24 ذو القعدة 10 هـ
21 شباط 632 م
حجة الوداع

حصبة تصيب الناس

قال الفقيه الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد الفارسي: أعلم عليه السلام الناس أنه حاج، ثم أمر بالخروج معه، فأصاب الناس بالمدينة جدري أو حصبة منعت من شاء اللهّٰ تعالى أن تمنع من الحج معه، فأعلم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أن عمرة في رمضان تعدل حجة.

خروجه صلى اللهّٰ عليه وسلم من المدينة

وخرج رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم إلى مكة عام حجة الوداع التي لم يحج من المدينة منذ هاجر عليه السلام إليها غيرها، فأخذ على طر يق الشجرة.

وقت الخروج

وذلك يوم الخميس لست بقين من ذي القعدة سنة عشر، نهارًا.

عمله صلى اللهّٰ عليه وسلم قبل الخروج

بعد أن ترَجََّل وادَّهنَ، وبعد أن صلى الظهر بالمدينة، وصلى العصر من ذلك اليوم بذي الحليفة ليلة الجمعة، وطاف تلك الليلة على نسائه ثم اغتسل، ثم صلى بها الصبح، ثم طيبته عائشة أم المؤمنين رضي اللهّٰ عنها بيدها بذريرة وبطيب فيه مسك.
ثم أحرم ولم يغسل الطيب ثم لبَدَّ رأسه، وقلَدّ بدنته نعلين وأشعرها في جانبها الأيمن، وسَلتَ الدم عنها، وكانت هديَ تطوعٍ.

سوق الهدي والإهلال

وكان عليه السلام ساق الهدي مع نفسه، ثم ركب راحلته وأهلَّ حين انبعثت به من عند المسجد، مسجد ذي الحليفة، بالقرآن بالعمرة والحج معاً، وذلك قبل الظهر بيسير.

تخيير الناس في الإهلال

وقال للناس بذي الحليفة: “من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل، ومن أراد أن يهل فليهل، ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل“.

عدد المهلين

وكان معه عليه السلام من الناس جموع لا يحصيها إلا خالقهم ورازقهم عز وجل.

صيغة التلبية

ثم لبى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم فقال: “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شر يك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شر يك لك“. وقد روى أنه عليه السلام زاد على ذلك فقال: “لبيك إله الخلق“.

رفع الصوت بالتلبية

وأتاه جبريل صلى اللهّٰ عليه وسلم وأمره أن يأمر أصحابه أن يرفعوا أصواتهم بالتلبية.

ميلاد محمد بن أبي بكر

وولدت أسماء بنت عميس الخثعمية زوج أبي بكر الصديق رضي اللهّٰ عنه محمد بن أبي بكر ، فأمرها رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أن تغتسل وتستثفر بثوب، وتُحرم وتهل.

الجد في المسير

ثم نهض عليه السلام وصلى الظهر بالبيداء ثم تمادى، واستهل هلال ذي الحجة ليلة الخميس ليلة اليوم الثامن من خروجه من المدينة.

واقعة لأم المؤمنين عائشة

فلما كان بسرف حاضت عائشة رضي اللهّٰ عنها، وكانت قد أهلت بعمرة، فأمرها رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أن تغتسل وتنقض رأسها وتمتشط وتترك العمرة، وتدعَها وترَْفضِهَا، ولم تحل منها، وتدخل على العمرة حًجّا، وتعمل جميع أعمال الحج حاشى الطواف بالبيت ما لم تطهر.

الهدي للقارن

وقال عليه السلام وهو بسرف للناس: “من لم يكن منكم معه هدي وأراد أن يجعلها عمرة فليفعل، ومن كان معه هدي فلا“.
فمنهم من جعلها عمرة كما أبيح له، ومنهم من تمادى على نية الحج ولم يجعلها عمرة، وهذا فيمن لا هدي معه. وأما من معه الهدي فلم يجعلها عمرة أصلاً.

الإهلال بالقران

وأمر عليه السلام في بعض طر يقه ذلك مَنْ كان معه هدي أن يهل بالقرِاَن بالحج والعمرة معاً.

النزول بذي طوى

ثم نهض عليه السلام إلى أن نزل بذي طوى ، فبات بها ليلة الأحد لأربع خلون لذي الحجة، فصلى الصبح بها.

دخول مكة المكرمة

ودخل مكة نهارًا من أعلاها من كداء من الثنية العليا صبيحة يوم الأحد المذكور المؤرخ.

