36 هـ
656 م
دخولهم البصره والحرب بينهم وبين عُثْمَان بن حنيف

كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ عَنْ شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قالا: وَمَضَى النَّاسُ حَتَّى إِذَا عَاجُوا عَنِ الطَّرِيقِ وكانوا بفناء البصره،لقيهم عمير …

ابن عَبْدِ اللَّهِ التَّمِيمِيُّ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، أَنْشُدُكِ بِاللَّهِ أَنْ تَقْدَمِي الْيَوْمَ عَلَى قَوْمٍ تُرَاسِلِي مِنْهُمْ أَحَدًا فَيَكْفِيكَهُمْ! فَقَالَتْ: جِئْتَنِي بِالرَّأْيِ، امرؤ صالح، قال: فعجلى ابن عامر فليدخل، فَإِنَّ لَهُ صَنَائِعَ فَلْيَذْهَبْ إِلَى صَنَائِعِهِ فَلْيَلْقَوُا النَّاسَ حَتَّى تَقْدُمِي وَيَسْمَعُوا مَا جِئْتُمْ فِيهِ فَأَرْسَلَتْهُ فَانْدَسَّ إِلَى الْبَصْرَةِ، فَأَتَى الْقَوْمَ وَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى رِجَالٍ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، وَكَتَبَتْ إِلَى الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ وَصَبْرَةَ بْنِ شَيْمَانَ وَأَمْثَالِهِمْ مِنَ الْوُجُوهِ، وَمَضَتْ حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِالْحَفِيرِ انْتَظَرَتِ الْجَوَابَ بِالْخَبَرِ، وَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ أَهْلَ الْبَصْرَةِ دَعَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ- وَكَانَ رَجُلٌ عَامَّةً- وَأَلَزَّهُ بِأَبِي الأَسْوَدِ الدُّؤَلِيِّ- وَكَانَ رَجُلٌ خَاصَّةً- فَقَالَ: انْطَلِقَا إِلَى هَذِهِ الْمَرْأَةِ فَاعْلَمَا علمها وعلم مَنْ مَعَهَا، فَخَرَجَا فَانْتَهَيَا إِلَيْهَا وَإِلَى النَّاسِ وَهُمْ بِالْحَفِيرِ، فَاسْتَأْذَنَا فَأَذِنَتْ لَهُمَا، فَسَلَّمَا وَقَالا: إِنَّ أَمِيرَنَا بَعَثَنَا إِلَيْكِ نَسْأَلُكِ عَنْ مَسِيرِكِ، فَهَلْ أَنْتِ مُخْبِرَتُنَا؟ فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا مِثْلِي يَسِيرُ بِالأَمْرِ الْمَكْتُومِ وَلا يُغَطِّي لِبَنِيهِ الْخَبَرَ إِنَّ الْغَوْغَاءَ مِنْ أَهْلِ الأَمْصَارِ وَنُزَّاعَ الْقَبَائِلِ غَزَوْا حَرَمَ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم وَأَحْدَثُوا فِيهِ الأَحْدَاثَ، وَآوَوْا فِيهِ الْمُحْدِثِينَ، وَاسْتَوْجَبُوا فِيهِ لَعْنَةَ اللَّهِ وَلَعْنَةَ رَسُولِهِ، مَعَ مَا نَالُوا مِنْ قَتْلِ إِمَامِ الْمُسْلِمِينَ بِلا تِرَةٍ وَلا عُذْرٍ، فَاسْتَحَلُّوا الدَّمَ الْحَرَامَ فَسَفَكُوهُ، وَانْتَهَبُوا الْمَالَ الْحَرَامَ، وَأَحَلُّوا الْبَلَدَ الْحَرَامَ، وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَمَزَّقُوا الأَعْرَاضَ وَالْجُلُودَ، وَأَقَامُوا فِي دَارِ قَوْمٍ كَانُوا كَارِهِينَ لِمُقَامِهِمْ ضَارِّينَ مُضِرِّينَ، غَيْرُ نَافِعِينَ وَلا مُتَّقِينَ، لا يَقْدِرُونَ عَلَى امْتِنَاعٍ وَلا يأمنون، فَخَرَجْتُ فِي الْمُسْلِمِينَ أُعْلِمُهُمْ مَا أَتَى هَؤُلاءِ الْقَوْمُ وَمَا فِيهِ النَّاسُ وَرَاءَنَا، وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ أَنْ يَأْتُوا فِي إِصْلاحِ هَذَا وقرأت: {لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ ٱلنَّاسِ} [النساء: 114] نَنْهَضُ فِي الإِصْلاحِ مِمَّنْ أَمَرَ اللَّهُ عَزَّ وجل وامر رسول الله صلى الله عليه وسلم، الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ وَالذَّكَرَ وَالأُنْثَى، فَهَذَا شَأْنُنَا إِلَى مَعْرُوفٍ نَأْمُرُكُمْ بِهِ، وَنَحُضُّكُمْ عَلَيْهِ، وَمُنْكَرٍ نَنْهَاكُمْ عَنْهُ، وَنَحُثُّكُمْ عَلَى تَغْيِيرِهِ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ عن شعيب، عن سيف، عن محمد وطلحة، قَالا:
فَخَرَجَ أَبُو الأَسْوَدِ وَعِمْرَانُ مِنْ عِنْدِهَا فَأَتَيَا طَلْحَةَ فَقَالا: مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ:
الطَّلَبُ بدم عثمان، قَالا: أَلَمْ تُبَايِعْ عَلِيًّا؟ قَالَ: بَلَى، وَاللُّجُّ عَلَى عُنُقِي، وَمَا أَسْتَقِيلُ عَلِيًّا إِنْ هُوَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ، ثُمَّ أَتَيَا الزُّبَيْرَ فَقَالا: مَا أَقْدَمَكَ؟ قَالَ: الطَّلَبُ بدم عثمان، قَالا: أَلَمْ تُبَايِعْ عَلِيًّا؟ قَالَ: بَلَى، وَاللُّجُّ عَلَى عُنُقِي، وَمَا أَسْتَقِيلُ عَلِيًّا إِنْ هُوَ لَمْ يَحُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَتَلَةِ عُثْمَانَ فَرَجَعَا إِلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فَوَدَّعَاهَا فَوَدَّعَتْ عِمْرَانَ، وَقَالَتْ: يَا أَبَا الأَسْوَدِ إِيَّاكَ أَنْ يَقُودَكَ الْهَوَى إِلَى النَّارِ، {كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَآءَ بِٱلْقِسْطِ} [المائدة: 8] الآيَةَ فَسَرَّحَتْهُمَا، وَنَادَى مُنَادِيهَا بِالرَّحِيلِ، وَمَضَى الرَّجُلانِ حَتَّى دَخَلا عَلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، فَبَدَرَ ابو الأسود عمران فقال:

يا بن حُنَيْفٍ قَدْ أَتَيْتَ فَانْفِرْ *** وَطَاعِنِ الْقَوْمَ وَجَالِدْ وَاصْبِرْ
وَابْرُزْ لَهُمْ مُسْتَلْئِمًا وَشَمِّرْ.

