رمضان 9 هـ
كانون الاول 630 م
حَجّ أَبِي بَكْرٍ بِالنّاسِ سَنَةَ تِسْعٍ

وَاخْتِصَاصُ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ بِتَأْدِيَةِ أَوّلِ بَرَاءَةٌ عَنْهُ وَذِكْرُ بَرَاءَةٌ وَالْقِصَصُ فِي تَفْسِيرهَا …


تأمير أبي بكر على الْحَج
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
ثُمّ أَقَامَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَقِيّةَ شَهْرِ رَمَضَانَ وَشَوّالًا وَذَا الْقَعْدَةِ ثُمّ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ أَمِيرًا عَلَى الْحَجّ مِنْ سَنَةِ تِسْعٍ لِيُقِيمَ لِلْمُسْلِمِينَ حَجّهُمْ وَالنّاسُ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ حَجّهِمْ فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَمَنْ مَعَهُ من الْمُسلمين.
نزُول بَرَاءَة فِي نقص مَا بَين الرَّسُول وَالْمُشْرِكين
وَنَزَلَتْ بَرَاءَةٌ فِي نَقْضِ مَا بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ الْعَهْدِ الّذِي كَانُوا عَلَيْهِ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ أَنْ لَا يُصَدّ عَنْ الْبَيْتِ أَحَدٌ جَاءَهُ وَلَا يُخَافَ أَحَدٌ فِي الشّهْرِ
الْحَرَامِ. وَكَانَ ذَلِكَ عَهْدًا عَامّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ النّاسِ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ وَكَانَتْ بَيْنَ ذَلِكَ عُهُودٌ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ خَصَائِصَ إلَى آجَالٍ مُسَمّاةٍ فَنَزَلَتْ فِيهِ وَفِيمَنْ تَخَلّفَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَنْهُ فِي تَبُوكَ، وَفِي قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْهُمْ فَكَشَفَ اللهُ تَعَالَى فِيهَا سَرَائِرَ أَقْوَامٍ كَانُوا يَسْتَخِفّونَ بِغَيْرِ مَا يُظْهِرُونَ مِنْهُمْ مَنْ سُمّيَ لَنَا، وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُسَمّ لَنَا، فَقَالَ عَزّ وَجَلّ: {بَرَآءَةٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 1] أَيْ لِأَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ {فَسِيحُواْ فِي ٱلأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَأَنَّ ٱللَّهَ مُخْزِي ٱلْكَافِرِينَ (2) وَأَذَانٌ مِّنَ ٱللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى ٱلنَّاسِ يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ أَنَّ ٱللَّهَ بَرِيۤءٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} [التوبة: 2-3] أَيْ بَعْدَ هَذِهِ الْحَجّةِ {فَإِن تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّكُمْ غَيْرُ مُعْجِزِي ٱللَّهِ وَبَشِّرِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (3) إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 3-4] أَيْ الْعَهْدَ الْخَاصّ إلَى الْأَجَل الْمُسَمّى {ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوۤاْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَىٰ مُدَّتِهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ (4) فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ} [التوبة: 4-5] يَعْنِي الْأَرْبَعَةَ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا {فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَٱحْصُرُوهُمْ وَٱقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ ٱلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 5-6] أَيْ مِنْ هَؤُلَاءِ
الّذِينَ أَمَرْتُك بِقَتْلِهِمْ {ٱسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلاَمَ ٱللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ} [التَّوْبَة: 6]
ثُمّ قَالَ: {كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ} [التوبة: 7] الّذِينَ كَانُوا هُمْ وَأَنْتُمْ عَلَى الْعَهْدِ الْعَامّ أَنْ لَا يُخِيفُوكُمْ وَلَا يُخِيفُوهُمْ فِي الْحُرْمَةِ وَلَا فِي الشّهْرِ الْحَرَامِ {عَهْدٌ عِندَ ٱللَّهِ وَعِندَ رَسُولِهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} [التوبة: 7] وَهِيَ قَبَائِلُ مِنْ بَنِي بَكْرٍ الّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، إلَى الْمُدّةِ الّتِي كَانَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، فَلَمْ يَكُنْ نَقَضَهَا إلّا هَذَا الْحَيّ مِنْ قُرَيْشٍ; وَهِيَ الدّيلُ مِنْ بَنِي بَكْرِ بْنِ وَائِل، الّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ. فَأَمَرَ بِإِتْمَامِ الْعَهْدِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ نَقَضَ مِنْ بَنِي بَكْرٍ إلَى مُدّتِهِ {فَمَا ٱسْتَقَامُواْ لَكُمْ فَٱسْتَقِيمُواْ لَهُمْ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ} [التوبة: 7].
ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} [التوبة: 8] أَيْ الْمُشْرِكُونَ الّذِينَ لَا عَهْدَ لَهُمْ إلَى مُدّةٍ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ الْعَامّ {لاَ يَرْقُبُواْ فِيكُمْ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً} .
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَام لبَعض الْغَرِيب
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: الْإِلّ: الْحِلْفُ. قَالَ أَوْسُ بْنُ حَجَرٍ أَحَدُ بَنِي أُسَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ:

لَوْلَا بَنُو مَالِكٍ وَالْإِلّ مَرْقَبَةٌ *** وَمَالِكٌ فِيهِمْ الْآلَاءُ وَالشّرَفُ
وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ وَجَمْعُهُ آلَالٌ قَالَ الشّاعِرُ
فَلَا إلّ مِنْ الْآلَالِ بَيْنِي *** وَبَيْنَكُمْ فَلَا تَأْلُنّ جُهْدَا

وَالذّمّةُ الْعَهْدُ. قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ، وَهُوَ أَبُو مَسْرُوقِ بْنُ الْأَجْدَعِ الْفَقِيهُ:

وَكَانَ عَلَيْنَا ذِمّةٌ أَنْ تُجَاوِزُوا *** مِنْ الْأَرْضِ مَعْرُوفًا إلَيْنَا وَمُنْكَرَا