أعمال العمرة

فاستلم الحجر الأسود، وطاف رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بالكعبة سبعاً، ورمل ثلاثاً منها، ومشى أربعاً يستلم الحجر الأسود والركن اليماني في كل طوفة، ولا يمس الركنين الآخرين اللذين في الحجر، وقال بينهما: {رَبَّنَآ آتِنَا فِي ٱلدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي ٱلآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ} [البقرة: 201]، ثم صلى عند مقام إبراهيم عليه السلام ركعتين يقرأ فيهما مع أم القرآن: {قُلْ يٰأَيُّهَا ٱلْكَافِرُونَ} [الكافرون: 1] و{قُلْ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ} [الاخلاص: 1]، جعل المقام بينه وبين الكعبة. وقرأ عليه السلام إذا أتى المقام: {وَٱتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] ثم رجع إلى الحجر الأسود فاستلمه، ثم خرج إلى الصفا فقرأ: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ} [البقرة: 158]  “أبدأ بما بدأ اللهّٰ به“، فطاف بين الصفا والمروة أيضًا سبعاً راكباً على بعيره، يخب ثلاثاً ويمشي أربعاً، إذا رقى الصفا استقبل القبلة ونظر إلى البيت، ووحد اللهّٰ وكبره، وقال: “لا إله اللهّٰ وحده، أنجز وعهد، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده“، ثم يدعو، ثم يفعل على المروة مثل ذلك.

التحلل بعد العمرة

فلما أكمل عليه السلام الطواف والسعي أمر كل مَنْ لا هدي معه بالإحلال، قارناً كان أو مفُْرِدًا، وأن يحلوا الحلَِّ كله من وطء النساء والطيب والمخيط، وأن يبقوا كذلك إلى يوم الترو ية وهو يوم منى.

الإهلال بالحج

حتى إذا جاء – يوم التروية- فيهلوا حينئذ بالحج، ويحرموا عند نهوضهم إلى منى، وأمر من معه الهدي بالبقاء على إحرامهم، وقال لهم عليه السلام حينئذ إذ تردد بعضهم: “لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي حتى أشتريه، ولجعلتها عمرة، ولأحللت كما أحللتم، ولكني سقت الهدي، فلا أحل حتى أنحر الهدي“.

بعض ممن بقي على إحرامه

وكان أبو بكر و عمرو و طلحة و الزبير و علي ورجال من أهل الوفر ساقوا الهدي فلم يحلوا وبقوا محرمين كما بقي هو عليه السلام محرمًا؛ لأنه كان ساق الهدي مع نفسه، وكن أمهات المؤمنين لم يسقن هدياً فأحللن، وكن قارنات حًجّا وعمرة، وكذلك فاطمة ابنة النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم، و أسماء بنت أبي بكر الصديق أحلتا حاشى عائشة رضي اللهّٰ عنها من أجل حيضها لم تحل كما ذكرنا.

شكوى علي فاطمة رضي اللهّٰ عنهما

وشكا علي فاطمة إلى النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم إذ حلت، وصدقها عليه السلام في أنه أمرها بذلك.

سؤال سراقة بن مالك

وحينئذ سأله سراقة بن مالك بن جعشم الكناني فقال: يا رسول اللهّٰ، متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد، ولنا أم للأبد؟ فشبك عليه السلام أصابعه وقال: “بل لأبد الأبد، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة“.

أمر الناس بالإبقاء على حالهم

وأمر عليه السلام من جاء إلى الحج على غير الطر يق التي أتى عليه السلام عليها ممن أهل بإهلال كإهلاله بأن يبقوا على حالهم، فمن ساق منهم الهدي لم يحل. فكان علي في أهل هذه الصفة. ومن كان منهم لم يسق الهدي أن يحل، فكان أبو موسى الأشعري من أهل هذه الصفة.

أيام أقامته صلى اللهّٰ عليه وسلم محرما

وأقام عليه السلام بمكة محرمًا من أجل هديه يوم الأحد المذكور والإثنين والثلاثاء والأربعاء وليلة الخميس.

بدء مناسك الحج

ثم نهض صلى اللهّٰ عليه وسلم بكرة يوم الخميس وهو يوم منى، و يوم التروية مع الناس إلى منى.

إحرام من أحل

وفي ذلك الوقت أحرم بالحج من الأبطح كل من كان أحلَّ من أصحابه رضي اللهّٰ عنهم، فأحرموا في نهوضهم إلى منى في اليوم المذكور.