فَقَالَ عُثْمَانُ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! دَارَتْ رَحَا الإِسْلامُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَانْظُرُوا بِأَيِّ زَيَفَانَ تَزِيفُ! فَقَالَ عِمْرَانُ: إِي وَاللَّهِ لَتَعْرُكَنَّكُمْ عَرْكًا طَوِيلا ثُمَّ لا يُسَاوِي مَا بَقِيَ مِنْكُمْ كَثِيرَ شَيْءٍ، قَالَ: فَأَشِرْ عَلَيَّ يَا عِمْرَانُ، قَالَ: إِنِّي قَاعِدٌ فَاقْعُدْ، فَقَالَ عُثْمَانُ: بَلْ أَمْنَعُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيٌّ، قَالَ عِمْرَان: بَلْ يَحْكُمُ اللَّهُ مَا يُرِيدُ، فَانْصَرَفَ إِلَى بَيْتِهِ، وَقَامَ عُثْمَانُ فِي أَمْرِهِ، فَأَتَاهُ هِشَامُ بْنُ عَامِرٍ فَقَالَ: يَا عُثْمَانُ، إِنَّ هَذَا الأَمْرَ الَّذِي تَرُومُ يُسْلِمُ إِلَى شَرٍّ مِمَّا تَكْرَهُ، إِنَّ هَذَا فَتْقٌ لا يُرْتَقُ، وَصَدْعٌ لا يُجْبَرُ، فَسَامِحْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ عَلِيٍّ ولاتحادهم، فَأَبَى وَنَادَى عُثْمَانُ فِي النَّاسِ وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ، وَلَبِسُوا السِّلاحَ، وَاجْتَمَعُوا إِلَى الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ، وَأَقْبَلَ عُثْمَانُ عَلَى الْكَيْدِ فَكَادَ النَّاسَ لِيَنْظُرَ مَا عِنْدَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِالتَّهَيُّؤِ، وَأَمَرَ رَجُلا وَدَسَّهُ إِلَى الناس خدعا كوفيا قيسيا، فقام فقال: يا ايها الناس، انا قيس بن الْعُقْدِيَّةِ الْحُمَيْسِيُّ، إِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ جَاءُوكُمْ إِنْ كَانُوا جَاءُوكُمْ خَائِفِينَ فَقَدْ جَاءُوا مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي يَأْمَنُ فِيهِ الطَّيْرُ، وَإِنْ كَانُوا جَاءُوا يَطْلُبُونَ بِدَمِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَمَا نَحْنُ بِقَتَلَةِ عُثْمَانَ أَطِيعُونِي فِي هَؤُلاءِ الْقَوْمِ فَرُدُّوهُمْ مِنْ حَيْثُ جَاءُوا فَقَامَ الأَسْوَدُ ابن سريع السعدي، فقال: او زعموا أَنَّا قَتَلَةُ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ! فَإِنَّمَا فَزِعُوا إِلَيْنَا يَسْتَعِينُونَ بِنَا عَلَى قَتَلَةِ عُثْمَانَ مِنَّا وَمِنْ غَيْرِنَا، فَإِنْ كَانَ الْقَوْمُ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ كَمَا زَعَمْتَ، فَمَنْ يَمْنَعُهُمْ مِنْ إِخْرَاجِهِمُ الرِّجَالَ أَوِ الْبُلْدَانَ! فَحَصَبَهُ النَّاسُ، فَعَرَفَ عُثْمَانُ أَنَّ لَهُمْ بِالْبَصْرَةِ نَاصِرًا مِمَّنْ يَقُومُ مَعَهُمْ، فَكَسَرَهُ ذَلِكَ وَأَقْبَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيمَنْ مَعَهَا، حَتَّى إِذَا انْتَهَوْا إِلَى الْمِرْبَدِ وَدَخَلُوا مِنْ أَعْلاهُ أَمْسَكُوا وَوَقَفُوا حَتَّى خَرَجَ عُثْمَانُ فِيمَنْ مَعَهُ، وَخَرَجَ إِلَيْهَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ إِلَيْهَا وَيَكُونَ مَعَهَا، فَاجْتَمَعُوا بِالْمِرْبَدِ وَجَعَلُوا يَثُوبُونَ حَتَّى غَصَّ بِالنَّاسِ.
فَتَكَلَّمَ طَلْحَةُ وَهُوَ فِي مَيْمَنَةِ الْمِرْبَدِ وَمَعَهُ الزُّبَيْرُ وَعُثْمَانُ فِي مَيْسَرَتِهِ، فَأَنْصَتُوا لَهُ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، وَذَكَرَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفَضْلَهُ وَالْبَلَدَ وَمَا اسْتُحِلَّ مِنْهُ، وَعَظَّمَ مَا أُتِيَ إِلَيْهِ، وَدَعَا إِلَى الطَّلَبِ بِدَمِهِ، وَقَالَ: إِنَّ فِي ذَلِكَ إِعْزَازَ دِينِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَسُلْطَانِهِ، وَأَمَّا الطَّلَبُ بِدَمِ الْخَلِيفَةِ الْمَظُلُومِ فَإِنَّهُ حَدٌّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ، وَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ أَصَبْتُمْ وَعَادَ أَمْرُكُمْ إِلَيْكُمْ، وَإِنْ تَرَكْتُمْ لَمْ يَقُمْ لَكُمْ سُلْطَانٌ، وَلَمْ يَكُنْ لَكُمْ نِظَامٌ.
فَتَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ بِمِثْلِ ذَلِكَ فَقَالَ مَنْ فِي مَيْمَنَةِ الْمِرْبَدِ: صَدَقَا وَبَرَّا، وَقَالا الْحَقَّ، وَأَمَرَا بِالْحَقِّ وَقَالَ مَنْ فِي مَيْسَرَتِهِ: فَجَرَا وَغَدَرَا، وَقَالا الْبَاطِلَ، وَأَمَرَا بِهِ، قَدْ بَايَعَا ثُمَّ جَاءَا يَقُولانِ مَا يَقُولانِ! وَتَحَاثَى النَّاسُ وَتَحَاصَبُوا وَأَرْهَجُوا فَتَكَلَّمَتْ عَائِشَةُ- وَكَانَتْ جَهْوَرِيَّةً يَعْلُو صَوْتُهَا كَثْرَةً كَأَنَّهُ صَوْتُ امْرَأَةٍ جَلِيلَةٍ- فَحَمِدَتِ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ، وَقَالَتْ: كَانَ النَّاسُ يَتَجَنَّوْنَ عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَيَزْرُونَ عَلَى عُمَّالِهِ وَيَأْتُونَنَا بِالْمَدِينَةِ فَيَسْتَشِيرُونَنَا فِيمَا يُخْبِرُونَنَا عَنْهُمْ، وَيَرَوْنَ حُسْنًا مِنْ كَلامِنَا فِي صَلاحِ بَيْنِهِمْ، فَنَنْظُرُ فِي ذَلِكَ فَنَجِدُهُ بَرِيًّا تَقِيًّا وَفِيًّا وَنَجِدُهُمْ فَجَرَةً كَذَبَةً يُحَاوِلُونَ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ فَلَمَّا قَوَوْا عَلَى الْمُكَاثَرَةِ كَاثَرُوهُ فَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِ دَارَهُ، وَاسْتَحَلُّوا الدَّمَ الْحَرَامَ، وَالْمَالَ الْحَرَامَ، وَالْبَلَدَ الْحَرَامَ، بِلا تِرَةٍ وَلا عُذْرٍ، أَلا إِنَّ مِمَّا يَنْبَغِي لا يَنْبَغِي لَكُمْ غَيْرُهُ، أَخْذُ قَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِقَامَةُ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [آل عمران:23].
فافترق اصحاب عثمان ابن حُنَيْفٍ فِرْقَتَيْنِ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: صَدَقَتْ وَاللَّهِ وَبَرَّتْ، وَجَاءَتْ وَاللَّهِ بِالْمَعْرُوفِ، وَقَالَ الآخَرُونَ: كَذَبْتُمْ وَاللَّهِ مَا نَعْرِفُ مَا تَقُولُونَ، فَتَحَاثَوْا وَتَحَاصَبُوا وَأَرْهَجُوا، فَلَمَّا رَأَتْ ذَلِكَ عَائِشَةُ انْحَدَرَتْ وَانْحَدَرَ أَهْلُ الْمَيْمَنَةِ مُفَارِقِينَ لِعُثْمَانَ حَتَّى وَقَفُوا فِي الْمِرْبَدِ فِي مَوْضِعِ الدَّبَّاغِينَ، وَبَقِيَ أَصْحَابُ عُثْمَانَ عَلَى حَالِهِمْ يَتَدَافَعُونَ حَتَّى تَحَاجَزُوا، وَمَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى عَائِشَةَ، وَبَقِيَ بَعْضُهُمْ مَعَ عُثْمَانَ عَلَى فَمِ السكة واتى عثمان ابن حُنَيْفٍ فِيمَنْ مَعَهُ، حَتَّى إِذَا كَانُوا عَلَى فَمِ السِّكَّةِ، سِكَّةِ الْمَسْجِدِ عَنْ يَمِينِ الدَّبَّاغِينَ اسْتَقْبَلُوا النَّاسَ فَأَخَذُوا عَلَيْهِمْ بِفَمِهَا.
وَفِيمَا ذَكَرَ نَصْرُ بْنُ مُزَاحِمٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ سَهْلِ بن يوسف، عن القاسم ابن مُحَمَّدٍ، قَالَ: وَأَقْبَلَ جَارِيَةُ بْنُ قُدَامَةَ السَّعْدِيُّ، فَقَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، وَاللَّهِ لَقَتْلُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَهْوَنُ مِنْ خُرُوجِكِ مِنْ بَيْتِكِ عَلَى هَذَا الْجَمَلِ الْمَلْعُونِ عُرْضَةً لِلسِّلاحِ! إِنَّهُ قَدْ كَانَ لَكِ مِنَ اللَّهِ سِتْرٌ وَحُرْمَةٌ، فَهَتَكْتِ سِتْرَكِ وَأَبَحْتِ حُرْمَتَكِ، إِنَّهُ مَنْ رَأَى قتالك فانه يرى قتلك، وان كُنْتِ أَتَيْتِنَا طَائِعَةً فَارْجِعِي إِلَى مَنْزِلِكِ، وَإِنْ كُنْتِ أَتَيْتِنَا مُسْتَكْرَهَةً فَاسْتَعِينِي بِالنَّاسِ قَالَ: فَخَرَجَ غُلامٌ شَابٌّ مِنْ بَنِي سَعْدٍ إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَقَالَ: أَمَّا أَنْتَ يَا زُبَيْرُ فَحَوَارِيُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وَأَمَّا أَنْتَ يَا طَلْحَةُ فَوَقَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدِكَ، وَأَرَى أُمَّكُمَا مَعَكُمَا فَهَلْ جِئْتُمَا بِنِسَائِكُمَا؟ قَالا: لا، قَالَ: فَمَا أَنَا مِنْكُمَا فِي شَيْءٍ، وَاعْتَزَلَ وَقَالَ السَّعْدِيُّ فِي ذَلِكَ:

