ذو القعدة 6 هـ
آذار 628 م
بَاب مَا وَقع عَام الْحُدَيْبِيَة من الْآيَات والمعجزات

اخْرُج البُخَارِيّ عَن الْمسور بن مخرمَة ومروان بن الحكم قَالَا خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم زمن الْحُدَيْبِيَة فِي بضع عشرَة مائَة من أَصْحَابه …
فَلَمَّا أَتَى ذَا الحليفة قلد الْهَدْي وَأَشْعرهُ وَأحرم مِنْهَا بِعُمْرَة وَبعث عينا لَهُ من خُزَاعَة وَسَار حَتَّى إِذا كَانَ بغدير الإشطاط أَتَاهُ عينه فَقَالَ إِن قُريْشًا جمعُوا لَك جموعا وَقد جمعُوا لَك الْأَحَابِيش وهم مقاتلوك وصادروك ومانعوك فَقَالَ «أَشِيرُوا أَيهَا النَّاس عَليّ أَتَرَوْنَ أَن أميل على عِيَالهمْ وذراري هَؤُلَاءِ الَّذين يُرِيدُونَ ان يصدونا عَن الْبَيْت أم ترَوْنَ أَن نَؤُم الْبَيْت فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ» فَقَالَ أَبُو بكر يَا رَسُول الله خرجت عَامِدًا لهَذَا الْبَيْت لَا تُرِيدُ قتل أحد وَلَا حَربًا فَتوجه لَهُ فَمن صدنَا عَنهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «فامضوا على اسْم الله حَتَّى إِذا كَانُوا بِبَعْض الطَّرِيق قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِن خَالِد بن الْوَلِيد فِي خيل لقريش طَلِيعَة فَخُذُوا ذَات الْيَمين» فوَاللَّه مَا شعر بهم خَالِد حَتَّى اذا هم بقترة الْجَيْش فَانْطَلق يرْكض نَذِير القريش وَسَار النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى إِذا كَانَ بالثنية الَّتِي يهْبط عَلَيْهِم مِنْهَا بَركت بِهِ رَاحِلَته فَقَالَ النَّاس حل حل فألحت فَقَالُوا خلأت الْقَصْوَاء فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «مَا خلأت الْقَصْوَاء وَمَا ذَاك لَهَا لخلق وَلَكِن حَبسهَا حَابِس الْفِيل ثمَّ قَالَ وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا أَعطيتهم إِيَّاهَا» ثمَّ زجرها فَوَثَبت فَعدل عَنْهُم حَتَّى نزل بأقصى الْحُدَيْبِيَة على ثَمد قَلِيل المَاء يتبرضه النَّاس تبرضا فَلم يلبث النَّاس حَتَّى نَزَحُوهُ وشكي إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَطش فَانْتزع سَهْما من كِنَانَته ثمَّ أَمرهم ان يَجْعَلُوهُ فِيهِ فوَاللَّه مَا زَالَ يَجِيش لَهُم بِالريِّ حَتَّى صدرُوا عَنهُ فَبَيْنَمَا هم كَذَلِك إِذْ جَاءَ بديل بن وَرْقَاء الْخُزَاعِيّ فِي نفر من قومه فَقَالَ إِنِّي تركت كَعْب بن لؤَي وعامر بن لؤَي نزلُوا أعداد مياه الْحُدَيْبِيَة مَعَهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عَن الْبَيْت فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِنَّا لم نجئ لقِتَال أحد وَلَكنَّا جِئْنَا معتمرين وَإِن قُريْشًا قد نهكتهم الْحَرْب وأضرت فهم فَإِن شاؤوا ماددتهم مُدَّة ويخلوا بيني وَبَين النَّاس فَإِن اظهر فَإِن شاؤوا ان يدخلُوا فِيمَا دخل فِيهِ النَّاس فعلوا وَإِلَّا فقد جموا وَإِن هم أَبَوا فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لأقاتلنهم على أَمْرِي هَذَا حَتَّى تنفرد سالفتي اَوْ لينفذن الله امْرَهْ» قَالَ بديل سأبلغهم مَا تَقول فَانْطَلق حَتَّى أَتَى قُريْشًا فَقَالَ إِنَّا جِئْنَا من عِنْد هَذَا الرجل وسمعناه يَقُول قولا فَإِن شِئْتُم ان نعرضه عَلَيْكُم فعلنَا فَقَالَ سفهاؤنا لَا حَاجَة لنا ان تخبرنا عَنهُ بِشَيْء وَقَالَ ذَوُو الرَّأْي مِنْهُم هَات مَا سمعته يَقُول قَالَ سمعته يَقُول كَذَا وَكَذَا فَحَدثهُمْ بِمَا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ عُرْوَة بن مَسْعُود فَقَالَ أَي قوم ألستم بالوالد قَالُوا بلَى قَالَ أولست بِالْوَلَدِ قَالُوا بلَى قَالَ فَهَل تتهموني قَالُوا لَا قَالَ ألستم تعلمُونَ اني استنفرت اهل عكاظ فَلَمَّا بلحوا عَليّ جِئتُكُمْ بأهلي وَوَلَدي وَمن اطاعني قَالُوا بلَى قَالَ فان هَذَا قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها ودعوني آته قَالُوا أئته فَأَتَاهُ فَجعل يكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَحوا من قَوْله لبديل بن وَرْقَاء فَقَالَ عُرْوَة عِنْد ذَلِك أَي مُحَمَّدًا أرأيا إِن استأصلت امْر قَوْمك هَل سَمِعت بِأحد من الْعَرَب اجتاح أَصله قبلك وان تكن الْأُخْرَى فَإِنِّي وَالله لأرى وُجُوهًا وَإِنِّي لأرى أشوابا من النَّاس خليقا ان يَفروا ويدعوك فَقَالَ لَهُ ابو بكر امصص بظر اللات أَنَحْنُ نفر وندعه قَالَ من ذَا قَالَ ابو بكر قَالَ اما وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَوْلَا يَد لَك عِنْدِي لم أجزك بهَا لأجبتك قَالَ وَجعل يكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَكلما كَلمه أَخذ بلحيته والمغيرة بن شُعْبَة قَائِم على رَأس النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَعَهُ السَّيْف وَعَلِيهِ المغفر فَكلما أَهْوى عُرْوَة بِيَدِهِ إِلَى لحية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ضرب يَده بنعل السَّيْف وَقَالَ أخر يدك عَن لحية النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَرفع عُرْوَة رَأسه وَقَالَ من هَذَا قَالُوا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَقَالَ أَي غدر أَلَسْت اسعى فِي غدرتك وَكَانَ الْمُغيرَة ابْن شُعْبَة صحب قوما فِي الْجَاهِلِيَّة فَقَتلهُمْ وَأخذ اموالهم ثمَّ جَاءَ فَأسلم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أما الْإِسْلَام فاقبل وَأما المَال فلست مِنْهُ فِي شَيْء ثمَّ إِن عُرْوَة جعل يرمق أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِعَيْنيهِ قَالَ فوَاللَّه مَا تنخم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نخامة إِلَّا وَقعت فِي كف رجل مِنْهُم فدلك بهَا وَجهه وَجلده وَإِذا امرهم ابتدروه امْرَهْ وَإِذا تَوَضَّأ كَادُوا يقتتلون على وضوئِهِ وَإِذا تكلم خفضوا أَصْوَاتهم عِنْده وَمَا يحدون النّظر إِلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ فَرجع عُرْوَة إِلَى اصحابه فَقَالَ أَي قوم وَالله لقد وفدت على الْمُلُوك كسْرَى وَقَيْصَر وَالنَّجَاشِي وَالله إِن رَأَيْت ملكا قطّ يعظمه اصحابه مَا يعظم أَصْحَاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا وانه قد عرض عَلَيْكُم خطة رشد فاقبلوها فَقَالَ رجل من كنَانَة دَعونِي آته فَقَالُوا إئته فَلَمَّا اشرف على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه قَالَ هَذَا فلَان وَهُوَ من قوم يعظمون الْبدن فابعثوها لَهُ فَبعثت لَهُ واستقبله النَّاس يلبون فَلَمَّا راى ذَلِك قَالَ سُبْحَانَ الله مَا يَنْبَغِي لهَؤُلَاء ان يصدوا عَن الْبَيْت فَلَمَّا رَجَعَ الى اصحابه قَالَ رَأَيْت الْبدن قد قلدت وأشعرت فَمَا أرى ان يصدوا عَن الْبَيْت فَقَامَ رجل مِنْهُم يُقَال لَهُ مكرز ابْن حَفْص فَقَالَ دَعونِي آته فَقَالُوا ائته فَلَمَّا اشرف عَلَيْهِم قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا مكرز وَهُوَ رجل فَاجر فَجعل يكلم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَيْنَمَا هُوَ يكلمهُ إِذْ جَاءَ سُهَيْل بن عمر وَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد سهل لكم من امركم.