أعمال يوم التروية

فصلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بمنى الظهر من يوم الخميس المذكور، والعصر والمغرب والعشاء الآخرة.
وبات بها ليلة الجمعة، وصلى بها الصبح من يوم الجمعة.

أعمال يوم عرفة

ثم نهض عليه السلام بعد طلوع الشمس من يوم الجمعة المذكور إلى عرفة، بعد أن أمر عليه السلام بأن تضرب له قبة من شعر بنمرة، فأتى عليه السلام عرفة، ونزل في قبته التي ذكرنا.

خطبة يوم عرفة

حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت، ثم أتى بطن الوادي فخطب على راحلته خطبة، ذكر فيها عليه السلام تحريم الدماء والأموال والأعراض، ووضع فيها أمور الجاهلية ودماءها، وأول ما وضع دم ابن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب، كان مسترضعاً في بني سعد بن بكر؛ فقتله هذيل.

قصة ابن ربيعة

وذكر النسابون أنه صغيراً يحبو أمام البيوت، وكان اسمه: آدم، فأصابه حجر عائر أو سهم غرب، من يد رجل من بني هذيل؛ فمات.

بقية موضوعات خطبة عرفة

ثم نرجع إلى وصف عمله عليه السلام. ووضع أيضًا عليه السلام في خطبته بعرفة ربا الجاهلية، وأول ربا وضعه ربا عمه العباس رضي اللهّٰ عنه، وأوصى بالنساء خيرا، وأباح ضربهن ضرباً غير مبرح إن عصين بما لا يحل، وقضى لهن بالرزق والكسوة بالمعروف على أزواجهن، وأمر بالاعتصام بعده بكتاب اللهّٰ عز وجل، وأخبر أنه لا يضل من اعتصم به، وأشهد اللهّٰ عز وجل على الناس أنه قد بلغهم ما يلزمه، فاعترف الناس بذلك. وأمر عليه السلام أن يبلغ ذلك الشاهد الغائب.

فطره يوم عرفة

وبعثت إليه أم الفضل بنت الحارث الهلالية وهي أم عبد اللهّٰ بن العباس لبناً في قدح، فشربه عليه السلام أمام الناس وهو على بعيره، فعلموا أنه صلى اللهّٰ عليه وسلم لم يكن صائماً في يومه ذلك.

جمع الظهر والعصر

فلما أتم الخطبة المذكورة أمر بلالًا فأذن، ثم أقام، فصلى الظهر، ثم أقام فصلى العصر، ولم يصل بينهما شيئاً. لكن صلاهما عليه السلام بالناس مجموعتين في وقت الظهر بأذان واحد لهما معاً وبإقامتين، لكل صلاة منهما إقامة.

استقبال القبلة للدعاء

ثم ركب عليه السلام راحلته حتى أتى الموقف، فاستقبل القبلة، وجعل جبل المشاة بين يديه، فلم يزل واقفًا للدعاء.

سقوط ميت

وهنالك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محرم في جملة الحجيج فمات.

كيفية تجهيزه

فأمر رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بأن يكفن في ثوبيه، ولا يمس بطيب ولا يحنط، ولا يغطى رأسه ولا وجهه. وأخبر عليه السلام أنه يبعث يوم القيامة ملبياً.

الحج ركن

وسأله قوم من أهل نجد هنالك عن الحج، فأعلمهم عليه السلام بوجوب الوقوف بعرفة، ووقت الوقوف بها.

استمرار الوقوف حتى الغروب

وأرسل إلى الناس أن يقفوا على مشاعرهم، فلم يزل عليه السلام واقفًا حتى غربت الشمس من يوم الجمعة المذكور وذهبت الصفرة.

سير القصواء

وأردف أسامة بن زيد خلفه، ودفع عليه السلام وقد ضم زمام القصواء ناقته، حتى إن رأسها ليصيب طرف رحله، ثم مضى يسير اُلعنَقَ، فإذا وجد فجوة نص – وكلاهما ضرَْبٌ من السير والنص آكدهما، والفجوة الفسحة من الناس- كلما أتى ربوة من تلك الروابي أرخى للناقة زمامها قليلاً حتى يصعدها. وهو عليه السلام يأمر الناس بالسكينة في السير.

