَ عَامًا».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلَامَ نَطَّلِعُ مِنَ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «عَلَى أَنْهَارٍ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى وَأَنْهَارٍ مِنْ كَأْسٍ مَا بِهَا مِنْ صُدَاعٍ وَلَا نَدَامَةٍ، وَأَنْهَارٍ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَمَاءٌ غَيْرُ آسِنٍ وَفَاكِهَةٍ،لَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا تَعْلَمُونَ وَخَيْرٍ مِنْ مِثْلِهِ مَعَهُ، وَأَزْوَاجٍ مُطَهَّرَةٍ».
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَنَا فِيهَا أَزْوَاجٌ أَوَ مِنْهُنَّ مُصْلِحَاتٌ؟ قَالَ: «الصَّالِحَاتُ لِلصَّالِحِينَ، تلذونهن مثل لذاتكم فِي الدُّنْيَا ويلذونكم غير أَلا توالد».
قَالَ لَقِيط: قلت: أَقْصَى مَا نَحْنُ بَالِغُونَ وَمُنْتَهُونَ إِلَيْهِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
قُلْتُ: يَا رَسُول الله علام أُبَايِعك؟ فَبسط النَّبِي يَدَهُ وَقَالَ: «عَلَى إِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وزيال الشّرك، وَألا تُشْرِكَ بِاللَّهِ إِلَهًا غَيْرَهُ».
قَالَ: قُلْتُ: وَإِنَّ لَنَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَقَبَضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم يَده وَبسط أَصَابِعه وَظَنَّ أَنِّي مُشْتَرِطٌ شَيْئًا لَا يُعْطِينِيهِ.
قَالَ: قُلْتُ: نَحِلُّ مِنْهَا حَيْثُ شِئْنَا، وَلَا يَجْنِي مِنْهَا امْرُؤٌ إِلَّا عَلَى نَفْسِهِ.
فَبَسَطَ يَدَهُ وَقَالَ: «ذَلِكَ لَكَ، تَحِلُّ حَيْثُ شِئْتَ وَلَا تَجْنِي عَلَيْك إِلَّا نَفسك».
قَالَ: فانصرفنا عَنهُ.
ثمَّ قَالَ: إِنَّ هَذَيْنِ لَعَمْرُ إِلَهِكَ مِنْ أَتْقَى النَّاسِ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ؟ فَقَالَ لَهُ كَعْبُ بْنُ الخدارية أحد بنى كلاب مِنْهُم: يَا رَسُول الله بَنو المنتفق أهل ذَلِك مِنْهُم؟ قَالَ: فانصرفنا وَأَقْبَلت عَلَيْهِ .
وَذكر تَمام الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ لِأَحَدٍ مِمَّنْ مضى خير فِي جاهليته؟ قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ عُرْضِ قُرَيْشٍ: وَاللَّهِ إِنَّ أَبَاكَ الْمُنْتَفِقَ لَفِي النَّارِ.
قَالَ: فَلَكَأَنَّهُ وَقع حر بَين جلدتي وجهى وَلَحْمِي مِمَّا قَالَ لِأَبِي عَلَى رُءُوسِ النَّاسِ.
فهممت أَن أَقُول: وَأَبُوك يارسول اللَّهِ؟ ثُمَّ إِذَا الْأُخْرَى أَجْمَلُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَهْلُكُ؟ قَالَ: «وَأَهْلِي لَعَمْرُ اللَّهِ، مَا أَتَيْتَ عَلَيْهِ مِنْ قَبْرِ عَامِرِيٍّ أَوْ قُرَشِيٍّ مِنْ مُشْرِكٍ فَقُلْ: أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ مُحَمَّدٌ فَأُبَشِّرُكَ بِمَا يَسُوءُكَ، تُجَرُّ عَلَى وَجْهِكَ وَبَطْنِكَ فِي النَّار».
قَالَ: قلت: يارسول اللَّهِ مَا فَعَلَ بِهِمْ ذَلِكَ؟ وَقَدْ كَانُوا عَلَى عَمَلٍ لَا يُحْسِنُونَ إِلَّا إِيَّاهُ، وَقَدْ كَانُوا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُصْلِحُونَ؟ قَالَ: «ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ بَعَثَ فِي آخِرِ كُلِّ سَبْعِ أُمَمٍ» – يَعْنِي نَبِيًّا – «فَمَنْ عَصَى نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ، وَمَنْ أَطَاعَ نَبِيَّهُ كَانَ مِنَ الْمُهْتَدِينَ».
هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَأَلْفَاظُهُ فِي بَعْضِهَا نَكَارَة وَقد أخرجه الْحَافِظ الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ الْبَعْثِ وَالنُّشُورِ، وَعَبْدُ الْحَقِّ الْإِشْبِيلِيُّ فِي الْعَاقِبَةِ، وَالْقُرْطُبِيُّ فِي كِتَابِ التَّذْكِرَةِ فِي أَحْوَال الْآخِرَة.

