شعبان 2 هـ
كانون الثاني 624 م
تحويل القبلة

تحويل القبلة في الصلاة

عن البراء بن عازب، قال: لقد صلينا بعد قدوم النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً، وكان الله يعلم أنه يحب أن يوجه نحو الكعبة، فلما وجه النبي صلى الله عليه وسلم إليها صلى رجلٌ معه، ثم أتى قومًا من الأنصار وهم ركوع نحو بيت المقدس، فقال لهم وهم ركوع: أشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وجه نحو الكعبة، فاستداروا وهم ركوع فاستقبلوها.

العصر هى أول صلاة تجاه الكعبة بعد تحو يل القبلة

و عن البراء… الحديث وفيه: وأنه صلى أول صلاة صلاها العصر، وصلاها معه قوم، فخرج رجل ممن صلاها معه فمر علىأهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد باللهّٰ، لقد صليت مع رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم قبل مكة، فداروا كما هم قبِلََالبيت، وكان يعجبه أن يحول قبل البيت، وكانت اليهود قد أعجبهم، إذا كان يصلى قبِلََ بيت المقدس وأهل الكتاب، فلما ولىوجهه قبِلََ البيت أنكروا ذلك ، وفيه: أنه مات على القبلة قبل أن تحول قبِلََ البيت: رجالٌ، وقتلوا، فلم ندر ما نقول فيهم،فأنزل اللهّٰ تعالى: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ ٱللَّهَ بِٱلنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ}[البقرة: 143].

مدة الصلاة إلى بيت المقدس

وقد اتفق العلماء على أن صلاة النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم بالمدينة كانت إلى بيت المقدس، وأن تحو يل القبلة إلى الكعبة كان بها، واختلفوا: كم أقام النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس بعد مقدمه المدينة؟ وفي أي صلاة كان التحو يل؟ وفي صلاته عليه السلام قبل ذلك بمكة كيف كانت؟ فأما مدة صلاة النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم إلى بيت المقدس بالمدينة فقد رويناه أنه كان ستة عشر شهراً، أو سبعة عشر شهراً، أو ثمانية عشر شهراً، وروينا بضعة عشر شهراً.

تحديد شهر التحو يل

قال الحربي: ثم قدم النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم المدينة في ربيع الأول، فصلى إلى بيت المقدس تمام السنة، وصلى من سنة اثنتين ستة أشهر، ثم حولت القبلة في رجب. وكذلك روينا عن ابن إسحاق، قال: ولما صرفت القبلة عن الشام إلى الكعبة وصرفت في رجب على رأس سبعة عشر شهراً من مقدم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم المدينة في خبر ذكره، وسنذكره بعد تمام هذا الكلام إن شاء اللهّٰ تعالى.
و عن عبد الرحمن بن عبد اللهّٰ بن كعب بن مالك: إن القبلة صرفت في جمادى. وقال الواقدي: إنما صرفت صلاة الظهر يوم الثلاثاء في النصف من شعبان، كذا وجدته عن أبي عمر بن عبد البر.
وأخبرنا عبد الله بن جعفر الزهري، عن عثمان بن محمد الأخنسي وعن غيرهما:

تمني الرسول صلى اللهّٰ عليه وسلم أن يصرف تجاه الكعبة

أن رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة، صلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً، وكان يحب أن يصرف إلى الكعبة، فقال: «يا جبر يل، وددت أن اللهّٰ صرف وجهي عن قبلة يهود»، فقال جبر يل: إنما أنا عبد، فادع ربك وسله، وجعل إذا صلى إلى بيت المقدس يرفع رأسه إلى السماء، فنزلت عليه {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } [البقرة: 144] فوجه إلى الكعبة إلى الميزاب .

في مسجد القبلتين

و يقال: صلَىّ رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يوجه إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه ودار معه المسلمون، و يقال: بل زار رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم أم بشر بن البراء بن معرور في بني سلمة، فصنعت له طعامًا، وحانت الظهر، فصلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بأصحابه ركعتين، ثم أمر أن يوجه إلى الكعبة، فاستدار إلى الكعبة واستقبله الميزاب، فسمي المسجد: مسجد القبلتين، وذلك يوم الإثنين للنصف من رجب على رأس سبعة عشر شهراً. وفرضصوم شهر رمضان في شعبان على رأس ثمانية عشر شهراً. قال محمد بن عمر: وهذا الثبت عندنا.
قال القرطبي: الصحيح سبعة عشر شهرا، وهو قول مالك وابن المسيب وابن إسحاق. وقد روي ثمانية عشر، وروي بعد سنتين، وروي بعد تسعة أشهر أو عشرة أشهر. والصحيح ما ذكرناه أولًا.

