ربيع الأول 53 ق.هـ
نيسان 571 م
حليمة السعدية مرضعة له

قصة خروج حليمة لطلب رضيع

واسترضع له من بني سعد بن بكر امرأة يقال لها حليمة بنت أبي ذؤيب، وكانت تحدث أنها خرجت من بلدها مع زوجها وابن لها ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر، قالت: وفي سنة شهباء لم تبُق لنا شيئاً، قالت: فخرجت على أتان لي قمراء، معنا شارف لنا، والله ما تبض بقطرة لبن، وما ننام ليلتنا أجمع مع صبينا الذي معنا من بكائه من الجوع، ما في ثديي ما يغنيه، وما في شارفنا ما يغذيه، ولكنا نرجو الغيث والفرج، فخرجت على أتاني تلك، فلقد أدمَّت بالركب حتى شق ذلك عليهم ضعفًا وعجفًا، حتى قدمنا مكة نلتمس الرضعاء، فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل لها إنه يتيم، وذلك أنا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي، فكنا نقول: يتيم! ما عسى أن تصنع أمه وجده،
فكنا نكرهه لذلك، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري.

أخذ حليمة النبي صلى الله عليه وسلم

فلما أجمعنا الانطلاق قلت لصاحبي: والله إني لأكره أن أرجع من بين صواحبي ولم آخذ رضيعاً، والله لأذهبن إلى ذلك اليتيم فلآخذنه، قال: لا عليكِ أن تفعلي، عسى الله أن يجعل لنا فيه بركة، قالت: فذهبت إليه فأخذته، وما حملني على أخذه إلا أني لم أجد غيره، فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل ثدياي بما شاء من لبن، وشرب حتى روي وشرب معه أخوه حتى روي، ثم ناما، وما كنا ننام معه قبل ذلك، فقام زوجي إلى شارفنا تلك فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شرب وشربت، حتى انتهينا ريًّا وشِبعَاً، فبتنا بخير ليلة، يقول صاحبي حين أصبحنا: تعلمي والله يا حليمة، لقد أخذت نسمة مباركة، قلت: والله إني لأرجو ذلك، ثم خرجت وركبت أتاني، وحملته عليها معي، فو الله لقطعت بالركب ما يقدر على شيء من حمرهم، حتى إن صواحبي ليقلن لي: يا بنت أبي ذؤيب، ويحك! أربعي علينا، أليست هذا أتانك التي كنت خرجت عليها، فأقول لهن: بلى والله، إنها لهي، فيقلن: والله إن لها لشأناً.

ما لحقها من البركة النبوية

قالت: ثم قدمنا منازلنا من بني سعد، ولا أعلم أرضًا من أرض الله أجدب منها، فكانت غنمي تروح على حين قدمنا به معنا شباعاً لبناً، فنحلب ونشرب، وما يحلب إنسان قطرة لبن، ولا يجدها في ضرع حتى كان الحاضر من قومنا يقولون لرعيانهم: و يلكم! اسرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن، وتروح غنمي شباعاً لبناً، فلم يزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته، وكان يشب شباباً لا يشبه الغلمان، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جَفْراً ، فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا – لما ترى من بركته- فكلمنا أمه وقلت لها: لو تركت بنُي عندي حتى يغلظ، فإني أخشى عليه وباء مكة، فلم نزل به حتى ردته معنا، فرجعنا به، فو الله إنه بعد مقدمنا به بأشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا، إذ أتانا أخوه يشتد، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشي عبد الله قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه فشقَّا بطنه، فهما يسوطانه ، قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه، فوجدناه قائماً منتقعاً لوجهه، قال: فالتزمنه والتزمه أبوه، فقلنا: ما لك يا بني؟ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاني فشقا بطني، فالتمسا فيه شيئاً لا أدري ما هو.
قالت: فرجعنا به إلى خيامنا، وقال لي أبوه: يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به.
قالت: فاحتملناه، فقدمنا به على أمه، فقالت: ما أقدمك به يا ظئر. ولقد كنت حر يصة عليه وعلى مكثه عندك، قلت: قد بلغ الله بابني وقضيت الذي علي، وتخوفت الأحداث عليه، فأديته عليك كما تحبين، قالت: ما هذا شأنك، فأصدقيني خبرك، قالت: فلم تدعني حتى أخبرتها، قالت: أفتخوفت عليه الشيطان؟ قلت: نعم، قالت: كلا والله، ما للشيطان عليه سبيل، وإن لبنُي لشأناً، أفلا أخبرك خبره؟ قلت: بلى.
قالت: رأيت حين حملت به أنه خرج مني نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام، ثم حملت به، فو الله ما رأيت من حمل قط كان أخف منه ولا أيسر منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض، رافع رأسه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقي راشدة.

قناعته صلى الله عليه وسلم وهو رضيع

قال السهيلي: وذكر غير ابن إسحاق في حديث الرضاع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان لا يُقبل إلا على ثديها الواحد، وتعرض عليه الآخر فيأباه، كأنه قد أشعر أن معه شريكًا في لبانها، وكان مفطورًا على العدل، مجبولًا على جميل المشاركة والفضل صلى الله عليه وسلم.

إكرام النبي صلى الله عليه وسلم لأمه حليمة

عن عطاء بن يسار، قال: جاءت حليمة ابنة عبد الله أم النبي صلى الله عليه وسلم من الرضاعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، فقام إليها، وبسط لها رداءه فجلست عليه. روت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وروى عنها ابنها عبد الله بن جعفر.
وعن أبي الطفيل، قال:
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم لحماً بالجعرانة وأنا غلام شاب، فأقبلت امرأة، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسط لها رداءه فقعدت عليه، فقال: من هذه؟ قال: أمه التي أرضعته هكذا روينا في هذا الخبر، وكذا حكى أبو عمر بن عبد البر عن حليمة بنت أبي ذؤيب: أنها أسلمت وروت ، ومن الناس من ينكر ذلك . وحكى السهيلي: أنها كانت وفدت على النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك بعد تزويجه خديجة تشكو إليه السَّنةَ ، وأن قومها قد أسنتوا، فكلم لها خديجة؛ فأعطتها عشرين رأسًا من غنم وبكرات . وذكر أبو إسحاق بن الأمين في استدراكه على أبي عمر: خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد بن خداش التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم. وذكر غيره فيهن أيضًا: أم أيمن بركة حاضنته عليه السلام.