1 هـ
622 م
بَاب مَا وَقع فِي الْهِجْرَة من الْآيَات والمعجزات

اخْرُج الْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ عَن جرير ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِن الله اوحى إِلَيّ أَي هَؤُلَاءِ الْبِلَاد الثَّلَاث نزلت فَهِيَ دَار هجرتك …

الْمَدِينَة أَو الْبَحْرين أَو قنسرين.
وَأخرج البُخَارِيّ عَن عَائِشَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ للْمُسلمين قد أريت دَار هجرتكم أريت سبخَة ذَات نخل بَين لابتين فَهَاجَرَ من هَاجر قبل الْمَدِينَة حِين ذكر ذَلِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتجهز أَبُو بكر مُهَاجرا فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «على رسلك فَإِنِّي أَرْجُو أَن يُؤذن لي».

وَأخرج الْحَاكِم وَصَححهُ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة خمس عشرَة سنة سبعا وثمانيا يرى الضَّوْء وَيسمع الصَّوْت وَأقَام بِالْمَدِينَةِ عشرا.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس أَن قُريْشًا اجْتمعت فِي دَار الندوة وَاتَّفَقُوا على قَتله فَأتى جبرئيل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأمره أَن لَا يبيت فِي مضجعه الَّذِي كَانَ يبيت فِيهِ وَأخْبرهُ بمكر الْقَوْم وَأذن لَهُ عِنْد ذَلِك بِالْخرُوجِ.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن اسحاق قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الْقَوْم وهم على بَابه وَمَعَهُ حفْنَة تُرَاب فَجعل يذرها على رؤوسهم وَأخذ الله بِأَبْصَارِهِمْ عَن نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ يقْرَأ {يس * وَالْقُرْآن الْحَكِيم} [يس:1-2] إِلَى قَوْله {فأغشيناهم فهم لَا يبصرون} [يس:9] .

وَأخرج ابْن سعد عَن ابْن عَبَّاس وَعلي وَعَائِشَة بنت أبي بكر وَعَائِشَة بنت قدامَة وسراقة بن جعْشم دخل حَدِيث بَعضهم فِي بعض قَالُوا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْقَوْم جُلُوس على بَابه فَأخذ حفْنَة من الْبَطْحَاء فَجعل يذرها على رؤوسهم وَيَتْلُو {يس} [يس:1] الْآيَات وَمضى فَقَالَ لَهُم قَائِل مَا تنتظرون قَالُوا مُحَمَّدًا قَالَ قد وَالله مر بكم قَالُوا وَالله مَا أبصرناه وَقَامُوا يَنْفضونَ التُّرَاب عَن رؤوسهم وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر إِلَى غَار ثَوْر فدخلا وَضربت العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض وطلبته قُرَيْش أَشد الطّلب حَتَّى انْتَهَت إِلَى بَاب الْغَار فَقَالَ بَعضهم إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا قبل مِيلَاد مُحَمَّد فانصرفوا.

وَأخرج أَبُو نعيم عَن مُحَمَّد بن كَعْب الْقرظِيّ قَالَ خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واخذ حفْنَة من تُرَاب واخذ الله على أَبْصَارهم فَلَا يرونه فَجعل يثير ذَلِك التُّرَاب على رؤوسهم وَهُوَ يَتْلُو {يس} [يس:1] الْآيَات وَذكر نَحوه.

وَأخرج الْوَاقِدِيّ وَأَبُو نعيم عَن عَائِشَة بنت قدامَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لقد خرجت من الخوخة متنكرا فَكَانَ اول من لَقِيَنِي أَبُو جهل فَعمى الله بَصَره عني وَعَن أبي بكر حَتَّى مضينا.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن شهَاب وَعُرْوَة بن الزبير أَنهم ركبُوا فِي كل وَجه يطْلبُونَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وبعثوا إِلَى اهل الْمِيَاه يأمرونهم ويجعلون لَهُم الْجعل الْعَظِيم وَأتوا على ثَوْر الْجَبَل الَّذِي فِيهِ الْغَار الَّذِي فِيهِ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى طلعوا فَوْقه وَسمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر أَصْوَاتهم فأشفق ابو بكر وَاقْبَلْ عَلَيْهِ الْهم وَالْخَوْف فَعِنْدَ ذَلِك يَقُول لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «لَا تحزن ان الله مَعنا» ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَنزلت عَلَيْهِ سكينَة من الله
وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أنس أَن أَبَا بكر حَدثهُ قَالَ كنت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فَقلت يَا رَسُول الله لَو أَن أحدهم نظر إِلَى قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرنَا تَحت قَدَمَيْهِ فَقَالَ «يَا أَبَا بكر مَا ظَنك بِاثْنَيْنِ الله ثالثهما».