وضؤوه في الطر يق

فلما كان في الطر يق عند الشعب الأيسر نزل عليه السلام فيه فبال وتوضأ وضوءاً خفيفًا، وقال لأسامة: “المصلى أمامك” – أو كلامًا هذا معناه-.

المبيت بمزدلفة

ثم ركب حتى أتى المزدلفة ليلة السبت العاشر من ذي الحجة.

أعمال المزدلفة

فتوضأ ثم صلى بها المغرب والعشاء الآخرة مجموعتين في وقت العشاء الآخرة دون خطبة، لكن بأذان واحد لهما معاً وبإقامتين، لكل صلاة منهما إقامة، ولم يصل بينهما شيئاً.
ثم اضطجع عليه السلام بها حتى طلع الفجر، فقام وصلى الفجر بالناس بمزدلفة يوم السبت المذكور، وهو يوم النحر، وهو يوم الأضحى، وهو يوم العيد، وهو يوم الحج الأكبر مغُلَسًِّا أول انصداع الفجر.

حد إدراك الحج للمحرم

وهناك سأله عروة بن مضُرَِّس الطائي – وقد ذكر له عمله- أله حج؟ فقال له عليه السلام: “إن من أدرك الصلاة– يعني صلاة الصبح- بمزدلفة في ذلك اليوم مع الناس فقد أدرك الحج، وإلا فلم يدركه“.

دفع النساء والضعفة من مزدلفة ليلا

واستأذنته سودة و أم حبيبة في أن يدفعا من مزدلفة ليلاً فأذن لهما ولأم سلمة في ذلك، وهن أمهات المؤمنين رضي اللهّٰ عنهن.

الإذن في الرمي بالليل

وأَذِنَ أيضًا عليه السلام للنساء والضعفاء في ذلك بعد وقوف جمعهم بمزدلفة، وذكرهم اللهّٰ بها، إلا أنه عليه السلام أذن للنساء في الرمي بليل، ولم يأذن للرجال في ذلك، لا لضعفائهم ولا لغير ضعفائهم، وكان ذلك اليوم يوم كونه عليه السلام عند أم سلمة.

في المشعر الحرام

فلما صلى عليه السلام الصبح كما ذكرنا بمزدلفة أتى المشعر الحرام بها، فاستقبل القبلة، فدعا اللهّٰ عز وجل، وكَبَرّ وهلل ووحد.

الدفع من مزدلفة

ولم يزل واقفًا بها حتى أسفر جدًّا، وقبل أن تطلع الشمس فدفع عليه السلام حينئذ من مزدلفة، وقد أردف الفضل بن عباس ، وانطلق أسامة على رجليه في سباق قريش.

مكان سؤال الخثعمية

وهنالك سألت الخثعمية النبي عليه السلام الحج عن أبيها الذي لا يطيق الحج، فأمرها أن تحج عنه، وجعل عليه السلام يصرف بيده وجه الفضل بن عباس عن النظر إليها وإلى النساء، وكان الفضل أبيض وسيماً. وسأله أيضًا عليه السلام رجلٌ عن مثل ما سألت الخثعمية، فأمر عليه السلام بذلك.

الحثُّ في المسير إلى منى

ونهض عليه السلام يريد منى.

طر يق المسير

فلما أتى بطن محسر حرك ناقته قليلاً، وسلك عليه السلام الطر يق الوسطى التي تخرج على الجمرة الكبرى حتى أتى منى.

رمي الجمرات

فأتى الجمرة التي عند الشجرة وهي جمرة العقبة، فرماها عليه السلام من أسفلها بعد طلوع الشمس من اليوم المؤرخ بحصى التقطها له عبد اللهّٰ بن عباس رضي اللهّٰ عنه من موقفه الذي رمى فيه.

صفة الجمرة

مثل حصى الخذَف، وأمر بمثلها، ونهى عن أكبر منها، وعن الغلو في الدين.

كيفية الرمي

فرماها عليه السلام وهو على راحلته بسبع حصيات كما ذكرنا، يكبر مع كل حصاة منها، وحينئذ قطع عليه السلام التلبية، ولم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة التي ذكرنا. ورماها عليه السلام راكباً، و بلال و أسامة، أحدهما يمسك بخطام ناقته عليه السلام، والآخر يظله بثوبه من الحر.