صُنْتُمْ حَلائِلَكُمْ وَقُدْتُمْ أُمَّكُمْ *** هَذَا لَعْمَرُكَ قِلَّةُ الإِنْصَافِ
أُمِرَتْ بِجَرِّ ذُيُولِهَا فِي بَيْتِهَا *** فَهَوَتْ تَشُقُّ الْبِيدَ بِالإِيجَافِ
غَرَضًا يُقَاتِلُ دُونَهَا أَبْنَاؤُهَا *** بِالنَّبْلِ وَالْخَطِّيِّ وَالأَسْيَافِ
هَتَكَتْ بِطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ سُتُورَهَا *** هَذَا الْمُخَبِّرُ عَنْهُمُ وَالْكَافِي

وَأَقْبَلَ غُلامٌ مِنْ جُهَيْنَةَ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ طَلْحَةَ- وَكَانَ مُحَمَّدٌ رَجُلا عَابِدًا- فَقَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ! فَقَالَ: نَعَمْ، دَمُ عُثْمَانَ ثَلاثَةُ أَثْلاثٍ، ثُلُثٌ عَلَى صَاحِبَةِ الْهَوْدَجِ- يَعْنِي عَائِشَةَ- وَثُلُثٌ عَلَى صَاحِبِ الْجَمَلِ الأَحْمَرِ- يَعْنِي طَلْحَةَ- وَثُلُثٌ عَلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَضَحِكَ الْغُلامُ وَقَالَ: أَلا أُرَانِي عَلَى ضَلالٍ! وَلَحِقَ بِعَلِيٍّ، وَقَالَ فِي ذَلِكَ شِعْرًا:

سَأَلْتُ ابْنَ طَلْحَةَ عَنْ هَالِكٍ *** بِجَوْفِ الْمَدِينَةِ لَمْ يُقْبَرِ
فَقَالَ ثَلاثَةُ رَهْطٍ هُمُ *** أَمَاتُوا ابْنَ عَفَّانَ وَاسْتَعْبِرِ
فَثُلْثٌ عَلَى تِلَكَ فِي خِدْرِهَا *** وَثُلْثٌ عَلَى رَاكِبِ الأَحْمَرِ
وَثُلْثٌ عَلَى ابْنِ أَبِي طَالِبٍ ***وَنَحْنُ بَدَوِّيَّةِ قَرْقَرِ

