ذو الحجة 36 هـ
حزيران 657 م
دعاء علي مُعَاوِيَة إِلَى الطاعة والجماعة

قَالَ أبو مخنف: حدثني عبد الملك بن أبي حُرَّةَ الْحَنَفِيُّ، أَنَّ عَلِيًّا قَالَ:هَذَا يَوْمٌ نُصِرْتُمْ فِيهِ بِالْحَمِيَّةِ، وَجَاءَ النَّاسُ حَتَّى أَتَوْا عَسْكَرَهُمْ، …

فَمَكَثَ عَلِيٌّ يَوْمَيْنِ لا يُرْسِلُ إِلَى مُعَاوِيَةَ أَحَدًا، وَلا يُرْسِلُ إِلَيْهِ مُعَاوِيَةَ [ثُمَّ إِنَّ عَلِيًّا دَعَا بَشِيرَ بْنَ عَمْرِو بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيَّ، وَسَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ الْهَمْدَانِيَّ، وَشَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ التَّمِيمِيَّ، فَقَالَ: ائْتُوا هَذَا الرَّجُلَ فَادْعُوهُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى الطَّاعَةِ وَالْجَمَاعَةِ،] فَقَالَ لَهُ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَلا تُطْمِعَهُ فِي سُلْطَانٍ تُوَلِّيَهُ إِيَّاهُ، وَمَنْزِلَةٍ يَكُونُ لَهُ بِهَا أَثَرَةٌ عِنْدَكَ إِنْ هُوَ بَايَعَكَ؟ فَقَالَ عَلِيٌّ: ائْتُوهُ فَالْقَوْهُ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ، وَانْظُرُوا مَا رَأْيهُ- وَهَذَا فِي أَوَّلِ ذِي الْحِجَّةِ- فَأَتَوْهُ، وَدَخَلُوا عَلَيْهِ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ أَبُو عَمْرَةَ بَشِيرُ بْنُ عَمْرٍو، وَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، إِنَّ الدُّنْيَا عَنْكَ زَائِلَةٌ، وَإِنَّكَ رَاجِعٌ إِلَى الآخِرَةِ، وَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ مُحَاسِبُكَ بِعَمِلِكَ، وَجَازِيكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ، وَإِنِّي أَنْشُدُكَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تُفَرِّقَ جَمَاعَةَ هَذِهِ الأُمَّةِ، وَأَنْ تَسْفِكَ دِمَاءَهَا بَيْنَهَا! فَقَطَعَ عَلَيْهِ الْكَلامَ، وَقَالَ: هَلا أَوْصَيْتَ بِذَلِكَ صَاحِبَكَ؟ فَقَالَ أَبُو عَمْرَةَ: إِنَّ صَاحِبِي لَيْسَ مِثْلَكَ، صَاحِبِي أَحَقُّ الْبَرِيَّةِ كُلِّهَا بِهَذَا الأَمْرِ فِي الْفَضْلِ وَالدِّينِ وَالسَّابِقَةِ فِي الإِسْلامِ، وَالْقَرَابَةِ مِنَ الرسول صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَيَقُولُ مَاذَا؟ قَالَ: يَأْمُرُكَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِجَابَةِ ابْنِ عَمِّكَ إِلَى مَا يَدْعُوكَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَإِنَّهُ أَسْلَمُ لَكَ فِي دُنْيَاكَ، وَخَيْرٌ لَكَ فِي عَاقِبَةِ أَمْرِكَ قَالَ مُعَاوِيَةُ: وَنطل دَمَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ! لا وَاللَّهِ لا أَفْعَلُ ذَلِكَ أَبَدًا فَذَهَبَ سَعِيدُ بْنُ قَيْسٍ يَتَكَلَّمُ، فَبَادَرَهُ شَبَثُ بْنُ رِبْعِيٍّ، فَتَكَلَّمَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَقَالَ: يَا مُعَاوِيَةُ، إِنِّي قَدْ فَهِمْتُ مَا رَدَدْتَ عَلَى ابْنِ مِحْصَنٍ، إِنَّهُ وَاللَّهِ لا يَخْفَى عَلَيْنَا مَا تَغْزُو وَمَا تَطْلُبُ، إِنَّكَ لَمْ تَجِدْ شَيْئًا تَسْتَغْوِي بِهِ النَّاسَ وَتَسْتَمِيلُ بِهِ أَهْوَاءَهُمْ، وَتَسْتَخْلِصُ بِهِ طَاعَتَهُمْ، إِلا قَوْلَكَ: قُتِلَ إِمَامُكُمْ مَظْلُومًا، فَنَحْنُ نَطْلُبُ بِدَمِهِ، فَاسْتَجَابَ لَهُ سُفَهَاءُ طَغَامٌ، وَقَدْ عَلِمْنَا أَنْ قَدْ أَبْطَأْتَ عَنْهُ بِالنَّصْرِ، وَأَحْبَبْتَ لَهُ الْقَتْلَ، لِهَذِهِ المنزله التي اصبحت تطلب، ورب متمنى أَمْرٍ وَطَالِبِهِ، اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَحُولُ دُونَهُ بِقُدْرَتِهِ، وَرُبَّمَا أُوتِيَ الْمُتَمَنِّي أُمْنِيَّتَهُ وَفَوْقَ أُمْنِيَّتِهِ، وو الله مَا لَكَ فِي وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرٌ، لَئِنْ أَخْطَأْتَ مَا تَرْجُو إِنَّكَ لَشَرُّ الْعَرَبِ حَالا فِي ذَلِكَ، وَلَئِنْ أَصَبْتَ مَا تَمَنَّى لا تُصِيبَهُ حَتَّى تَسْتَحِقَّ مِنْ رَبِّكَ صَلِيَّ النَّارِ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا مُعَاوِيَةُ، وَدَعْ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ، وَلا تُنَازِعِ الأَمْرَ أَهْلَهُ. فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فإن أَوَّلُ مَا عَرَفْتُ فِيهِ سَفَهَكَ وَخِفَّةَ حِلْمِكَ، قَطْعُكَ عَلَى هَذَا الْحَسِيبِ الشَّرِيفِ سَيِّدِ قَوْمِهِ مَنْطِقَهُ، ثُمَّ عَنَيْتَ بَعْدُ فِيمَا لا عِلْمَ لك به، فقد كذبت، ولؤمت أَيُّهَا الأَعْرَابِيُّ الْجِلْفُ الْجَافِي فِي كُلِّ مَا ذَكَرْتَ وَوَصَفْتَ انْصَرِفُوا مِنْ عِنْدِي، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِلا السَّيْفَ وَغَضِبَ، وَخَرَجَ الْقَوْمُ وَشَبَثٌ يَقُولُ: أَفَعَلَيْنَا تُهَوِّلُ بِالسَّيْفِ! أُقْسِمُ بِاللَّهِ لَيُعَجِّلَنَّ بِهَا إِلَيْكَ فَأَتَوْا عَلِيًّا وَأَخْبَرُوهُ بِالَّذِي كَانَ مِنْ قَوْلِهِ، وَذَلِكَ فِي ذِي الْحِجَّةِ، فَأَخَذَ عَلِيٌّ يَأْمُرُ الرَّجُلَ ذَا الشَّرَفِ، فَيَخْرُجُ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، وَيَخْرُجُ إِلَيْهِ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاوِيَةَ آخَرُ مَعَهُ جَمَاعَةٌ، فَيَقْتَتِلانِ فِي خَيْلِهِمَا وَرِجَالِهِمَا ثُمَّ يَنْصَرِفَانِ، وَأَخَذُوا يَكْرَهُونَ أَنْ يَلْقَوْا بِجَمْعٍ أَهْلُ الْعِرَاقِ أَهْلَ الشَّامِ لِمَا يَتَخَوَّفُونَ أَنْ يَكُونَ فِي ذَلِكَ مِنَ الاسْتِئْصَالِ وَالْهَلاكِ، فَكَانَ عَلِيٌّ يُخْرِجُ مَرَّةً الأَشْتَرَ، وَمَرَّةً حُجْرَ بْنَ عَدِيٍّ الْكِنْدِيَّ، وَمَرَّةً شَبَثَ بْنَ رِبْعِيٍّ، وَمَرَّةً خَالِدَ بْنَ الْمُعَمَّرِ، وَمَرَّةً زِيَادَ بْنَ النَّضْرِ الحارثى، ومره زياد بن خصفه التيمى، وَمَرَّةً سَعِيدَ بْنَ قَيْسٍ، وَمَرَّةً مَعْقِلَ بْنَ قَيْسٍ الرِّيَاحِيَّ، وَمَرَّةً قَيْسَ بْنَ سَعْدٍ وَكَانَ أَكْثَرَ الْقَوْمِ خُرُوجًا إِلَيْهِمُ الأَشْتَرُ، وَكَانَ مُعَاوِيَةُ يُخْرِجُ إِلَيْهِمْ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ خَالِدٍ الْمَخْزُومِيَّ، وأبا الأعور السلمى، ومره حبيب ابن مَسْلَمَةَ الْفِهْرِيَّ، وَمَرَّةً ابْنَ ذِي الْكِلاعِ الْحِمْيَرِيَّ، ومره عبيد الله بن عمر ابن الْخَطَّابِ، وَمَرَّةً شُرَحْبِيلَ بْنَ الْسِمْطِ الْكِنْدِيَّ، وَمَرَّةً حَمْزَةَ بْنَ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيَّ، فَاقْتَتَلُوا مِنْ ذِي الْحَجَّةِ كُلِّهَا، وَرُبَّمَا اقْتَتَلُوا فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ مَرَّتَيْنِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ  قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم الفائشي، قَالَ: حَدَّثَنِي رجل من قومي أن الأَشْتَر خرج يَوْمًا يقاتل بصفين فِي رجال من القراء، ورجال من فرسان العرب، فاشتد قتالهم، فخرج علينا رجل وَاللَّهِ لقلما رأيت رجلا قط هُوَ أطول وَلا أعظم مِنْهُ فدعا إِلَى المبارزة، فلم يخرج إِلَيْهِ أحد إلا الأَشْتَر، فاختلفا ضربتين، فضربه الأَشْتَر، فقتله، وايم اللَّه لقد كنا أشفقنا عَلَيْهِ، وسألناه أَلا يخرج إِلَيْهِ، فلما قتله الأَشْتَر نادى مناد من أَصْحَابه:

يَا سهم سهم ابن أبي العيزار*** يَا خير من نعلمه من زار

وزارة: حي من الأزد، وَقَالَ: أقسم بِاللَّهِ لأقتلن قاتلك أو ليقتلني، فخرج فحمل على الاشتر، وعطف عليه الاشتر فضربه، فإذا هُوَ بين يدي فرسه، وحمل عَلَيْهِ أَصْحَابه فاستنقذوه جريحا، فَقَالَ أَبُو رفيقة الفهمي:
هَذَا كَانَ نارا، فصادف إعصارا، واقتتل الناس ذا الحجه كله، فلما انقضى ذو الحجة تداعى الناس إِلَى أن يكف بعضهم عن بعض المحرم، لعل اللَّه أن يجري صلحا أو اجتماعا، فكف بعضهم عن بعض.

[أخبار متفرقة]
وحج بِالنَّاسِ فِي هَذِهِ السنة عَبْد اللَّهِ بن العباس بن عبد المطلب بأمر علي إِيَّاهُ بِذَلِكَ، كذلك حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْن ثَابِت الرازي، عمن ذكره، عن إسحاق ابن عِيسَى، عن أبي معشر.
وفي هَذِهِ السنة مات قدامة بن مظعون، فِيمَا زعم الْوَاقِدِيّ.