خطبة يوم النحر

وخطب عليه السلام الناس في اليوم المذكور – وهو يوم النحر- بمنى خطبة كررها أيضًا، فيها تحريم الدماء والأموال والأعراض والأبشار، وأعلمهم عليه السلام فيها بتحريم يوم النحر، وحرمة مكة على جميع البلاد، وأمر بالسمع والطاعة لمن قام بكتاب اللهّٰ عز وجل، وأمر الناس بأخذ مناسكهم، فلعله لا يحج بعد عامه ذلك، وعلمهم مناسكهم، وأنزل المهاجرين والأنصار والناس منازلهم، وأمر أن لا يرجعوا بعده كفارًا، ولا يرجعوا بعده ضلالًا، يضرب بعضهم رقاب بعض.
وأمر بالتبليغ عنه، وأخبر بأن ربَُّ مبُلَغٍّ أوعى مِنْ سامع.

نحر الهدي

ثم انصرف عليه السلام إلى المنحر بمنى، فنحر ثلاثاً وستين بدنة، ثم أَمَّر عليًاّ فنحر ما بقي منها مما كان علي أتى به من اليمن، مع ما كان عليه السلام أتى به من المدينة، وكانت تمام المائة.

حلق الشعر

ثم حلق عليه السلام رأسه المقدس.

قسمة الشعر الشريف

وقسمَ شعرهَ، فأعطى من نصفه الشعرة والشعرتين، وأعطى نصفه الثاني كله أبا طلحة الأنصاري.

ذبح الأضاحي

وضحى عن نسائه بالبقرة، وأهدى عمن كان اعتمر منهم بقرة، وضحى هو عليه السلام في ذلك اليوم بكبشين أملحين.

الدعاء للمحلقين والمقصرين

وحلق بعض الصحابة، وقصر بعضهم، فدعا عليه السلام للمحلقين ثلاثاً وللمقصرين مرة.

الأكل من الهدي

وأمر عليه السلام أن يؤخذ من البدن التي ذكرنا من كل بدنة بضِْعةً، فجعلت في قدِْرٍ وطبخت، فأكل هو عليه السلام وعلي من لحمها، وشربا من مرقها، وكان عليه السلام قد أشرك عليًاّ فيها.

قسمة الهدي

ثم أمر علياً بقسمة لحومها كلها وجلودها وجِلاَلها، وأن لا يعطي الجازر شيئاً منها على جزارتها، وأعطى عليه السلام الأجرة على ذلك من عند نفسه.

تحديد مواقف الحج

وأخبر الناس أن عرفة كلها موقف حاشى بطن عرنة ، وأن مزدلفة كلها موقف، حاشى بطن مُحسَرِّ ، وأن منى كلها منحر، وأن فجاج مكة كلها منحر.

أعمال يوم النحر

ثم تطيب عليه السلام قبل أن يطوف طواف الإفاضة، ولإحلاله قبل أن يحل في يوم النحر، وهو يوم السبت المذكور، طيبته عائشة رضي اللهّٰ عنها أيضًا بطيب فيه مسك، ثم نهض عليه السلام راكباً إلى مكة في يوم السبت المذكور نفسه، فطاف في يومه ذلك طواف الإفاضة، وهو طواف الصَّدْر قبل الظهر، وشرب من ماء زمزم بالدلو، ومن نبيذ السقاية.

المبيت بمنى

ثم رجع من يومه ذلك إلى منى، فصلى الظهر. هذا قول ابن عمر. وقالت عائشة وجابر: بل صلى الظهر ذلك اليوم بمكة. وهذا هو الفعل الذي أشكل علينا الفصل فيه؛ لصحة الطرق في ذلك، ولا شك أن أحد الخبرين وَهْمٌ، والثاني صحيح، ولا ندري أيهما هو.

طواف أمهات المؤمنين

وطافت أم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها من وراء الناس وهي شاكية، فاستأذنت النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم في ذلك فأذن لها، وطافت أيضًا عائشة ذلك اليوم، وفيه طهرت، وكانت رضي اللهّٰ عنها حائضًا أيضًا يوم عرفة، وطافت أيضًا صفية في ذلك اليوم، ثم حاضت بعد ذلك ليلة النفر، ثم رجع عليه السلام إلى منى.

ترتيب الأعمال يوم النحر

وسئل عليه السلام حينئذ عن ما تقدم بعضه على بعض من الرمي والحلق والنحر والإفاضة، فقال في كل ذلك: “لا حرج“.
وكذلك قال أيضًا في تقديم السعي بين الصفا والمروة قبل الطواف بالكعبة، وأخبر عليه السلام بأن اللهّٰ تعالى أنزل لكل داء دواء إلا الهرم، وعظم إثم من اقترض عِرْض امرئ مسلم ظلماً.

