ربيع الأول 1 هـ
أيلول 622 م
ذكر الوقت الذي عمل فيه التأريخ

قَالَ ابو جعفر: ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، أَمَرَ بِالتَّأْرِيخِ فِيمَا قِيلَ حَدَّثَنِي زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، قَالَ: …

حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي سلمه، عن ابن شهاب، ان النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ- وَقَدِمَهَا فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ- أَمَرَ بِالتَّأْرِيخِ.
قال أبو جعفر: فذكر أنهم كانوا يؤرخون بالشهر والشهرين من مقدمه إلى أن تمت السنة، وقد قيل إن أول من أمر بالتأريخ في الإسلام عمر بن الخطاب، رحمه الله.

ذكر الأخبار الواردة بذلك:
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابو نعيم، قال: حدثنا حبان ابن عَلِيٍّ الْعَنْزِيُّ، عَنْ مُجَالِدٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: كَتَبَ أَبُو موسى الأَشْعَرِيُّ إِلَى عُمَرَ: إِنَّهُ تَأْتِينَا مِنْكَ كُتُبٌ لَيْسَ لَهَا تَأْرِيخٌ قَالَ: فَجَمَعَ عُمَرُ النَّاسَ لِلْمَشُورَةِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَرِّخْ لمبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال بعضهم: لمهاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ عُمَرُ: لا بَلْ نُؤَرِّخُ لِمُهَاجَرِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّ مُهَاجَرَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ حَيَّانَ أَبُو يَزِيدَ الْخَرَّازُ، عَنْ فُرَاتِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ مَيْمُونِ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: رُفِعَ إِلَى عُمَرَ صَكٌّ مَحِلُّهُ فِي شَعْبَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: أَيُّ شَعْبَانَ؟
الَّذِي هُوَ آتٍ، أَوِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ضَعُوا لِلنَّاسِ شَيْئًا يَعْرِفُونَهُ، فَقَالَ: بَعْضُهُمُ: اكْتُبُوا عَلَى تَأْرِيخِ الرُّومِ، فَقِيلَ: إِنَّهُمْ يَكْتُبُونَ مِنْ عَهْدِ ذِي الْقَرْنَيْنِ، فَهَذَا يَطُولُ وَقَالَ بَعْضُهُمُ: اكْتُبُوا عَلَى تَأْرِيخِ الْفُرْسِ، فَقِيلَ: إِنَّ الْفُرْسَ كُلَّمَا قَامَ مَلِكٌ طَرَحَ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، فَاجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى أَنْ يَنْظُرُوا: كم اقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ؟ فَوَجَدُوهُ عَشْرَ سِنِينَ، فَكُتِبَ التَّأْرِيخُ مِنْ هجره رسول الله صلى الله عليه وسلم حُدِّثْتُ عَنْ أُمَيَّةَ بْنِ خَالِدٍ وَأَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ السَّدُوسِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ: قَامَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَقَالَ: أَرِّخُوا، فَقَالَ عُمَرُ: مَا أَرِّخُوا؟ قَالَ: شَيْءٌ تَفْعَلُهُ الأَعَاجِمُ، يَكْتُبُونَ فِي شَهْرِ كَذَا مِنْ سَنَةِ كَذَا، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: حَسَنٌ، فَأَرِّخُوا فَقَالُوا: مِنْ أَيِّ السِّنِينَ نَبْدَأُ؟ قَالُوا: مِنْ مَبْعَثِهِ، وَقَالُوا: مِنْ وَفَاتِهِ، ثُمَّ أَجْمَعُوا عَلَى الْهِجْرَةِ، ثُمَّ قَالُوا: فَأَيَّ الشُّهُورِ نَبْدَأُ؟ فَقَالُوا: رَمَضَانَ، ثُمَّ قَالُوا: الْمُحَرَّمَ، فَهُوَ مُنْصَرَفُ النَّاسِ مِنْ حَجِّهِمْ، وَهُوَ شَهْرٌ حَرَامٌ، فَأَجْمَعُوا عَلَى الْمُحَرَّمِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ وَحَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالا جَمِيعًا:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ ابن سَعْدٍ، قَالَ: مَا أَصَابَ النَّاسُ الْعَدَدَ، مَا عدوا من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَلا مِنْ وَفَاتِهِ، وَلا عَدُّوا إِلا مِنْ مَقْدِمِهِ الْمَدِينَةَ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، قَال: كَانَ التَّأْرِيخُ فِي السَّنَةِ الَّتِي قدم فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ، وَفِيهَا وُلِدَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عبد الحكم، قال: حدثنا يعقوب ابن إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي عَبَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الطَّائِفِيُّ، عَنْ عمرو ابن دِينَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَ التَّأْرِيخُ في السنه التي قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فِيهَا، فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الطَّاحِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مُحْصِنٍ، أَنَّ ابْنِ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ فِي: {وَٱلْفَجْرِ (1) وَلَيالٍ عَشْرٍ} [الفجر:1-2] ، قَالَ: الْفَجْرُ هُوَ الْمُحَرَّمُ، فَجْرُ السَّنَةِ.
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، قَالَ: إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ رَأْسُ السَّنَةِ، فِيهِ يُكْسَى الْبَيْتُ، وَيُؤَرَّخُ التَّأْرِيخُ، وَيُضْرَبُ فِيهِ الْوَرَقُ، وَفِيهِ يَوْمٌ كَانَ تَابَ فِيهِ قَوْمٌ، فَتَابَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ ثَابِت الرازي، قَالَ: حَدَّثَنَا أحمد، قَالَ: حَدَّثَنَا روح بن عبادة، قَالَ: حَدَّثَنَا زكرياء بن إسحاق، عن عمرو بن دينار، أن أول من أرخ الكتب يعلى بن اميه، وهو باليمن، وان النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الأول، وأن الناس أرخوا لأول السنة، وإنما أرخ الناس لمقدم النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال علي بْنُ مُجَاهِدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ الزهري وعن محمد ابن صالح، عن الشعبي، قالا: أرخ بنو إسماعيل من نار ابراهيم عليه السلام إلى بنيان البيت، حين بناه إبراهيم وإسماعيل، ثم أرخ بنو إسماعيل من بنيان البيت، حتى تفرقت، فكان كلما خرج قوم من تهامه ارخوا بمخرجهم، ومن بقي بتهامة من بني إسماعيل يؤرخون من خروج سعد ونهد وجهينة، بني زيد، من تهامة، حتى مات كعب بن لؤي، فأرخوا من موت كعب بن لؤي إلى الفيل، فكان التأريخ من الفيل، حتى ارخ عمر ابن الخطاب من الهجرة، وذلك سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ، قَالَ: حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا الدَّرَاوَرْدِيُّ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، يَقُولُ: جَمَعَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ النَّاسَ، فَسَأَلَهُمْ، فَقَالَ: من اى يوم نكتب؟ فقال على : من يوم هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَتَرَكَ أَرْضَ الشِّرْكِ ، فَفَعَلَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال أبو جعفر: وهذا الذي رواه علي بن مجاهد، عمن رواه عنه في تأريخ بني إسماعيل غير بعيد من الحق، وذلك انهم لم يكونوا يؤرخون على أمر معروف يعمل به عامتهم، وإنما كان المؤرخ منهم يؤرخ بزمان قحمة كانت في ناحية من نواحي بلادهم، ولزبة أصابتهم، أو بالعامل كان يكون عليهم، أو الأمر الحادث فيهم ينتشر خبره عندهم، يدل على ذلك اختلاف شعرائهم في تأريخاتهم، ولو كان لهم تأريخ على أمر معروف، وأصل معمول عليه، لم يختلف ذلك منهم.
ومن ذلك قول الربيع بن ضبع الفزاري:

هأنذا آمل الخلود وقد *** أدرك عقلي ومولدي حجرا
أبا امرئ القيس هل سمعت به *** هيهات هيهات طال ذا عمرا!

فارخ عمره بحجر بن عمرو أبي امرئ القيس.
وقال نابغة بني جعدة:

فمن يك سائلا عني فإني *** من الشبان أزمان الخنان

فجعل النابغة تأريخه ما أرخ بزمان علة كانت فيهم عامة.
وقال آخر:

وما هي إلا في إزار وعلقة *** مغار ابن همام على حي خثعما

فكل واحد من هؤلاء الذين ذكرت تأريخهم في هذه الأبيات، أرخ على قرب زمان بعضهم من بعض، وقرب وقت ما أرخ به من وقت الآخر، بغير المعنى الذي أرخ به الآخر، ولو كان لهم تأريخ معروف كما للمسلمين اليوم ولسائر الأمم غيرها، كانوا إن شاء الله لا يتعدونه، ولكن الأمر في ذلك كان عندهم إن شاء الله على ما ذكرت، فأما قريش من بين العرب، فإن آخر ما حصلت من تأريخها قبل هجره النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة على التأريخ بعام الفيل، وذلك عام ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بين عام الفيل والفجار عشرون سنة، وبين الفجار وبناء الكعبة خمس عشرة سنة، وبين بناء الكعبه ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم خمس سنين.
قال أبو جعفر: وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة، وقرن بنبوته- كما قال الشعبي- ثلاث سنين: إسرافيل، وذلك قبل أن يؤمر بالدعاء وإظهاره على ما قدمنا الرواية والإخبار به، ثم قرن بنبوته جبريل ع بعد السنين الثلاث، وأمره بإظهار الدعوة إلى الله، فأظهرها، ودعا إلى الله مقيما بمكة عشر سنين، ثم هاجر إلى المدينة في شهر ربيع الأول من سنة أربع عشرة من حين استنبئ، وكان خروجه من مكة إليها يوم الاثنين، وقدومه المدينة يوم الاثنين، لمضي اثنتي عشرة ليلة من شهر ربيع الاول حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعِيدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ دَاوُدَ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنْ حَنَشٍ الصَّنْعَانِيِّ، عن ابن عباس قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَاسْتُنْبِئَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَرَفَعَ الْحَجَرَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَخَرَجَ مُهَاجِرًا مِنْ مَكَّةَ إِلَى الْمَدِينَةِ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَقَدِمَ الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، وَقُبِضَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ.
حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم الْمَدِينَةَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ، لاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ.
قال أبو جعفر: فإذا كان الأمر في تأريخ المسلمين كالذي وصفت، فإنه وإن كان من الهجرة، فإن ابتداءهم اياه قبل مقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة بشهرين وأيام، هي اثنا عشر، وذلك أن أول السنة المحرم، وكان قدوم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، بعد مضي ما ذكرت من السنة، ولم يؤرخ التاريخ من وقت قدومه، بل من أول تلك السنة