17 هـ
638 م
ذكر الخبر عَنْ سَيْفٍ في ذلك، والخبر عما ذكره عن عمر في خرجته تلك أنه أحدث في مصالح المسلمين

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سيف،  عن أبي عثمان وأبي حارثة والربيع، قالوا: وخرج عمر وخلف عليا على المدينة، …

وخرج معه بالصحابة وأغذوا السير واتخذ أيلة طريقا، حتى إذا دنا منها تنحى عن الطريق، واتبعه غلامه، فنزل فبال، ثم عاد فركب بعير غلامه، وعلى رحله فرو مقلوب، وأعطى غلامه مركبه، فلما تلقاه أوائل الناس، قالوا: أين أمير المؤمنين؟ قال: أمامكم- يعني نفسه- وذهبوا هم إلى أمامهم، فجازوه حتى انتهى هو إلي أيلة فنزلها وقيل للمتلقين: قد دخل أمير المؤمنين أيلة ونزلها.
فرجعوا إليه كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عَنْ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَيْلَةَ، وَمَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ دَفَعَ قَمِيصًا لَهُ كَرَابِيسُ قَدِ انْجَابَ مُؤَخِّرُهُ عَنْ قَعْدَتِهِ مِنْ طُولِ السَّيْرِ إِلَى الأُسْقُفِّ، وقال: اغسل هذا وارقعه، فَانْطَلَقَ الأُسْقُفُّ بِالْقَمِيصِ، وَرَقَّعَهُ، وَخَاطَ لَهُ آخَرُ مِثْلَهُ، فَرَاحَ بِهِ إِلَى عُمَرَ، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالَ الأُسْقُفُّ: أَمَّا هَذَا فَقَمِيصُكَ قَدْ غَسَلْتُهُ وَرَقَّعْتُهُ، وَأَمَّا هَذَا فَكِسْوَةٌ لَكَ مِنِّي. فَنَظَرَ إِلَيْهِ عُمَرُ وَمَسَحَهُ، ثُمَّ لَبِسَ قَمِيصَهُ، وَرَدَّ عَلَيْهِ ذَلِكَ الْقَمِيصَ، وَقَالَ:
هَذَا أَنْشَفُهُمَا لِلْعَرَقِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَطِيَّةَ وَهِلالٍ، عَنْ رَافِعِ بْنِ عُمَرَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ بِالْجَابِيَةِ يَقُولُ لِعُمَرَ: أَرْبَعٌ مَنْ عَمِلَ بِهِنَّ اسْتَوْجَبَ الْعَدْلَ: الأَمَانَةُ فِي الْمَالِ، وَالتَّسْوِيَّةُ فِي الْقَسْمِ، وَالْوَفَاءُ بالعدة، وَالْخُرُوجُ مِنَ الْعُيُوبِ، نَظِّفْ نَفْسَكَ وَأَهْلَكَ.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أَبِي عُثْمَانَ وَالرَّبِيعِ وَأَبِي حَارِثَةَ بِإِسْنَادِهِمْ، قَالُوا: قَسَّمَ عُمَرُ الأَرْزَاقَ، وَسَمَّى الشَّوَاتِيَ وَالصَّوَائِفَ، وَسَدَّ فُرُوجَ الشَّامِ وَمَسَالِحَهَا، وَأَخَذَ يَدُورُ بِهَا، وَسَمَّى ذَلِكَ فِي كُلِّ كَوْرَةٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ عَلَى السَّوَاحِلِ مِنْ كُلِّ كَوْرَةٍ، وَعَزَلَ شُرَحْبِيلَ، وَاسْتَعْمَلَ مُعَاوِيَةَ، وَأَمَّرَ أَبَا عُبَيْدَةَ وَخَالِدًا تَحْتَهُ، فَقَالَ لَهُ شُرَحْبِيلُ: أَعَنْ سَخْطَةٍ عَزَلْتَنِي يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: لا، إِنَّكَ لَكَمَا أُحِبُّ، وَلَكِنِّي أُرِيدُ رَجُلا أَقْوَى مِنْ رَجُلٍ، قَالَ: نَعَمْ، فَاعْذُرْنِي فِي النَّاسِ لا تُدْرِكْنِي هُجْنَةٌ، فَقَامَ فِي النَّاسِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسِ، إِنِّي وَاللَّهِ مَا عَزَلْتُ شُرَحْبِيلَ عَنْ سَخْطَةٍ، وَلَكِنِّي أَرَدْتُ رَجُلا أَقْوَى مِنْ رَجُلٍ وَأَمَّرَ عَمْرَو بْنَ عَبْسَةَ عَلَى الأَهْرَاءِ، وَسَمَّى كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ قَامَ فِي النَّاسِ بِالْوَدَاعِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن أبي ضمرة وأبي عمرو، عن المستورد، عن عدي بْن سهيل، قال: لما فرغ عمر من فروجه وأموره قسم المواريث، فورث بعض الورثة من بعض، ثم أخرجها إلى الأحياء من ورثة كل امرئ منهم.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مجالد، عن الشعبي:
وخرج الحارث بْن هشام في سبعين من أهل بيته، فلم يرجع منهم إلا أربعة، فقال المهاجر بْن خالد بْن الوليد:

من يسكن الشام يعرس به *** والشام إن لم يفننا كارب
أفنى بنى ريطة فرسانهم *** عشرون لم يقصص لهم شارب
ومن بني أعمامهم مثلهم *** لمثل هذا أعجب العاجب
طعنا وطاعونا مناياهم *** ذلك ما خط لنا الكاتب

قال: وقفل عمر من الشام إلى المدينة في ذي الحجة، وخطب حين أراد القفول، فحمد اللَّه وأثنى عليه، وقال: ألا إني قد وليت عليكم وقضيت الذي علي في الذي ولاني اللَّه من امركم، ان شاء الله قسطنا بينكم فيئكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغنا ما لديكم، فجندنا لكم الجنود، وهيأنا لكم الفروج، وبوأناكم ووسعنا عليكم ما بلغ فيئكم وما قاتلتم عليه من شامكم، وسمينا لكم اطماعكم، وامرنا لكم باعطياتكم، وأرزاقكم ومغانمكم فمن علم علم شيء ينبغي العمل به فبلغنا نعمل به إن شاء اللَّه، ولا قوة إلا بالله وحضرت الصلاة، وقال الناس: لو أمرت بلالا فأذن! فأمره فأذن، فما بقي احد كان ادرك رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلال يؤذن له إلا بكى حتى بل لحيته، وعمر أشدهم بكاء، وبكى من لم يدركه ببكائهم، ولذكره صلى الله عليه وسلم.

ذكر خبر عزل خالد بن الْوَلِيد
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة، قالا: فما زال خالد على قنسرين حتى غزا غزوته التي أصاب فيها، وقسم فيها ما أصاب لنفسه.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عن أبي المجالد مثله. قالوا: وبلغ عمر أن خالدا دخل الحمام فتدلك بعد النورة بثخين عصفر معجون بخمر، فكتب إليه: بلغني أنك تدلكت بخمر، وإن اللَّه قد حرم ظاهر الخمر وباطنه، كما حرم ظاهر الإثم وباطنه، وقد حرم مس الخمر إلا أن تغسل كما حرم شربها، فلا تمسوها أجسادكم فإنها نجس، وإن فعلتم فلا تعودوا.
فكتب إليه خالد: إنا قتلناها فعادت غسولا غير خمر فكتب إليه عمر: إني أظن آل المغيرة قد ابتلوا بالجفاء، فلا أماتكم اللَّه عليه! فانتهى إليه ذلك.
وفي هذه السنة- أعني سنة سبع عشرة- أدرب خالد بن الوليد وعياض ابن غنم في رواية سيف عن شيوخه.

