32 ق.هـ
591 م
حرب الفِجار

ولما بلغت سنّه عليه الصلاة والسلام عشرين سنة حضر حرب الفِجَارِ، وهي حرب كانت بين كِنانة ومعها قريش، وبين قيس. وسببها: …

أنه كانَ للنعمان بن المنذر ملكِ العرب بالحيرة تجارة يرسلها كل عام إلى سوق عُكاظ لتُباع له، وكان يرسلها في أمان رجل ذي منعةٍ وشرف في قومه ليجيزها فجلس يوماً وعنده البراض بن قيس الكناني ــــ وكان فاتكاً خليعاً خلعه قومه لكثرة شرّه ــــ وعروة بن عتبة الرحَّال فقال: مَنْ يُجيز لي تجارتي هذه حتى يبلغها عكاظ؟ فقال البرَّاض: أنا أُجيزها على بني كنانة، فقال النعمان: إنما أُريد مَنْ يُجيزُها على الناس كلهم. فقال عروة: أبيت اللعن أكلبٌ خليع يجيزها لك؟ أنا أجيزها على أهل الشيح والقَيْصوم من أهل نجد وتهامة. فقال البَرَّاض: أو تُجيزها على كنانة يا عروة؟ قال: وعلى الناس كلهم، فأسرَّها في نفسه، وتربَّص له حتى إذا خرج بالتجارة، قتله غدراً، ثم أرسل رسولاً يخبر قومه كنانة بالخبر، ويحذرهم قيساً قوم عروة.
وأما قيس فلم تلبث بعد أن بلغها الخبر أن همّت لتدرك ثأرها، حتى أدركوا قريشاً وكنانة بنخلة، فاقتتلوا، ولما اشتدّ البأس وحميت قيس، احتمت قريش بحرمها، وكان فيهم رسول الله. ثم إن قيساً قالوا لخصومهم: إنّا لا نترك دم عروة، فموعدنا عكاظ العام المقبل، وانصرفوا إلى بلادهم يحرض بعضهم بعضاً، فلما حالَ الحَوْلُ جمعت قيس جُمُوعها وكانت معها ثقيف وغيرها، وجمعت قريش جموعها من كنانة والأحابيش ــــ وهم حلفاء قريش ــــ وكان رئيس بني هاشم الزبيرُبن عبد المطلب ومعه إخوته أبو طالب وحمزة والعباس وابن أخيه النبي الكريم، وكان على بني أميّة حرببن أميّة، وله القيادة العامة لمكانه في قريش شرفاً وسناً. وهكذا كان على كل بطن من بطون قريش رئيس، ثم تناجزوا الحرب، فكان يوماً من أشدّ أيام العرب هَولاً، ولما استُحِلَّ فيه مِنْ حُرُمات مكة التي كانت مقدسة عند العرب سُمي يوم الفِجار. وكادت الدائرة تدور على قيس حتى انهزم بعض قبائلها ولكن أدركهم مَنْ دَعَا المتحاربين للصلح على أن يُحصُوا قتلى الفريقين، فمَن وجد قَتلاه أكثر أخذ ديَة الزائد، فكانت لقيس زيادة أخذوا ديتها من قريش وتعهد بها حرببن أمية، ورهن لسَدَادها ولده أبا سفيان.
وهكذا انتهت هذه الحرب التي كثيراً ما تشبه حروب العرب تبدؤها صغيرات الأمور حتى ألّفَ الله بين قلوبهم وأزاح عنهم هذه الضلالات بانتشار نور الإسلام بينهم.