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ لَهُ وَجَمْعُهَا: ذِمَمٌ.
{يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) ٱشْتَرَوْاْ بِآيَاتِ ٱللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّواْ عَن سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَآءَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ (9) لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُعْتَدُونَ} [التوبة: 8-10] أَيْ قَدْ اعْتَدَوْا عَلَيْكُمْ {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَوُاْ ٱلزَّكَٰوةَ فَإِخْوَٰنُكُمْ فِي ٱلدِّينِ وَنُفَصِّلُ ٱلأيَـٰتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [التَّوْبَة:11]
اخْتِصَاصُ الرّسُولِ عَلِيّا بِتَأْدِيَةِ بَرَاءَةٌ عَنْهُ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي حَكِيمُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ عَبّادِ بْنِ حُنَيْفٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمّدِ بْنِ عَلِيّ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ أَنّهُ قَالَ:
لَمّا نَزَلَتْ بَرَاءَةٌ عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ كَانَ بَعَثَ أَبَا بَكْرٍ الصّدّيقَ لِيُقِيمَ لِلنّاسِ الْحَجّ قِيلَ لَهُ يَا رَسُولَ اللهِ لَوْ بَعَثْت بِهَا إلَى أَبِي بَكْر فَقَالَ «لَا يُؤَدّي عَنّي إلّا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» ثُمّ دَعَا عَلِيّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ فَقَالَ لَهُ: «اُخْرُجْ بِهَذِهِ الْقِصّةِ مِنْ صَدْرِ بَرَاءَةٌ، وَأَذّنْ فِي النّاسِ يَوْمَ النّحْرِ إذَا اجْتَمَعُوا بِمِنًى: أَنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ» فَخَرَجَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى نَاقَةِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَضْبَاءِ حَتّى أَدْرَكَ أَبَا بَكْرٍ بِالطّرِيقِ فَلَمّا رَآهُ أَبُو بَكْرٍ بِالطّرِيقِ قَالَ أَأَمِيرٌ أَمْ مَأْمُورٌ؟ فَقَالَ بَلْ مَأْمُورٌ ثُمّ مَضَيَا. فَأَقَامَ أَبُو بَكْرٍ لِلنّاسِ الْحَجّ وَالْعَرَبُ إذْ ذَاكَ فِي تِلْكَ السّنَةِ عَلَى مَنَازِلِهِمْ مِنْ الْحَجّ الّتِي كَانُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيّةِ حَتّى إذَا كَانَ يَوْمُ النّحْرِ قَامَ عَلِيّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَأَذّنَ فِي النّاسِ بِاَلّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيّهَا النّاسُ إنّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنّةَ كَافِرٌ وَلَا يَحُجّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ وَأَجّلَ النّاسَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ أَذّنَ فِيهِمْ لِيَرْجِعَ كُلّ قَوْمٍ إلَى مَأْمَنِهِمْ أَوْ بِلَادِهِمْ ثُمّ لَا عَهْدَ لِمُشْرِكٍ وَلَا ذِمّةَ إلّا أَحَدٌ كَانَ لَهُ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَهْدٌ إلَى مُدّةٍ فَهُوَ لَهُ إلَى مُدّتِهِ. فَلَمْ يَحُجّ بَعْدَ ذَلِكَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَمْ يَطُفْ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ.
ثُمّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
فَكَانَ هَذَا مِنْ بَرَاءَةٍ فِيمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الشّرْكِ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامِ وَأَهْلِ الْمُدّةِ إلَى الْأَجَلِ الْمُسَمّى.
مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِجِهَادِ الْمُشْرِكِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
ثُمّ أَمَرَ اللهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِهَادِ أَهْلِ الشّرْكِ مِمّنْ نَقَضَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْخَاصّ وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ الْعَامّ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ الْأَشْهُرِ الّتِي ضَرَبَ لَهُمْ أَجَلًا إلّا أَنْ يَعْدُوَ فِيهَا عَادٍ مِنْهُمْ فَيُقْتَلَ بِعَدَائِهِ فَقَالَ {أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُوۤاْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ ٱلرَّسُولِ وَهُم بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُمْ مُّؤُمِنِينَ (13) قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ ٱللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ (14) وَيُذْهِبْ غَيْظَ قُلُوبِهِمْ وَيَتُوبُ ٱللَّهُ} [التوبة: 13-15] أَيْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ {عَلَىٰ مَن يَشَآءُ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (15) أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَٱللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [التَّوْبَة: 15-16]
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَلِيجَةٌ دَخِيلٌ وَجَمْعُهَا: وَلَائِجُ وَهُوَ مِنْ وَلَجَ يَلِجُ أَيْ دَخَلَ يَدْخُلُ وَفِي كِتَابِ اللهِ عَزّ وَجَلّ {حَتَّىٰ يَلِجَ ٱلْجَمَلُ فِي سَمِّ ٱلْخِيَاطِ} [لأعراف:40] أَيْ يَدْخُلَ يَقُولُ لَمْ يَتّخِذُوا دَخِيلًا مِنْ دُونِهِ يُسِرّونَ إلَيْهِ غَيْرَ مَا يُظْهِرُونَ نَحْوَ مَا يَصْنَعُ الْمُنَافِقُونَ يُظْهِرُونَ الْإِيمَانَ لِلّذِينَ آمَنُوا {وَإِذَا خَلَوْاْ إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوۤاْ إِنَّا مَعَكُمْ} [الْبَقَرَة:14] قَالَ الشّاعِرُ

وَاعْلَمْ بِأَنّك قَدْ جَعَلْت وَلِيجَة *** سَاقُوا إلَيْك الْحَتْفَ غَيْرَ مَشُوبِ

مَا نَزَلَ فِي الرّدّ عَلَى قُرَيْشٍ بِادّعَائِهِمْ عِمَارَةَ الْبَيْتِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ قُرَيْشٍ: إنّا أَهْلُ الْحَرَمِ، وَسُقَاةُ الْحَاجّ وَعُمّارُ هَذَا الْبَيْتِ فَلَا أَحَدَ
أَفْضَلُ مِنّا، فَقَالَ {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَٰجِدَ ٱللَّهِ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} [التَّوْبَة:18] أَيْ إنّ عِمَارَتَكُمْ لَيْسَتْ عَلَى ذَلِكَ وَإِنّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللهِ أَيْ مَنْ عَمَرَهَا بِحَقّهَا {مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَأَقَامَ ٱلصَّلَٰوةَ وَءَاتَىٰ ٱلزَّكَٰوةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ ٱللَّهَ} [التَّوْبَة:18] أَيْ فَأُولَئِكَ عُمّارُهَا {فَعَسَىٰ أُوْلَـٰئِكَ أَن يَكُونُواْ مِنَ ٱلْمُهْتَدِينَ} [التَّوْبَة:18] وَعَسَى مِنْ اللهِ حَقّ.
ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ ٱلْحَاجِّ وَعِمَارَةَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ لاَ يَسْتَوُونَ} [التَّوْبَة:19]
مَا نَزَلَ فِي الْأَمْرِ بِقِتَالِ الْمُشْرِكِينَ
ثُمّ الْقِصّةُ عَنْ عَدُوّهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى ذِكْرِ حُنَيْنٍ، وَمَا كَانَ فِيهِ وَتَوَلّيهِمْ عَنْ عَدُوّهِمْ وَمَا أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى مِنْ نُصْرَةٍ بَعْدَ تَخَاذُلِهِمْ ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ ٱلْمَسْجِدَ ٱلْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَـٰذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً} [التوبة: 28] وَذَلِكَ أَنّ النّاسَ قَالُوا: لَتَنْقَطِعَنّ عَنّا الْأَسْوَاقُ فَلَتَهُكّنّ التّجَارَةُ وَلَيَذْهَبَنّ مَا كُنّا نُصِيبُ فِيهَا مِنْ الْمَرَافِقِ فَقَالَ اللهُ عَزّ وَجَلّ {وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ ٱللَّهُ مِن فَضْلِهِ} [التوبة: 28] أَيْ مِنْ وَجْهٍ غَيْرِ ذَلِكَ {إِن شَآءَ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (28) قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ ٱلْحَقِّ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة:28-29] أَيْ فَفِي هَذَا عِوَضٌ مِمّا تَخَوّفْتُمْ مِنْ قَطْعِ الْأَسْوَاقِ فَعَوّضَهُمْ اللهُ بِمَا قَطَعَ عَنْهُمْ بِأَمْرِ الشّرْكِ مَا أَعْطَاهُمْ مِنْ أَعْنَاقِ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْجِزْيَةِ.
مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ
ثُمّ ذَكَرَ أَهْلَ الْكِتَابَيْنِ بِمَا فِيهِ مِنْ الشّرّ وَالْفِرْيَةِ عَلَيْهِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ كَثِيراً مِّنَ ٱلأَحْبَارِ وَٱلرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ ٱلنَّاسِ بِٱلْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التَّوْبَة:34]
مَا نَزَلَ فِي النّسِيءِ
ثُمّ ذَكَرَ النّسِيءَ وَمَا كَانَتْ الْعَرَبُ أَحْدَثَتْ فِيهِ. وَالنّسِيءُ مَا كَانَ يُحِلّ مَا حَرّمَ اللهُ تَعَالَى مِنْ الشّهُورِ وَيُحَرّمُ مِمّا أَحَلّ اللهُ مِنْهَا، فَقَالَ {إِنَّ عِدَّةَ ٱلشُّهُورِ عِندَ ٱللَّهِ ٱثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ ٱللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضَ مِنْهَآ أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} [التوبة: 36] أَيْ لَا تَجْعَلُوا حَرَامَهَا حَلَالًا، وَلَا حَلَالَهَا حَرَامًا: أَيْ كَمَا فَعَلَ أَهْلُ الشّرْكِ {إِنَّمَا ٱلنَّسِيۤءُ} [التوبة: 37] الّذِي كَانُوا يَصْنَعُونَ {زِيَادَةٌ فِي ٱلْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاماً لِّيُوَاطِئُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ ٱللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوۤءُ أَعْمَالِهِمْ وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ} [التَّوْبَة:37]
مَا نَزَلَ فِي تَبُوكَ
ثُمّ ذَكَرَ تَبُوكَ وَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ تَثَاقُلِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهَا، وَمَا أَعْظَمُوا مِنْ غَزْوَةِ الرّومِ، حِينَ دَعَاهُمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جِهَادِهِمْ وَنِفَاقَ مَنْ نَافَقَ مِنْ الْمُنَافِقِينَ حِين دُعُوا إلَى مَا دُعُوا إلَيْهِ مِنْ الْجِهَادِ ثُمّ مَا نَعَى عَلَيْهِمْ مِنْ إحْدَاثِهِمْ فِي الْإِسْلَامِ فَقَالَ
تَعَالَى: {يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ ٱنفِرُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱثَّاقَلْتُمْ إِلَى ٱلأَرْضِ} [التوبة: 38] ثُمّ الْقِصّةُ إلَى قَوْله تَعَالَى: {يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ} [التَّوْبَة:39] إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ ٱللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي ٱلْغَارِ} [التَّوْبَة:40]
مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ
ثُمّ قَالَ تَعَالَى لِنَبِيّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ أَهْلَ النّفَاقِ {لَوْ كَانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قَاصِداً لاَّتَّبَعُوكَ وَلَـٰكِن بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ ٱلشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَوِ ٱسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَٱللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [التوبة: 42] أَيْ إنّهُمْ يَسْتَطِيعُونَ {عَفَا ٱللَّهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ وَتَعْلَمَ ٱلْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43] إلَى قَوْلِهِ {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ ٱلْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ} [التَّوْبَة:47]
تَفْسِيرُ ابْنِ هِشَامٍ لِبَعْضِ الْغَرِيبِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ سَارُوا بَيْنَ أَضْعَافِكُمْ فَالْإِيضَاعُ ضَرْبٌ مِنْ السّيْرِ أَسْرَعُ مِنْ الْمَشْيِ قَالَ الْأَجْدَعُ بْنُ مَالِكٍ الْهَمْدَانِيّ:

يَصْطَادُك الْوَحَدَ الْمُدِلّ بِشَأْوِهِ *** بِشَرِيجَ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ

وَهَذَا الْبَيْتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
عَوْدٌ إلَى مَا نَزَلَ فِي أَهْلِ النّفَاقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَكَانَ الّذِينَ اسْتَأْذَنُوهُ مِنْ ذَوِي الشّرَفِ فِيمَا بَلَغَنِي، مِنْهُمْ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ وَالْجَدّ بْنُ قَيْسٍ ; وَكَانُوا أَشْرَافًا فِي قَوْمِهِمْ فَثَبّطَهُمْ اللهُ لِعِلْمِهِ بِهِمْ أَنْ يَخْرُجُوا مَعَهُ فَيُفْسِدُوا عَلَيْهِ جُنْدَهُ وَكَانَ فِي جُنْدِهِ قَوْمٌ أَهْلُ مَحَبّةٍ لَهُمْ وَطَاعَةٍ فِيمَا يَدْعُونَهُمْ إلَيْهِ لِشَرَفِهِمْ فِيهِمْ. فَقَالَ تَعَالَى: {وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِٱلظَّالِمِينَ (47) لَقَدِ ٱبْتَغَوُاْ ٱلْفِتْنَةَ مِن قَبْلُ} [التوبة: 47-48] أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَسْتَأْذِنُوك، {وَقَلَّبُواْ لَكَ ٱلأُمُورَ} [التوبة: 48] أَيْ لِيُخَذّلُوا عَنْك أَصْحَابَك وَيَرُدّوا عَلَيْك أَمْرَك {حَتَّىٰ جَآءَ ٱلْحَقُّ وَظَهَرَ أَمْرُ ٱللَّهِ وَهُمْ كَارِهُونَ (48) وَمِنْهُمْ مَّن يَقُولُ ٱئْذَن لِّي وَلاَ تَفْتِنِّي أَلا فِي ٱلْفِتْنَةِ سَقَطُواْ} [التَّوْبَة:48-49] وَكَانَ الّذِي قَالَ ذَلِكَ. فِيمَا سُمّيَ لَنَا، الْجَدّ بْنُ قَيْسٍ، أَخُو بَنِي سَلِمَةَ، حِين دَعَاهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى جِهَادُ الرّومِ. ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَئاً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَّوَلَّوْاْ إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (57) وَمِنْهُمْ مَّن يَلْمِزُكَ فِي ٱلصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُواْ مِنْهَا رَضُواْ وَإِن لَّمْ يُعْطَوْاْ مِنهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ} [التَّوْبَة:57-58] أَيْ إنّمَا نِيّتُهُمْ وَرِضَاهُمْ وَسُخْطُهُمْ لِدُنْيَاهُمْ.
مَا نَزَلَ فِي ذِكْرِ أَصْحَابِ الصّدَقَاتِ
ثُمّ بَيّنَ الصّدَقَاتِ لِمَنْ هِيَ وَسَمّى أَهْلَهَا، فَقَالَ {إِنَّمَا ٱلصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَآءِ وَٱلْمَسَاكِينِ وَٱلْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَٱلْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ ٱللَّهِ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التَّوْبَة:60]
مَا نَزَلَ فِيمَنْ آذَوْا الرّسُولَ
ثُمّ ذَكَرَ غِشّهُمْ وَأَذَاهُمْ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ {وَمِنْهُمُ ٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ ٱلنَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَٱلَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ ٱللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التَّوْبَة: 61] وَكَانَ الّذِي يَقُولُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ فِيمَا بَلَغَنِي، نَبْتَلُ بْنُ الْحَارِثِ أَخُو بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَفِيهِ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَذَلِكَ أَنّهُ كَانَ يَقُولُ إنّمَا مُحَمّدٌ أُذُنٌ مَنْ حَدّثَهُ شَيْئًا صَدّقَهُ. يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: {قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ} [التَّوْبَة: 61] أَيْ يَسْمَعُ الْخَيْرَ وَيُصَدّقُ بِهِ.
ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُواْ مُؤْمِنِينَ} [التَّوْبَة: 62] ثُمّ قَالَ {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِٱللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ} [التوبة: 65] إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِن نَّعْفُ عَن طَآئِفَةٍ مِّنْكُمْ نُعَذِّبْ طَآئِفَةً} [التَّوْبَة: 66] وَكَانَ الّذِي قَالَ وَدِيعَةُ بْنُ ثَابِتٍ، أَخُو بَنِي أُمَيّةَ بْنِ زَيْدٍ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْف وَكَانَ الّذِي عُفِيَ عَنْهُ فِيمَا بَلَغَنِي: مُخَشّنُ بْنُ حُمَيّرٍ الْأَشْجَعِيّ، حَلِيفُ بَنِي سَلِمَةَ، وَذَلِكَ أَنّهُ أَنْكَرَ مِنْهُمْ بَعْضَ مَا سَمِعَ.
ثُمّ الْقِصّةُ مِنْ صِفَتِهِمْ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {يٰأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ جَاهِدِ ٱلْكُفَّارَ وَٱلْمُنَافِقِينَ وَٱغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِٱللَّهِ مَا قَالُواْ وَلَقَدْ قَالُواْ كَلِمَةَ ٱلْكُفْرِ وَكَفَرُواْ بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَهَمُّواْ بِمَا لَمْ يَنَالُواْ وَمَا نَقَمُوۤاْ إِلاَّ أَنْ أَغْنَاهُمُ ٱللَّهُ وَرَسُولُهُ مِن فَضْلِهِ} [التَّوْبَة: 73، 74] إلَى قَوْلِهِ: {مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ} [التَّوْبَة: 74] وَكَانَ الّذِي قَالَ تِلْكَ الْمَقَالَةَ الْجُلَاسُ بْنُ سُوَيْدِ بْنِ صَامِتٍ فَرَفَعَهَا عَلَيْهِ رَجُلٌ كَانَ فِي حُجْرَةٍ يُقَالُ لَهُ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ فَأَنْكَرَهَا وَحَلَفَ بِاَللهِ مَا قَالَهَا، فَلَمّا نَزَلَ فِيهِمْ الْقُرْآنُ تَابَ وَنَزَعَ وَحَسُنَتْ حَالُهُ وَتَوْبَتُهُ فِيمَا بَلَغَنِي.
ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَمِنْهُمْ مَّنْ عَاهَدَ ٱللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ ٱلصَّالِحِينَ} [التَّوْبَة: 75] وَكَانَ الّذِي عَاهَدَ اللهَ مِنْهُمْ ثَعْلَبَةُ بْنُ حَاطِبٍ، وَمُعَتّبُ بْنُ قُشَيْرٍ، وَهُمَا مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ.
ثُمّ قَالَ {ٱلَّذِينَ يَلْمِزُونَ ٱلْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ ٱللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [التَّوْبَة: 79] وَكَانَ الْمُطّوّعُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصّدَقَاتِ عَبْدَ الرّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَعَاصِمَ بْنَ عَدِيّ أَخَا بَنِي الْعَجْلَانِ وَذَلِكَ أَنّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَغِبَ فِي الصّدَقَةِ وَحَضّ عَلَيْهَا، فَقَامَ عَبْدُ الرّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَتَصَدّقَ بِأَرْبَعَةِ آلَافِ دِرْهَمٍ وَقَامَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيّ، فَتَصَدّقَ بِمِائَةِ وَسْقٍ مِنْ تَمْرٍ فَلَمَزُوهُمَا وَقَالُوا: مَا هَذَا إلّا رِيَاءٌ وَكَانَ الّذِي تَصَدّقَ بِجُهْدِهِ أَبُو عُقَيْلٍ أَخُو بَنِي أُنَيْفٍ أَتَى بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ فَأَفْرَغَهَا فِي الصّدَقَةِ فَتَضَاحَكُوا بِهِ وَقَالُوا: إنّ اللهَ لَغَنِيّ عَنْ صَاعِ أَبِي عُقَيْلٍ.
ثُمّ ذَكَرَ قَوْلَ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ حِينَ أَمَرَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجِهَادِ وَأَمَرَ بِالسّيْرِ إلَى تَبُوكَ، عَلَى شِدّةِ الْحَرّ وَجَدْبِ الْبِلَادِ فَقَالَ تَعَالَى: {وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي ٱلْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81) فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيراً جَزَآءً بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [التَّوْبَة: 81-82] إلَى قَوْلِهِ {وَلاَ تُعْجِبْكَ أَمْوَٰلُهُمْ وَأَوْلَـٰدُهُمْ} [التَّوْبَة: 85] .
مَا نَزَلَ بِسَبَبِ صَلَاةِ النّبِيّ عَلَى ابْنِ أُبَيّ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي الزّهْرِيّ عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ، قَالَ:
سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطّابِ يَقُولُ: لَمّا تُوُفّيَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيّ، دُعِيَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلصّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَامَ إلَيْهِ فَلَمّا وَقَفَ عَلَيْهِ يُرِيدُ الصّلَاةَ تَحَوّلْت حَتّى قُمْت فِي صَدْرِهِ فَقُلْت: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلّي عَلَى عَدُوّ الله عبد اللهِ بْنِ أُبَيّ ابْنِ سَلُولَ؟ الْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ
كَذَا، وَالْقَائِلِ كَذَا يَوْمَ كَذَا؟ أُعَدّدُ أَيّامَهُ وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَبَسّمُ حَتّى إذَا أَكْثَرْت قَالَ «يَا عُمَرُ أَخّرْ عَنّي، إنّي قَدْ خُيّرْت فَاخْتَرْت، قَدْ قِيلَ لِي: {ٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ} [التَّوْبَة: 80] فَلَوْ أَعْلَمُ أَنّي إنْ زِدْت عَلَى السّبْعِينَ غُفِرَ لَهُ لَزِدْت». قَالَ ثُمّ صَلّى عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَشَى مَعَهُ حَتّى قَامَ عَلَى قَبْرِهِ حَتّى فُرِغَ مِنْهُ. قَالَ فَعَجِبْت لِي وَلِجُرْأَتِي عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَوَاَللهِ مَا كَانَ إلّا يَسِيرًا حَتّى نَزَلَتْ هَاتَانِ الْآيَتَانِ: {وَلاَ تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ} [التَّوْبَة: 84] فَمَا صَلّى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ عَلَى مُنَافِقٍ حَتّى قَبَضَهُ اللهُ تَعَالَى.
مَا نَزَلَ فِي الْمُسْتَأْذِنِينَ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَآ أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَجَاهِدُواْ مَعَ رَسُولِهِ ٱسْتَأْذَنَكَ أُوْلُواْ ٱلطَّوْلِ مِنْهُمْ} [التوبة: 86] وَكَانَ ابْنُ أُبَيّ مِنْ أُولَئِكَ فَنَعَى اللهُ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَذَكَرَهُ مِنْهُ ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {لَـٰكِنِ ٱلرَّسُولُ وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ جَاهَدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأُوْلَـٰئِكَ لَهُمُ ٱلْخَيْرَاتُ وَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ (88)  أَعَدَّ ٱللَّهُ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذٰلِكَ ٱلْفَوْزُ ٱلْعَظِيمُ (89) وَجَآءَ ٱلْمُعَذِّرُونَ مِنَ ٱلأَعْرَابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ وَقَعَدَ ٱلَّذِينَ كَذَبُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التَّوْبَة: 88-90] إلَى آخِرِ الْقِصّةِ. وَكَانَ الْمُعَذّرُونَ، فِيمَا بَلَغَنِي نَفَرًا مِنْ بَنِي غِفَارٍ، مِنْهُمْ خُفَافُ بْنُ إيمَاءِ بْنِ رَحَضَةَ، ثُمّ كَانَتْ الْقِصّةُ لِأَهْلِ الْعُذْرِ حَتّى انْتَهَى إلَى قَوْلِهِ: {وَلاَ عَلَى ٱلَّذِينَ إِذَا مَآ أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَآ أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَّأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمْعِ حَزَناً أَلاَّ يَجِدُواْ مَا يُنْفِقُونَ} [التَّوْبَة: 92] وَهُمْ الْبَكّاءُونَ.
ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا ٱلسَّبِيلُ عَلَى ٱلَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَآءُ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ ٱلْخَوَالِفِ وَطَبَعَ ٱللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [التوبة: 93] وَالْخَوَالِفُ النّسَاءُ. ثُمّ ذَكَرَ حَلِفَهُمْ لِلْمُسْلِمِينَ وَاعْتِذَارَهُمْ فَقَالَ: {فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ} [التوبة: 95] إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَرْضَىٰ عَنِ ٱلْقَوْمِ ٱلْفَاسِقِينَ} [التوبة: 96] .
مَا نَزَلَ فِيمَنْ نَافَقَ مِنْ الْأَعْرَابِ
ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ وَمَنْ نَافَقَ مِنْهُمْ وَتَرَبّصَهُمْ بِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالْمُؤْمِنِينَ فَقَالَ: {وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ} [التوبة: 98] أَيْ مِنْ صَدَقَةٍ أَوْ نَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ الله {مَغْرَماً وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ ٱلدَّوَائِرَ عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ ٱلسَّوْءِ وَٱللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [التوبة: 98] ثُمّ ذَكَرَ الْأَعْرَابَ أَهْلَ الْإِخْلَاصِ وَالْإِيمَانِ مِنْهُم فَقَالَ: {وَمِنَ ٱلأَعْرَابِ مَن يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِندَ ٱللَّهِ وَصَلَوَاتِ ٱلرَّسُولِ أَلاۤ إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَّهُمْ} [التَّوْبَة: 99] .
مَا نَزَلَ فِي السّابِقِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ
ثُمّ ذَكَرَ السّابِقِينَ الْأَوّلِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَفَضْلَهُمْ وَمَا وَعَدَهُمْ اللهُ مِنْ حُسْنِ ثَوَابِهِ إيّاهُمْ ثُمّ أَلْحَقَ بِهِمْ التّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ فَقَالَ {رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ} [التَّوْبَة: 100] ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِّنَ ٱلأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ} [التوبة: 101] أي لَجّوا فِيهِ وَأَبَوْا غَيْرَهُ {سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ} [التوبة: 101] وَالْعَذَابُ الّذِي أَوْعَدَهَا اللهُ تَعَالَى مَرّتَيْنِ فِيمَا بَلَغَنِي: غَمّهُمْ بِمَا هُمْ فِيهِ مِنْ أَمْرِ الْإِسْلَامِ وَمَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْظِ ذَلِكَ عَلَى غَيْرِ حِسْبَةٍ ثُمّ عَذَابُهُمْ فِي الْقُبُورِ إذَا صَارُوا إلَيْهَا، ثُمّ الْعَذَابُ الْعَظِيمُ الّذِي يَرُدّونَ إلَيْهِ عَذَابُ النّارِ وَالْخُلْدِ فِيهِ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ ٱعْتَرَفُواْ بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُواْ عَمَلاً صَالِحاً وَآخَرَ سَيِّئاً عَسَى ٱللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 102].
ثمَّ قَالَ تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} [التَّوْبَة:103] إِلَى آخر الْقِصَّة. ثمَّ قَالَ تَعَالَى: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لأَمْرِ ٱللَّهِ إِمَّا يُعَذِّبُهُمْ وَإِمَّا يَتُوبُ عَلَيْهِمْ} [التَّوْبَة:106] وَهُمْ الثّلَاثَةُ الّذِينَ خُلّفُوا، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَهُمْ حَتّى أَتَتْ مِنْ اللهِ تَوْبَتُهُمْ. ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {وَٱلَّذِينَ ٱتَّخَذُواْ مَسْجِداً ضِرَاراً} [التَّوْبَة:107] إِلَى آخر الْقِصّةَ ثُمّ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ ٱللَّهَ ٱشْتَرَىٰ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ ٱلْجَنَّةَ} [التَّوْبَة:111] ثُمّ كَانَ قِصّةُ الْخَبَرِ عَنْ تَبُوكَ، وَمَا كَانَ فِيهَا إلَى آخِرِ السّورَةِ.
وَكَانَتْ بَرَاءَةٌ تُسَمّى فِي زَمَانِ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْدَهُ الْمُبَعْثِرَةَ لِمَا كَشَفَتْ مِنْ سَرَائِرِ النّاسِ. وَكَانَتْ تَبُوكُ آخِرَ غَزْوَةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
شِعْرُ حَسّانَ الّذِي عَدّدَ فِيهِ الْمَغَازِيَ
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ يُعَدّدُ أَيّامَ الْأَنْصَارِ مَعَ النّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَذْكُرُ مَوَاطِنَهُمْ مَعَهُ فِي أَيّامِ غَزْوِهِ.
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَتُرْوَى لِابْنِهِ عَبْدِ الرّحْمَنِ بْنِ حَسّانَ:

أَلَسْت خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا *** وَمَعْشَرًا إنْ هُمْ عُمّوا وَإِنْ حُصِلُوا
قَوْمٌ هُمْ شَهِدُوا بَدْرًا بِأَجْمَعِهِمْ *** مَعَ الرّسُولِ فَمَا آلَوْا وَمَا خَذَلُوا
وَبَايَعُوهُ فَلَمْ يَنْكُثْ بِهِ أَحَدٌ *** مِنْهُمْ وَلَمْ يَكُ فِي إيمَانِهِمْ دَخَلُ
وَيَوْمَ صَبّحَهُمْ فِي الشّعْبِ مِنْ أُحُدٍ *** ضَرْبٌ رَصِينٌ كَحَرّ النّارِ مُشْتَعِلُ
وَيَوْمَ ذِي قَرَدٍ يَوْمَ اسْتَثَارَ بِهِمْ *** عَلَى الْجِيَادِ فَمَا خَامُوا وَمَا نَكَلُوا
وَذَا الْعُشَيْرَةِ جَاسُوهَا بِخَيْلِهِمْ *** مَعَ الرّسُولِ عَلَيْهَا الْبَيْضُ وَالْأَسَلُ
وَيَوْمَ وَدّانَ أَجْلَوْا أَهْلَهُ رَقَصًا *** بِالْخَيْلِ حَتّى نَهَانَا الْحَزْنُ وَالْجَبَلُ
وَلَيْلَةً طَلَبُوا فِيهَا عَدُوّهُمْ *** لِلّهِ وَاَللهُ يَجْزِيهِمْ بِمَا عَمِلُوا
وَغَزْوَةً يَوْمَ نَجْدٍ ثُمّ كَانَ لَهُمْ *** مَعَ الرّسُولِ بِهَا الْأَسْلَابُ وَالنّفَلُ
وَلَيْلَةً بِحُنَيْنٍ جَالَدُوا مَعَهُ *** فِيهَا يَعِلّهُمُ بِالْحَرْبِ إذْ نَهَلُوا
وَغَزْوَةَ الْقَاعِ فَرّقْنَا الْعَدُوّ بِهِ *** كَمَا تَفَرّقَ دُونَ الْمَشْرَبِ الرّسَلُ
وَيَوْمَ بُويِعَ كَانُوا أَهْلَ بَيْعَتِهِ *** عَلَى الْجِلَادِ فَآسَوْهُ وَمَا عَدَلُوا
وَغَزْوَةَ الْفَتْحِ كَانُوا فِي سَرِيّتِهِ *** مُرَابِطِينَ فَمَا طَاشُوا وَمَا عَجِلُوا
وَيَوْمَ خَيْبَرَ كَانُوا فِي كَتِيبَتِهِ *** يَمْشُونَ كُلّهُمْ مُسْتَبْسِلٌ بَطَلُ
بِالْبَيْضِ تَرْعَشُ فِي الْأَيْمَانِ عَارِيَةً *** تَعْوَجّ فِي الضّرْبِ أَحْيَانًا وَتَعْتَدِلُ
وَيَوْمَ سَارَ رَسُولُ اللهِ مُحْتَسِبًا *** إلَى تَبُوكَ وَهُمْ رَايَاتُهُ الْأُوَلُ
وَسَاسَةُ الْحَرْبِ إنْ حَرْبٌ بَدَتْ لَهُمْ *** حَتّى بَدَا لَهُمْ الْإِقْبَالُ وَالْقَفَلُ
أُولَئِكَ الْقَوْمُ أَنْصَارُ النّبِيّ وَهُمْ *** قَوْمِي أَصِيرُ إلَيْهِمْ حِينَ أَتّصِلُ
مَاتُوا كِرَامًا وَلَمْ تُنْكَثْ عُهُودُهُمْ *** وَقَتْلُهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ إذْ قُتِلُوا

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ عَجُزُ آخِرِهَا بَيْتًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:

كُنّا مُلُوكَ النّاسِ قَبْلَ مُحَمّدٍ *** فَلَمّا أَتَى الْإِسْلَامُ كَانَ لَنَا الْفَضْلُ
وَأَكْرَمَنَا اللهُ الّذِي لَيْسَ غَيْرَهُ *** إلَهٌ بِأَيّامٍ مَضَتْ مَا لَهَا شَكْلُ
بِنَصْرِ الْإِلَهِ وَالرّسُولِ وَدِينِهِ *** وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا مَضَى مَا لَهُ مِثْلُ
أُولَئِكَ قَوْمِي خَيْرُ قَوْمِك بِأَسْرِهِمْ *** فَمَا عُدّ مِنْ خَيْرٍ فَقَوْمِي لَهُ أَهْلُ
يَرُبّونَ بِالْمَعْرُوفِ مَعْرُوفَ مَنْ مَضَى *** وَلَيْسَ عَلَيْهِمْ دُونَ مَعْرُوفِهِمْ قَفْلُ
إذَا اخْتُبِطُوا لَمْ يُفْحِشُوا فِي نَدِيّهِمْ *** وَلَيْسَ عَلَى سُؤَالِهِمْ عِنْدَهُمْ بُخْلُ
وَإِنْ حَارَبُوا أَوْ سَالَمُوا لَمْ يُشَبّهُوا *** فَحَرْبُهُمْ حَتْفٌ وَسِلْمُهُمْ سَهْلُ
وَجَارُهُمْ مُوفٍ بِعَلْيَاءِ بَيْتِهِ *** لَهُ مَا ثَوَى فِينَا الْكَرَامَةُ وَالْبَذْلُ
وَحَامِلُهُمْ مُوفٍ بِكُلّ حَمَالَةٍ *** تَحَمّلَ لَا غُرْمٌ عَلَيْهَا وَلَا خَذْلُ
وَقَائِلُهُمْ بِالْحَقّ إنْ قَالَ قَائِلٌ *** وَحِلْمُهُمْ عَوْدٌ وَحُكْمُهُمْ عَدْلُ
وَمِنّا أَمِيرُ الْمُسْلِمِينَ حَيَاتَهُ *** وَمَنْ غَسّلَتْهُ مِنْ جَنَابَتِهِ الرّسْلُ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَقَوْلُهُ وَأَلْبَسَنَاهُ اسْمًا عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ أَيْضًا:

قَوْمِي أُولَئِكَ إنْ تَسْأَلِي *** كِرَامٌ إذَا الضّيْفُ يَوْمًا أَلَمْ
عِظَامُ الْقُدُورِ لِأَيْسَارِهِمْ *** يَكُبّونَ فِيهَا الْمُسِنّ السّنِمْ
يُؤَاسُونَ جَارَهُمْ فِي الْغِنَى *** وَيَحْمُونَ مَوْلَاهُمْ إنْ ظُلِمْ
فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيهِمْ *** يُنَادُونَ عَضْبًا بِأَمْرٍ غُشُمْ
مُلُوكًا عَلَى النّاسِ لَمْ يُمْلَكُوا *** مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ القَسَمْ
فَأَنْبَوْا بِعَادٍ وَأَشْيَاعِهَا *** ثَمُودَ وَبَعْضِ بَقَايَا إرَمْ
بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ *** حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ
نَوَاضِحَ قد علمتها الْيَهُود *** (عَلْ) إلَيْك وَقَوْلًا هَلُمْ
وَفِيمَا اشْتَهَوْا مِنْ عَصِيرِ الْقِطَا *** فِ وَالْعَيْشِ رَخْوًا عَلَى غَيْرِهِمْ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ بِأَثْقَالِنَا *** عَلَى كُلّ فَحْلٍ هِجَانٍ قَطِمْ
جَنَبْنَا بِهن جِيَاد الْخُيُول *** قَدْ جَلّلُوهَا جِلَالَ الْأَدَمْ
فَلَمّا أَنَاخُوا بِجَنْبَيْ صِرَارٍ *** وَشَدّوا السّرُوجَ بِلَيّ الحُزُمْ
فَمَا رَاعَهُمْ غير معج الْخُيُول *** وَالزّحْفُ مِنْ خَلْفِهِمْ قَدْ دَهِمْ
فَطَارُوا سِرَاعًا وَقَدْ أُفْزِعُوا *** وَجِئْنَا إلَيْهِمْ كَأُسْدِ الأُجُمْ
عَلَى كُلّ سَلْهَبَةٍ فِي الصّيَا *** نِ لَا يَشْتَكِينَ نُحُولَ السّأَمْ
بِكُلّ صَقِيلٍ لَهُ مَيْعَةٌ *** رَقِيقِ الذّبَابِ عَضُوضٍ خَذِمْ
إذَا مَا يُصَادف صم الْعِظَام *** لَمْ يَنْبُ عَنْهَا وَلَمْ يَنْثَلِمْ
فَذَلِكَ مَا وَرّثَتْنَا الْقُرُو *** مُ مَجْدًا تَلِيدًا وَعِزّا أَشَمّ
إذَا مَرّ نَسْلٌ كَفَى نَسْلُهُ *** وَغَادَرَ نَسْلًا إذَا مَا انْفَصَمْ
فَمَا إنْ مِنْ النّاسِ إلّا لَنَا *** عَلَيْهِ وَإِنْ خَاصَ فَضْلُ النّعَمْ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيّ بَيْتَهُ:

فَكَانُوا مُلُوكًا بِأَرْضِيهِمْ *** يُنَادُونَ غُضْبًا بِأَمْرٍ غُشُمْ

وَأَنْشَدَنِي:

بِيَثْرِبَ قَدْ شَيّدُوا فِي النّخِيلِ *** حُصُونًا وَدُجّنَ فِيهَا النّعَمْ

وَبَيْتَهُ “وَكُلّ كُمَيْتٍ مُطَارِ الْفُؤَادِ” عَنْهُ.


 