وِفَادَةُ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
قَالَ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو أَحْمَدَ الاسد اباذى بهَا، أَنبأَنَا أَبُو بكر بن مَالك القطيعى، حَدثنَا أَبُو عَلِيٍّ بِشْرُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، حَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ نُعَيْمٍ الْحَضْرَمِيُّ، سَمِعْتُ زِيَادَ بْنَ الْحَارِثِ الصُّدَائِيَّ يُحَدِّثُ، قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْتُهُ عَلَى الْإِسْلَامِ، فَأُخْبِرْتُ أَنَّهُ قَدْ بَعَثَ جَيْشًا إِلَى قَوْمِي، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ارْدُدِ الْجَيْشَ وَأَنَا لَكَ بِإِسْلَامِ قَوْمِي وَطَاعَتِهِمْ.
فَقَالَ لِيَ: «اذْهَبْ فَرُدَّهُمْ».
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ رَاحِلَتِي قَدْ كَلَّتْ.
فَبُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَرَدَّهُمْ.
قَالَ الصُّدَائِيُّ: وَكَتَبْتُ إِلَيْهِمْ كِتَابًا، فَقَدِمَ وَفْدُهُمْ بِإِسْلَامِهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أَخَا صُدَاءٍ إِنَّكَ لَمُطَاعٌ فِي قَوْمِكَ».
فَقُلْتُ: بَلِ اللَّهُ هَدَاهُمْ لِلْإِسْلَامِ
فَقَالَ: «أَفَلَا أُؤَمِّرُكَ عَلَيْهِمْ» قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ.
قَالَ: «فَكَتَبَ لِي كِتَابًا أَمَّرَنِي»، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مُرْ لِي بشئ مِنْ صَدَقَاتِهِمْ.
قَالَ: «نَعَمْ».
فَكَتَبَ لِي كِتَابًا آخَرَ.
قَالَ الصُّدَائِيُّ: وَكَانَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلًا فَأَتَاهُ أَهْلُ ذَلِكَ الْمَنْزِلِ يَشْكُونَ عاملهم وَيَقُولُونَ: أَخذنَا بشئ كَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ رَسُول الله: «أَوَ فَعَلَ ذَلِكَ»؟ قَالُوا: نَعَمْ.
فَالْتَفَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَأَنَا فِيهِمْ فَقَالَ: «لَا خَيْرَ فِي الْإِمَارَةِ لِرَجُلٍ مُؤْمِنٍ».
قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَدَخَلَ قَوْلُهُ فِي نَفْسِي.
ثُمَّ أَتَاهُ آخَرٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله أَعْطِنِي.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَصُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ».
فَقَالَ السَّائِلُ: أَعْطِنِي من الصَّدَقَة.
فَقَالَ رَسُول الله: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِي الصَّدَقَاتِ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى حَكَمَ هُوَ فِيهَا فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ.
فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ.
قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَدَخَلَ ذَلِكَ فِي نَفْسِي، أَنِّي غَنِيٌّ وَأَنِّي سَأَلْتُهُ مِنَ الصَّدَقَةِ.
قَالَ: ثمَّ إِن رَسُول الله اعْتَشَى مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلِ، فَلَزِمْتُهُ وَكُنْتُ قَرِيبًا مِنْهُ، فَكَانَ أَصْحَابُهُ يَنْقَطِعُونَ عَنْهُ وَيَسْتَأْخِرُونَ مِنْهُ وَلَمْ يَبْقَ مَعَهُ أَحَدٌ غَيْرِي.
فَلَمَّا كَانَ أَوَانُ صَلَاةِ الصُّبْحِ أَمَرَنِي فَأَذَّنْتُ فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أُقِيمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَجَعَلَ يَنْظُرُ نَاحِيَةَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْفَجْرِ وَيَقُولُ: «لَا».
حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ نَزَلَ فَتَبَرَّزَ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيَّ وَهُوَ مُتَلَاحِقٌ أَصْحَابَهُ فَقَالَ: «هَلْ مِنْ مَاءٍ يَا أَخا صداء»؟ قلت: لَا إِلَّا شئ قَلِيلٌ لَا يَكْفِيكَ.
فَقَالَ: «اجْعَلْهُ فِي إِنَاءٍ ثُمَّ ائْتِنِي بِهِ».
فَفَعَلْتُ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فِي الْمَاءِ.
قَالَ: فَرَأَيْتُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِهِ عَيْنًا تَفُورُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْلَا أَنِّي أَسْتَحِي مِنْ رَبِّي عزوجل لَسَقَيْنَا وَاسْتَقَيْنَا، نَادِ فِي أَصْحَابِي مَنْ لَهُ حَاجَةٌ فِي الْمَاءِ» فَنَادَيْتُ فِيهِمْ فَأَخَذَ مَنْ أَرَادَ مِنْهُمْ شَيْئًا.
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَأَرَادَ بِلَالٌ أَنْ يُقِيمَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ: «إِنَّ أَخَا صُدَاءٍ أَذَّنَ وَمَنْ أَذَّنَ فَهُوَ يُقِيمُ».
قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَأَقَمْتُ.
فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ الله الصَّلَاةَ أَتَيْتُهُ بِالْكِتَابَيْنِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْفِنِي مِنْ هَذَيْنِ.
فَقَالَ: «مَا بَدَا لَكَ»؟ فَقُلْتُ: سَمِعْتُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَقُولُ: «لَا خير فِي الامارة لرجل مُؤمن» وَأَنا أَو من بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.
وَسَمِعْتُكَ تَقُولُ لِلسَّائِلِ: «مَنْ سَأَلَ النَّاسَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى فَهُوَ صُدَاعٌ فِي الرَّأْسِ وَدَاءٌ فِي الْبَطْنِ» وَسَأَلْتُكَ وَأَنَا غَنِيٌّ.
فَقَالَ: «هُوَ ذَاكَ فَإِنْ شِئْتَ فَاقْبَلْ، وَإِنْ شِئْت فدع».
فَقلت: أدع.
فَقَالَ لى رَسُول الله: «فَدُلَّنِي عَلَى رَجُلٍ أُؤَمِّرُهُ عَلَيْكُمْ».
فَدَلَلْتُهُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْوَفْدِ الَّذِينَ قَدِمُوا عَلَيْهِ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهِمْ.
ثُمَّ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لَنَا بِئْرًا إِذَا كَانَ الشِّتَاءُ وَسِعَنَا مَاؤُهَا وَاجْتَمَعْنَا عَلَيْهَا، وَإِذَا كَانَ الصَّيْفُ قَلَّ مَاؤُهَا فَتَفَرَّقْنَا عَلَى مِيَاهٍ حَوْلَنَا، وَقَدْ أَسْلَمْنَا وَكُلُّ مَنْ حَوْلَنَا عَدُوٌّ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا فِي بئرنا فيسعنا مَاؤُهَا فنجتمع عَلَيْهِ وَلَا نتفرق.
فَدَعَا سبع حَصَيَاتٍ فَعَرَكَهُنَّ بِيَدِهِ وَدَعَا فِيهِنَّ، ثُمَّ قَالَ: «اذْهَبُوا بِهَذِهِ الْحَصَيَاتِ فَإِذَا أَتَيْتُمُ الْبِئْرَ فَأَلْقُوا وَاحِدَةً وَاحِدَةً وَاذْكُرُوا اللَّهَ».
قَالَ الصُّدَائِيُّ: فَفَعَلْنَا مَا قَالَ لَنَا، فَمَا اسْتَطَعْنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَنْظُرَ إِلَى قَعْرِهَا – يَعْنِي الْبِئْرَ.
وَهَذَا الْحَدِيثُ لَهُ شَوَاهِدُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ وَابْنِ مَاجَهْ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ بَعَثَ بَعْدَ عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ قَيْسَ بْنَ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي أَرْبَعِمِائَةٍ إِلَى بِلَادِ صُدَاءٍ فَيُوَطِّئُهَا، فَبَعَثُوا رَجُلًا مِنْهُمْ فَقَالَ: جِئْتُكَ لِتَرُدَّ عَنْ قَوْمِي الْجَيْشَ وَأَنَا لَكَ بِهِمْ.
ثُمَّ قَدِمَ وَفْدُهُمْ خَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ رَأَى مِنْهُمْ حَجَّةَ الْوَدَاعِ مِائَةَ رَجُلٍ.
ثُمَّ رَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَنْعُمٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ نُعَيْمٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ الْحَارِثِ الصُّدَائِيِّ قِصَّتَهُ فِي الْأَذَانِ.
وِفَادَةُ الْحَارِثِ بْنِ حَسَّانٍ الْبَكْرِيِّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحُبَابِ، حَدَّثَنِي أَبُو الْمُنْذِرِ سَلَامُ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّحْوِيُّ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ أَبِي النَّجُودِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ الْحَارِثِ الْبَكْرِيُّ.
قَالَ: خَرَجْتُ أَشْكُو الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيَّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَرَرْتُ بِالرَّبَذَةِ فَإِذَا عَجُوزٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٌ بِهَا.
فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَى رَسُولِ الله حَاجَةً، فَهَلْ أَنْتَ مُبَلِّغِي إِلَيْهِ؟ قَالَ: فَحَمَلْتُهَا فَأَتَيْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا الْمَسْجِدُ غَاصٌّ بِأَهْلِهِ وَإِذَا رَايَةٌ سَوْدَاءُ تَخْفِقُ وَبِلَالٌ مُتَقَلِّدٌ السَّيْفَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا.
قَالَ: فَجَلَسْتُ، فَدَخَلَ مَنْزِلَهُ أَوْ قَالَ رَحْلَهُ، فَاسْتَأْذَنْتُ عَلَيْهِ فَأَذِنَ لِي، فَدَخَلْتُ فَسَلَّمْتُ فَقَالَ: «هَلْ كَانَ بَيْنكُم وَبَين تَمِيم شئ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ، وَكَانَتِ الدَّائِرَةُ عَلَيْهِمْ، وَمَرَرْتُ بِعَجُوزٍ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ مُنْقَطِعٍ بِهَا فَسَأَلَتْنِي أَنْ أَحْمِلَهَا إِلَيْكَ، وَهَا هِيَ بِالْبَابِ.
فَأَذِنَ لَهَا فَدَخَلَتْ.
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ تَمِيمٍ حَاجِزًا فَاجْعَلِ الدَّهْنَاءَ.
فَحَمِيَتِ الْعَجُوزُ وَاسْتَوْفَزَتْ وَقَالَت: يَا رَسُول الله أَيْنَ تَضْطَرُّ مُضَرَكَ.
قَالَ: قُلْتُ: إِنَّ مِثْلِي مَا قَالَ الْأَوَّلُ: مِعْزًى حَمَلَتْ حَتْفَهَا! حَمَلْتُ هَذِهِ وَلَا أَشْعُرُ أَنَّهَا كَانَتْ لِي خَصْمًا! أَعُوذُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ أَنْ أَكُونَ كَوَافِدِ عَادٍ.
قَالَ: «وَمَا وَافِدُ عَادٍ»؟ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْحَدِيثِ مِنْهُ وَلَكِنْ يَسْتَطْعِمُهُ.
قُلْتُ: إِنَّ عَادًا قَحَطُوا فَبَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ يُقَالُ لَهُ قَيْلٌ، فَمَرَّ بِمُعَاوِيَةَ بْنِ بَكْرٍ فَأَقَامَ عِنْدَهُ شَهْرًا يَسْقِيهِ الْخَمْرَ وَتُغَنِّيهِ جَارِيَتَانِ يُقَالُ لَهُمَا الْجَرَادَتَانِ، فَلَمَّا مَضَى الشَّهْرُ خَرَجَ إِلَى جِبَالِ مَهَرَةَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّك تعلم لم أجى إِلَى مَرِيضٍ فَأُدَاوِيَهُ، وَلَا إِلَى أَسِيرٍ فَأُفَادِيَهُ، اللَّهُمَّ اسْقِ عَادًا مَا كُنْتَ تَسْقِيهِ.
فَمَرَّتْ بِهِ سَحَابَاتٌ سُودٌ فَنُودِيَ: مِنْهَا اخْتَرْ.
فَأَوْمَأَ إِلَى سَحَابَةٍ مِنْهَا سَوْدَاءَ.
فَنُودِيَ مِنْهَا: خُذْهَا رَمَادًا رِمْدَدًا، لَا تُبْقِي مِنْ عَادٍ أَحَدًا.
قَالَ: فَمَا بَلَغَنِي أَنَّهُ أُرْسِلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيحِ إِلَّا بِقَدْرِ مَا يَجْرِي فِي خَاتَمِي هَذَا حَتَّى هَلَكُوا.
قَالَ أَبُو وَائِل: وَصدق، وَكَانَتِ الْمَرْأَةُ أَوِ الرَّجُلُ إِذَا بَعَثُوا وَافِدًا لَهُمْ قَالُوا: لَا تَكُنْ كَوَافِدِ عَادٍ .
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي الْمُنْذِرِ سَلَّامِ بْنِ سُلَيْمَانَ بِهِ.
وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُودِ، عَنِ الْحَارِثِ الْبَكْرِيِّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبَا وَائِلٍ.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمِ، عَنِ الْحَارِثِ، وَالصَّوَابُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنِ الْحَارِثِ.
كَمَا تَقَدَّمَ.

وِفَادَةُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بن أَبى عقيل مَعَ قومه
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَنْبَأَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ إِسْحَاقُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ يُوسُفَ السُّوسِيُّ، أَنْبَأَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الله الْبَغْدَادِيّ، أَنبأَنَا على بن الْجَعْد حَدثنَا عبد الْعَزِيز، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ يَزِيدُ الْأَسَدِيُّ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلْقَمَةَ الثَّقَفِيُّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَن ابْن أَبِي عَقِيلٍ.
قَالَ: انْطَلَقْتُ فِي وَفْدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْنَاهُ فأنخنا بِالْبَابِ وَمَا فِي النَّاس رجل أَبْغَضُ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ نَلِجُ عَلَيْهِ، فَلَمَّا دَخَلنَا وَخَرجْنَا فَمَا فِي النَّاسِ رَجُلٌ أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَجُلٍ دَخَلْنَا عَلَيْهِ.
قَالَ: فَقَالَ قَائِلٌ مِنَّا: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا سَأَلْتَ رَبَّكَ مُلْكًا كَمُلْكِ سُلَيْمَانَ؟ قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «فَلَعَلَّ صَاحبك عِنْدَ اللَّهِ أَفْضَلَ مِنْ مُلْكِ سُلَيْمَانَ، إِنَّ الله عزوجل لَمْ يَبْعَثْ نَبِيًّا إِلَّا أَعْطَاهُ دَعْوَةً، فَمِنْهُمْ مَنِ اتَّخَذَهَا دُنْيَا فَأُعْطِيَهَا، وَمِنْهُمْ مَنْ دَعَا بِهَا عَلَى قَوْمِهِ إِذْ عَصَوْهُ فَأُهْلِكُوا بِهَا، وَإِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي دَعْوَةً فَاخْتَبَأْتُهَا عِنْدَ رَبِّي شَفَاعَة لامتي يَوْم الْقِيَامَة».

قُدُومُ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَصْحَابِهِ
رَوَى الْحَافِظ البيهقى من طَرِيق أَبى جناب الْكَلْبِيِّ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ
الْمُحَارِبِيِّ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي يُقَالُ لَهُ طَارِقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ عَلَيْهِ جُبَّةٌ وَهُوَ يَقُولُ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا» وَرَجُلٌ يَتْبَعُهُ يَرْمِيهِ بِالْحِجَارَةِ وهُوَ يَقُول «يَا أَيهَا النَّاس إِنَّه كَذَّاب» فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا هَذَا غُلَامٌ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ قُلْتُ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَفْعَلُ بِهِ هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا عَمُّهُ عَبْدُ الْعُزَّى قَالَ: فَلَمَّا أَسْلَمَ النَّاسُ وَهَاجَرُوا خَرَجْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ نُرِيدُ الْمَدِينَةَ نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْ حِيطَانِهَا وَنَخْلِهَا قَلْتُ: لَوْ نَزَلْنَا فَلَبِسْنَا ثِيَابًا غَيْرَ هَذِهِ، إِذَا رَجُلٌ فِي طِمْرَيْنِ فَسَلَّمَ عَلَيْنَا وَقَالَ: «مِنْ أَيْنَ أَقْبَلَ الْقَوْمُ»؟ قُلْنَا مِنَ الرَّبَذَةِ قَالَ: «وَأَيْنَ تُرِيدُونَ»؟ قُلْنَا: نُرِيدُ هَذِهِ الْمَدِينَةَ.
قَالَ: «مَا حَاجَتُكُمْ مِنْهَا»؟ قُلْنَا: نَمْتَارُ مِنْ تَمْرِهَا.
قَالَ: وَمَعَنَا ظَعِينَةٌ لَنَا ومعنا جمل أَحْمَر مَخْطُوم، فَقَالَ: «أتبيعوني جَمَلَكُمْ هَذَا»؟ قُلْنَا: نَعَمْ، بِكَذَا وَكَذَا صَاعًا مِنْ تَمْرٍ.
قَالَ: فَمَا اسْتَوْضَعَنَا مِمَّا قُلْنَا شَيْئا، وَأخذ بِخِطَام الْجمل وَانْطَلق، فَلَمَّا تَوَارَى عَنَّا بِحِيطَانِ الْمَدِينَةِ وَنَخْلِهَا قُلْنَا: مَا صَنَعْنَا؟ وَاللَّهِ مَا بِعْنَا جَمَلَنَا مِمَّنْ نَعْرِفُ وَلَا أَخَذْنَا لَهُ ثَمَنًا.
قَالَ تَقُولُ الْمَرْأَةُ الَّتِي مَعَنَا: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا كَأَنَّ وَجْهَهُ شُقَّةُ الْقَمَرِ لَيْلَةَ
الْبَدْرِ، أَنَا ضامنة لثمن جملكم.
إِذْ أقبل الرجل فَقَالَ: «أَنا رَسُول الله إِلَيْكُمْ، هَذَا تَمْرُكُمْ فَكُلُوا وَاشْبَعُوا وَاكْتَالُوا وَاسْتَوْفُوا»، فأكلنا حَتَّى شبعنا واكتلنا فاستوفينا.
ثُمَّ دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ فَدَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ، فَأَدْرَكْنَا مِنْ خُطْبَتِهِ وَهُوَ يَقُولُ: «تَصَدَّقُوا فَإِنَّ الصَّدَقَةَ خَيْرٌ لَكُمْ، الْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، أُمَّكَ وَأَبَاكَ وَأُخْتَكَ وَأَخَاكَ وَأَدْنَاكَ أَدْنَاكَ» إِذْ أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي يَرْبُوعٍ أَوْ قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَنَا فِي هَؤُلَاءِ دِمَاءٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ.
فَقَالَ: «إِنَّ أَبًا لَا يَجْنِي عَلَى وَلَدٍ» ثَلَاثَ مَرَّاتٍ.
وَقَدْ رَوَى النَّسَائِيُّ فَضْلَ الصَّدَقَةِ مِنْهُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ، عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُحَارِبِيِّ بِبَعْضِهِ.
وَرَوَاهُ الْحَافِظُ الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا، عَنِ الْحَاكِمِ، عَنِ الْأَصَمِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عبد الْجَبَّار، عَن يُونُس بن بُكَيْرٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ جَامِعٍ بن طَارِقٍ بِطُولِهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَقَالَ فِيهِ: فَقَالَتِ الظَّعِينَةُ: لَا تَلَاوَمُوا فَلَقَدْ رَأَيْتُ وَجْهَ رَجُلٍ لَا يَغْدِرُ، مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ مِنْ وَجْهِهِ.

قُدُومُ وَافِدِ فَرْوَةَ بْنِ عَمْرٍو الْجُذَامِيِّ صَاحِبِ بِلَادِ مُعَانَ بِإِسْلَامِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَظُنُّ ذَلِكَ إِمَّا بِتَبُوكَ أَوْ بَعْدَهَا قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَبَعَثَ فَرْوَةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ النَّافِرَةِ الْجُذَامِيُّ ثُمَّ النُّفَاثِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَسُولًا بِإِسْلَامِهِ وَأَهْدَى لَهُ بَغْلَةً بَيْضَاءَ.
وَكَانَ فَرْوَةُ عَامِلًا لِلرُّومِ عَلَى مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْعَرَبِ، وَكَانَ مَنْزِلُهُ مُعَانَ وَمَا حَوْلَهَا مِنْ أَرْضِ الشَّامِ، فَلَمَّا بَلَغَ الرُّومَ ذَلِكَ مِنْ إِسْلَامِهِ طَلَبُوهُ حَتَّى أَخَذُوهُ فَحَبَسُوهُ عِنْدَهُمْ.
فَقَالَ فِي مَحْبِسِهِ ذَلِكَ:

طَرَقَتْ سُلَيْمَى مَوْهِنًا أَصْحَابِي وَالرُّومُ بَيْنَ الْبَابِ وَالْقِرْوَانِ
صَدَّ الْخَيَالُ وَسَاءَهُ مَا قَدْ رَأَى وَهَمَمْتُ أَنْ أُغْفِي وَقَدْ أَبْكَانِي
لَا تَكْحُلِنَّ الْعين بعدى إثمدا سلمى وَلَا تدين لِلْإِتْيَانِ 
وَلَقَدْ عَلِمْتَ أَبَا كُبَيْشَةَ أَنَّنِي وَسْطَ الْأَعِزَّةِ لَا يُحَصُّ لِسَانِي
فَلَئِنْ هَلَكْتُ لَتَفْقِدُنَّ أَخَاكُمُ وَلَئِنْ بَقِيتُ لَيَعْرِفُنَّ مَكَانِي
وَلَقَدْ جَمَعْتُ أَجَلَّ مَا جَمَعَ الْفَتَى مِنْ جَوْدَةٍ وَشَجَاعَةٍ وَبَيَانِ

قَالَ: فَلَمَّا أَجْمَعَتِ الرُّومُ عَلَى صَلْبِهِ عَلَى مَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ عِفْرَى بِفِلَسْطِينَ.
قَالَ:

أَلَا هَلْ أَتَى سَلْمَى بِأَنَّ حَلِيلَهَا عَلَى مَاءِ عِفْرَى فَوْقَ إِحْدَى الرَّوَاحِلِ عَلَى نَاقَةٍ لَمْ يَضْرِبِ الْفَحْلُ أُمَّهَا مُشَذَّبَةٍ أَطْرَافُهَا بِالْمَنَاجِلِ

قَالَ: وَزَعَمَ الزُّهْرِيُّ أَنَّهُمْ لَمَّا قَدَّمُوهُ لِيَقْتُلُوهُ قَالَ:

بَلِّغْ سَرَاةَ الْمُسْلِمِينَ بِأَنَّنِي سِلْمٌ لِرَبِّي أَعْظُمِي وَمَقَامِي

قَالَ: ثُمَّ ضَرَبُوا عُنُقَهُ وَصَلَبُوهُ عَلَى ذَلِكَ الْمَاءِ، رَحِمَهُ اللَّهُ وَرَضِيَ عَنْهُ وَأَرْضَاهُ وَجَعَلَ الْجَنَّةَ مَثْوَاهُ.