وَأخرج أَبُو نعيم عَن أَسمَاء بنت أبي بكر أَن أَبَا بكر رأى رجلا مواجه الْغَار فَقَالَ يَا رَسُول الله إِنَّه لرائينا قَالَ «كلا إِن الْمَلَائِكَة تستره الْآن بأجنحتها» فَلم يلبث الرجل ان قعد يَبُول مستقبلهما فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «يَا أَبَا بكر لَو كَانَ يراك مَا فعل هَذَا» وَأخرج أَبُو يعلى نَحوه من طَرِيق عَائِشَة عَن أبي بكر.

واخرج ابْن سعد وَابْن مرْدَوَيْه وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي مُصعب الْمَكِّيّ قَالَ أدْركْت انس بن مَالك وَزيد بن أَرقم والمغيرة بن شُعْبَة فَسَمِعتهمْ يتحدثون ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة الْغَار أَمر الله بشجرة فَنَبَتَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله العنكبوت فَنسجَتْ فِي وَجه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَسترته وَأمر الله حَمَامَتَيْنِ وَحْشِيَّتَيْنِ فوقفتا بِفَم الْغَار وَأَقْبل فتيَان قُرَيْش من كل بطن رجل بِعِصِيِّهِمْ وهراويهم وَسُيُوفهمْ حَتَّى إِذا كَانُوا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِقدر أَرْبَعِينَ ذِرَاعا جعل رجل مِنْهُم ينظر فِي الْغَار فَرَأى حَمَامَتَيْنِ بِفَم الْغَار فَرجع إِلَى أَصْحَابه فَقَالُوا لَهُ مَالك لَا تنظر فِي الْغَار فَقَالَ رَأَيْت حَمَامَتَيْنِ بِفَم الْغَار فَعلمت أَنه لَيْسَ فِيهِ أحد فَسمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا قَالَ فَعرف أَن الله قد دَرأ بهما عَنهُ فَدَعَا لَهُنَّ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وسمت عَلَيْهِنَّ وَفرض جزاءهن وانحدرن فِي الْحرم فأفرخ ذَلِك الزَّوْج كل شَيْء فِي الْحرم.

وَأخرج احْمَد وَأَبُو نعيم عَن ابْن عَبَّاس ان الْمُشْركين تشاوروا لَيْلَة بِمَكَّة فِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ بَعضهم إِذا أصبح فأثبتوه بِالْوَثَاقِ وَقَالَ بَعضهم بل اقْتُلُوهُ وَقَالَ بَعضهم بل أَخْرجُوهُ فَاطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على ذَلِك فَخرج تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى لحق بِالْغَارِ فَلَمَّا أَصْبحُوا اقتصوا أَثَره فَلَمَّا بلغُوا الْجَبَل اخْتَلَط عَلَيْهِم فَصَعِدُوا فِي الْجَبَل فَمروا بِالْغَارِ فَرَأَوْا على بَابه نسج العنكبوت فَقَالُوا لَو كَانَ دخل هَهُنَا لم يكن نسج العنكبوت على بَابه.

وَأخرج أَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي مُوسَى بن مُحَمَّد بن ابراهيم عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين دخل الْغَار ضرب العنكبوت على بَابه بعشاش بَعْضهَا على بعض فَلَمَّا انْتَهوا إِلَى فَم الْغَار قَالَ قَائِل مِنْهُم ادخُلُوا الْغَار قَالَ أُميَّة بن خلف وَمَا إربكم إِلَى الْغَار إِن عَلَيْهِ لعنكبوتا كَانَ قبل مِيلَاد مُحَمَّد فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمئِذٍ عَن قتل العنكبوت فَقَالَ إِنَّهَا جند من جنود الله.

وَأخرج أَبُو نعيم فِي الْحِلْية عَن عَطاء بن ميسرَة قَالَ نسجت العنكبوت مرَّتَيْنِ مرّة على دَاوُد حِين كَانَ طالوت يَطْلُبهُ وَمرَّة على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار .

وَأخرج الشَّيْخَانِ عَن أبي بكر قَالَ طلبنا الْقَوْم فَلم يدركنا اُحْدُ مِنْهُم غير سراقَة ابْن مَالك على فرس لَهُ فَقلت يَا رَسُول الله هَذَا الطّلب قد لحقنا قَالَ «لَا تحزن إِن الله مَعنا» فَلَمَّا كَانَ بَيْننَا وَبَينه قيد رمح أَو ثَلَاثَة دَعَا عَلَيْهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ «اللَّهُمَّ اكفناه بِمَا شِئْت فساخت بِهِ فرسه فِي الأَرْض إِلَى بَطنهَا» فَقَالَ يَا مُحَمَّد قد علمت ان هَذَا عَمَلك فَادع الله ان ينجيني مِمَّا انا فِيهِ فوَاللَّه لأعمين على من ورائي من الطّلب فَدَعَا لَهُ فَانْطَلق رَاجعا.

وَأخرج البُخَارِيّ عَن سراقَة بن مَالك قَالَ خرجت أطلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا بكر حَتَّى إِذا دَنَوْت مِنْهُ عثرت بِي فرسي فَقُمْت فركبت حَتَّى إِذا سَمِعت قِرَاءَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ لَا يلْتَفت وَأَبُو بكر يكثر التلفت ساخت يدا فرسي فِي الأَرْض حَتَّى بلغتا الرُّكْبَتَيْنِ فَخَرَرْت عَنْهَا ثمَّ زجرتها فَنَهَضت فَلم تكد تخرج يَديهَا فَلَمَّا اسْتَوَت قَائِمَة إِذا لأثر يَديهَا عثان سَاطِع فِي السَّمَاء مثل الدُّخان فناديتهما بالأمان فوقفوا لي وَوَقع فِي نَفسِي حِين لقِيت مَا لقِيت من الْحَبْس عَنْهُمَا أَنه سَيظْهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.

وَأخرج ابْن سعد وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أنس قَالَ لما خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر الْتفت أَبُو بكر فَإِذا هُوَ بِفَارِس قد لحقهم فَقَالَ يَا نَبِي الله هَذَا فَارس قد لحق بِنَا فَقَالَ «اللَّهُمَّ اصرعه» فصرع عَن فرسه فَقَالَ يَا نَبِي الله مرني بِمَا شِئْت قَالَ «تقف مَكَانك لَا تتركن أحدا يلْحق بِنَا» فَكَانَ أول النَّهَار جاهدا على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَآخر النَّهَار مسلحة لَهُ وَفِي ذَلِك يَقُول سراقَة مُخَاطبا لأبي جهل:

أَبَا حكم وَالله لَو كنت شَاهدا *** لأمر جوادي إِذْ تسيخ قوائمه
علمت وَلم تشكك بِأَن مُحَمَّدًا *** رَسُول ببرهان فَمن ذَا يقاومه

واخرج ابْن عَسَاكِر بِسَنَد واه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ كَانَ أَبُو بكر مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْغَار فعطش فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «اذْهَبْ إِلَى صدر الْغَار فَاشْرَبْ» فَانْطَلق أَبُو بكر إِلَى صدر الْغَار فَشرب مِنْهُ مَاء أحلى من الْعَسَل وأبيض من اللَّبن وأذكى رَائِحَة من الْمسك ثمَّ عَاد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن الله أَمر الْملك الْمُوكل بأنهار الْجنَّة إِن خرق نَهرا من جنَّة الفردوس إِلَى صدر الْغَار لتشرب».

وَقَالَ البُخَارِيّ سَمِعت أَبَا مُحَمَّد الْكُوفِي قَالَ لما اراد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ان يُهَاجر سمعُوا صَوتا بِمَكَّة يَقُول:

إِن يسلم السعدان يصبح مُحَمَّد *** من الْأَمْن لَا يخْشَى خلاف الْمُخَالف

فَقَالَت قُرَيْش لَو علمنَا من السعدان لفعلنَا وَفعلنَا فَسَمِعُوا من الْقَابِلَة وَهُوَ يَقُول:

فيا سعد سعد الْأَوْس إِن كنت مَانِعا *** وَيَا سعد سعد الخزرجين الغطارف
أجيبا إِلَى دَاعِي الْهدى وتمنيا *** على الله فِي الفردوس زلفة عَارِف

قَالَ سعد الْأَوْس سعد بن معَاذ وَسعد الخزرجين سعد بن عبَادَة وَأخرجه ابْن عَسَاكِر من هَذَا الطَّرِيق.