فَقُلْتُ صَدَقْتَ عَلَى الأَوَّلَيْنِ *** وَأَخْطَأْتَ فِي الثَّالِثِ الأَزْهَرِ

رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ سَيْفٍ عَنْ مُحَمَّدِ وَطَلْحَةَ قَالَ: فَخَرَجَ أَبُو الأَسْوَدِ وَعِمْرَانُ وَأَقْبَلَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ، وَقَدْ خَرَجَ وَهُوَ عَلَى الْخَيْلِ، فَأَنْشَبَ الْقِتَالَ، وَأَشْرَعَ أَصْحَابُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا رِمَاحَهُمْ وَأَمْسَكُوا لِيُمْسِكُوا فَلَمْ يَنْتَهِ وَلَمْ يُثْنِ، فَقَاتَلَهُمْ وَأَصْحَابُ عَائِشَةَ كَافُّونَ إِلا مَا دَافَعُوا عَنْ أَنْفُسِهِمْ، وَحَكِيمٌ يُذَمِّرُ خَيْلَهُ وَيَرْكَبُهُمْ بِهَا، وَيَقُولُ: إِنَّهَا قُرَيْشٌ لَيُرْدِينَّهَا جُبْنُهَا وَالطَّيْشُ، وَاقْتَتَلُوا عَلَى فَمِ السِّكَّةِ، واشرف أَهْلِ الدُّورِ مِمَّنْ كَانَ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ هَوًى، فَرَمَوْا بَاقِيَ الآخَرِينَ بِالْحِجَارَةِ، وَأَمَرَتْ عَائِشَةُ أَصْحَابَهَا فَتَيَامَنُوا حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى مَقْبُرَةِ بَنِي مَازِنٍ، فَوَقَفُوا بِهَا مَلِيًّا، وَثَارَ إِلَيْهِمُ النَّاسُ، فَحَجَزَ اللَّيْلُ بَيْنَهُمْ فَرَجَعَ عُثْمَانُ إِلَى الْقَصْرِ، وَرَجَعَ النَّاسُ إِلَى قَبَائِلِهِمْ، وَجَاءَ أَبُو الْجَرْبَاءِ، أَحَدُ بَنِي عُثْمَانَ بْنِ مَالِكِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ إِلَى عَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَأَشَارَ عَلَيْهِمْ بِأَمْثَلَ مِنْ مَكَانِهِمْ فَاسْتَنْصَحُوهُ وَتَابَعُوا رَأْيَهُ، فَسَارُوا مِنْ مَقْبُرَةِ بَنِي مَازِنٍ فَأَخَذُوا عَلَى مُسَنَّاةِ الْبَصْرَةِ مِنْ قِبَلِ الْجَبَّانَةِ حَتَّى انْتَهَوْا إِلَى الزَّابُوقَةِ، ثُمَّ أَتَوْا مَقْبُرَةَ بَنِي حِصْنٍ وَهِيَ مُتَنَحِّيَةٌ إِلَى دَارِ الرِّزْقِ، فَبَاتُوا يَتَأَهَّبُونَ، وَبَاتَ النَّاسُ يَسِيرُونَ إِلَيْهِمْ، وَأَصْبَحُوا وهم على رجل في ساحه دار الرق، وَأَصْبَحَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فَغَادَاهُمْ، وَغَدَا حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ وَهُوَ يُبَرْبِرُ وَفِي يَدِهِ الرُّمْحُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ: مَنْ هَذَا الَّذِي تَسُبُّ وَتَقُولُ لَهُ مَا أَسْمَعُ؟ قال: عائشة، قال: يا بن الْخَبِيثَةِ، أَلأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ هَذَا! فَوَضَعَ حَكِيمٌ السِّنَانَ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ فَقَتَلَهُ ثُمَّ مَرَّ بِامْرَأَةٍ وَهُوَ يَسُبُّهَا- يَعْنِي عَائِشَةَ- فَقَالَتْ: مَنْ هَذَا الَّذِي أَلْجَأَكَ إِلَى هَذَا؟
قَالَ: عَائِشَةُ، قَالَتْ: يا بن الْخَبِيثَةِ، أَلأُمِّ الْمُؤْمِنِينَ تَقُولُ هَذَا! فَطَعَنَهَا بَيْنَ ثَدْيَيْهَا فَقَتَلَهَا ثُمَّ سَارَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا وَاقَفُوهُمْ، فَاقْتَتَلُوا بِدَارِ الرِّزْقِ قِتَالا شَدِيدًا مِنْ حِينِ بَزَغَتِ الشَّمْسُ إِلَى أَنْ زَالَ النَّهَارُ وَقَدْ كَثُرَ الْقَتْلَى فِي أَصْحَابِ ابْنِ حُنَيْفٍ وَفَشَتِ الْجِرَاحَةُ فِي الْفَرِيقَيْنِ، وَمُنَادِي عَائِشَةَ يُنَاشِدُهُمْ وَيَدْعُوهُمْ إِلَى الْكَفِّ فَيَأْبَوْنَ، حَتَّى إِذَا مَسَّهُمُ الشَّرُّ وَعَضَّهُمْ نَادَوْا أَصْحَابَ عَائِشَةَ إِلَى الصُّلْحِ وَالْمَتَاتِ فَأَجَابُوهُمْ وَتَوَاعَدُوا، وَكَتَبُوا بَيْنَهُمْ كِتَابًا عَلَى أَنْ يَبْعَثُوا رَسُولا إِلَى الْمَدِينَةِ، وَحَتَّى يَرْجِعَ الرَّسُولُ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَإِنْ كَانَا أُكْرِهَا خَرَجَ عُثْمَانُ عَنْهُمَا وَأَخْلَى لَهُمَا الْبَصْرَةَ، وَإِنْ لَمْ يَكُونَا أُكْرِهَا خَرَجَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَعُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ.
إِنَّ عُثْمَانَ يُقِيمُ حَيْثُ أَدْرَكَهُ الصُّلْحُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ، وَإِنَّ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ يُقِيمَانِ حَيْثُ أَدْرَكَهُمَا الصُّلْحُ عَلَى مَا فِي أَيْدِيهِمَا، حَتَّى يَرْجِعَ أَمِينُ الْفَرِيقَيْنِ وَرَسُولُهُمْ كَعْبُ بْنُ سُورٍ مِنَ الْمَدِينَةِ وَلا يُضَارُّ وَاحِدٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الآخَرَ فِي مَسْجِدٍ وَلا سُوقٍ وَلا طَرِيقٍ وَلا فُرْضَةٍ، بَيْنَهُمْ عَيْبَةٍ مَفْتُوحَةٍ حَتَّى يَرْجِعَ كَعْبٌ بِالْخَبَرِ، فَإِنْ رَجَعَ بِأَنَّ الْقَوْمَ أَكْرَهُوا طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ فَالأَمْرُ أَمْرُهُمَا، وَإِنْ شَاءَ عُثْمَانُ خَرَجَ حَتَّى يَلْحَقَ بِطِيَّتِهِ، وَإِنْ شَاءَ دَخَلَ مَعَهُمَا، وَإِنْ رَجَعَ بِأَنَّهُمَا لَمْ يُكْرَهَا فَالأَمْرُ أَمْرُ عُثْمَانَ، فَإِنْ شَاءَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ أَقَامَا عَلَى طَاعَةِ عَلِيٍّ وَإِنْ شَاءَا خَرَجَا حَتَّى يَلْحَقَا بِطِيَّتِهِمَا، وَالْمُؤْمِنُونَ أَعْوَانُ الْفَالِحِ مِنْهُمَا.
فَخَرَجَ كَعْبٌ حَتَّى يَقْدَمَ الْمَدِينَةَ، فَاجْتَمَعَ النَّاسُ لِقُدُومِهِ، وَكَانَ قُدُومُهُ يَوْمَ جُمُعَةٍ، فَقَامَ كَعْبٌ فَقَالَ: يَا أَهْلَ الْمَدِينَةِ، إِنِّي رَسُولُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ إِلَيْكُمْ، أَأَكْرَهَ هَؤُلاءِ الْقَوْمُ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ عَلَى بَيْعَةِ عَلِيٍّ، أَمْ أَتَيَاهَا طَائِعَيْنِ؟ فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنَ الْقَوْمِ إِلا مَا كَانَ مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، فَإِنَّهُ قَامَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا لَمْ يُبَايِعَا إِلا وَهُمَا كَارِهَانِ فَأَمَرَ بِهِ تَمَّامٌ، فَوَاثَبَهُ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ وَالنَّاسُ، وَثَارَ صُهَيْبُ بْنُ سِنَانٍ وَأَبُو أَيُّوبَ بْنُ زَيْدٍ، فِي عِدَّةٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الهه عليه وسلم، فِيهِمْ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حِينَ خَافُوا أَنْ يُقْتَلَ أُسَامَةُ، فَقَالَ:
اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَانْفَرِجُوا عَنِ الرَّجُلِ، فَانْفَرَجُوا عَنْهُ، وَأَخَذَ صُهَيْبٌ بِيَدِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ فَأَدْخَلَهُ مَنْزِلَهُ، وَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ أُمَّ عَامِرٍ حَامِقَةٌ، أَمَا وَسِعَكَ مَا وَسِعَنَا مِنَ السُّكُوتِ! قَالَ: لا وَاللَّهِ، مَا كُنْتُ أَرَى أَنَّ الأَمْرَ يَتَرَامَى إِلَى ما رايت، وقد ابسلنا لعظيم فَرَجَعَ كَعْبٌ وَقَدِ اعْتَدَّ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ بِأَشْيَاءَ كُلِّهَا كَانَتْ مِمَّا يُعْتَدُّ بِهِ، مِنْهَا أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ- وَكَانَ صَاحِبَ صَلاةٍ- قَامَ مُقَامًا قَرِيبًا مِنْ عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، فَخَشِيَ بَعْضَ الزُّطِّ وَالسَّيَابِجَةِ أَنْ يَكُونَ جَاءَ لِغَيْرِ مَا جَاءَ لَهُ، فَنَحَّيَاهُ، فَبَعَثَا إِلَى عُثْمَانَ، هَذِهِ وَاحِدَةٌ.
وَبَلَغَ عَلِيًّا الْخَبَرُ الَّذِي كَانَ بِالْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ، فَبَادَرَ بِالْكِتَابِ إِلَى عُثْمَانَ يُعْجِزُهُ وَيَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أُكْرِهَا إِلا كَرْهًا عَلَى فُرْقَةٍ، وَلَقَدْ أُكْرِهَا عَلَى جَمَاعَةٍ وَفَضْلٍ، فَإِنْ كَانَا يُرِيدَانِ الْخَلْعَ فَلا عُذْرَ لَهُمَا، وَإِنْ كَانَا يُرِيدَانِ غَيْرَ ذَلِكَ نَظَرْنَا وَنَظَرَا فَقَدِمَ الْكِتَابُ عَلَى عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ، وَقَدِمَ كَعْبٌ فَأَرْسَلُوا إِلَى عُثْمَانَ أَنِ اخْرُجْ عَنَّا، فَاحْتَجَّ عُثْمَانُ بِالْكِتَابِ وَقَالَ: هَذَا أَمْرٌ آخَرُ غَيْرُ مَا كُنَّا فِيهِ، فَجَمَعَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ الرِّجَالَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ بَارِدَةٍ ذَاتِ رِيَاحٍ وَنَدًى، ثُمَّ قَصَدَا الْمَسْجِدَ فَوَافَقَا صَلاةَ الْعِشَاءِ- وَكَانُوا يُؤَخِّرُونَهَا- فَأَبْطَأَ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ فَقَدَّمَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَتَّابٍ، فَشَهَرَ الزُّطُّ وَالسَّيَابِجَةُ السِّلاحَ ثُمَّ وَضَعُوهُ فِيهِمْ، فَأَقْبَلُوا عَلَيْهِمْ فَاقْتَتَلُوا فِي الْمَسْجِدِ وَصَبَرُوا لَهُمْ، فَأَنَامُوهُمْ وَهُمْ أَرْبَعُونَ، وَأَدْخَلُوا الرِّجَالَ عَلَى عُثْمَانَ ليخرجوه إليهما، فلما وصل إليهما توطؤوه وَمَا بَقِيتَ فِي وَجْهِهِ شَعْرَةٌ، فَاسْتَعْظَمَا ذَلِكَ، وَأَرْسَلا إِلَى عَائِشَةَ بِالَّذِي كَانَ، وَاسْتَطْلَعَا رَأْيَهَا، فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِمَا أَنْ خَلُّوا سَبِيلَهُ فَلْيَذْهَبْ حَيْثُ شَاءَ وَلا تَحْبِسُوهُ، فَأَخْرَجُوا الْحَرَسَ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ عُثْمَانَ فِي الْقَصْرِ وَدَخَلُوهُ، وَقَدْ كَانُوا يَعْتَقِبُونَ حَرَسَ عُثْمَانَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَفِي كُلِّ لَيْلَةٍ أَرْبَعُونَ، فَصَلَّى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَتَّابٍ بِالنَّاسِ الْعِشَاءَ وَالْفَجْرَ، وَكَانَ الرَّسُولُ فِيمَا بَيْنَ عَائِشَةَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ هُوَ، أَتَاهَا بِالْخَبَرِ، وَهُوَ رَجَعَ إِلَيْهِمَا بِالْجَوَابِ، فَكَانَ رَسُولَ الْقَوْمِ.