قُدُومُ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِخْبَارُهُ إِيَّاهُ بِأَمْرِ الْجَسَّاسَةِ وَمَا سَمِعَ من الدَّجَّال
فِي خُرُوجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإيمان من آمن بِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ سَهْلُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ نَصْرَوَيْهِ الْمَرْوَزِيُّ بِنَيْسَابُورَ، أَنْبَأَنَا أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّد بن أَحْمد بن الْحسن القاضى، أَنْبَأَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَاد الْقطَّان، حَدثنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنْبَأَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا أَبِي، سَمِعْتُ غَيْلَانَ بْنَ جَرِيرٍ يُحَدِّثُ عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، قَالَتْ: قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَمِيمٌ الدَّارِيُّ فَأَخْبَرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ رَكِبَ الْبَحْرَ فَتَاهَتْ بِهِ سَفِينَتُهُ، فَسَقَطُوا إِلَى جَزِيرَةٍ فَخَرَجُوا إِلَيْهَا يَلْتَمِسُونَ الْمَاءَ، فَلَقِيَ إِنْسَانًا يَجُرُّ شَعْرَهُ، فَقَالَ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ.
قَالُوا: فَأَخْبِرْنَا.
قَالَ: لَا أُخْبِرُكُمْ وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِهَذِهِ الْجَزِيرَةِ.
فَدَخَلْنَاهَا فَإِذَا رَجُلٌ مُقَيَّدٌ فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قُلْنَا: نَاسٌ مِنَ الْعَرَبِ.
قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا النَّبِيُّ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ؟ قُلْنَا: قَدْ آمَنَ بِهِ النَّاسُ وَاتَّبَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ.
قَالَ: ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ.
قَالَ: أَفَلَا تخبروني عَن عين زعر مَا فَعَلَتْ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ عَنْهَا، فَوَثَبَ وَثْبَةً كَادَ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ وَرَاءِ الْجِدَارِ ثُمَّ قَالَ: مَا فَعَلَ نَخْلُ بَيْسَانَ هَلْ أَطْعَمَ بَعْدُ؟ فَأَخْبَرْنَاهُ أَنَّهُ قَدْ أَطْعَمَ، فَوَثَبَ مِثْلَهَا، ثُمَّ قَالَ: أَمَا لَوْ قَدْ أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ لَوَطِئْتُ الْبِلَادَ كُلَّهَا غَيْرَ طَيْبَةَ.
قَالَتْ: فَأَخْرَجَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثَ النَّاسَ، فَقَالَ: «هَذِهِ طَيْبَةُ وَذَاكَ الدَّجَّالُ».
وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَأَهْلُ السُّنَنِ، مِنْ طُرُقٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ شَرَاحِيلَ الشَّعْبِيِّ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ.
وَقَدْ أَوْرَدَ لَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ شَاهِدًا مِنْ رِوَايَةِ أَبى هُرَيْرَة وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ وَقد ذكرنَا هَذَا الْحَدِيثُ بِطُرُقِهِ وَأَلْفَاظِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ.
وَذكر الْوَاقِدِيّ وَفد الدارس من لخم وَكَانُوا عشرَة.

وَفْدُ بَنِي أَسَدٍ
وَهَكَذَا ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ تِسْعٍ وَفْدُ بَنِي أَسَدٍ، وَكَانُوا عَشَرَةً ; مِنْهُمْ ضِرَارُ بْنُ الْأَزْوَرِ، وَوَابِصَةُ بْنُ مَعْبَدٍ، وَطُلَيْحَةُ بْنُ خُوَيْلِدٍ الَّذِي ادَّعَى النُّبُوَّةَ بَعْدَ ذَلِكَ، ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامه، ونفادة بن عبد الله ابْن خَلَفٍ.
فَقَالَ لَهُ رَئِيسُهُمْ حَضْرَمِيُّ بْنُ عَامِرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَيْنَاكَ نَتَدَرَّعُ اللَّيْلَ الْبَهِيمَ فِي سَنَةٍ شَهْبَاءَ، وَلَمْ تَبْعَثْ إِلَيْنَا بَعْثًا.
فَنَزَلَ فِيهِمْ: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُواْ قُل لاَّ تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسْلاَمَكُمْ بَلِ ٱللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَداكُمْ لِلإِيمَانِ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الحجرات:17].
وَكَانَ فيهم قَبيلَة يُقَال لَهُم بَنو الرثية ، فَغَيَّرَ اسْمَهُمْ فَقَالَ: أَنْتُمْ بَنُو الرِّشْدَةِ.
وَقَدِ اسْتَهْدَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ نفادة بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَلَفٍ نَاقَةً تَكُونُ جَيِّدَة للرُّكُوب والحلب مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا وَلَدٌ مَعَهَا، فَطَلَبَهَا فَلَمْ يَجِدْهَا إِلَّا عِنْدَ ابْنِ عَمٍّ لَهُ فَجَاءَ بِهَا، فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحَلْبِهَا، فَشَرِبَ مِنْهَا وَسَقَاهُ سُؤْرَهُ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهَا وَفِيمَنْ مَنَحَهَا».
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَفِيمَنْ جَاءَ بِهَا.
فَقَالَ: «وَفِيمَنْ جَاءَ بِهَا».
وَفْدُ بَنِي عَبْسٍ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُمْ كَانُوا تِسْعَةَ نَفَرٍ وَسَمَّاهُمُ الْوَاقِدِيُّ.
فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَنَا عَاشِرُكُمْ» وَأَمَرَ طَلْحَةَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ فَعَقَدَ لَهُمْ لِوَاءً وَجَعَلَ شِعَارَهُمْ: يَا عَشَرَةُ.
وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَأَلَهُمْ عَنْ خَالِدِ بْنِ سِنَان العبسى، الذى قَدَّمْنَا تَرْجَمَتَهُ فِي أَيَّامِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَذَكَرُوا أَنَّهُ لَا عَقِبَ لَهُ.
وَذَكَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَهُمْ يَرْصُدُونَ عِيرًا لِقُرَيْشٍ قَدِمَتْ مِنَ الشَّامِ.
وَهَذَا يَقْتَضِي تَقَدُّمَ وِفَادَتِهِمْ عَلَى الْفَتْحِ.
وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ الْجُمَحِيُّ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ، قَالَ: لَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ تَبُوكَ وَكَانَ سَنَةَ تِسْعٍ، قَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ بَنِي فَزَارَةَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا فِيهِمْ خَارِجَةُ بْنُ حِصْنٍ، وَالْحَارِثُ بْنُ قَيْسِ بْنِ حِصْنٍ، وَهُوَ أَصْغَرُهُمْ عَلَى رِكَابٍ عِجَافٍ، فَجَاءُوا مُقِرِّينَ بِالْإِسْلَامِ.
وَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَنْ بِلَادِهِمْ.
فَقَالَ أَحَدُهُمْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَسْنَتَتْ بِلَادُنَا وَهَلَكَتْ مَوَاشِينَا وَأَجْدَبَ جَنَابُنَا وَغَرِثَ عِيَالُنَا، فَادْعُ اللَّهُ لَنَا.
فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ الْمِنْبَرَ وَدَعَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِ بِلَادَكَ وَبَهَائِمَكَ وَانْشُرْ رَحْمَتَكَ وَأَحْيِ بلدك الْمَيِّت، اللَّهُمَّ اسقنا غيثا مغيثا مريا مَرِيعًا طَبَقًا وَاسِعًا عَاجِلًا غَيْرَ آجِلٍ، نَافِعًا غير ضار، اللَّهُمَّ اسقنا سقيا رَحْمَة وَلَا سُقْيَا عَذَابٍ وَلَا هَدْمٍ، وَلَا غَرَقٍ، وَلَا مَحْقٍ، اللَّهُمَّ اسْقِنَا الْغَيْثَ وَانْصُرْنَا عَلَى الْأَعْدَاءِ».
قَالَ: فَمَطَرَتْ فَمَا رَأَوُا السَّمَاءَ سَبْتًا .
فَصَعِدَ رَسُول الله الْمِنْبَرَ فَدَعَا فَقَالَ: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، عَلَى الْآكَامِ وَالظِّرَابِ وَبُطُونِ الْأَوْدِيَةِ وَمَنَابِتِ الشَّجَرِ».
فانجابت السَّمَاء عَن الْمَدِينَة انجياب الثَّوْب.

وَفْدُ بَنِي مُرَّةَ
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّهُمْ قَدِمُوا سَنَةَ تِسْعٍ مَرْجِعَهُ مِنْ تَبُوكَ.
وَكَانُوا ثَلَاثَةَ عشر رجلا مِنْهُم الْحَارِث بن عَوْف، فأجازهم عَلَيْهِ السَّلَام بِعَشْرِ أَوَاقٍ مِنْ فِضَّةٍ، وَأَعْطَى الْحَارِثَ بْنَ عَوْفٍ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً.
وَذَكَرُوا أَنَّ بِلَادَهُمْ مُجْدِبَةٌ، فَدَعَا لَهُمْ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اسْقِهِمُ الْغَيْثَ» فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى بِلَادِهِمْ وَجَدُوهَا قَدْ مَطَرَتْ ذَلِكَ الْيَوْمَ الَّذِي دَعَا لَهُمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَفْدُ بَنِي ثَعْلَبَةَ قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ، عَنْ أَبِيهِ.
قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْجِعْرَانَةَ سَنَةَ ثَمَانٍ، قَدِمْنَا عَلَيْهِ أَرْبَعَةَ نَفَرٍ فَقُلْنَا: نَحْنُ رُسُلُ مَنْ خَلْفَنَا مِنْ قَوْمِنَا، وَهُمْ يُقِرُّونَ بِالْإِسْلَامِ.
فَأَمَرَ لَنَا بِضِيَافَةٍ، وَأَقَمْنَا أَيَّامًا ثُمَّ جِئْنَاهُ لِنُوَدِّعَهُ، فَقَالَ لِبِلَالٍ: أَجْزِهِمْ كَمَا تُجِيزُ الْوَفْد.
فجَاء ببقرة مِنْ فِضَّةٍ فَأَعْطَى كُلَّ رَجُلٍ مِنَّا خَمْسَ أَوَاقٍ وَقَالَ: لَيْسَ عِنْدَنَا دَرَاهِمُ.
وَانْصَرَفْنَا إِلَى بِلَادِنَا.