وَأخرجه من طَرِيق ابْن ابي الدُّنْيَا أَنبأَنَا أبي ثَنَا هِشَام بن مُحَمَّد الْكَلْبِيّ حَدثنَا عبد الْمجِيد بن أبي عبس عَن أَبِيه عَن جده قَالَ سَمِعت قُرَيْش صائحا يَصِيح على أبي قبيس فَذكر الْبَيْت الأول فَقَالُوا من السُّعُود سعد بن بكر وَسعد بن زيد مَنَاة وَسعد هذيم فَلَمَّا كَانَ فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة سمعُوا صَوته على أبي قبيس فَذكر الْبَيْتَيْنِ وَزَاد:

فَإِن ثَوَاب الله للطَّالِب الْهدى *** جنان من الفردوس ذَات رفارف

فَقَالَت قُرَيْش هَذَا سعد بن معَاذ وَسعد بن عبَادَة وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ والخرائطي نَحوه.

وَأخرج الزبير بن بكار فِي الموفقيات وَأَبُو نعيم من طَرِيق شهر بن حَوْشَب عَن ابْن عَبَّاس عَن سعد بن عبَادَة قَالَ لما بَايعنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بيعَة الْعقبَة خرجت إِلَى حَضرمَوْت لبَعض الْحَاجة فَقضيت حَاجَتي ثمَّ رجعت حَتَّى إِذا كنت بِبَعْض الأَرْض نمت فَفَزِعت من اللَّيْل بصائح يَقُول:

أَبَا عَمْرو تأوبني السهود *** وَرَاح النّوم وَانْقطع الهجود

ثمَّ صَاح آخر يَا خر عب ذهب بك اللّعب إِن أعجب الْعجب بَين زهرَة ويثرب قَالَ وَمَا ذَاك يَا شاصب قَالَ نَبِي السَّلَام بعث بِخَير الْكَلَام إِلَى جَمِيع الانام فَأخْرج من الْبَلَد الْحَرَام إِلَى نخيل وآطام ثمَّ طلع الْفجْر فَذَهَبت انْظُر فَإِذا عظاءة وثعبان ميتان قَالَ فَمَا علمت ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَاجر إِلَى الْمَدِينَة إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث.

وَأخرج ابو نعيم من طَرِيق ابْن اسحاق حدثت عَن أَسمَاء بنت أبي بكر قَالَت لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مكثنا ثَلَاث لَيَال مَا نَدْرِي أَيْن توجه حَتَّى أقبل رجل من الْجِنّ من أَسْفَل مَكَّة يُغني بِأَبْيَات شعر وَأَن النَّاس ليتبعونه يسمعُونَ صَوته وَمَا يرونه حَتَّى خرج من أَعلَى مَكَّة يَقُول:

جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ *** رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد

واخرج الْبَغَوِيّ وَابْن شاهين وَابْن السكن وَابْن مندة وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق حزَام بن هِشَام بن حُبَيْش بن خَالِد عَن أَبِيه عَن جده ان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين خرج من مَكَّة خرج مِنْهَا مُهَاجرا إِلَى الْمَدِينَة هُوَ وَأَبُو بكر وَمولى أبي بكر عَامر بن فهَيْرَة وَدَلِيلهمَا اللَّيْثِيّ عبد الله بن الْأُرَيْقِط مروا على خَيْمَتي ام معبد الْخُزَاعِيَّة وَكَانَت بَرزَة حلده تَحْتَبِيَ بِفنَاء الْقبَّة ثمَّ تَسْقِي وَتطعم فَسَأَلُوهَا لَحْمًا وَتَمْرًا لِيَشْتَرُوهُ مِنْهَا فَلم يُصِيبُوا عِنْدهَا شَيْئا فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى شَاة فِي كسر الْخَيْمَة فَقَالَ «مَا هَذِه الشَّاة يَا أم معبد» قَالَت شَاة خلفهَا الْجهد عَن الْغنم قَالَ «أَبِهَا من لبن» قَالَت هِيَ أجهد من ذَلِك قَالَ «أَتَأْذَنِينَ لي ان احلبها» قَالَت إِن رَأَيْت بهَا حَلبًا فاحلبها فَدَعَا عَلَيْهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمسح بِيَدِهِ ضرْعهَا وسمى الله ودعا لَهَا فِي شَاتِهَا فتفاجت عَلَيْهِ وَدرت ودعا بِإِنَاء يريض الرَّهْط فَحلبَ فِيهِ ثَجًّا حَتَّى علاهُ الْبَهَاء ثمَّ سَقَاهَا حَتَّى رويت ثمَّ سقى أَصْحَابه حَتَّى رووا ثمَّ شرب آخِرهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ أراضوا ثمَّ حلب فِيهِ ثَانِيًا بعد بَدْء حَتَّى مَلأ الْإِنَاء ثمَّ غَادَرَهُ عِنْدهَا ثمَّ بَايَعَهَا وَارْتَحَلُوا عَنْهَا فَقل مَا لَبِثت حَتَّى جَاءَ زَوجهَا ابو معبد يَسُوق أَعْنُزًا عِجَافًا فَلَمَّا رأى اللَّبن عجب وَقَالَ من أَيْن لَك هَذَا اللَّبن وَالشَّاة عَازِب حِيَال وَلَا حَلُوب فِي الْبَيْت فَقَالَت لَا وَالله إِلَّا انه مر بِنَا رجل مبارك من حَاله كَذَا وَكَذَا قَالَ صَفيه لي قَالَت رَأَيْت رجلا ظَاهر الْوَضَاءَة أَبْلَج الوحه حسن الْخلق لم تَعبه ثجله وَلَا تزريه صعلة وسيم قسيم فِي عَيْنَيْهِ دعجٌ وَفِي أَشْفَاره عطف وَفِي صَوته صَهل وَفِي عُنُقه سَطَعَ وَفِي لحيته كثاثة أَزجّ أقرن إِن صمت فَعَلَيهِ الْوَقار وَإِن تكلم سَمَّاهُ وعلاه الْبَهَاء أجمل النَّاس وَأَبْهَاهُ من بعيد وأحلاه وَأحسنه من قريب حُلْو الْمنطق فصل لَا نزر وَلَا هذر كَأَن منْطقَة خَرَزَات نظمن ربعَة لَا بَائِن من طول وَلَا تَقْتَحِمُهُ عين من قصر عصنا بَين عصنين فَهُوَ أَنْضَرُ الثَّلَاثَة منْظرًا وَأَحْسَنهمْ قدرا لَهُ رُفَقَاء يحفونَ بِهِ ان قَالَ أَنْصتُوا لَهُ وَإِن أَمر تبَادرُوا إِلَى امْرَهْ مَحْفُودٌ محشود لَا عَابس وَلَا مُعْتَد فَقَالَ أَبُو معبد هُوَ وَالله صَاحب قُرَيْش الَّذِي ذكر لنا من أمره مَا ذكر بِمَكَّة فَأصْبح صَوت بِمَكَّة عَالِيا يسمعُونَ الصَّوْت وَلَا يَدْرُونَ من صَاحبه وَهُوَ يَقُول:

جزى الله رب النَّاس خير جَزَائِهِ *** رَفِيقَيْنِ قَالَا خَيْمَتي أم معبد
هما نَزَّلَاهَا بِالْهدى فاهتديت بِهِ *** فقد فَازَ من أَمْسَى رَفِيق مُحَمَّد
فيآل قصي مَا زوى الله عَنْكُم *** بِهِ من فعال لَا تجازى وسؤدد
لِيهن بني كَعْب مقَام فَتَاتهمْ *** ومقعدها للْمُؤْمِنين بِمَرْصَد
سلوا أختكم عَن شَاتِهَا وأناثها *** فَإِنَّكُم إِن تسألوا الشَّاة تشهد
دَعَاهَا بِشَاة حَائِل فتحلبت *** لَهُ بِصَرِيح ضرَّة الشَّاة مُزْبِد
فغادرها رهنا لَدَيْهَا بحالب *** يُرَدِّدهَا فِي مصدر ثمَّ مورد