حدثنا عمر بن شبة، قال: حدثنا أبو الْحَسَنِ عَنْ أَبِي مِخْنَفٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: لَمَّا أَخَذُوا عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ أَرْسَلُوا أَبَانَ بْنَ عُثْمَانَ إِلَى عَائِشَةَ يَسْتَشِيرُونَهَا فِي أَمْرِهِ، قَالَتِ: اقْتُلُوهُ، فَقَالَتْ لَهَا امْرَأَةٌ: نَشَدْتُكِ بِاللَّهِ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ فِي عُثْمَانَ وَصُحْبَتِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَالَتْ: رُدُّوا أَبَانًا، فَرَدُّوهُ، فَقَالَتِ: احْبِسُوهُ وَلا تَقْتُلُوهُ، قَالَ:
لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكِ تَدْعِينَنِي لِهَذَا لَمْ أَرْجِعْ، فَقَالَ لَهُمْ مُجَاشِعُ بْنُ مَسْعُودٍ: اضْرُبُوهُ وَانْتِفُوا شَعْرَ لِحْيَتِهِ، فَضَرَبُوهُ أَرْبَعِينَ سَوْطًا، وَنَتَفُوا شَعْرَ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَحَاجِبَيْهِ وَأَشْفَارِ عَيْنَيْهِ وَحَبَسُوهُ.
حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ زُهَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي وَهْبُ بْنُ جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ يَزِيدَ الأَيْلِيَّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ:
بَلَغَنِي أَنَّهُ لَمَّا بَلَغَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ مَنْزِلَ عَلِيٍّ بِذِي قَارٍ انْصَرَفُوا إِلَى الْبَصْرَةِ، فَأَخَذُوا عَلَى الْمُنْكَدِرِ، فَسَمِعَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا نُبَاحَ الْكِلابِ، فَقَالَتْ: أَيُّ مَاءٍ هَذَا؟ فَقَالُوا: الحَوْأَبُ، فَقَالَتْ: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ! إِنِّي لهيه، قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ وَعِنْدَهُ نِسَاؤُهُ: «لَيْتَ شِعْرِي أَيَّتُكُنَّ تَنْبَحُهَا كِلابُ الْحَوْأَبِ!» فَأَرَادَتِ الرُّجُوعَ، فَأَتَاهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَزُعِمَ أَنَّهُ قَالَ: كَذَبَ مَنْ قَالَ إِنَّ هَذَا الْحَوْأَبُ وَلَمْ يَزَلْ حَتَّى مَضَتْ، فَقَدِمُوا الْبَصْرَةَ وَعَلَيْهَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، فَقَالَ لَهُمْ عُثْمَانُ: مَا نَقِمْتُمْ عَلَى صَاحِبِكُمْ؟ فَقَالُوا: لَمْ نَرَهُ أَوْلَى بِهَا مِنَّا، وَقَدْ صَنَعَ مَا صَنَعَ، قَالَ: فَإِنَّ الرَّجُلَ أَمَرَنِي فَأَكْتُبُ إِلَيْهِ فَأُعْلِمُهُ مَا جِئْتُمْ لَهُ، عَلَى أَنْ أُصَلِّيَ بِالنَّاسِ حَتَّى يَأْتِيَنَا كِتَابُهُ، فَوَقَفُوا عَلَيْهِ وَكَتَبَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلا يَوْمَيْنِ حَتَّى وَثَبُوا عَلَيْهِ فَقَاتَلُوهُ بِالزَّابُوقَةِ عِنْدَ مَدِينَةِ الرِّزْقِ، فَظَهَرُوا، وَأَخَذُوا عُثْمَانَ فَأَرَادُوا قَتْلَهُ، ثُمَّ خَشُوا غَضَبَ الأَنْصَارِ، فَنَالُوهُ فِي شَعْرِهِ وَجَسَدِهِ فَقَامَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ خَطِيبَيْنِ فَقَالا: يَا أَهْلَ الْبَصْرَةِ، تَوْبَةٌ بِحَوْبَةٍ، إِنَّما أَرَدْنَا أَنْ يَسْتَعْتِبَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ وَلَمْ نُرِدْ قَتْلَهُ، فَغَلَبَ سُفَهَاءُ النَّاسِ الْحُلَمَاءَ حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ النَّاسُ لِطَلْحَةَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَدْ كَانَتْ كُتُبُكَ تَأْتِينَا بِغَيْرِ هَذَا، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: فَهَلْ جَاءَكُمْ مِنِّي كِتَابٌ فِي شَأْنِهِ؟ ثُمَّ ذَكَرَ قَتْلَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَا أَتَى إِلَيْهِ، وَأَظْهَرَ عَيْبَ عَلِيٍّ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ فَقَالَ: أَيُّهَا الرَّجُلُ، أَنْصِتْ حَتَّى نَتَكَلَّمَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ:
وَمَا لَكَ وَلِلْكَلامِ! فَقَالَ الْعَبْدِيُّ: يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ، أَنْتُمْ أول من أجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَكَانَ لَكُمْ بِذَلِكَ فَضْلٌ، ثُمَّ دَخَلَ النَّاسُ فِي الإِسْلامِ كَمَا دَخَلْتُمْ، فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم بَايَعْتُمْ رَجُلا مِنْكُمْ، وَاللَّهِ مَا اسْتَأْمَرْتُمُونَا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ فَرَضِينَا وَاتَّبَعْنَاكُمْ، فَجَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِلْمُسْلِمِينَ فِي إِمَارَتِهِ بَرَكَةً، ثُمَّ مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْكُمْ رَجُلا مِنْكُمْ، فَلَمْ تُشَاوِرُونَا فِي ذَلِكَ، فَرَضِينَا وَسَلَّمْنَا، فَلَمَّا تُوُفِّيَ الأَمِيرُ جُعِلَ الأَمْرُ إِلَى سِتَّةِ نَفَرٍ، فَاخْتَرْتُمْ عُثْمَانَ وَبَايَعْتُمُوهُ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، ثُمَّ أَنْكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ الرَّجُلِ شَيْئًا، فَقَتَلْتُمُوهُ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، ثُمَّ بَايَعْتُمْ عَلِيًّا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَّا، فَمَا الَّذِي نَقِمْتُمْ عَلَيْهِ فَنُقَاتِلُهُ؟ هَلِ اسْتَأْثَرَ بِفَيْءٍ، أَوْ عَمِلَ بِغَيْرِ الْحَقِّ؟ أَوْ عَمِلَ شَيْئًا تُنْكِرُونَهُ فَنَكُونُ مَعَكُمْ عَلَيْهِ! وَإِلا فَمَا هَذَا! فَهَمُّوا بِقَتْلِ ذَلِكَ الرَّجُلِ، فَقَامَ مِنْ دُونِهِ عَشِيرَتُهُ، فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ وَثَبُوا عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ كَانَ مَعَهُ، فَقَتَلُوا سَبْعِينَ رَجُلا.
رَجَعَ الْحَدِيثُ إِلَى حَدِيثِ سَيْفٍ، عَنْ مُحَمَّدِ وَطَلْحَةَ
قَالا: فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَبَيْتُ الْمَالِ وَالْحَرَسُ فِي أَيْدِيهِمَا، وَالنَّاسُ مَعَهُمَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُمَا مَغْمُورٌ مُسْتَسِرٌّ، وَبَعَثَا حِينَ أَصْبَحَا بِأَنَّ حَكِيمًا فِي الْجَمْعِ، فَبَعَثَتْ:
لا تَحْبِسَا عُثْمَانَ وَدَعَاهُ فَفَعَلا، فَخَرَجَ عُثْمَانُ فَمَضَى لِطَلَبَتِهِ، وَأَصْبَحَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ فِي خَيْلِهِ عَلَى رَجُلٍ فِيمَنْ تَبِعَهُ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَمَنْ نَزَعَ إِلَيْهِمْ مِنْ أَفْنَاءِ رَبِيعَةَ، ثُمَّ وَجَّهُوا نَحْوَ دَارِ الرِّزْقِ وَهُوَ يَقُولُ: لَسْتُ بِأَخِيهِ إِنْ لَمْ أَنْصُرْهُ، وَجَعَلَ يَشْتِمُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَسَمِعَتْهُ امْرَأَةٌ مِنْ قومه فقالت: يا بن الْخَبِيثَةِ، أَنْتَ أَوْلَى بِذَلِكَ! فَطَعَنَهَا فَقَتَلَهَا، فَغَضِبَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ إِلا مَنْ كَانَ اغْتَمَرَ مِنْهُمْ، فَقَالُوا: فَعَلْتَ بِالأَمْسِ وَعُدْتَ لِمِثْلِ ذَلِكَ الْيَوْمِ! وَاللَّهِ لَنَدَعَنَّكَ حَتَّى يُقِيدَكَ اللَّهُ فَرَجَعُوا وَتَرَكُوهُ، وَمَضَى حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ فِيمَنْ غَزَا مَعَهُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَحَصَرَهُ مِنْ نُزَّاعِ الْقَبَائِلِ كُلِّهَا، وَعَرَفُوا أَنْ لا مُقَامَ لَهُمْ بِالْبَصْرَةِ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ، فَانْتَهَى بِهِمْ إِلَى الزَّابُوقَةِ عِنْدَ دَارِ الرِّزْقِ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: لا تَقْتُلُوا إِلا مَنْ قَاتَلَكُمْ، وَنَادَوْا مَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلْيَكَفُفْ عَنَّا، فَإِنَّا لا نُرِيدُ إِلا قَتَلَةَ عُثْمَانَ وَلا نَبْدَأُ أَحَدًا، فَأَنْشَبَ حَكِيمٌ الْقِتَالَ وَلَمْ يَرْعَ لِلْمُنَادِي، فَقَالَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَمَعَ لَنَا ثَأْرَنَا مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ، اللَّهُمَّ لا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا، وَأَقِدْ مِنْهُمُ الْيَوْمَ فَاقْتُلْهُمْ فَجَادُّوهُمُ الْقِتَالَ فَاقْتَتَلُوا أَشَدَّ قِتَالٍ وَمَعَهُ أَرْبَعَةُ قُوَّادٍ، فَكَانَ حَكِيمٌ بِحِيَالِ طلحه، وذريج بِحِيَالِ الزُّبَيْرِ، وَابْنُ الْمُحَرِّشِ بِحِيَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَتَّابٍ، وَحُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ بِحِيَالِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، فَزَحَفَ طَلْحَةُ لحكيم وهو في ثلاثمائة رَجُلٍ، وَجَعَلَ حَكِيمٌ يَضْرِبُ بِالسَّيْفِ وَيَقُولُ:

اضْرِبْهُمْ بِالْيَابِسْ *** ضَرْبَ غُلامٍ عَابِسْ
مِنَ الْحَيَاةِ آيِسْ *** فِي الْغُرُفَاتِ نَافِسْ

فَضَرَبَ رَجُلٌ رِجْلَهُ فَقَطَعَهَا، فَحَبَا حَتَّى أَخَذَهَا فَرَمَى بِهَا صَاحِبَهُ، فَأَصَابَ جَسَدَهُ فَصَرَعَهُ، فَأَتَاهُ حَتَّى قَتَلَهُ، ثُمَّ اتَّكَأَ عَلَيْهِ وَقَالَ:

يَا فَخِذُ لَنْ تُرَاعِي*** إِنَّ مَعِي ذِرَاعِي 
أَحْمِي بِهَا كَرَاعِي

وَقَالَ وَهُوَ يَرْتَجِزُ:

لَيْسَ عَلَيَّ أَنْ أَمُوتَ عَارْ *** وَالْعَارُ فِي النَّاسِ هُوَ الْفِرَارْ
وَالْمَجْدُ لا يَفْضَحُهُ الدَّمَارْ.

فَأَتَى عَلَيْهِ رَجُلٌ وَهُوَ رَثِيثٌ، رَأْسُهُ عَلَى الآخَرِ، فَقَالَ: مَا لَكَ يَا حَكِيمُ؟
قَالَ: قُتِلْتُ، قَالَ: مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ: وِسَادَتِي، فَاحْتَمَلَهُ فَضَمَّهُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَتَكَلَّمَ يَوْمَئِذٍ حَكِيمٌ وَإِنَّهُ لَقَائِمٌ عَلَى رِجْلٍ، وَإِنَّ السُّيُوفَ لَتَأْخُذُهُمْ فَمَا يُتَعْتِعُ، وَيَقُولُ: إِنَّا خَلَفْنَا هَذَيْنِ وَقَدْ بَايَعَا عَلِيًّا وَأَعْطَيَاهُ الطَّاعَةَ، ثُمَّ أَقْبَلا مُخَالِفَيْنِ مُحَارِبَيْنِ يَطْلُبَانِ بِدَمِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَفَرَّقَا بَيْنَنَا، وَنَحْنُ أَهْلُ دَارٍ وَجِوَارٍ اللَّهُمَّ إِنَّهُمَا لَمْ يُرِيدَا عُثْمَانَ فَنَادَى مُنَادٍ: يَا خَبِيثُ، جَزَعْتَ حِينَ عَضَّكَ نَكَالُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى كَلامِ مَنْ نَصَّبَكَ وَأَصْحَابَكَ بِمَا رَكِبْتُمْ مِنَ الإِمَامِ الْمَظْلُومِ، وَفَرَّقْتُمْ مِنَ الْجَمَاعَةِ، وَأَصَبْتُمْ مِنَ الدِّمَاءِ، وَنِلْتُمْ مِنَ الدُّنْيَا! فَذُقْ وَبَالَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَانْتِقَامَهُ، وَأَقِيمُوا فِيمَنْ أَنْتُمْ.
وَقُتِلَ ذُرَيْحٌ وَمَنْ مَعَهُ، وَأَفْلَتَ حُرقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فلجئوا إِلَى قَوْمِهِمْ، وَنَادَى مُنَادِي الزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ بِالْبَصْرَةِ: أَلا مَنْ كَانَ فِيهِمْ مِنْ قَبَائِلِكُمْ أَحَدٌ مِمَّنْ غَزَا الْمَدِينَةَ فَلْيَأْتِنَا بِهِمْ فَجِيءَ بِهِمْ كَمَا يُجَاءُ بِالْكِلابِ، فَقُتِلُوا فَمَا أَفْلَتَ مِنْهُمْ مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ جَمِيعًا إِلا حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ، فَإِنَّ بَنِي سَعْدٍ مَنَعُوهُ، وَكَانَ مِنْ بَنِي سَعْدٍ، فَمَسَّهُمْ فِي ذَلِكَ أَمْرٌ شَدِيدٌ، وَضَرَبُوا لَهُمْ فِيهِ أَجَلا وَخَشَّنُوا صُدُورَ بَنِي سَعْدٍ وَإِنَّهُمْ لَعُثْمَانِيَّةٌ حَتَّى قَالُوا: نَعْتَزِلُ، وَغَضِبَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ حِينَ غَضِبَتْ سَعْدٌ لِمَنْ قُتِلَ مِنْهُمْ بَعْدَ الْوَقْعَةِ وَمَنْ كَانَ هَرَبَ إِلَيْهِمْ إِلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ لُزُومِ طَاعَةِ عَلِيٍّ، فَأَمَرَا لِلنَّاسِ بِأُعْطِيَاتِهِمْ وَأَرْزَاقِهِمْ وَحُقُوقِهِمْ، وَفَضَّلا بِالْفَضْلِ أَهْلَ السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فَخَرَجَتْ عَبْدُ الْقَيْسِ وَكَثِيرٌ مِنْ بَكْرِ بْنِ وَائِلٍ حِينَ زَوَوْا عَنْهُمُ الْفُضُولَ، فَبَادَرُوا إِلَى بَيْتِ الْمَالِ، وَأَكَبَّ عَلَيْهِمُ النَّاسُ فَأَصَابُوا مِنْهُمْ، وَخَرَجَ الْقَوْمُ حَتَّى نَزَلُوا عَلَى طَرِيقِ عَلِيٍّ، وَأَقَامَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ لَيْسَ مَعَهُمَا بِالْبَصْرَةِ ثَأْرٌ إِلا حُرْقُوصٌ، وَكَتَبُوا إِلَى أَهْلِ الشَّامِ بِمَا صَنَعُوا وَصَارُوا إِلَيْهِ: إِنَّا خَرَجْنَا لِوَضْعِ الْحَرْبِ، وَإِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِإِقَامَةِ حُدُودِهِ فِي الشَّرِيفِ وَالْوَضِيعِ والكثير وَالْقَلِيلِ، حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الَّذِي يَرُدُّنَا عَنْ ذَلِكَ، فَبَايَعَنَا خِيَارُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَنُجَبَاؤُهُمْ، وَخَالَفَنَا شِرَارُهُمْ وَنُزَّاعُهُمْ، فَرَدُّونَا بِالسِّلاحِ وَقَالُوا فِيمَا قَالُوا: نَأْخُذُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ رَهِينَةً، أَنْ أَمَرَتْهُمْ بِالْحَقِّ وَحَثَّتْهُمْ عَلَيْهِ فَأَعْطَاهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ، حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ حُجَّةٌ وَلا عُذْرٌ اسْتَبْسَلَ قَتَلَةُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَخَرَجُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ مُخْبَرٌ إِلا حُرْقُوصُ بْنُ زُهَيْرٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ مُقِيدُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَكَانُوا كَمَا وَصَفَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَإِنَّا نُنَاشِدُكُمُ اللَّهَ فِي أَنْفُسِكُمْ إِلا نَهَضْتُمْ بِمِثْلِ مَا نَهَضْنَا بِهِ، فَنَلْقَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَتَلْقَوْنَهُ وَقَدْ أَعْذَرْنَا وَقَضَيْنَا الَّذِي عَلَيْنَا.
وَبَعَثُوا بِهِ مَعَ سَيَّارٍ الْعِجْلِيِّ، وَكَتَبُوا إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ بِمِثْلِهِ مَعَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ أَسَدٍ يُدْعَى مُظَفَّرَ بْنَ مُعَرِّضٍ وَكَتَبُوا الى اهل اليمامه وعليها سبره ابن عمرو العنبري مَعَ الْحَارِثِ السَّدُوسِيِّ وَكَتَبُوا إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَعَ ابْنِ قُدَامَةَ الْقُشَيْرِيِّ، فَدَسَّهُ إِلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ.
وَكَتَبَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا إِلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ مَعَ رَسُولِهِمْ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَالإِسْلامَ، أَقِيمُوا كِتَابَ اللَّهِ بِإِقَامَةِ مَا فِيهِ، اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِهِ، وَكُونُوا مَعَ كِتَابِهِ، فَإِنَّا قَدِمْنَا الْبَصْرَةَ فَدَعَوْنَاهُمْ إِلَى إِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ بِإِقَامَةِ حُدُودِهِ، فَأَجَابَنَا الصَّالِحُونَ إِلَى ذَلِكَ، وَاسْتَقْبَلَنَا مَنْ لا خَيْرَ فِيهِ بِالسِّلاحِ، وَقَالُوا: لَنُتْبِعَنَّكُمْ عُثْمَانَ، ليزيدوا الْحُدُودَ تَعْطِيلا، فَعَانَدُوا فَشَهِدُوا عَلَيْنَا بِالْكُفْرِ وَقَالُوا لَنَا الْمُنْكَرَ، فَقَرَأْنَا عَلَيْهِمْ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيباً مِّنَ ٱلْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَىٰ كِتَابِ ٱللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} [آل عمران: 23] فَأَذْعَنَ لِي بَعْضُهُمْ، وَاخْتَلَفُوا بَيْنَهُمْ، فَتَرَكْنَاهُمْ وَذَلِكَ، فَلَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ مَنْ كَانَ مِنْهُمْ عَلَى رَأْيِهِ الأَوَّلِ مِنْ وَضْعِ السِّلاحِ فِي أَصْحَابِي، وَعَزَمَ عَلَيْهِمْ عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ إِلا قَاتَلُونِي حَتَّى مَنَعَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِالصَّالِحِينَ، فَرَدَّ كَيْدَهُمْ فِي نُحُورِهِمْ، فَمَكَثْنَا سِتًّا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً نَدْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ- وَهُوَ حَقْنُ الدِّمَاءِ أَنْ تُهْرَاقَ دُونَ مَنْ قَدْ حَلَّ دَمُهُ- فَأَبَوْا وَاحْتَجُّوا بِأَشْيَاءَ، فَاصْطَلَحْنَا عَلَيْهَا، فخافوا وغدروا وخانوا، فَجَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لِعُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ثَأْرَهُمْ، فَأَقَادَهُمْ فَلَمْ يُفْلِتْ مِنْهُمْ إِلا رجل، وارد انا الله، ومنعنا منهم بعمير ابن مَرْثَدٍ وَمَرْثَدِ بْنِ قَيْسٍ، وَنَفَرٍ مِنْ قَيْسٍ، وَنَفَرٍ مِنَ الرَّبَابِ وَالأَزْدِ.