تحديد الصلاة التي حولت فيها القبلة

وأما الصلاة التي وقع فيها تحو يل القبلة: ففي خبر الواقدي هذا أنها الظهر، وقد ذكرنا في حديث البراء قبل هذا أنها العصر.
و عن أنس بن مالك، أن رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم كان يصلي نحو بيت المقدس، فنزل: {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ }[البقرة: 144]  فمر رجل بقوم من بني سلمة وهم ركوع في صلاة الفجر وقد صلي ركعة، فنادى: ألا إن القبلة قد حولت إلى الكعبة، فمالوا إلى الكعبة. و عن عمارة بن أوس الأنصاري، قال: صلينا إحدى صلاتي العشي، فقام رجل على باب المسجد ونحن في الصلاة، فنادى: إن الصلاة قد وجهت نحو الكعبة، فتحول أو انحرف إمامنا نحو الكعبة والنساء والصبيان. وليس في هذين الخبرين ما يعارضما قبلهما؛ لأن بلوغ التحو يل غير التحو يل.
و{قرئ على أبي عبد اللهّٰ بن أبي الفتح بن وثاب الصوري وأنا أسمع: أخبركم الشيخان أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن محمد بن الأخوة البغدادي نز يل أصبهان، وأبو المجد زاهر بن أبي طاهر الثقفي الأصبهاني إجازة، قال الأول: أخبرنا أبو الفرج سعيد بن أبي رجاء الصيرفي، وقال الثاني: أنا أبو الوفاء منصور بن محمد بن سليم، قالا: أنا أبو الطيب عبد الرزاق بن عمر بن موسى بن شمة، قال: أنا بكر محمد بن إبراهيم بن علي بن عاصم، قال: أنا علي بن العباس المقانعي، عن محمد بن مروان،
عن إبراهيم بن الحكم بن ظهير، قال: وثنا سفيان، عن عبد اللهّٰ بن دينار،} عن ابن عمر، قال: كانوا يصلون الصبح فانحرفوا وهم ركوع.