فَقَوله بَرزَة يُرِيد أَنه خلالها سنّ فَهِيَ تبرز لَيست كالصغيرة المحجوبة قَوْله كسر الْخَيْمَة يُرِيد جانبا مِنْهَا وتفاجت فتحت مَا بَين رِجْلَيْهَا للحلب ويريض الرَّهْط يرويهم حَتَّى يثقلوا والرهط مَا بَين الثَّلَاثَة إِلَى الْعشْرَة وثجا أَي سيلا وعلاه الْبَهَاء أَي علا الْإِنَاء بهاء اللَّبن وَهُوَ وبيص رغوته وأراضوا شربوا وعازب أَي بعيد فِي المرعى وثجلة أَي ورقة وصعلة الخاصرة تَعْنِي أَنه ضرب لَيْسَ بناحل وَلَا منتفخ والوسيم الْحسن الوضيء وَكَذَلِكَ القسيم والعطف انعطاف الاشفار وسطع أَي طول إِن تكلم سما أَي علا بِرَأْسِهِ أَو يَده لَا نزر وَلَا هذر أَي وسط لَا قَلِيل وَلَا كثير وَلَا تَقْتَحِمُهُ لَا تحتقره وَلَا تزدريه ومحفود اي مخدوم ومحشود اي محفوف حشدة أَصْحَابه أطافوا بِهِ لَا عَابس أَي فِي الْوَجْه لَا مُعْتَد من الاعتداء وَهُوَ الظُّلم والصريح الْخَالِص والضرة لحم الضَّرع وَقَوله فغادرها رهنا لَدَيْهَا بحالب يُرِيد أَنه خلف الشَّاة مرتهنة لِأَن تدر
وَأخرج ابْن سعد وَالْبَغوِيّ وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْحر بن الصَّباح عَن أبي معبد الْخُزَاعِيّ مثله بِطُولِهِ.

وَأخرج ابْن سعد وَأَبُو نعيم من طَرِيق الْوَاقِدِيّ حَدثنِي حزَام بن هِشَام عَن أَبِيه عَن أم معبد قَالَت بقيت الشَّاة الَّتِي لمس ضرْعهَا عندنَا حَتَّى كَانَ زمَان الرَّمَادَة زمَان عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ وَكُنَّا نَحْلُبهَا صَبُوحًا وغبوقا وَمَا فِي الأَرْض قَلِيل وَلَا كثير.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى عَن أبي بكر الصّديق رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من مَكَّة فَانْتَهَيْنَا إِلَى حَيّ من أَحيَاء الْعَرَب فَنظر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى بَيت منتحيا فقصد إِلَيْهِ فَلَمَّا نزلنَا لم يكن فِيهِ إِلَّا إمرأة وَذَلِكَ عِنْد الْمسَاء فجَاء ابْن لَهَا بأعنز يَسُوقهَا فَقَالَت لَهُ انْطلق بِهَذِهِ العنز إِلَى هذَيْن الرجلَيْن ليذبحاها ويأكلا فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم انْطلق بالشفرة وجئني بالقدح فَقَالَ إِنَّهَا قد عزبت وَلَيْسَ لَهَا لبن قَالَ انْطلق فَانْطَلق فجَاء بقدح فَمسح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرْعهَا ثمَّ حلب حَتَّى مَلأ الْقدح ثمَّ قَالَ «انْطلق بِهِ إِلَى أمك» فَشَرِبت حَتَّى رويت ثمَّ جَاءَ بِهِ فَقَالَ «انْطلق بِهَذِهِ وجئني بِأُخْرَى» فَفعل بهَا كَذَلِك ثمَّ سقى أَبَا بكر ثمَّ جَاءَ بِأُخْرَى فَفعل بهَا كَذَلِك ثمَّ شرب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فبتنا ليلتنا ثمَّ انطلقنا فَكَانَت تسميه الْمُبَارك وَكَثُرت غنمها حَتَّى جلبت جلبا إِلَى الْمَدِينَة قَالَ الْبَيْهَقِيّ الظَّاهِر أَن هَذِه الْمَرْأَة أم معبد.

وَأخرج أَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ وَالْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن قيس بن النُّعْمَان قَالَ لما انْطلق رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر مستخفيين مرا بِعَبْد يرْعَى غنما فاستسقياه اللَّبن فَقَالَ مَا عِنْدِي شَاة تحلب غير أَن هَهُنَا عنَاقًا حملت أَو الشتَاء وَقد اخرجت وَمَا بَقِي لَهَا لبن فَقَالَ أدع بهَا فَدَعَا بهَا فاعتقلها النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمسح ضرْعهَا ودعا وَجَاء أَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ بمجن فَحلبَ وَسَقَى أَبَا بكر ثمَّ حلب فسقى الرَّاعِي ثمَّ حلب فَشرب فَقَالَ الرَّاعِي من أَنْت فوَاللَّه مَا رَأَيْت مثلك قطّ قَالَ «مُحَمَّد رَسُول الله» قَالَ أَنْت الَّذِي تزْعم قُرَيْش انه صابئ قَالَ «إِنَّهُم ليقولون ذَلِك قَالَ فَأشْهد أَنَّك نَبِي وأنما جِئْت بِهِ حق وَأَنه لَا يفعل مَا فعلت إِلَّا نَبِي».