فَالْزَمُوا الرِّضَا إِلا عَنْ قَتَلَةِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ حَتَّى يَأْخُذَ اللَّهُ حَقَّهُ، وَلا تُخَاصِمُوا الْخَائِنِينَ وَلا تَمْنَعُوهُمْ، وَلا تَرْضَوْا بِذَوْيِ حُدُودِ اللَّهِ فَتَكُونُوا مِنَ الظَّالِمِينَ.
فَكَتَبَتْ إِلَى رِجَالٍ بِأَسْمَائِهِمْ فَثَبِّطُوا النَّاسَ عَنْ مَنْعِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ وَنُصْرَتِهِمْ وَاجْلِسُوا فِي بُيُوتِكُمْ، فَإِنَّ هَؤُلاءِ الْقَوْمَ لَمْ يَرْضَوْا بِمَا صَنَعُوا بِعُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ جَمَاعَةِ الأُمَّةِ، وَخَالَفُوا الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، حَتَّى شَهِدُوا عَلَيْنَا فِيمَا أَمَرْنَاهُمْ بِهِ، وَحَثَثْنَاهُمْ عَلَيْهِ مِنْ إِقَامَةِ كِتَابِ اللَّهِ وَإِقَامَةِ حُدُودِهِ بِالْكُفْرِ، وَقَالُوا لَنَا الْمُنْكَرَ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ الصَّالِحُونَ وَعَظَّمُوا مَا قَالُوا، وَقَالُوا: مَا رَضِيتُمْ أَنْ قَتَلْتُمُ الإِمَامَ حَتَّى خَرَجْتُمْ عَلَى زَوْجَةِ نَبِيِّكُمْ صلى الله عليه وسلم، أَنْ أَمَرَتْكُمْ بِالْحَقِّ لَتَقْتُلُوهَا وَأَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَئِمَّةَ الْمُسْلِمِينَ! فَعَزَمُوا وَعُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ مَعَهُمْ عَلَى مَنْ أَطَاعَهُمْ مِنْ جُهَّالِ النَّاسِ وَغَوْغَائِهِمْ عَلَى زُطِّهِمْ وَسَيَابِجِهِمْ، فَلُذْنَا مِنْهُمْ بِطَائِفَةٍ مِنَ الْفُسْطَاطِ، فَكَانَ ذَلِكَ الدَّأْبُ سِتَّةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا نَدْعُوهُمْ إِلَى الْحَقِّ وَأَلا يَحُولُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْحَقِّ فَغَدَرُوا وَخَانُوا فَلَمْ نُقَايِسْهُمْ، وَاحْتَجُّوا بِبَيْعَةِ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ، فَأَبْرَدُوا بَرِيدًا فَجَاءَهُمْ بِالْحُجَّةِ فَلَمْ يَعْرِفُوا الْحَقَّ، وَلَمْ يَصْبِرُوا عَلَيْهِ، فَغَادَوْنِي فِي الْغَلَسِ لِيَقْتُلُونِي، وَالَّذِي يُحَارِبُهُمْ غَيْرِي، فَلَمْ يَبْرَحُوا حَتَّى بَلَغُوا سُدَّةَ بَيْتِي وَمَعَهُمْ هَادٍ يَهْدِيهِمْ إِلَيَّ، فَوَجَدُوا نَفَرًا عَلَى بَابِ بَيْتِي، مِنْهُمْ عُمَيْرُ بْنُ مَرْثَدٍ، وَمَرْثَدُ بْنُ قَيْسٍ، وَيَزِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَرْثَدٍ، وَنَفَرٌ مِنْ قَيْسٍ، وَنَفَرٌ مِنَ الرَّبَابِ وَالأَزْدِ، فَدَارَتْ عَلَيْهِمُ الرَّحَا، فَأَطَافَ بِهِمُ الْمُسْلِمُونَ فَقَتَلُوهُمْ، وَجَمَعَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ كَلِمَةَ أَهْلِ الْبَصْرَةِ عَلَى مَا أَجْمَعَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ وَطَلْحَةُ، فَإِذَا قَتَلْنَا بِثَأْرِنَا وَسِعَنَا الْعُذْرُ وَكَانَتِ الْوَقْعَةُ لِخَمْسِ لَيَالٍ بَقِينَ مِنْ رَبِيعٍ الآخِرِ سَنَةَ سِتٍّ وَثَلاثِينَ وَكَتَبَ عُبَيْدُ بْنُ كَعْبٍ فِي جُمَادَى.
حَدَّثَنَا عُمَر بن شبة، قال: حدثنا أبو الحسن، عن عَامِر بن حفص، عن أشياخه، قَالَ: ضرب عنق حكيم بن جبلة رجل من الحدان يقال لَهُ ضخيم، فمال رأسه، فتعلق بجلده، فصار وجهه فِي قفاه قَالَ ابن المثنى الحداني:
الَّذِي قتل حكيما يَزِيد بن الأسحم الحداني، وجد حكيم قتيلا بين يَزِيد بن الأسحم وكعب بن الأسحم، وهما مقتولان.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ، عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ، قَالَ: لَمَّا قُتِلَ حَكِيمُ بْنُ جَبَلَةَ أَرَادُوا أَنْ يَقْتُلُوا عُثْمَانَ بْنَ حُنَيْفٍ، فَقَالَ: مَا شِئْتُمْ، إِمَّا أَنَّ سَهْلَ بْنَ حُنَيْفٍ وَالٍ عَلَى الْمَدِينَةِ، وَإِنْ قَتَلْتُمُونِي انْتَصَرَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الصَّلاةِ، فَأَمَرَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عبد الله ابن الزُّبَيْرِ فَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَأَرَادَ الزُّبَيْرُ أَنْ يُعْطِيَ النَّاسَ أَرْزَاقَهُمْ وَيَقْسِمَ مَا فِي بَيْتِ الْمَالِ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ ابْنُهُ: إِنِ ارْتَزَقَ النَّاسُ تَفَرَّقُوا وَاصْطَلَحُوا عَلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، فَصَيَّرُوهُ عَلَى بَيْتِ الْمَالِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيٌّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، عَنِ الْجَارُودِ بْنِ أَبِي سَبْرَةَ، قَالَ: لَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي أُخِذَ فِيهَا عُثْمَانُ بْنُ حُنَيْفٍ، وَفِي رَحْبَةِ مَدِينَةِ الرِّزْقِ طعام يَرْتَزُقُهُ النَّاسُ، فَأَرَادَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَرْزُقَهُ أَصْحَابَهُ وَبَلَغَ حَكِيمَ بْنَ جَبَلَةَ مَا صُنِعَ بِعُثْمَانَ، فَقَالَ: لَسْتُ أَخَافُ اللَّهَ إِنْ لَمْ انصره، فَجَاءَ فِي جَمَاعَةٍ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَأَكْثَرُهُمْ عَبْدُ الْقَيْسِ، فَأَتَى ابْنُ الزبير مدينه الرزق، فقال: مالك يَا حَكِيمُ؟ قَالَ: نُرِيدُ أَنْ نَرْتَزِقَ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَأَنْ تُخَلُّوا عُثْمَانَ فَيُقِيمَ فِي دَارِ الإِمَارَةِ عَلَى مَا كَتَبْتُمْ بَيْنَكُمْ حَتَّى يَقْدَمَ عَلِيٌّ، وَاللَّهِ لَوْ أَجِدُ أَعْوَانًا عَلَيْكُمْ أَخْبُطُكُمْ بِهِمْ مَا رَضِيتُ بِهَذِهِ مِنْكُمْ حَتَّى أَقْتُلَكُمْ بِمَنْ قَتَلْتُمْ، وَلَقَدْ أَصْبَحْتُمْ وَإِنَّ دِمَاءَكُمْ لَنَا لَحَلالٌ بِمَنْ قَتَلْتُمْ مِنْ إِخْوَانِنَا، أَمَا تَخَافُونَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ! بِمَ تَسْتَحِلُّونَ سَفْكَ الدماء! قال: بدم عثمان ابن عفان، قَالَ: فَالَّذِينَ قَتَلْتُمُوهُمْ قَتَلُوا عُثْمَانَ! أَمَا تَخَافُونَ مَقْتَ اللَّهِ؟ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ: لا نَرْزُقُكُمْ مِنْ هَذَا الطَّعَامِ، وَلا نخلى سبيل عثمان ابن حُنَيْفٍ حَتَّى يَخْلَعَ عَلِيًّا، قَالَ حَكِيمٌ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ حَكَمٌ عَدْلٌ فَاشْهَدْ وَقَالَ لأَصْحَابِهِ: إِنِّي لَسْتُ فِي شَكٍّ مِنْ قِتَالِ هَؤُلاءِ، فَمَنْ كَانَ فِي شَكٍّ فَلْيَنْصَرِفْ وَقَاتَلَهُمْ فَاقْتَتَلُوا قِتَالا شديدا، وضرب رجل ساق حكيم فَأَخَذَ حَكِيمٌ سَاقَهُ فَرَمَاهُ بِهَا، فَأَصَابَ عُنُقَهُ فَصَرَعَهُ وَوَقَذَهُ ثُمَّ حَبَا إِلَيْهِ فَقَتَلَهُ وَاتَّكَأَ عَلَيْهِ، فَمَرَّ بِهِ رَجُلٌ فَقَالَ: مَنْ قَتَلَكَ؟ قَالَ: وِسَادَتِي، وَقُتِلَ سَبْعُونَ رَجُلا مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ قَالَ الْهُذَلِيُّ: قَالَ حَكِيمٌ حِينَ قُطِعَتْ رِجْلُهُ:

أَقُولُ لِمَا جَدَّ بِي زِمَاعِي*** لِلرِّجْلِ يَا رِجْلِي لَنْ تُرَاعِي
إِنَّ مَعِي مِنْ نَجْدَةٍ ذِرَاعِي.

قَالَ عَامِرٌ وَمَسْلَمَةُ: قُتِلَ مَعَ حَكِيمٍ ابْنَةُ الأَشْرَفِ وَأَخُوهُ الرَّعْلُ بْنُ جَبَلَةَ حدثني عمر، قال: حدثنا أبو الحسن، قال: حَدَّثَنَا المثنى بن عَبْدِ اللَّهِ، عن عوف الأعرابي، قَالَ: جَاءَ رجل إِلَى طَلْحَةَ وَالزُّبَيْر وهما فِي المسجد بِالْبَصْرَةِ، فَقَالَ: نشدتكما بِاللَّهِ فِي مسيركما! أعهد إليكما فِيهِ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيْئًا! فقام طَلْحَةُ ولم يجبه، فناشد الزُّبَيْر فَقَالَ: لا، ولكن بلغنا أن عندكم دراهم فجئنا نشارككم فِيهَا.
حَدَّثَنِي عُمَرُ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَرْقَمَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي عَمْرَةَ مَوْلَى الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا بَايَعَ أَهْلُ الْبَصْرَةِ الزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ، قَالَ الزُّبَيْرُ: أَلا أَلْفُ فَارِسٍ أَسِيرُ بِهِمْ إِلَى عَلِيٍّ، فَإِمَّا بَيَّتُّهُ وَإِمَّا صَبَّحْتُهُ، لَعَلِّي أَقْتُلُهُ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ إِلَيْنَا! فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ لَهِيَ الْفَتْنَةُ الَّتِي كُنَّا نُحَدَّثُ عَنْهَا، فَقَالَ لَهُ مَوْلاهُ: أَتُسَمِّيهَا فِتْنَةً وَتُقَاتِلُ فِيهَا! قَالَ: وَيْحَكَ! إِنَّا نُبَصَّرُ وَلا نُبْصِرُ، مَا كَانَ أَمْرٌ قَطُّ إِلا عَلِمْتُ مَوْضِعَ قَدَمِي فِيهِ، غَيْرُ هَذَا الأَمْرِ فَإِنِّي لا أَدْرِي أَمُقْبِلٌ أَنَا فِيهِ أَمْ مُدْبِرٌ! حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي يحيى بن معين، قال: حدثنا هشام بن يوسف، قاضي صنعاء، عن عبد الله بن مصعب بن ثابت ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مُوسَى بْنِ عقبة، عن علقمة بن وقاص الليثي، قال: لما خرج طلحة والزبير وعائشة رضي الله عَنْهُمْ رَأَيْتُ طَلْحَةَ وَأَحَبُّ الْمَجَالِسِ إِلَيْهِ أَخْلاهَا، وَهُوَ ضَارِبٌ بِلِحْيَتِهِ عَلَى زَوْرِهِ، فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، أَرَى أَحَبَّ الْمَجَالِسِ إِلَيْكَ أَخْلاهَا، وَأَنْتَ ضَارِبٌ بِلِحْيَتِكَ عَلَى زَوْرِكَ، إِنْ كَرِهْتَ شَيْئًا فَاجْلِسْ قَالَ: فَقَالَ لِي: يَا عَلْقَمَةُ بْنَ وَقَّاصٍ، بَيْنَا نَحْنُ يَدٌ وَاحِدَةٌ عَلَى مَنْ سِوَانَا، إِذْ صِرْنَا جَبَلَيْنِ مِنْ حَدِيدٍ يَطْلُبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، إِنَّهُ كَانَ مِنِّي فِي عُثْمَانَ شَيْءٌ لَيْسَ تَوْبَتِي إِلا أَنْ يُسْفَكَ دَمِي فِي طَلَبِ دَمِهِ قَالَ: قُلْتُ: فَرَدَّ محمد ابن طَلْحَةَ فَإِنَّ لَكَ ضَيْعَةً وَعِيَالا، فَإِنْ يَكُ شَيْءٌ يُخْلِفُكَ، فَقَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَرَى أَحَدًا يَخِفُّ فِي هَذَا الأَمْرِ فَأَمْنَعُهُ قَالَ: فَأَتَيْتُ مُحَمَّدَ بْنَ طَلْحَةَ فَقُلْتُ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ، فَإِنْ حَدَثَ بِهِ حَدَثٌ كُنْتَ تَخْلُفُهُ فِي عِيَالِهِ وَضَيْعَتِهِ، قَالَ: مَا أُحِبُّ أَنْ أَسْأَلَ الرِّجَالَ عَنْ أَمْرِهِ.
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شَبَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْحَسَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مِخْنَفٍ، عَنْ مُجَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا قَدِمَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا الْبَصْرَةَ كَتَبَتْ إِلَى زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ: مِنْ عَائِشَةَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَبِيبَةِ رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم إِلَى ابْنِهَا الْخَالِصِ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِذَا أَتَاكَ كِتَابِي هَذَا فَاقْدَمْ، فَانْصُرْنَا عَلَى أَمْرِنَا هَذَا، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَخَذِّلِ النَّاسَ عَنْ عَلِيٍّ.
فَكَتَبَ إِلَيْهَا: مِنْ زَيْدِ بْنِ صُوحَانَ إِلَى عَائِشَةَ ابْنَةِ أَبِي بَكْرٍ الصديق حبيبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أَمَّا بَعْدُ: فَأَنَا ابْنُكِ الْخَالِصُ إِنِ اعْتَزَلْتِ هَذَا الأَمْرَ وَرَجَعْتِ إِلَى بَيْتِكِ، وَإِلا فَأَنَا أول من نابذك قال: زيد ابن صُوحَانَ: رَحِمَ اللَّهُ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! أُمِرَتْ أَنْ تَلْزَمَ بَيْتَهَا وَأُمِرْنَا أَنْ نُقَاتِلَ، فَتَرَكَتْ مَا أُمِرَتْ بِهِ وَأَمَرَتْنَا بِهِ، وَصَنَعَتْ مَا أُمِرْنَا بِهِ وَنَهَتْنَا عَنْهُ!