27 ق.هـ
595 م
ذكر تزويج النبي صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها

قال هشام بن محمد: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة، وهو ابن خمس وعشرين سنة، وخديجة يومئذ ابنة أربعين سنة …

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قال: حَدَّثَنَا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: كَانَتْ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدِ بْنِ عَبْدِ الْعُزَّى بْنِ قُصَيٍّ امْرَأَةً تَاجِرَةً، ذَاتَ شَرَفٍ وَمَالٍ، تَسْتَتْجِرُ الرِّجَالَ فِي مَالِهَا، وَتُضَارِبُهُمْ إِيَّاهُ بِشَيْءٍ تَجْعَلُهُ لَهُمْ مِنْهُ، وَكَانَتْ قُرَيْشٌ قَوْمًا تُجَّارًا، فَلَمَّا بَلَغَهَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا بَلَغَهَا مِنْ صِدْقِ حَدِيثِهِ، وَعِظَمِ أَمَانَتِهِ، وَكَرَمِ أَخْلَاقِهِ، بَعَثَتْ إِلَيْهِ، فَعَرَضَتْ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ فِي مَالِهَا إِلَى الشَّامِ تَاجِرًا، وَتُعْطِيهِ أَفْضَلَ مَا كَانَتْ تُعْطِي غَيْرَهُ مِنَ التُّجَّارِ، مَعَ غُلَامٍ لَهَا يُقَالُ لَهُ مَيْسَرَةُ فَقَبِلَهُ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَخَرَجَ فِي مَالِهَا ذَلِكَ، وَخَرَجَ مَعَهُ غُلَامُهَا مَيْسَرَةُ، حَتَّى قَدِمَا الشَّامَ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ قَرِيبًا مِنْ صَوْمَعَةِ رَاهِبٍ مِنَ الرُّهْبَانِ، فَأطْلَعَ الرَّاهِبُ رَأْسَهُ إِلَى مَيْسَرَةَ فَقَالَ: مَنْ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ؟ فَقَالَ لَهُ مَيْسَرَةُ: هَذَا رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ، مِنْ أَهْلِ الْحَرَمِ، فَقَالَ لَهُ الرَّاهِبُ: مَا نَزَلَ تَحْتَ هَذِهِ الشَّجَرَةِ قَطُّ الا نبى، ثم باع رسول الله صلى الله عليه وسلم سِلْعَتَهُ الَّتِي خَرَجَ بِهَا، وَاشْتَرَى مَا أَرَادَ أَنْ يَشْتَرِيَ، ثُمَّ أَقْبَلَ قَافِلًا إِلَى مَكَّةَ، وَمَعَهُ مَيْسَرَةُ.
فَكَانَ مَيْسَرَةُ- فِيمَا يَزْعُمُونَ- إِذَا كَانَتِ الْهَاجِرَةُ وَاشْتَدَّ الْحَرُّ يَرَى مَلَكَيْنِ يُظَلِّلَانِهِ مِنَ الشَّمْسِ، وَهُوَ يَسِيرُ عَلَى بَعِيرِهِ فَلَمَّا قدم مكة على خديجه بمالها، بَاعَتْ مَا جَاءَ بِهِ فَأَضْعَفَتْ، أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ وَحَدَّثَهَا مَيْسَرَةُ عَنْ قَوْلِ الرَّاهِبِ، وَعَمَّا كَانَ يَرَى مِنْ إِظْلَالِ الْمَلَكَيْنِ إِيَّاهُ- وَكَانَتْ خَدِيجَةُ امْرَأَةً حَازِمَةً لَبِيبَةً شَرِيفَةً، مَعَ مَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَا مِنْ كَرَامَتِهِ- فَلَمَّا أَخْبَرَهَا مَيْسَرَةُ بِمَا أَخْبَرَهَا، بَعَثَتْ الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت له- فيما يزعمون-: يا بن عم، انى قد رغبت فيك لقرابتك وسطتك فِي قَوْمِكَ، وَأَمَانَتِكَ وَحُسْنِ خُلُقِكَ وَصِدْقِ حَدِيثِكَ ثُمَّ عَرَضَتْ عَلَيْهِ نَفْسَهَا، وَكَانَتْ خَدِيجَةُ يَوْمَئِذٍ أَوْسَطَ نِسَاءِ قُرَيْشٍ نَسَبًا، وَأَعْظَمَهُنَّ شَرَفًا، وَأَكْثَرَهُنَّ مَالًا، كُلُّ قَوْمِهَا كَانَ حَرِيصًا عَلَى ذَلِكَ مِنْهَا لَوْ يَقْدِرُ عَلَيْهَا.