وَفْدُ بَنِي مُحَارِبٍ
قَالَ الْوَاقِدِيُّ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي وَجْزَةَ السَّعْدِيِّ، قَالَ: قَدِمَ وَفْدُ مُحَارِبٍ سَنَةَ عَشْرٍ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَهُمْ عَشَرَةُ نَفَرٍ فِيهِمْ سَوَاءُ بْنُ الْحَارِثِ، وَابْنُهُ خُزَيْمَةُ بْنُ سَوَاءٍ.
فَأُنْزِلُوا دَارَ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، وَكَانَ بِلَالٌ يَأْتِيهِمْ بِغَدَاءٍ وَعَشَاءٍ، فَأَسْلَمُوا وَقَالُوا: نَحْنُ عَلَى مَنْ وَرَاءَنَا.
وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ فِي تِلْكَ الْمَوَاسِمِ أَفَظَّ وَلَا أغْلظ على رَسُول الله مِنْهُمْ.
وَكَانَ فِي الْوَفْدِ رَجُلٌ مِنْهُمْ، فَعَرَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَبْقَانِي حَتَّى صَدَّقْتُ بِكَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ هَذِه الْقُلُوب بيد الله عزوجل».
وَمسح رَسُول الله وَجه خُزَيْمَة بن سَوَاء فَصَارَت غُرَّةٌ بَيْضَاءُ، وَأَجَازَهُمْ كَمَا يُجِيزُ الْوَفْدَ وَانْصَرَفُوا إِلَى بِلَادِهِمْ.

وَفْدُ بَنِي كِلَابٍ
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَدِمُوا سَنَةَ تِسْعٍ وَهُمْ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رجلا ; فيهم لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ الشَّاعِرُ وَجَبَّارُ بْنُ سُلْمَى، وَكَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ خُلَّةٌ فَرَحَّبَ بِهِ وَأَكْرَمَهُ وَأَهْدَى إِلَيْهِ، وَجَاءُوا مَعَهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ بِسَلَامِ الْإِسْلَامِ، وَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ الضَّحَّاكَ بْنَ سُفْيَانَ الْكِلَابِيَّ سَارَ فِيهِمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ الَّتِي أَمَرَهُ اللَّهُ بِهَا، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَاسْتَجَابُوا لَهُ وَأَخَذَ صَدَقَاتِهِمْ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَصَرَفَهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
وَفْدُ بَنِي رُؤَاسِ بْنِ كِلَابٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ عَمْرُو بْنُ مَالِكِ بْنِ قَيْسِ بْنِ بُجَيْدِ بْنِ رُؤَاسِ بْنِ كِلَابِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ، قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ فَقَالُوا: حَتَّى نُصِيبَ مِنْ بَنِي عُقَيْلٍ مِثْلَ مَا أَصَابُوا مِنَّا.
فَذَكَرَ مَقْتَلَةً كَانَتْ بَيْنَهُمْ، وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ مَالِكٍ هَذَا قَتَلَ رجلا من بنى عقيل.
قَالَ:فَشَدَدْتُ يَدَيَّ فِي غُلٍّ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبَلَغَهُ مَا صَنَعْتُ فَقَالَ: «لَئِن أتانى لاضربن مَا فَوْقَ الْغُلِّ مِنْ يَدِهِ».
فَلَمَّا جِئْتُ سَلَّمْتُ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ، وَأَعْرَضَ عَنِّي فَأَتَيْتُهُ عَنْ يَمِينِهِ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَأَتَيْتُهُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَقلت: يَا رَسُول الله إِن الرب عزوجل لَيُتَرَضَّى فَيَرْضَى، فَارْضَ عَنِّي، رَضِيَ اللَّهُ عَنْكَ.
قَالَ: «قَدْ رَضِيتُ».

وَفْدُ بَنِي عُقَيْلِ بْنِ كَعْبٍ
ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْطَعَهُمُ الْعَقِيقَ – عَقِيقَ بَنِي عُقَيْلٍ – وَهِيَ أَرْضٌ فِيهَا نَخِيلٌ وعيون.
وَكتب بِذَلِكَ كِتَابًا: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا أَعْطَى مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ رَبِيعًا وَمُطَرِّفًا وَأَنَسًا، أَعْطَاهُمُ الْعَقِيقَ، مَا أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَسَمِعُوا وَأَطَاعُوا، وَلَمْ يُعْطِهِمْ حَقًّا لِمُسْلِمٍ».
فَكَانَ الْكِتَابُ فِي يَدِ مُطَرِّفٍ.
قَالَ: وَقَدِمَ عَلَيْهِ أَيْضًا لَقِيطُ بْنُ عَامِرِ بْنِ الْمُنْتَفِقِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عُقَيْلٍ، وَهُوَ أَبُو رَزِينٍ فَأَعْطَاهُ مَاءً يُقَالُ لَهُ النَّظِيمُ وَبَايَعَهُ عَلَى قَوْمِهِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا قُدُومَهُ وَقِصَّتَهُ وَحَدِيثَهُ بِطُولِهِ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ.
وَفْدُ بَنِي قُشَيْرِ بْنِ كَعْبٍ وَذَلِكَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَقَبْلَ حُنَيْنٍ، فَذَكَرَ فِيهِمْ قُرَّةَ بْنَ هُبَيْرَةَ بْنِ عَامِرِ ابْن سَلَمَةَ الْخَيْرِ بْنِ قُشَيْرٍ، فَأَسْلَمَ فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَسَاهُ بُرْدًا،وَأَمَرَهُ أَنْ يَلِيَ صَدَقَاتِ قَوْمِهِ، فَقَالَ قُرَّةُ حِينَ رَجَعَ:

حَبَاهَا رَسُولُ اللَّهِ إِذْ نَزَلَتْ بِهِ وَأَمْكَنَهَا مِنْ نَائِلٍ غَيْرِ مُنْفَدِ
فَأَضْحَتْ بِرَوْضِ الْخُضْرِ وَهْيَ حَثِيثَةٌ وَقَدْ أَنْجَحَتْ حَاجَاتِهَا مِنْ مُحَمَّدِ عَلَيْهَا فَتًى لَا يُرْدِفُ الذَّمَ رَحْله يرْوى لِأَمْرِ الْعَاجِزِ الْمُتَرَدِّدِ

وَفْدُ بَنِي الْبَكَّاءِ
ذَكَرَ أَنَّهُمْ قَدِمُوا سَنَةَ تِسْعٍ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثِينَ رجلا ; فيهم مُعَاوِيَة بن ثَوْر بن مُعَاوِيَة بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الْبَكَّاءِ، وَهُوَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ مِائَةِ سَنَةٍ، وَمَعَهُ ابْنٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ بِشْرٌ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أَتَبَرَّكُ بِمَسِّكَ، وَقَدْ كَبِرْتُ وَابْنِي هَذَا بَرٌّ بِي فَامْسَحْ وَجْهَهُ.
فَمَسَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجْهَهُ وَأَعْطَاهُ أَعْنُزًا عُفْرًا، وَبَرَّكَ عَلَيْهِنَّ فَكَانُوا لَا يُصِيبُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ قَحْطٌ وَلَا سَنَةٌ.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ فِي ذَلِكَ:

وَأَبِي الَّذِي مَسَحَ الرَّسُولُ بِرَأْسِهِ وَدَعَا لَهُ بِالْخَيْرِ وَالْبَرَكَاتِ
أَعْطَاهُ أَحْمَدُ إِذْ أَتَاهُ أَعْنُزًا عفرا نواحل لسن بالحيات 
يملان وَفد الحى كل عَشِيَّة وَيعود ذَاك الملئ بِالْغَدَوَاتِ
بُورِكْنَ مِنْ مِنَحٍ وَبُورِكَ مَانِحًا وَعَلَيْهِ منى مَا حييت صَلَاتي

