36 هـ
657 م
خروج عَلِيّ بن أبي طالب إِلَى صفين

حَدَّثَنِي عبد الله بن أحمد المروزي، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ سُلَيْمَانَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ، …

أَنَّ عَلِيًّا لَمَّا اسْتَخْلَفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَلَى الْبَصْرَةِ سَارَ مِنْهَا إِلَى الْكُوفَةِ، فَتَهَيَّأَ فِيهَا إِلَى صِفِّينَ، فَاسْتَشَارَ النَّاسَ فِي ذَلِكَ، فَأَشَارَ عَلَيْهِ قَوْمٌ أَنْ يَبْعَثَ الْجُنُودَ وَيُقِيمُ، وَأَشَارَ آخَرُونَ بِالْمَسِيرِ فَأَبَى إِلا الْمُبَاشَرَةَ، فَجَهَّزَ النَّاسَ فَبَلَغَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةَ، فَدَعَا عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ فَاسْتَشَارَهُ فَقَالَ: أَمَا إذ بلغك أَنَّهُ يَسِيرُ فَسِرْ بِنَفْسِكَ، وَلا تَغِبْ عَنْهُ بِرَأْيِكَ وَمَكِيدَتِكَ قَالَ: أَمَا إِذًا يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ فَجَهِّزِ النَّاسَ فَجَاءَ عَمْرٌو فَحَضَّضَ النَّاسَ، وَضَعَّفَ عَلِيًّا وأَصْحَابَهُ، وَقَالَ: إِنَّ أَهْلَ الْعِرَاقِ قَدْ فَرَّقُوا جَمْعَهُمْ، وَأَوْهَنُوا شَوْكَتَهُمْ، وَفَلُّوا حَدَّهُمْ.
ثُمَّ إِنَّ أَهْلَ الْبَصْرَةِ مُخَالِفُونَ لِعَلِيٍّ، قد وَتَرَهُمْ وَقَتَلَهُمْ، وَقَدْ تَفَانَتْ صَنَادِيدُهُمْ وَصَنَادِيدُ أَهْلِ الْكُوفَةِ يَوْمَ الْجَمَلِ، وَإِنَّمَا سَارَ فِي شِرْذِمَةٍ قليله، ومنهم من قد قَتَلَ خَلِيفَتُكُمْ، فَاللَّهَ اللَّهَ فِي حَقِّكُمْ أَنْ تُضَيِّعُوهُ، وَفِي دَمِّكُمْ أَنْ تُبْطِلُوهُ! وَكَتَبَ فِي أَجْنَادِ أَهْلِ الشَّامِ، وَعَقَدَ لِوَاءَهُ لِعَمْرٍو، فَعَقَدَ لِوَرْدَانَ غُلامِهِ فِيمَنْ عَقَدَ، وَلابْنَيْهِ عَبْدِ اللَّهِ وَمُحَمَّدٍ، وَعَقَدَ عَلِيٌّ لِغُلامِهِ قَنْبَرٍ، ثُمَّ قَالَ عَمْرٌو:

هَلْ يُغْنِيَنَّ وَرْدَانُ عَنِّي قَنْبَرًا *** وَتُغْنِي السَّكُونُ عَنِّي حَمْيَرَا
إِذَا الْكُمَاةُ لَبِسُوا السِّنَّوْرَا.

فَبَلَغَ ذَلِكَ عَلِيًّا فَقَالَ:

لأُصَبِّحَنَّ الْعَاصِي ابْنَ الْعَاصِي***سَبْعِينَ أَلْفًا عَاقِدِي النَّوَاصِي
مُجَنِّبِينَ الْخَيْلَ بِالْقِلاصِ*** مُسْتَحْقِبِينَ حَلْقَ الدِّلاصِ

فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ قَالَ: مَا أَرَى ابْنَ أَبِي طَالِبٍ إِلا قَدْ وَفَّى لَكَ، فَجَاءَ مُعَاوِيَةُ يَتَأَنَّى فِي مَسِيرِهِ وَكَتَبَ إِلَى كُلِّ مَنْ كَانَ يَرَى أَنَّهُ يَخَافُ عَلِيًّا أَوْ طَعَنَ عَلَيْهِ وَمَنْ أَعْظَمَ دَمَ عُثْمَانَ وَاسْتَعْوَاهُمْ إِلَيْهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْوَلِيدُ بَعَثَ إِلَيْهِ يَقُولُ:

أَلا أَبْلِغْ مُعَاوِيَةَ بْنَ حَرْبٍ *** فَإِنَّكَ مِنْ أَخِي ثِقَةِ مُلِيمُ
قَطَعْتَ الدَّهْرَ كَالسَّدَمِ الْمُعَنَّى *** تَهَدَّرْ فِي دِمَشْقَ فَمَا تُرِيمُ
وَإِنَّكَ وَالْكِتَابُ إِلَى عَلِيٍّ *** كَدَابِغَةٍ وَقَدْ حَلُمَ الأَدِيمُ
يُمَنِّيكَ الإِمَارَةَ كُلُّ رَكْبٍ *** لأَنْقَاضِ الْعِرَاقِ بِهَا رَسِيمُ
وَلَيْسَ أَخُو التِّرَاتِ بِمَنْ تَوَانَى *** وَلَكِنْ طَالِبَ التِّرَةِ الْغَشُومُ
وَلَوْ كُنْتُ الْقَتِيلَ وَكَانَ حَيًّا *** لَجَرَّدَ، لا أَلِفُّ وَلا سَئُومُ
وَلا نَكِلٌ عَنِ الأَوْتَارِ حَتَّى *** يَبِيءَ بِهَا، وَلا بَرِمٌ جَثُومُ
وَقَوْمُكَ بِالْمَدِينَةِ قَدْ أُبِيرُوا *** فَهُمْ صَرْعَى كَأَنَّهُمُ الْهَشِيمُ

وَقَالَ غَيْرُ أَبِي بَكْرٍ: فَدَعَا مُعَاوِيَةُ شَدَّادَ بْنَ قَيْسٍ كَاتِبَهُ وَقَالَ: ابْغِنِي طُومَارًا، فَأَتَاهُ بِطُومَارٍ، فَأَخَذَ الْقَلَمَ فَكَتَبَ، فَقَالَ: لا تَعْجَلْ، اكْتُبْ:

وَمُسْتَعْجِبٍ مِمَّا يَرَى مِنْ أَنَّاتِنَا *** وَلَوْ زَبِنَتْهُ الْحَرْبُ لَمْ يَتَرَمْرَمِ

ثُمَّ قَالَ: اطْوِ الطُّومَارَ، فَأَرْسَلَ بِهِ إِلَى الْوَلِيدِ، فَلَمَّا فَتَحَهُ لَمْ يَجِدْ فِيهِ غَيْرَ هَذَا الْبَيْتِ.
قَالَ أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ: وَكَتَبَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ حَيْثُ سَارَ على بن أَبِي طَالِبٍ إِلَى مُعَاوِيَةَ بَيْتَيْنِ:

أَبْلِغْ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ *** أَخَا الْعِرَاقِ إِذَا أَتَيْتَا
أَنَّ الْعِرَاقَ وَأَهْلَهَا *** عُنُقٌ إِلَيْكَ فَهَيْتَ هَيْتَا

عَاد الحديث إِلَى حديث عوانة فبعث علي زياد بن النضر الحارثي طليعة فِي ثمانية آلاف، وبعث معه شريح بن هاني فِي أربعة آلاف، وخرج علي من النخيلة بمن مَعَهُ، فلما دخل المدائن شخص مَعَهُ من فِيهَا من المقاتلة، وولى عَلَى المدائن سعد بن مسعود الثقفي عم المختار بن أبي عبيد، ووجه علي من المدائن معقل بن قيس فِي ثلاثة آلاف، وأمره أن يأخذ عَلَى الموصل حَتَّى يوافيه.