كيفية الصلاة قبل تحو يل القبلة

وأما كيف كانت صلاته صلى اللهّٰ عليه وسلم قبل تحو يل القبلة؟ فمن الناس من قال: كانت صلاته صلى اللهّٰ عليه وسلم إلى بيت المقدس من حين فرضت الصلاة بمكة إلى أن قدم المدينة، ثم بالمدينة إلى وقت التحويل.
وعن السدي في كتاب (الناسخ والمنسوخ) له قال: قوله تعالى:{سَيَقُولُ ٱلسُّفَهَآءُ مِنَ ٱلنَّاسِ مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا} [البقرة: 142]  قال: قال ابن عباس: أول ما نسخ اللهّٰ تعالى من القرآن حديث القبلة.
قال ابن عباس: إن اللهّٰ تبارك وتعالى فرض على رسوله الصلاة ليلة أسري به إلى بيت المقدس ركعتين ركعتين، الظهر والعصر والعشاء والغداة، والمغرب ثلاثاً، فكان يصلي إلى الكعبة ووجهه إلى بيت المقدس، قال: ثم زيد في الصلاة بالمدينة حين صرفه الله إلى الكعبة ركعتين ركعتين إلا المغرب فتركت كما هي، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه يصلون إلى بيت المقدس، وفيه قال: فصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة سنة حتى هاجر إلى المدينة، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعجبه أن يصلي قبِلََ الكعبة؛ لأنها قبلة آبائه إبراهيم وإسماعيل، قال: وصلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة حتى هاجر إلى المدينة، وبعدما هاجر ستة عشر شهراً إلى بيت المقدس.
قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى رفع رأسه إلى السماء ينتظر لعل الله أن يصرفه إلى الكعبة، قال: وقال رسول الله صلى اللهّٰ عليه وسلم لجبر يل عليهما السلام: «وددت أنك سألت اللهّٰ أن يصرفني إلى الكعبة»، فقال جبر يل: لست أستطيع أن أبتدئ اللهّٰ جل وعلا بالمسألة، ولكن إن سألتني أخبرته، قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقلب وجهه في السماء ينتظر جبر يل ينزل عليه، قال: فنزل عليه جبر يل وقد صلى الظهر ركعتين إلى بيت المقدس وهم ركوع، فصرف اللهّٰ القبلة إلى الكعبة… الحديث، وفيه: فلما صرف الله القبلة اختلف الناس في ذلك، فقال المنافقون: ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ وقال بعض المؤمنين: فكيف بصلاتنا التي صلينا نحو بيت المقدس، فكيف بمن مات من إخواننا وهم يصلون إلى بيت المقدس تقول قبَلَِ الله عز وجل منا ومنهم أم لا، وقال ناس من المؤمنين: كان ذلك طاعة، وهذا طاعة، نفعل ما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت اليهود: اشتاق إلى بلد أبيه وهو يريد أن يرضي قومه، ولو ثبت على قبلتنا لرجونا أن يكون هو النبي الذي كنا ننتظر أن يأتي، وقال المشركون من قريش: تحير على محمد دينه فاستقبل قبلتكم، وعلم أنكم أهدى منه، و يوشك أن يدخل في دينكم، فأنزل اللهّٰ في جميع ذلك الفرق كلها، فأنزل في المنافقين:  {مَا وَلَّٰهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ ٱلَّتِي كَانُواْ عَلَيْهَا قُل للَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [البقرة:142] إلى دين الإسلام-  {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً …} [البقرة:143] إلى آخر الآية، وأنزل في المؤمنين: {وَمَا جَعَلْنَا ٱلْقِبْلَةَ ٱلَّتِي كُنتَ عَلَيْهَآ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ ٱلرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ} [البقرة: 143] – يقول: إلا لنبتلي بها، وإنما كان قبلتك التي تبعث بها إلى الكعبة- ثم تلا: {وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى ٱلَّذِينَ هَدَى ٱللَّهُ} [البقرة: 143].
قال: من اليقين، قال المؤمنين: كانت القبلة الأولى طاعة، وهذه طاعة، فقال اللهّٰ عز وجل: {وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ[البقرة: 143] – قال: صلاتكم؛ لأنكم كنتم مطيعين في ذلك، ثم قال لرسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم- {قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ} [البقرة: 144] يقول: تنتظر جبريل حتى ينزل عليك- {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] يقول تحبها- {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ} [البقرة: 144] – نحو الكعبة – و {أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ}  [البقرة: 144]- أي إنك تبعث بالصلاة إلى الكعبة، وأنزل اللهّٰ في اليهود- {وَلَئِنْ أَتَيْتَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَّا تَبِعُواْ قِبْلَتَكَ} [البقرة: 145]- قل: لئن جئتهم بكل آية أنزلها اللهّٰ في التوراة في شأن القبلة أنها إلى الكعبة ما تبعوا قبلتك، قال: وأنزل الله في أهل الكتاب- {ٱلَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ ٱلْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146]- قال: يعرفون أن قبلة النبي الذي يبعث من ولد إسماعيل عليهما السلام قبل الكعبة، كذلك هو مكتوب عندهم في التوراة، وهم يعرفونه بذلك كما يعرفون أبناءهم، وهم يكتمون ذلك- وهم يعلمون – أن ذلك هو الحق يقول اللهّٰ تعالى- {ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ ٱلْمُمْتَرِينَ} [البقرة:147] يقول: من الشاكين، قال: ثم أنزل في قريش وما قالوا، فقال- {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ} [البقرة: 150] قال- لكيلا يكون
لأحد من الناس حجة إلا الذين ظلموا منهم – يعني: قريشًا، وذلك قول قريش قد عرف محمد أنكم أهدى منه فاستقبل قبلتكم، ثم قال – {فَلاَ تَخْشَوْهُمْ} [البقرة: 150]- قال: فحين قالوا: يوشك أن يرجع إلى دينكم يقول: لا تخشوا أن أردكم في دينهم، قال – {وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ} [البقرة: 150] أي أظهر دينكم على الأديان كلها. وقال آخرون: إنه عليه السلام صلى أول ما صلى إلى الكعبة، ثم إنه صرف إلى بيت المقدس. وعن ابن جريج، قال: صلى النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم أول ما صلى إلى الكعبة، ثم إنه صرف إلى بيت المقدس، فصلت الأنصار نحو بيت المقدس قبل قدومه عليه السلام بثلاث، وصلى النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم بعد قدومه ستة عشر شهراً، ثم وجهه اللهّٰ تعالى إلى الكعبة: وقال ابن شهاب: وزعم ناس واللهّٰ أعلم أنه كان يسجد نحو بيت المقدس ويجعل وراء ظهره الكعبة وهو بمكة، ويزعم ناس أنه لم يزل يستقبل الكعبة حتى خرج منها، فلما قدم المدينة استقبل بيت المقدس.
قال أبو عمر: وأحسن من ذلك قول من قال: إنه عليه السلام كان يصلي بمكة مستقبل القبلتين، يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس، وقد روينا ذلك من طر يق مجاهد عن ابن عباس. وعن ابن عباس، قال: كان رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم يصلي وهو بمكة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه، وبعدما هاجر إلى المدينة ستة عشر شهراً، ثم صرف إلى الكعبة و عن محمد بن كعب القرظي، قال: ما خالف نبيٌّ نبيًاّ قط في قبلة ولا في سنة، إلا أن رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم استقبل بيت المقدس من حين قدم المدينة ستة عشر شهراً، ثم قرأ: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ ٱلدِّينِ مَا وَصَّىٰ بِهِ نُوحاً } [الشورى: 13].
وقد ذكرنا فيما سلف حديث البراء بن معرور وتوجهه إلى الكعبة، وفيه دليل على أن الصلاة كانت يومئذ إلى بيت المقدس، ولما كان صلى اللهّٰ عليه وسلم يتحرى القبلتين جميعاً لم يتبين توجهه إلى بيت المقدس للناس حتى خرج من مكة.