وَفْدُ كِنَانَةَ
رَوَى الْوَاقِدِيُّ بِأَسَانِيدِهِ: أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ اللَّيْثِيَّ قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَجَهَّزُ إِلَى تَبُوكَ، فَصَلَّى مَعَهُ الصُّبْحَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَدَعَاهُمْ وَأَخْبَرَهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فَقَالَ أَبُوهُ: وَاللَّهِ لَا أحملك أَبَدًا.
وَسَمِعَتْ أُخْتُهُ كَلَامَهُ فَأَسْلَمَتْ، وَجَهَّزَتْهُ حَتَّى سَارَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى تَبُوكَ وَهُوَ رَاكِبٌ عَلَى بَعِيرٍ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ.
وَبَعَثَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَالِدٍ إِلَى أُكَيْدِرِ دُومَةَ، فَلَمَّا رَجَعُوا عَرَضَ وَاثِلَةُ عَلَى كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ مَا كَانَ شَارَطَهُ عَلَيْهِ مِنْ سَهْمِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ، فَقَالَ لَهُ كَعْبٌ: إِنَّمَا حَملتك لله عزوجل.
وَفْدُ أَشْجَعَ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَدِمُوا عَامَ الْخَنْدَقِ وَهُمْ مِائَةُ رَجُلٍ، وَرَئِيسُهُمْ مَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ، فَنَزَلُوا شِعْبَ سِلْعٍ.
فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ وَأَمَرَ لَهُمْ بِأَحْمَالِ التَّمْرِ.
وَيُقَالُ: بَلْ قدمُوا بعد مَا فَرَغَ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانُوا سَبْعَمِائَةِ رَجُلٍ، فَوَادَعَهُمْ وَرَجَعُوا، ثُمَّ أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ.
وَفْدُ بَاهِلَةَ قَدِمَ رَئِيسُهُمْ مُطَرِّفُ بْنُ الْكَاهِنِ بَعْدَ الْفَتْحِ فَأَسْلَمَ، وَأَخَذَ لِقَوْمِهِ أَمَانًا وَكَتَبَ لَهُ كِتَابًا فِيهِ الْفَرَائِضُ وَشَرَائِعُ الْإِسْلَامِ.
كَتَبَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَفْدُ بَنِي سُلَيْمٍ
قَالَ: وَقَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ يُقَالُ لَهُ قَيْسُ بْنُ نُشْبَةَ، فَسَمِعَ كَلَامَهُ وَسَأَلَهُ عَنْ أَشْيَاءَ فَأَجَابَهُ وَوَعَى ذَلِكَ كُلَّهُ، وَدَعَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى الاسلام فَأسلم.
وَرجع إِلَى قومه من بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ: قَدْ سَمِعْتُ تَرْجَمَةَ الرُّومِ وَهَيْنَمَةَ فَارِسَ وَأَشْعَارَ الْعَرَبِ وَكَهَانَةَ الْكُهَّانِ وَكَلَامَ مَقَاوِلِ حِمْيَرَ، فَمَا يُشْبِهُ كَلَامُ مُحَمَّدٍ شَيْئًا مِنْ كَلَامِهِمْ، فَأَطِيعُونِي وَخُذُوا بِنَصِيبِكُمْ مِنْهُ.
فَلَمَّا كَانَ عَامُ الْفَتْحِ خَرَجَتْ بَنُو سُلَيْمٍ فَلَقُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقُدَيْدٍ وَهُمْ سَبْعُمِائَةٍ.
وَيُقَالُ: كَانُوا أَلْفًا، وَفِيهِمُ الْعَبَّاسُ بْنُ مِرْدَاسٍ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَعْيَانِهِمْ، فَأَسْلَمُوا وَقَالُوا: اجْعَلْنَا فِي مُقَدِّمَتِكَ، وَاجْعَلْ لِوَاءَنَا أَحْمَرَ وَشِعَارَنَا مُقَدَّمًا.
فَفَعَلَ ذَلِكَ بِهِمْ فَشَهِدُوا مَعَهُ الْفَتْحَ وَالطَّائِفَ وَحُنَيْنًا.
وَقَدْ كَانَ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ السُّلَمِيُّ يَعْبُدُ صَنَمًا، فَرَآهُ يَوْمًا وَثَعْلَبَانِ يَبُولَانِ عَلَيْهِ فَقَالَ:

أَرَبٌّ يَبُولُ الثَّعْلَبَانِ بَرَأْسِهِ لَقَدْ ذَلَّ مَنْ بَالَتْ عَلَيْهِ الثَّعَالِبُ!

ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَسَّرَهُ، ثُمَّ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْلَمَ وَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا اسْمُكَ»؟ قَالَ: غَاوِي بْنُ عَبْدِ الْعُزَّى.
فَقَالَ: «بَلْ أَنْتَ رَاشِدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ».
وَأَقْطَعَهُ مَوْضِعًا يُقَالُ لَهُ رُهَاطٌ فِيهِ عَيْنٌ تَجْرِي يُقَالُ لَهَا عَيْنُ الرَّسُولِ، وَقَالَ: «هُوَ خَيْرُ بَنِي سُلَيْمٍ».
وَعَقَدَ لَهُ عَلَى قَوْمِهِ وَشَهِدَ الْفَتْحَ وَمَا بَعْدَهَا.

وَفْدُ بَنِي هِلَالِ بْنِ عَامِرٍ
ذَكَرَ فِي وَفْدِهِمْ: عَبْدَ عَوْفِ بْنَ أَصْرَمَ، فَأَسْلَمَ وَسَمَّاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللَّهِ، وَقَبِيصَةَ بْنَ مُخَارِقٍ الَّذِي لَهُ حَدِيثٌ فِي الصَّدَقَاتِ.
وَذَكَرَ فِي وَفْدِ بَنِي هِلَالٍ زِيَادَ بْنَ عَبْدِ الله بن مَالك بن بجير بن الْهدم بْنِ رُوَيْبَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ هِلَالِ بن عَامر، فَلَمَّا دخل الْمَدِينَة يمم مَنْزِلَ خَالَتِهِ مَيْمُونَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ، فَدَخَلَ عَلَيْهَا فَلَمَّا دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْزِلَهُ رَآهُ فَغَضِبَ وَرَجَعَ.
فَقَالَتْ:يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ ابْنُ أُخْتِي.
فَدَخَلَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ زِيَادٌ، فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَدْنَى زِيَادًا فَدَعَا لَهُ وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ ثُمَّ حَدَرَهَا عَلَى طَرَفِ أَنْفِهِ، فَكَانَتْ بَنُو هِلَالٍ
تَقُولُ: مَا زِلْنَا نَتَعَرَّفُ الْبَرَكَةَ فِي وَجْهِ زِيَادٍ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ لعلى بن زِيَاد:

يَابْنَ الَّذِي مَسَحَ الرَّسُولُ بِرَأْسِهِ وَدَعَا لَهُ بِالْخَيْرِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ
أَعْنِي زِيَادًا لَا أُرِيدُ سِوَاءَهُ من عَابِر أَوْ مُتْهِمٍ أَوْ مُنْجِدِ
مَا زَالَ ذَاكَ النُّورُ فِي عِرْنِينِهِ حَتَّى تَبَوَّأَ بَيْتَهُ فِي مُلْحَدِ

وَفْدُ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ

ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُمْ لَمَّا قَدِمُوا سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ قُسِّ بْنِ سَاعِدَةَ ; فَقَالَ: «لَيْسَ ذَاكَ مِنْكُمْ، ذَاكَ رَجُلٌ من إياد تحنف فِي الْجَاهِلِيَّة»، فَوَافى عكاظ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ، فَكَلَّمَهُمْ بِكَلَامِهِ الَّذِي حُفِظَ عَنْهُ.
قَالَ: وَكَانَ فِي الْوَفْدِ بَشِيرُ بْنُ الْخَصَاصِيَةِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْثَدٍ وَحَسَّانُ بْنُ خُوطٍ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ وَلَدِ حَسَّانَ: أَنَا ابْنُ حَسَّانَ بْنِ خُوطٍ وَأَبِي رَسُولُ بَكْرٍ كُلِّهَا إِلَى النَّبِي وَفد تغلب ذكر أَنَّهُمْ كَانُوا سِتَّةَ عَشَرَ رَجُلًا مُسْلِمِينَ وَنَصَارَى عَلَيْهِمْ صُلُبُ الذَّهَبِ، فَنَزَلُوا دَارَ رَمْلَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ.
فَصَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّصَارَى عَلَى أَنْ لَا يَصْبِغُوا أَوْلَادَهُمْ فِي النَّصْرَانِيَّة وَأَجَازَ الْمُسلمين مِنْهُم.
وِفَادَاتُ أَهْلِ الْيَمَنِ وَفْدُ تُجِيبَ ذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَّهُمْ قَدِمُوا سَنَةَ تِسْعٍ، وَأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَةَ عشر رجلا، فأجازهم أَكثر مِمَّا أَجَازَ غَيْرَهُمْ وَأَنَّ غُلَامًا مِنْهُمْ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا حَاجَتُكَ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ادْعُ اللَّهَ يَغْفِرْ لِي وَيَرْحَمْنِي وَيَجْعَلْ غِنَايَ فِي قَلْبِي.
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ وَارْحَمْهُ، وَاجْعَلْ غِنَاهُ فِي قَلْبِهِ» فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ أَزْهَدِ النَّاس.
وَفد خولان ذكر أَنَّهُمْ كَانُوا عَشَرَةً، وَأَنَّهُمْ قَدِمُوا فِي شَعْبَانَ سَنَةَ عَشْرٍ وَسَأَلَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَنَمِهِمُ الَّذِي كَانَ يُقَالُ لَهُ عَمُّ أَنَسٍ، فَقَالُوا أُبْدِلْنَا بِهِ خَيْرًا مِنْهُ وَلَوْ قَدْ رَجَعْنَا لَهَدَمْنَاهُ.
وَتَعَلَّمُوا الْقُرْآنَ وَالسُّنَنَ، فَلَمَّا رَجَعُوا هَدَمُوا الصَّنَمَ، وَأَحَلُّوا مَا أَحَلَّ اللَّهُ وَحَرَّمُوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ.