إنْزَالُ سُورَةِ بَرَاءَةٌ
كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ مِنْ تَبُوكَ، فَذَكَرَ مُخَالَطَةَ الْمُشْرِكِينَ لِلنّاسِ فِي حَجّهِمْ وَتَلْبِيَتِهِمْ بِالشّرْكِ وَطَوَافِهِمْ عُرَاةً بِالْبَيْتِ، وَكَانُوا يَقْصِدُونَ بِذَلِكَ أَنْ يَطُوفُوا كَمَا وُلِدُوا بِغَيْرِ الثّيَابِ الّتِي أَذْنَبُوا فِيهَا، وَظَلَمُوا، فَأَمْسَكَ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – عَنْ الْحَجّ فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَبَعَثَ أَبَا بَكْرٍ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – بِسُورَةِ بَرَاءَةٌ لِيَنْبِذَ إلَى كُلّ ذِي عَهْدٍ عَهْدَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ إلّا بَعْضَ بَنِي بَكْرٍ الّذِينَ كَانَ لَهُمْ عَهْدٌ إلَى أَجَلٍ خَاصّ، ثُمّ أَرْدَفَ بِعَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَرَجَعَ أَبُو بَكْرٍ لِلنّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ هَلْ أُنْزِلَ فِيّ قُرْآنٌ؟ قَالَ: «لَا، وَلَكِنْ أَرَدْت أَنْ يُبَلّغَ عَنّي مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي،» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَمَرَنِي عَلِيّ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – أَنْ أَطُوفَ فِي الْمَنَازِلِ مِنْ مِنًى بِبَرَاءَةٌ فَكُنْت أَصِيحُ حَتّى صَحِلَ حَلْقِي، فَقِيلَ لَهُ بِمَ كُنْت تُنَادِي؟ فَقَالَ بِأَرْبَعٍ أَلّا يَدْخُلَ الْجَنّةَ إلّا مُؤْمِنٌ وَأَلّا يَحُجّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَأَلّا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ فَلَهُ أَجَلٌ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ ثُمّ لَا عَهْدَ لَهُ وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إذَا سَمِعُوا النّدَاءَ بِبَرَاءَةٌ يَقُولُونَ لِعَلِيّ سَتَرَوْنَ بَعْدَ الْأَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ بِأَنّهُ لَا عَهْدَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ابْنِ عَمّك إلّا الطّعْنُ وَالضّرْبُ ثُمّ إنّ النّاسَ فِي ذَلِكَ الْمُدّةِ رَغِبُوا فِي الْإِسْلَامِ حَتّى دَخَلُوا فِيهِ طَوْعًا وَكَرْهًا، وَحَجّ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَامِ الْقَابِلِ وَحَجّ الْمُسْلِمُونَ وَقَدْ عَادَ الدّينُ كُلّهُ وَاحِدًا لِلّهِ رَبّ الْعَالَمِينَ.
وَأَمّا النّدَاءُ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ بِأَنّهَا أَيّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَفِي بَعْضِ الرّوَايَاتِ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ فَإِنّ الّذِي أُمِرَ أَنْ يُنَادِيَ بِذَلِكَ فِي أَيّامِ التّشْرِيقِ هُوَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ وَأَوْسُ بْنُ الْحَدَثَانِ وَفِي الصّحِيحِ أَنّ زَيْدَ بْنَ مِرْبَعٍ وَيُقَالُ فِيهِ أَيْضًا: عَبْدُ اللهِ بْنُ مِرْبَعٍ كَانَ مِمّنْ أُمِرَ أَنْ يُنَادِيَ بِذَلِكَ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عَنْ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ الْغِفَارِيّ وَقَدْ رُوِيَ أَنّ حُذَيْفَةَ كَانَ الْمُنَادِيَ بِذَلِكَ وَعَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقّاصٍ أَيْضًا، وَبِلَالٍ ذَكَرَ بَعْضَ ذَلِكَ الْبَزّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَقَدْ قِيلَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِذَا ٱنسَلَخَ ٱلأَشْهُرُ ٱلْحُرُمُ} [التَّوْبَة:5] أَنّهُ أَرَادَ ذَا الْحِجّةِ وَالْمُحَرّمَ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ وَأَنّهُ جَعَلَ ذَلِكَ أَجَلًا لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَمَنْ كَانَ لَهُ عَهْدٌ جَعَلَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ أَوّلُهَا يَوْمُ النّحْرِ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَوْمَ ٱلْحَجِّ ٱلأَكْبَرِ} [التَّوْبَة:3] قِيلَ أَرَادَ حِينَ الْحَجّ أَيْ أَيّامَ الْمَوْسِمِ كُلّهَا، لِأَنّ نِدَاءَ عَلِيّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ بِبَرَاءَةٌ كَانَ فِي تِلْكَ الْأَيّامِ.
مَا نَزَلَ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ:
فَصْلٌ وَذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ مَا أَنْزَلَ اللهُ فِي سُورَةِ بَرَاءَةٌ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَأَهْلُ التّفْسِيرِ يَقُولُونَ إنّ آخِرَهَا نَزَلَ قَبْلَ أَوّلِهَا، فَإِنّ أَوّلَ مَا نَزَلَ مِنْهَا:
{ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً} [التَّوْبَة:41] ثُمّ نَزَلَ أَوّلُهَا فِي نَبْذِ كُلّ عَهْدٍ إلَى صَاحِبِهِ كَمَا تَقَدّمَ.
وَقَوْلُهُ {{ٱنْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً} [التَّوْبَة:41] فِيهِ أَقْوَالٌ قِيلَ مَعْنَاهُ شُبّانًا وَشُيُوخًا، وَقِيلَ أَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ وَقِيلَ أَصْحَابَ شُغْلٍ وَغَيْرَ ذِي شُغْلٍ وَقِيلَ رُكْبَانًا وَرَجّالَةً.
عَنْ الْأَجْدَعِ بْنِ مَالِكٍ
وَأَنْشَدَ شَاهِدًا عَلَى أَوْضَعُوا خِلَالَكُمْ لِلْأَجْدَعِ بْنِ مَالِكٍ وَالِدِ مَسْرُوقِ بْنِ الْأَجْدَعِ وَقَدْ غَيّرَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ اسْمَ الْأَجْدَعِ وَقَالَ الْأَجْدَعُ اسْمُ شَيْطَانٍ فَسَمّاهُ عَبْدَ الرّحْمَنِ وَيُكَنّى مَسْرُوقٌ أَبَا عَائِشَةَ.
وَقَوْلُهُ فِي الْبَيْتِ يَصْطَادُك الْوَحَدَ أَيْ يَصْطَادُ بِك، وَأَرَادَ بِالْوَحَدِ الثّوْرَ الْوَحْشِيّ.
وَقَوْلُهُ بِشَرِيجٍ بَيْنَ الشّدّ وَالْإِيضَاعِ يُقَالُ هُمَا شَرِيجَانِ أَيْ مُخْتَلِفَانِ وَقَبْلَ هَذَا الْبَيْتِ بِأَبْيَاتٍ فِي شِعْرِ الْأَجْدَعِ

أَسَأَلْتنِي بِرَكَائِبِي وَرِحَالِهَا *** وَنَسِيت قَتْلَى فَوَارِسِ الْأَرْبَاعِ

وَذَكَرَهُ أَبُو عَلِيّ [الْقَالِي] فِي الْأَمَالِي، فَقَالَ وَسَأَلْتنِي بِالْوَاوِ وَقَدْ خَطّئُوهُ وَقَالُوا: إنّمَا هُوَ أَسَأَلْتنِي. وَفَوَارِسُ الْأَرْبَاعِ قَدْ سَمّاهُمْ أَبُو عَلِيّ فِي الْأَمَالِي، وَذَكَرَ لَهُمْ خَبَرًا.
إعْطَاءُ الْجِزْيَةِ عَنْ يَدٍ
وَذَكَرَ قَوْلَهُ تَعَالَى: {حَتَّىٰ يُعْطُواْ ٱلْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التَّوْبَة:29] وَقِيلَ فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ أَيْضا:
أَحَدُهَا: أَنْ يُؤَدّيَهَا الذّمّيّ بِنَفْسِهِ وَلَا يُرْسِلَهَا مَعَ غَيْرِهِ.
الثّانِي: أَنْ يُؤَدّيَهَا قَائِمًا، وَاَلّذِي يَأْخُذُهَا قَاعِدًا.
الثّالِثُ: أَنّ مَعْنَاهُ عَنْ قَهْرٍ وَإِذْلَالٍ.
الرّابِعُ: أَنّ مَعْنَاهُ عَنْ يَدٍ مِنْكُمْ أَيْ إنْعَامٍ عَلَيْهِمْ بِحَقْنِ دِمَائِهِمْ وَأَخْذِ الْجِزْيَةِ مِنْهُمْ بَدَلًا مِنْ الْقَتْلِ كُلّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مَذْكُورَةٌ فِي كُتُبِ الْمُفَسّرِينَ وَلَفْظُ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ هَذِهِ الْمَعَانِي، وَاَللهُ أَعْلَمُ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فِي هَذِهِ الْآيَةِ {قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ وَلاَ بِٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ} [التَّوْبَة:29] وَإِنْ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يُصَدّقُونَ بِالْآخِرَةِ فَمَعْنَاهُ فِيمَا ذَكَرَ ابْنُ سَلّامٍ أَنّ أَهْلَ الْكِتَابِ لَا يَقُولُونَ بِإِعَادَةِ الْأَجْسَادِ وَيَقُولُونَ إنّ الْأَرْوَاحَ هِيَ الّتِي تُبْعَثُ دُونَ الْأَجْسَادِ.
مِنْ الْمُعَذّرِينَ
وَذَكَرَ فِي الْمُعَذّرِينَ خُفَافَ بْنَ إيمَاءَ بْنِ رَحْضَةَ، وَيُقَالُ فِيهِ رُحْضَةُ بِالضّمّ ابْنُ خَرِبَةَ وَكَانَ لَهُ وَلِأَبِيهِ إيمَاءَ وَلِجَدّهِ رَحْضَةَ صُحْبَةٌ. مَاتَ خُفَافٌ فِي خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطّابِ – رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – وَكَانَ إمَامًا لِبَنِي غِفَارٍ وَذَكَرَ ابْنَ عُقَيْلٍ صَاحِبَ الصّاعِ الّذِي لَمَزَهُ الْمُنَافِقُونَ وَاسْمُهُ جَثْجَاثٌ وَقَدْ قِيلَ فِي صَاحِبِ الصّاعِ أَنّهُ رِفَاعَةُ بْنُ سَهْلٍ
قَصِيدَةُ حَسّانَ الْمِيمِيّةُ
فَصْلٌ وَذَكَرَ كَلِمَةَ حَسّانَ الْمِيمِيّةَ وَفِيهَا:

أَلَسْت خَيْرَ مَعَدّ كُلّهَا نَفَرًا

وَحَسّانُ لَيْسَ مِنْ مَعَدّ وَلَكِنْ أَرَادَ أَلَسْت خَيْرَ النّاسِ فَأَقَامَ مَعَدّا لِكَثْرَتِهَا مَقَامَ النّاسِ.
وَفِيهَا:

وَنَادِ جِهَارًا وَلَا تَحْتَشِمْ

وَفِيهَا رَدّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنّ الْحِشْمَةَ لَا تَكُونُ إلّا بِمَعْنَى الْغَضَبِ وَأَنّهَا مِمّا يَضَعُهَا النّاسُ غَيْرَ مَوْضِعِهَا، وَقَدْ جَاءَ عَنْ ابْنِ عَبّاسٍ: لِكُلّ طَاعِمٍ حِشْمَةٌ فَابْدَءُوهُ بِالْيَمِينِ وَفِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ لَا يَرْفَعَنّ أَحَدُكُمْ يَدَهُ عَنْ الطّعَامَ قَبْلَ أَكِيلِهِ فَإِنّ ذَلِكَ مِمّا يَحْشِمُه
وَأَنْشَدَ أَبُو الْفَرَجِ لِمُحَمّدِ بْنِ يَسِيرٍ وَإِنْ كَانَ لَيْسَ مِثْلُ حَسّانَ فِي الْحُجّةِ

فِي انْقِبَاضٍ وَحِشْمَةٍ فَإِذَا *** جَالَسْت أَهْلَ الْوَفَاءِ وَالْكَرَمِ
أَرْسَلْت نَفْسِي عَلَى سَجِيّتِهَا *** وَقُلْت مَا شِئْت غَيْرَ مُحْتَشِمِ

وَفِيهَا قَوْلُهُ

وَكَانُوا مُلُوكًا، وَلَمْ يَمْلِكُوا *** مِنْ الدّهْرِ يَوْمًا كَحِلّ القَسَمْ

فِيهِ شَاهِدٌ لِمَا قَالَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي تَفْسِيرِ كَحِلّةِ الْقَسَمِ وَخِلَافُهُ لِأَبِي عُبَيْدٍ، وَقَدْ قَدّمْنَا قَوْلَهُمَا فِيمَا تَقَدّمَ مِنْ شَرْحِ قَصِيدَةِ كَعْبِ بْنِ زُهَيْرٍ
وَأَنْشَدَ ابْنُ قُتَيْبَةَ:

إذَا عَصَفَتْ رِيحٌ فَلَيْسَ بِقَائِمٍ *** بِهَا وَتَدٌ إلّا تَحِلّةَ مُقْسِمِ

وَأَنْشَدَ أَيْضًا:

قَلِيلًا كَتَحْلِيلِ الْأُلَى ثُمّ أَصْبَحَتْ

الْبَيْتَ. وَقَوْلُهُ وَعِزّا أَشَمْ هُوَ كَقَوْلِ الْعَرَبِ: عِزّةٌ قَعْسَاءُ يُرِيدُ شَمّاءُ لِأَنّ الْأَقْعَسَ الّذِي يُخْرِجُ صَدْرَهُ وَيُدْخِلُ ظَهْرَهُ وَقَدْ فَسّرَهُ الْمُبَرّدُ غَيْرَ هَذَا التّفْسِيرِ وَبَيْتُ حَسّانَ يَشْهَدُ لِمَا قُلْنَاهُ إنّمَا هُوَ الشّمَمُ الّذِي يُوصَفُ بِهِ ذُو الْعِزّةِ فَوُصِفَتْ الْعِزّةُ بِهِ مَجَازًا.
تَفْسِيرُ سُورَةِ النّصْرِ
فَصْلٌ وَذَكَرَ سُورَةَ {إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ} [النَّصْر:1} وَتَفْسِيرُهُ لَهَا فِي الظّاهِرِ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبّاسٍ حِينَ سَأَلَهُ عُمَرُ عَنْ تَأْوِيلِهَا، فَأَخْبَرَهُ أَنّ اللهَ تَعَالَى أَعْلَمَ فِيهَا نَبِيّهُ عَلَيْهِ السّلَامُ بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إلّا مَا قُلْت. وَظَاهِرُ هَذَا الْكَلَامِ يَدُلّ عَلَى مَا قَالَهُ ابْنُ عَبّاسٍ وَعُمَرُ لِأَنّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ فَاشْكُرْ رَبّك، وَاحْمَدْهُ كَمَا قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: إنّمَا قَالَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً} [النَّصْر:3] فَهَذَا أَمْرٌ لِنَبِيّهِ عَلَيْهِ السّلَامُ بِالِاسْتِعْدَادِ لِلِقَاءِ رَبّهِ تَعَالَى وَالتّوْبَةِ إلَيْهِ وَمَعْنَاهَا الرّجُوعُ عَمّا كَانَ بِسَبِيلِهِ مِمّا أُرْسِلَ بِهِ مِنْ إظْهَارِ الدّينِ إذْ قَدْ فَرَغَ مِنْ ذَلِكَ وَتَمّ مُرَادُهُ فِيهِ فَصَارَ جَوَابُ إذَا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِذَا جَآءَ نَصْرُ ٱللَّهِ وَٱلْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ ٱلنَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ ٱللَّهِ أَفْوَاجاً} [النَّصْر:2] مَحْذُوفًا. وَكَثِيرًا مَا يَجِيءُ فِي الْقُرْآنِ الْجَوَابُ مَحْذُوفًا، وَالتّقْدِيرُ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ فَقَدْ انْقَضَى الْأَمْرُ وَدَنَا الْأَجَلُ وَحَانَ اللّقَاءُ فَسَبّحْ بِحَمْدِ رَبّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنّهُ كَانَ تَوّابًا وَوَقَعَ فِي مُسْنَدِ الْبَزّارِ مُبَيّنًا مِنْ قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَقَالَ فِيهِ فَقَدْ دَنَا أَجَلُك فَسَبّحْ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الّذِي فَهِمَهُ ابْنُ عَبّاسٍ، وَهُوَ حَذْفُ جَوَابِ إذَا، وَمَنْ لَمْ يَتَنَبّهْ لِهَذِهِ النّكْتَةِ حَسِبَ أَنّ جَوَابَ إذَا فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ {فَسَبِّحْ} [النَّصْر:3] كَمَا تَقُولُ إذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَصُمْ وَلَيْسَ فِي هَذَا التّأْوِيلِ مِنْ الْمُشَاكَلَةِ لِمَا قَبْلَهُ مَا فِي تَأْوِيلِ ابْنِ عَبّاسٍ فَتَدَبّرْهُ فَقَدْ وَافَقَهُ عَلَيْهِ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ
عَنْهُ وَحَسْبُك بِهِمَا فَهْمًا لِكِتَابِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فَالْفَاءُ عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبّاسٍ رَابِطَةٌ لِلْأَمْرِ بِالْفِعْلِ الْمَحْذُوفِ وَعَلَى مَا ظَهَرَ لِغَيْرِهِ رَابِطَةٌ لِجَوَابِ الشّرْطِ الّذِي فِي “إذَا”.