العلة في تكرار الأمر في آية تحو يل القبلة

قال السهيلي: وكرر الباري سبحانه وتعالى الأمر بالتوجه إلى البيت الحرام في ثلاث آيات؛ لأن المنكرين لتحو يل القبلة كانوا ثلاثة أصناف: اليهود؛ لأنهم لا يقولون بالنسخ في أصل مذهبهم، وأهل الريب والنفاق اشتد إنكارهم له؛ لأنه كان أول نسخ نزل، وكفار قريش، لأنهم قالوا: ندم محمد على فراق ديننا، وكانوا يحتجون عليه فيقولون: يزعم محمد أنه يدعونا إلى ملة إبراهيم وإسماعيل، وقد فارق قبلة إبراهيم وإسماعيل، وآثر عليها قبلة اليهود، فقال اللهّٰ له حين أمره بالصلاة إلى الكعبة {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنْهُمْ} [البقرة: 150] على الاستثناء المنقطع، أي: لكن الذين ظلموا منه لا يرجعون ولا يهتدون، وذكر الآيات إلى قوله {لَيَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146] أي: يكتمون ما علموا من أن الكعبة هي قبلة الأنبياء.

القبلة في البدء كانت إلى الكعبة

عن ابن شهاب، قال: كان سليمان بن عبد الملك لا يعظم إيلياء كما يعظمها أهل البيت، قال: فسرت معه وهو ولي عهد، قال: ومعه خالد بن يزيد بن معاو ية، قال سليمان وهو جالس فيها: واللهّٰ إن في هذه القبلة التي صلى إليها المسلمون والنصارى لعجباً، قال خالد بن يزيد: أما واللهّٰ إني لأقرأ الكتاب الذي أنزله اللهّٰ على محمد صلى اللهّٰ عليه وسلم، وأقرأ التوراة، فلم تجدها اليهود في الكتاب الذي أنزل اللهّٰ عليهم، ولكن تابوت السكينة كان على الصخرة، فلما غضب اللهّٰ على بني إسرائيل رفعه،
فكانت صلاتهم إلى الصخرة على مشاورة منهم.
وروى أبو داود أيضًا: أن يهوديًّا خاصم أبا العالية في القبلة، فقال أبو العالية: إن موسى عليه السلام كان يصلي عند الصخرة ويستقبل البيت الحرام، فكانت الكعبة قبلته، وكانت الصخرة بين يديه، وقال اليهودي: بيني وبينك مسجد صالح النبي عليه السلام، فقال أبو العالية: فإن صليت في مسجد صالح، وقبلته إلى الكعبة، وأخبر أبو العالية أنه صلى في مسجد ذي
القرنين، وقبلته إلى الكعبة.

تسميةالرجل الذي أخبرهم بتحو يل القبلة

قلت: قد تقدم في حديث البراء أن رجلاً صلى مع النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم يوم تحو يل القبلة، ثم أتى قومًا من الأنصار فأخبرهم وهم ركوع فاستداروا، ولم يسم المخبر في ذلك الخبر، والرجل هو [عباد بن نهيك بن إساف الشاعر بن عدي بن زيد بن جشم بن حارثة بن الحارث بن الخزرج بن عمرو النبيت بن مالك بن الأوس، عمَرّ في الجاهلية زماناً، وأسلم وهو شيخ كبير، فوضع النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم عنه الغزو، وهو الذي صلى مع النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم القبلتين في الظهر ركعتين إلى بيت المقدس، وركعتين إلى الكعبة يوم صرفت القبلة، ثم أتى قومه بني حارثة وهم ركوع في صلاة العصر، فأخبرهم بتحو يل القبلة، فاستداروا إلى الكعبة.
وقد ذكر أبو عمر هذا الرجل بذلك، لكنه لم يرفع نسبه، إنما قال: عباد بن نهيك فقط، ونسبه الخطمي، فلم يصنع شيئاً، فخطمة هو: عبد اللهّٰ بن جشم بن مالك بن الأوس، ليس هذا منه، هذا حارثي، وبنو خطمة تأخر إسلامهم.