وَأخرج أَبُو نعيم عَن مَالك بن أَوْس الْأَسْلَمِيّ قَالَ لما هَاجر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبُو بكر رَضِي الله عَنهُ مروا بِإِبِل لنا بِالْجُحْفَةِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «لمن هَذِه الْإِبِل» قَالَ لرجل من أسلم فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ سلمت إِن شَاءَ الله فَقَالَ «مَا اسْمك» قَالَ مَسْعُود فَالْتَفت إِلَى أبي بكر فَقَالَ «سعدت إِن شَاءَ الله».

وَأخرج الزبير بن بكار فِي أَخْبَار الْمَدِينَة عَن ابراهيم بن عبد الله بن حَارِثَة عَن ابيه قَالَ نزل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على كُلْثُوم بن الْهدم فصاح كُلْثُوم بِغُلَام لَهُ يَا نجيح فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «انجحت يَا أَبَا بكر».

وَأخرج البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس ان الَّذِي فرض عَلَيْك الْقُرْآن لرادك إِلَى معاد قَالَ إِلَى مَكَّة.

وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ شهِدت يَوْم دخل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَلم أر يَوْمًا أحسن وَلَا أَضْوَأ مِنْهُ.

وَأخرج ابْن سعد عَن انس قَالَ لما كَانَ الْيَوْم الَّذِي دخل فِيهِ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة أَضَاء مِنْهَا كل شَيْء.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الله بن الزبير أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قدم الْمَدِينَة فاستناخت بِهِ رَاحِلَته فَأَتَاهُ النَّاس فَقَالُوا يَا رَسُول الله الْمنزل فانبعثت بِهِ رَاحِلَته فَقَالَ «دَعُوهَا فانها مأمورة» ثمَّ خرجت بِهِ حَتَّى جَاءَت بِهِ مَوضِع الْمِنْبَر فاستناخت.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن أنس قَالَ قدم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة فَلَمَّا دخل جَاءَت الْأَنْصَار برجالها ونسائها فَقَالُوا إِلَيْنَا يَا رَسُول الله فَقَالَ «دعوا النَّاقة فَإِنَّهَا مأمورة» فبركت على بَاب أبي أَيُّوب فَخرجت جوَار من بني النجار يضربن بِالدُّفُوفِ وَهن يقلن:

نَحن جوَار من بني النجار *** يَا حبذا مُحَمَّد من جَار

واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة قَالَت لما قدم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَدِينَة جعل النِّسَاء وَالصبيان يقلن:

طلع الْبَدْر علينا *** من ثنيات الْوَدَاع
وَجب الشُّكْر علينا *** مَا دَعَا لله دَاع

وَأخرج الْحَاكِم وَالْبَيْهَقِيّ عَن صُهَيْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «رَأَيْت دَار هجرتكم سبخَة بَين ظهراني حرَّة فإمَّا ان تكون هجر وَإِمَّا ان تكون يثرب» قَالَ وَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْمَدِينَة وَخرج مَعَه أَبُو بكر وَكنت قد هَمَمْت بِالْخرُوجِ مَعَه فصدني فتيَان من قُرَيْش فَجعلت لَيْلَتي تِلْكَ أقوم لَا أقعد فَقَالُوا قد شغله الله عَنْكُم ببطنه وَلم اكن شاكيا فَنَامُوا فلحقني مِنْهُم نَاس بَعْدَمَا سرت بريدا ليردوني فَقلت لَهُم هَل لكم أَن أُعْطِيكُم أواقي من ذهب وتخلوا سبيلي فَفَعَلُوا فسقتهم إِلَى مَكَّة فَقلت احفروا تَحت اسكفة الْبَاب فَإِن تحتهَا الأواقي وَخرجت حَتَّى قدمت على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قبَاء قبل ان يتَحَوَّل مِنْهَا فَلَمَّا رَآنِي قَالَ «يَا أَبَا يحيى ربح البيع ثَلَاثًا» فَقلت يَا رَسُول الله مَا سبقني إِلَيْك اُحْدُ وَمَا أخْبرك إِلَّا جبرئيل عَلَيْهِ السَّلَام.