وَفْدُ جعفى
ذكر أَنَّهُمْ كَانُوا يُحَرِّمُونَ أَكْلَ الْقَلْبِ، فَلَمَّا أَسْلَمَ وَفْدُهُمْ أَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِ الْقَلْبِ، وَأَمَرَ بِهِ فَشُوِيَ وَنَاوَلَهُ رَئِيسَهُمْ وَقَالَ: «لَا يَتِمُّ إِيمَانُكُمْ حَتَّى تَأْكُلُوهُ».
فَأَخْذَهُ وَيَدُهُ تُرْعَدُ فَأَكَلَهُ وَقَالَ:

عَلَى أَنِّي أَكَلْتُ الْقَلْبَ كُرْهًا وَتُرْعَدُ حِينَ مَسَّتْهُ بَنَانِي 

فصل فِي قدوم وَفد الْأَزْدِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ذَكَرَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي كِتَابِ مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ وَالْحَافِظُ أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيُّ، مِنْ حَدِيثِ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي الْحَوَارِيِّ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيَّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلْقَمَةُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سُوَيْدٍ الْأَزْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ جدى، عَن سُوَيْدِ بْنِ الْحَارِثِ، قَالَ: وَفَدْتُ سَابِعَ سَبْعَةٍ مِنْ قَوْمِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ وَكَلَّمْنَاهُ فَأَعْجَبَهُ مَا رَأَى مِنْ سَمْتِنَا وَزِيِّنَا فَقَالَ: «مَا أَنْتُمْ»؟ قُلْنَا مُؤْمِنُونَ.
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ قَوْلٍ حَقِيقَة، فَمَا حَقِيقَة قَوْلكُم وإيمانكم».
قُلْنَا: خَمْسَ عَشْرَةَ خَصْلَةً ; خَمْسٌ مِنْهَا أَمَرَتْنَا بِهَا رُسُلُكَ أَنْ نُؤْمِنَ بِهَا، وَخَمْسٌ أَمَرَتْنَا أَنْ نَعْمَلَ بِهَا، وَخَمْسٌ تَخَلَّقْنَا بِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَنَحْنُ عَلَيْهَا، إِلَّا أَنْ تَكْرَهَ مِنْهَا شَيْئًا.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا الْخَمْسَةُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ بِهَا رُسُلِي أَنْ تُؤْمِنُوا بِهَا»؟  قُلْنَا: أَمَرَتْنَا أَنْ نُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ.
قَالَ: «وَمَا الْخَمْسَةُ الَّتِي أَمَرَتْكُمْ أَنْ تَعْمَلُوا بِهَا»؟ قُلْنَا: أَمَرَتْنَا أَنْ نَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَنُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَنُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَنَصُومَ رَمَضَانَ، وَنَحُجَّ الْبَيْتَ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا.
فَقَالَ: «وَمَا الْخَمْسَة الذى تخلقتم بهَا فِي الْجَاهِلِيَّة»؟ .
قُلْنَا: الشُّكْر عِنْد الرخَاء، وَالصَّبْر عِنْد الْبلَاء، والرضى بِمُرِّ الْقَضَاءِ، وَالصِّدْقُ فِي مُوَاطِنِ اللِّقَاءِ، وَتَرْكُ الشَّمَاتَةَ بِالْأَعْدَاءِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «حُكَمَاءُ عُلَمَاءُ كَادُوا مِنْ فِقْهِهِمْ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ».
ثُمَّ قَالَ: «وَأَنَا أَزِيدُكُمْ خمْسا، فَيتم لَكُمْ عِشْرُونَ خَصْلَةً: إِنْ كُنْتُمْ كَمَا تَقُولُونَ، فَلَا تَجْمَعُوا مَا لَا تَأْكُلُونَ، وَلَا تَبْنُوا مَالا تسكنون، وَلَا تنافسوا فِي شئ أَنْتُم عَنهُ غَدا تزولون، وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَعَلَيْهِ تُعْرَضُونَ، وَارْغَبُوا فِيمَا عَلَيْهِ تُقْدِمُونَ، وَفِيهِ تَخْلُدُونَ».
فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ مِنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وحفظوا وَصيته وَعمِلُوا بهَا.
ثُمَّ ذَكَرَ:

وَفْدَ كِنْدَةَ
وَأَنَّهُمْ كَانُوا بِضْعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا عَلَيْهِمُ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ، وَأَنَّهُ أَجَازَهُمْ بِعَشْرِ أَوَاقٍ وَأَجَازَ الْأَشْعَثَ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً.
وَقَدْ تَقَدَّمَ.

وَفْدُ الصَّدِفِ
قَدِمُوا فِي بِضْعَةَ عَشَرَ رَاكِبًا، فَصَادَفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ عَلَى الْمِنْبَرِ، فَجَلَسُوا وَلَمْ يُسَلِّمُوا، فَقَالَ: «أَمُسْلِمُونَ أَنْتُمْ»؟ قَالُوا: نَعَمْ.
قَالَ: «فَهَلَّا سَلَّمْتُمْ»؟.
فَقَامُوا قِيَامًا فَقَالُوا: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.
فَقَالَ: «وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ، اجْلِسُوا».
فَجَلَسُوا وَسَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ.
وَفْدُ خُشَيْنٍ قَالَ: وَقَدِمَ أَبُو ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيُّ وَرَسُول الله يتجهز إِلَى خَيْبَرَ، فَشَهِدَ مَعَهُ خَيْبَرَ، ثُمَّ قَدِمَ بَعْدَ ذَلِكَ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا مِنْهُمْ فَأَسْلَمُوا.
ثُمَّ ذَكَرَ وَفْدَ بَنِي سَعْدِ هُذَيْمٍ وَبَلِيٍّ وَبَهْرَاءَ وَبَنِي عُذْرَةَ وَسَلَامَانِ وَجُهَيْنَةَ وَبَنِي كَلْبٍ وَالْجَرْمِيِّينَ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ سَلَمَةَ الْجَرْمِيِّ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ.
وَذَكَرَ: وَفْدَ الْأَزْدِ وَوَفْدَ غَسَّانَ وَالْحَارِثِ بْنِ كَعْبٍ وَهَمْدَانَ وَسَعْدِ الْعَشِيرَة وَعَبس، ووفد الداريين والرهاووين وَبنى غامد والنخع وبجيلة وخثعم، وَحضر موت وَذَكَرَ فِيهِمْ وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ، وَذَكَرَ فِيهِمُ الْمُلُوكَ الْأَرْبَعَةَ جَمْدًا وَمِخْوَسًا وَمِشْرَحًا وَأَبْضَعَةَ.
وَقَدْ وَرَدَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ لَعْنُهُمْ مَعَ أُخْتِهِمُ العمردة ، وَتكلم الْوَاقِدِيّ فيهم كَلَامًا فِيهِ طُولٌ.
وَذَكَرَ وَفْدَ أَزْدِ عُمَانَ وغافق وبارق ودوس وثمالة والجدار وَأَسْلَمَ وَجُذَامٍ وَمَهْرَةَ وَحِمْيَرَ وَنَجْرَانَ وَجَيْشَانَ.
وَبَسَطَ الْكَلَام على هَذِه الْقَبَائِل يطول جِدًّا، وَقَدْ قَدَّمْنَا بَعْضَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ.
وَفِيمَا أوردناه كِفَايَة وَالله أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ الْوَاقِدِيُّ:

وَافِدُ السِّبَاعِ
حَدَّثَنِي شُعَيْبُ بْنُ عُبَادَةَ، عَنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْطَبٍ، قَالَ: بَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ بِالْمَدِينَةِ فِي أَصْحَابه إِذْ أَقْبَلَ ذِئْبٌ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعَوَى.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا وَافِدُ السِّبَاعِ إِلَيْكُمْ فَإِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ تَفْرِضُوا لَهُ شَيْئًا لَا يَعْدُوهُ إِلَى غَيْرِهِ، وَإِن أَحْبَبْتُم تَرَكْتُمُوهُ وتحذرتم مِنْهُ، فَمَا أَخَذَ فَهُوَ رِزْقُهُ».
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَطِيبُ أَنْفُسُنَا لَهُ بشئ.
فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلَاثِ: أَيْ خَالِسْهُمْ.
فَوَلَّى وَلَهُ عَسَلَانٌ.
وَهَذَا مُرْسَلٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَيُشْبِهُ هَذَا الذِّئْبُ الذِّئْبَ الَّذِي ذُكِرَ فِي الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ هُوَ ابْن هَارُونَ، أَنْبَأَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ الْحُدَّانِيُّ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، قَالَ: عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ فَأَخَذَهَا فَطَلَبَهَا الرَّاعِي فَانْتَزَعَهَا مِنْهُ فَأَقْعَى الذِّئْبُ عَلَى ذَنَبِهِ، فَقَالَ: أَلَا تَتَّقِي اللَّهَ تَنْزِعُ مِنِّي رِزْقًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيَّ! فَقَالَ: يَا عَجَبًا ذِئْبٌ مُقْعٍ عَلَى ذَنَبِهِ يُكَلِّمُنِي كَلَامَ الْإِنْسِ! فَقَالَ الذِّئْبَ: أَلَّا أُخْبِرَكَ بِأَعْجَبَ مِنْ ذَلِكَ ; مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَثْرِبَ يُخْبِرُ النَّاسَ بِأَنْبَاءِ مَا قَدْ سَبَقَ.
قَالَ: فَأَقْبَلَ الرَّاعِي يَسُوقُ غَنَمَهُ حَتَّى دَخَلَ الْمَدِينَةَ، فَزَوَاهَا إِلَى زَاوِيَةٍ مِنْ زَوَايَاهَا، ثُمَّ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ.
فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنُودِيَ: الصَّلَاةُ جَامِعَةً، ثُمَّ خَرَجَ فَقَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: «أَخْبِرْهُمْ».
فَأَخْبَرَهُمْ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صَدَقَ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا تقوم السَّاعَة حَتَّى تكلم السبَاع الانس وَتكلم الرجل عذبة سَوْطه وشراك نَعله، وَتُخْبِرهُ فَخِذُهُ بِمَا أَحْدَثَ أَهْلُهُ بَعْدَهُ».
وَقَدْ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفَضْلِ بِهِ، وَقَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ الْقَاسِمِ بْنِ الْفضل وَهُوَ ثِقَةٌ مَأْمُونٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَثَّقَهُ يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ.
قُلْتُ: وَقَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ أَيْضًا: حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَنْبَأَنَا شُعَيْبٌ هُوَ ابْنُ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبى الْحُسَيْن، حَدَّثَنى مهْرَان أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ حَدَّثَهُ، فَذَكَرَ هَذِهِ الْقِصَّةَ بِطُولِهَا بِأَبْسَطَ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ.
ثُمَّ رَوَاهُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بن بهْرَام، حَدثنَا شَهْرٌ،
قَالَ: وَحَدَّثَ أَبُو سَعِيدٍ.
فَذَكَرَهُ.
وَهَذَا السِّيَاقُ أَشْبَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَهُوَ إِسْنَادٌ عَلَى شَرط أهل السّنَن وَلم يخرجوه.