فَلَمَّا قَالَتْ ذَلِكَ لرسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَرَ ذَلِكَ لأَعْمَامِهِ، فَخَرَجَ مَعَهُ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عَمُّهُ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى خُوَيْلِدِ بْنِ أَسَدٍ، فَخَطَبَهَا إِلَيْهِ فَتَزَوَّجَهَا، فَوَلَدَتْ لَهُ ولده كلهم الا ابراهيم: زينب، وَرُقَيَّةَ، وَأُمَّ كُلْثُومٍ، وَفَاطِمَةَ، وَالْقَاسِمَ- وَبِهِ كَانَ يكنى صلى الله عليه وسلم- وَالطَّاهِرَ وَالطَّيِّبَ فَأَمَّا الْقَاسِمُ وَالطَّاهِرُ وَالطَّيِّبُ، فَهَلَكُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَأَمَّا بَنَاتُهُ فَكُلُّهُنَّ أَدْرَكْنَ الإِسْلَامَ فاسلمن، وهاجرن معه صلى الله عليه وسلم.
حدثني الحارث، قال: حدثنا مُحَمَّد بن سعد، قال: حدثنا محمد ابن عمر، قال: حدثنا معمر وغيره، عن ابن شهاب الزهري- وقد قال ذلك غيره من أهل البلد: إن خديجة إنما كانت استأجرت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجلا آخر من قريش إلى سوق حباشة بتهامة، وكان الذي زوجها إياه خويلد، وكان التي مشت في ذلك مولاة مولدة من مولدات مكة.
قال الحارث: قال محمد بن سعد: قال الواقدي: فكل هذا غلط.
قال الواقدي: ويقولون أيضا إن خديجة أرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تدعوه إلى نفسها- تعني التزويج- وكانت امرأة ذات شرف، وكان كل قريش حريصا على نكاحها- قد بذلوا الأموال لو طمعوا بذلك، فدعت أباها فسقته خمرا حتى ثمل، ونحرت بقرة وخلقته بخلوق، وألبسته حلة حبرة، ثم أرسلت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمومته، فدخلوا عليه، فزوجه، فلما صحا قال: ما هذا العقير؟ وما هذا العبير؟ وما هذا الحبير؟ قالت: زوجتني محمد بن عبد الله، قال: ما فعلت أنى أفعل هذا وقد خطبك أكابر قريش، فلم أفعل! قال الواقدي: وهذا غلط، والثبت عندنا المحفوظ من حديث محمد ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ وَمِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي حَبِيبَةَ، عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْحُصَيْنِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنْ عَمَّهَا عَمْرَو بن اسد زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ قَبْلَ الْفِجَارِ.
قال أبو جعفر: وكان منزل خديجة يومئذ المنزل الذي يعرف بها اليوم، فيقال: منزل خديجة، فاشتراه معاوية- فيما ذكر- فجعله مسجدا يصلي فيه الناس، وبناه على الذي هو عليه اليوم لم يغير وأما الحجر الذي على باب البيت عن يسار من يدخل البيت فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس تحته يستتر به من الرمي إذا جاءه من دار أبي لهب، ودار عدى ابن حمراء الثقفي خلف دار ابن علقمة، والحجر ذراع وشبر في ذراع.