23 هـ
644 م
خبر بيروذ من الأهواز

قالوا: ولما فصلت الخيول إلى الكور اجتمع ببيروذ جمع عظيم من الأكراد وغيرهم، وكان عمر قد عهد إلى أبي موسى حين سارت الجنود …

إلى الكور أن يسير حتى ينتهي إلى ذمة البصرة، كي لا يؤتى المسلمون من خلفهم، وخشي أن يستلحم بعض جنوده أو ينقطع منهم طرف، أو يخلفوا في أعقابهم، فكان الذي حذر من اجتماع أهل بيروذ، وقد أبطأ أبو موسى حتى تجمعوا، فخرج أبو موسى حتى ينزل ببيروذ على الجمع الذي تجمعوا بها في رمضان، فالتقوا بين نهر تيرى ومناذر، وقد توافى إليها أهل النجدات من أهل فارس والأكراد، ليكيدوا المسلمين، وليصيبوا منهم عورة، ولم يشكوا في واحده من اثنتين فقام المهاجرين زياد وقد تحنط واستقتل، فقال لأبي موسى: أقم على كل صائم لما رجع فأفطر فرجع أخوه فيمن رجع لإبرار القسم، وإنما أراد بذلك توجيه أخيه عنه لئلا يمنعه من الاستقتال، وتقدم فقاتل حتى قتل، ووهن اللَّه المشركين حتى تحصنوا في قلة وذلة، وأقبل اخوه الربيع، فقال: هيئ يا والع الدنيا، واشتد جزعه عليه، فرق أبو موسى للربيع للذي رآه دخله من مصاب أخيه، فخلفه عليهم في جند، وخرج أبو موسى حتى بلغ إصبهان، فلقي بها جنود أهل الكوفة محاصري جي، ثم انصرف إلى البصرة، بعد ظفر الجنود، وقد فتح اللَّه على الربيع بْن زياد أهل بيروذ من نهر تيرى، وأخذ ما كان معهم من السبي، فتنقى أبو موسى رجالا منهم ممن كان لهم فداء- وقد كان الفداء أرد على المسلمين من أعيانهم وقيمتهم فيما بينهم- ووفد الوفود والأخماس، فقام رجل من عنزة فاستوفده، فأبى، فخرج فسعى به فاستجلبه عمر، وجمع بينهما فوجد أبا موسى أعذر إلا في أمر خادمه، فضعفه فرده إلى عمله، وفجر الآخر، وتقدم إليه في ألا يعود لمثلها.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن مُحَمَّد، وطلحة والمهلب وعمرو، قالوا: لما رجع أبو موسى عن إصبهان بعد دخول الجنود الكور، وقد هزم الربيع اهل بيروذ، وجمع السبي والأموال، فغدا على ستين غلاما من أبناء الدهاقين تنقاهم وعزلهم، وبعث بالفتح إلى عمر، ووفد وفدا فجاءه رجل من عنزة، فقال: اكتبني في الوفد، فقال: قد كتبنا من هو أحق منك، فانطلق مغاضبا مراغما، وكتب أبو موسى إلى عمر: إن رجلا من عنزة يقال له ضبة بْن محصن، كان من أمره وقص قصته.
فلما قدم الكتاب والوفد والفتح على عمر قدم العنزي فأتى عمر فسلم عليه، فقال: من أنت؟ فأخبره، فقال: لا مرحبا ولا أهلا! فقال:
أما المرحب فمن اللَّه، وأما الأهل فلا أهل، فاختلف إليه ثلاثا، يقول له هذا ويرد عليه هذا، حتى إذا كان في اليوم الرابع، دخل عليه، فقال: ماذا نقمت على أميرك؟ قال: تنقى ستين غلاما من أبناء الدهاقين لنفسه، وله جارية تدعى عقيلة، تغدى جفنة وتعشى جفنة، وليس منا رجل يقدر على ذلك، وله قفيزان، وله خاتمان، وفوض الى زياد ابن أبي سفيان- وكان زياد يلي أمور البصرة- وأجاز الحطيئة بألف.
فكتب عمر كل ما قال فبعث إلى أبي موسى، فلما قدم حجبه أياما، ثم دعا به، ودعا ضبة بْن محصن، ودفع إليه الكتاب، فقال: اقرأ ما كتبت، فقرأ: أخذ ستين غلاما لنفسه فقال أبو موسى: دللت عليهم وكان لهم فداء ففديتهم، فأخذته فقسمته بين المسلمين، فقال ضبة: والله ما كذب ولا كذبت، وقال: له قفيزان، فقال أبو موسى: قفيز لأهلي أقوتهم، وقفيز للمسلمين في أيديهم، يأخذون به أرزاقهم، فقال ضبة: والله ما كذب ولا كذبت، فلما ذكر عقيلة سكت أبو موسى ولم يعتذر، وعلم أن ضبة قد صدقه قال: وزياد يلي أمور الناس ولا يعرف هذا ما يلي، قال: وجدت له نبلا ورأيا، فأسندت إليه عملي.
قال: وأجاز الحطيئه بألف، قال: سددت قمه بمالي أن يشتمني، فقال: قد فعلت ما فعلت فرده عمر وقال: إذا قدمت فأرسل إلي زيادا وعقيلة، ففعل، فقدمت عقيلة قبل زياد، وقدم زياد فقام بالباب، فخرج عمر وزياد بالباب قائم، وعليه ثياب بياض كتان، فقال له: ما هذه الثياب؟ فأخبره، فقال: كم أثمانها؟ فأخبره بشيء يسير، وصدقه، فقال له: كم عطاؤك؟ قال ألفان، قال: ما صنعت في أول عطاء خرج لك؟ قال: اشتريت والدتي فأعتقتها، واشتريت في الثاني ربيبي عبيدا فأعتقته، فقال: وفقت، وسأله عن الفرائض والسنن والقرآن، فوجده فقيها فرده، وأمر أمراء البصرة أن يشربوا برأيه، وحبس عقيلة بالمدينة وقال عمر: ألا إن ضبة العنزي غضب على أبي موسى في الحق أن أصابه، وفارقه مراغما أن فاته أمر من أمور الدنيا، فصدق عليه وكذب، فأفسد كذبه صدقه، فإياكم والكذب، فإن الكذب يهدي إلى النار وكان الحطيئة قد لقيه فأجازه في غزاة بيروذ، وكان أبو موسى قد ابتدأ حصارهم وغزاتهم حتى فلهم، ثم جازهم ووكل بهم الربيع، ثم رجع إليهم بعد الفتح فولي القسم.
كَتَبَ إلي السري، عن شعيب، عن سيف، عن أبي عمرو، عن الحسن، عن أسيد بْن المتشمس بن أخي الأحنف بْن قيس، قال: شهدت مع أبي موسى يوم إصبهان فتح القرى، وعليها عبد اللَّه بْن ورقاء الرياحي وعبد اللَّه بْن ورقاء الأسدي ثم إن أبا موسى صرف إلى الكوفة، واستعمل على البصرة عمر بْن سراقة المخزومي، بدوي.
ثم إن أبا موسى رد على البصرة، فمات عمر وأبو موسى على البصرة على صلاتها، وكان عملها مفترقا غير مجموع، وكان عمر ربما بعث إليه فأمد به بعض الجنود، فيكون مددا لبعض الجيوش.