مدة المبيت بمنى

فأقام هنالك باقي يوم السبت وليلة الأحد، و يوم الأحد وليلة الإثنين، و يوم الإثنين وليلة الثلاثاء، و يوم الثلاثاء، وهذه أيام منى، وهذه هي أيام التشريق.

أعمال أيام التشريق

يرمي الجمار الثلاث كل يوم من هذه الأيام الثلاثة بعد الزوال بسبع حصيات كل يوم لكل جمرة، يبدأ بالدنيا وهي التي تلي مسجد منى، و يقف عندها للدعاء طويلاً، ثم التي تليها، وهي الوسطى، و يقف أيضًا عندها للدعاء كذلك، ثم جمرة العقبة ولا يقف عندها، و يكبر عليه السلام مع كل حصاة.

خطبة ثاني أيام النحر

وخطب الناس أيضًا يوم الأحد ثاني يوم النحر، وهو يوم الرؤوس.

خطبة ثالث أيام النحر
وقد روي أيضًا أنه عليه السلام خطبهم أيضًا يوم الإثنين، وهو يوم الأكارع. وأوصى بذي الأرحام خيراً، وأخبر عليه السلام أنه لا تجني نفس على أخرى.

الإذن للعباس بالمبيت بمكة

واستأذنه العباس عمه في المبيت بمكة من أجل سقايته؛ فأذن له عليه السلام، وأذن للرعاء أيضًا في مثل ذلك.

النفرة إلى المحصب

ثم نهض عليه السلام بعد زوال الشمس من يوم الثلاثاء المؤرخ، وهو آخر أيام التشريق، وهو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، وهو يوم النفر إلى المحصب وهو الأبطح، فضربت بها قبته، ضربها أبو رافع مولاه، وكان على ثقَلهِ عليه السلام.

أمور وقعت

وقد كان عليه السلام قال لأسامة: إنه ينزل غدًا بالمحصب خيف بني كنانة، وهو المكان الذي ضرب فيه أبو رافع قبته وفاقاً من اللهّٰ عز وجل دون أن يأمره عليه السلام بذلك، وحاضت صفية أم المؤمنين ليلة النفر بعد أن أفاضت، فأخبر بذلك النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم فسأل: “أفاضت يوم النحر؟” فقيل له: نعم، فأمرها أن تنفر، وحكم فيمن كانت حاله كحالها أيضًا بذلك.

أعمال يوم المحصب

وصلى عليه السلام بالمحصب الظهر والعصر والمغرب والعشاء الآخرة من ليلة الأربعاء الرابع عشر من ذي الحجة، وبات بها ليلة الأربعاء المذكورة، ورقد رقدة.

عمرة التنعيم للسيدة عائشة

ولما كان يوم النحر و يوم النفر رغبت إليه عائشة رضي اللهّٰ عنها بعد أن طهرت أن يعمرها عمرة مفردة، فأخبرها عليه السلام أنها قد حلت من حجها وعمرتها، وأن طوافها يكفيها ويجزئها لحجها وعمرتها.
فأبت إلا أن تعمر عمرة مفردة، فقال لها: “ألم تكوني طفت ليالي قدمت؟” قالت لا. فأمر عبد الرحمن بن أبي بكر أخاها أن يردفها و يعمرها من التنعيم، ففعلا ذلك. وانتظرها عليه السلام بأعلى مكة حتى انصرفت من عمرتها تلك، وقال لها: “هذه مكان عمرتك“.

طواف الوداع

وأمر الناس أن لا ينصرفوا حتى يكون آخر عهدهم الطواف بالبيت، ورخص في ترك ذلك للحائض التي قد طافت طواف الإفاضة قبل حيضها.

وقت طوافه صلى اللهّٰ عليه وسلم للوداع

ثم إنه عليه السلام دخل مكة في الليل من ليلة الأربعاء المذكورة، فطاف بالبيت طواف الوداع، لم يرمل في شيء منه سَحرَاً قبل صلاة الصبح من يوم الأربعاء المذكور.

نقطة خروجه صلى اللهّٰ عليه وسلم من مكة

ثم خرج من كدى أسفل مكة من الثنية السفلى، والتقى بعائشة رضي اللهّٰ عنها وهو ناهض إلى الطواف المذكور، وهي راجعة من تلك العمرة التي ذكرنا.