فصل وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ وُفُودِ الْجِنِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ .
وَقَدْ تَقَصَّيْنَا الْكَلَامَ فِي ذَلِكَ أَيْضًا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْأَحْقَافِ: {وَإِذْ صَرَفْنَآ إِلَيْكَ نَفَراً مِّنَ ٱلْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ ٱلْقُرْآنَ} [الْأَحْقَافِ:29] فَذَكَرْنَا مَا وَرَدَ مِنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذَلِكَ وَالْآثَارِ، وَأَوْرَدْنَا حَدِيثَ سَوَادِ بْنِ قَارِبٍ الَّذِي كَانَ كَاهِنًا فَأَسْلَمَ.
وَمَا رَوَاهُ عَنْ رَئِيِّهِ الَّذِي كَانَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ حِينَ أَسْلَمَ الرَّئِيُّ حِينَ قَالَ لَهُ:

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَأَنْجَاسِهَا وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَحْلَاسِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَأَرْجَاسِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى رَأْسِهَا

ثُمَّ قَوْلُهُ:

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَطْلَابِهَا وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَقْتَابِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّة تبغى الْهدى لَيْسَ قدامها كأذنابها 
فانهض إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ وَاسْمُ بِعَيْنَيْكَ إِلَى بَابهَا

ثُمَّ قَوْلُهُ:

عَجِبْتُ لِلْجِنِّ وَتَخْبَارِهَا وَشَدِّهَا الْعِيسَ بِأَكْوَارِهَا
تَهْوِي إِلَى مَكَّةَ تَبْغِي الْهُدَى لَيْسَ ذَوُو الشَّرِّ كَأَخْيَارِهَا
فَانْهَضْ إِلَى الصَّفْوَةِ مِنْ هَاشِمٍ مَا مُؤْمِنُو الْجِنِّ كَكُفَّارِهَا

وَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَكْرَارِ وُفُودِ الْجِنِّ إِلَى مَكَّةَ.
وَقَدْ قَرَّرْنَا ذَلِكَ هُنَالِكَ بِمَا فِيهِ كِفَايَةٌ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ وَبِهِ التَّوْفِيقُ وَالْعِصْمَةُ.
وَقَدْ أَوْرَدَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ هَاهُنَا حَدِيثًا غَرِيبًا جِدًّا، بَلْ مُنْكَرًا أَوْ مَوْضُوعًا، وَلَكِنَّ مَخْرَجَهُ عَزِيزٌ أَحْبَبْنَا أَنْ نُورِدَهُ كَمَا أوردهُ.
وَالْعجب مِنْهُ.
فَإِنَّهُ قَالَ فِي دَلَائِل النُّبُوَّة:

بَاب قدوم هَامة بن الْهَيْثَم بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِسْلَامِهِ.
أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ دَاوُدَ الْعَلَوِيُّ رَحِمَهُ الله، أَنبأَنَا أَبُو نصر مُحَمَّد ابْن حَمْدَوَيْه بن سهل الْقَارئ الْمَرْوَزِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَمَّادٍ الْآمُلِيُّ، حَدثنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مَعْشَرٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: بَيْنَا نَحْنُ قُعُودٌ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ تِهَامَةَ إِذْ أَقْبَلَ شَيْخٌ بِيَدِهِ عَصًا، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلم فردتم قَالَ: «نَغمَة جن وغمغتهم من أَنْت» قَالَ: أَنا هَامة بن الْهَيْثَم بْنِ لَاقِيسَ بْنِ إِبْلِيسَ.
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ إِبْلِيسَ إِلَّا أَبَوَانِ، فكم أَتَى لَك مِنَ الدَّهْرِ»؟ قَالَ: قَدْ أَفْنَيْتُ الدُّنْيَا عُمْرَهَا إِلَّا قَلِيلًا، لَيَالِيَ قَتَلَ قَابِيلُ هَابِيلَ كُنْتُ غُلَامًا ابْنَ أَعْوَامٍ، أَفْهَمُ الْكَلَامَ وَأَمُرُّ بِالْآكَامِ وَآمُرُ بِإِفْسَادِ الطَّعَامِ وَقَطِيعَةِ الْأَرْحَامِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بِئْسَ عَمَلُ الشَّيْخِ الْمُتَوَسِّمِ، وَالشَّابِّ الْمُتَلَوِّمِ».
قَالَ: ذَرْنِي مِنَ التَّرْدَادِ، إِنِّي تَائِبٌ إِلَى اللَّهِ عزوجل، إِنِّي كُنْتُ مَعَ نُوحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانِي وَقَالَ: لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأُعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
قَالَ: قُلْتُ، يَا نُوحُ إِنِّي كُنْتُ مِمَّنِ اشْتَرَكَ فِي دَمِ السَّعِيدِ الشَّهِيدِ هَابِيلَ بن آدم،فَهَل تجدلى عنْدك تَوْبَةً؟ قَالَ: يَا هَامُ هُمَّ بِالْخَيْرِ وَافْعَلْهُ قَبْلَ الْحَسْرَةِ وَالنَّدَامَةِ، إِنِّي قَرَأْتُ فِيمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيَّ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ عَبْدٍ تَابَ إِلَى اللَّهِ بَالِغٌ أَمْرُهُ مَا بَلَغَ إِلَّا تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، قُمْ فَتَوَضَّأْ وَاسْجُدْ لِلَّهِ سَجْدَتَيْنِ.
قَالَ فَفَعَلْتُ مِنْ سَاعَتِي مَا أَمَرَنِي بِهِ.
فَنَادَانِي: ارْفَعْ رَأْسَكَ، فَقَدْ نَزَلَتْ تَوْبَتُكَ مِنَ السَّمَاءِ.
فَخَرَرْتُ لِلَّهِ سَاجِدًا.
قَالَ: وَكُنْتُ مَعَ هُودٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى عَلَيْهِمْ وَأَبْكَانِي، فَقَالَ: لَا جَرَمَ أَنِّي عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأُعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
قَالَ: وَكُنْتُ مَعَ صَالِحٍ فِي مَسْجِدِهِ مَعَ مَنْ آمَنَ بِهِ مِنْ قَوْمِهِ، فَلَمْ أَزَلْ أُعَاتِبُهُ عَلَى دَعْوَتِهِ عَلَى قَوْمِهِ حَتَّى بَكَى وَأَبْكَانِي وَقَالَ: أَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنَ النَّادِمِينَ، وَأُعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ.
وَكُنْتُ أَزُورُ يَعْقُوبَ وَكُنْتُ مَعَ يُوسُفَ فِي الْمَكَانِ الْأَمِينِ، وَكُنْتُ أَلْقَى إِلْيَاسَ فِي الْأَوْدِيَةِ وَأَنَا أَلْقَاهُ الْآنَ.
وَإِنِّي لَقِيتُ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ فَعَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ، وَقَالَ: إِنْ لَقِيتَ عِيسَى ابْن مَرْيَم فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَامَ.
وَإِنِّي لَقِيتُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَم فأقرأته عَن مُوسَى السَّلَامَ، وَإِنَّ عِيسَى قَالَ: إِنْ لَقِيتَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي السَّلَام.
فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَيْنَيْهِ فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: «وَعَلَى عِيسَى السَّلَامُ مَا دَامَتِ الدُّنْيَا، وَعَلَيْكَ السَّلَامُ يَا هَامُ بِأَدَائِكَ الْأَمَانَةَ».
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ افْعَلْ بِي مَا فَعَلَ مُوسَى، إِنَّهُ عَلَّمَنِي مِنَ التَّوْرَاةِ.
قَالَ: فَعَلَّمَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِذَا وَقعت الْوَاقِعَة، والمرسلات، وَعم يتساءلون، وَإِذا الشَّمْس كورت، والمعوذتين، وَقل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، وَقَالَ: «ارْفَعْ إِلَيْنَا حَاجَتَكَ يَا هَامَةُ، وَلَا تَدَعْ زِيَارَتَنَا».
قَالَ عُمَرُ: فَقَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِمَ يعد إِلَيْنَا، فَلَا نَدْرِي الْآنَ أَحَيٌّ هُوَ أَمْ ميت؟ ثمَّ قَالَ البيهقى: ابْن أَبى معشر هَذَا قَدْ رَوَى عَنْهُ الْكِبَارُ إِلَّا أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يُضَعِّفُونَهُ.
وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ هُوَ أَقْوَى مِنْهُ.
وَاللَّهُ أعلم .