ذكر من قال ذلك :
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عثمان وأبي حارثة والمهلب، قالوا: وأدرب سنة سبع عشرة خالد وعياض، فسارا فأصابا أموالا عظيمة، وكانا توجها من الجابية، مرجع عمر إلى المدينة، وعلى حمص أبو عبيدة وخالد تحت يديه على قنسرين، وعلى دمشق يزيد بْن أبي سفيان، وعلى الأردن معاوية، وعلى فلسطين علقمة بْن مجزز، وعلى الأهراء عمرو ابن عبسة، وعلى السواحل عبد اللَّه بْن قيس، وعلى كل عمل عامل.
فقامت مسالح الشام ومصر والعراق على ذلك إلى اليوم لم تجز أمة إلى أخرى عملها بعد، إلا أن يقتحموا عليهم بعد كفر منهم، فيقدموا مسالحهم بعد ذلك، فاعتدل ذلك سنة سبع عشرة.
كتب إلي السري، عن شعيب، عن سَيْفٍ، عن أبي المجالد وأبي عثمان والربيع وأبي حارثة، قالوا: ولما قفل خالد وبلغ الناس ما أصابت تلك الصائفة انتجعه رجال، فانتجع خالدا رجال من أهل الآفاق، فكان الأشعث بْن قيس ممن انتجع خالدا بقنسرين، فأجازه بعشرة آلاف.
وكان عمر لا يخفى عليه شيء في عمله، كتب إليه من العراق بخروج من خرج، ومن الشام بجائزة من أجيز فيها- فدعا البريد، وكتب معه إلى أبي عبيدة أن يقيم خالدا ويعقله بعمامته، وينزع عنه قلنسوته حتى يعلمهم من أين إجازة الأشعث، أمن ماله أم من إصابة أصابها؟ فإن زعم أنها من إصابة أصابها فقد أقر بخيانة، وإن زعم أنها من ماله فقد أسرف.
واعزله على كل حال، واضمم إليك عمله فكتب أبو عبيدة إلى خالد، فقدم عليه، ثم جمع الناس وجلس لهم على المنبر، فقام البريد فقال: يا خالد، أمن مالك أجزت بعشرة آلاف أم من إصابة؟ فلم يجبه حتى أكثر عليه، وأبو عبيدة ساكت لا يقول شيئا، فقام بلال إليه، فقال: إن أمير المؤمنين أمر فيك بكذا وكذا، ثم تناول قلنسوته فعقله بعمامته وقال: ما تقول! أمن مالك أم من إصابة؟ قال: لا بل من مالي، فأطلقه وأعاد قلنسوته ثم عممه بيده، ثم قال: نسمع ونطيع لولاتنا، ونفخم ونخدم موالينا قالوا: وأقام خالد متحيرا لا يدري امعزول أم غير معزول؟ وجعل أبو عبيدة لا يخبره حتى إذا طال على عمر أن يقدم ظن الذي قد كان، فكتب إليه بالإقبال، فأتى خالد أبا عبيدة، فقال: رحمك اللَّه، ما أردت إلى ما صنعت! كتمتني أمرا كنت أحب أن أعلمه قبل اليوم! فقال أبو عبيدة: إني والله ما كنت لأروعك ما وجدت لذلك بدا، وقد علمت أن ذلك يروعك قال: فرجع خالد إلى قنسرين، فخطب أهل عمله وودعهم وتحمل، ثم أقبل إلى حمص فخطبهم وودعهم، ثم خرج نحو المدينة حتى قدم على عمر، فشكاه وقال: لقد شكوتك إلى المسلمين، وبالله إنك في أمري غير مجمل يا عمر، فقال عمر: من اين هذا الثراء؟ قال: من الأنفال والسهمان، ما زاد على الستين ألفا فلك فقوم عمر عروضه فخرجت إليه عشرون ألفا، فأدخلها بيت المال ثم قال: يا خالد، والله إنك علي لكريم، وإنك إلي لحبيب، ولن تعاتبني بعد اليوم على شيء.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُسْتَوْرِدِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ سُهَيْلٍ، قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ إِلَى الأَمْصَارِ: إِنِّي لَمْ أَعْزِلْ خَالِدًا عَنْ سَخْطَةٍ وَلا خِيَانَةٍ، وَلَكِنَّ النَّاسَ فُتِنُوا بِهِ، فَخِفْتُ أَنْ يوكلوا إِلَيْهِ وَيُبْتُلُوا بِهِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ الصَّانِعُ، وَأَلا يَكُونُوا بِعَرَضِ فِتْنَةٍ.
كَتَبَ إِلَيَّ السري، عن شعيب، عن سيف، عن مبشر، عَنْ سَالِمٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ خَالِدٍ عَلَى عُمَرَ قَالَ عُمَرُ مُتَمَثِّلا:

صَنَعْتَ فَلَمْ يَصْنَعْ كَصُنْعِكَ صَانِعٌ *** وَمَا يَصْنَعُ الأَقْوَامُ فَاللَّهُ يَصْنَعُ

فَأَغْرَمَهُ شَيْئًا، ثُمَّ عَوَّضَهُ، وَكَتَبَ فِيهِ إِلَى الناس بهذا الكتاب ليعذره عندهم وليبصرهم.