قَالَ معمر قَالَ الزُّهْرِيّ فِي حَدِيثه فجَاء سُهَيْل بن عَمْرو فَقَالَ هَات اكْتُبْ بَيْننَا وَبَيْنكُم كتابا فَدَعَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْكَاتِب فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» فَقَالَ سُهَيْل بن عَمْرو وَأما الرَّحْمَن فوَاللَّه مَا أَدْرِي مَا هُوَ وَلَكِن اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ كَمَا كنت تكْتب فَقَالَ الْمُسلمُونَ وَالله لَا نكتبها إِلَّا بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ ثمَّ قَالَ هَذَا مَا قاضى عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله» فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَو كُنَّا نعلم أَنَّك رَسُول الله مَا صَدَدْنَاك عَن الْبَيْت وَلَا قَاتَلْنَاك اكْتُبْ مُحَمَّد بن عبد الله فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «وَالله إِنِّي لرَسُول الله وَإِن كذبتموني أكتب مُحَمَّد بن عبد الله».

قَالَ الزُّهْرِيّ وَذَلِكَ لقَوْله لَا يَسْأَلُونِي خطة يعظمون فِيهَا حرمات الله إِلَّا اعطيتهم اياها فَقَالَ لَهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «على ان تخلوا بَيْننَا وَبَين الْبَيْت فنطوف بِهِ» فَقَالَ سُهَيْل وَالله لَا يتحدث الْعَرَب إِنَّا أَخذنَا ضغطة وَلَكِن ذَلِك من الْعَام الْمقبل فَكتب فَقَالَ سُهَيْل وعَلى أَنه لَا يَأْتِيك منا رجل وَإِن كَانَ على دينك إِلَّا رَددته إِلَيْنَا فَقَالَ الْمُسلمُونَ سُبْحَانَ الله كَيفَ يرد إِلَى الْمُشْركين وَقد جَاءَ مُسلما فَبَيْنَمَا هم على ذَلِك إِذْ جَاءَ ابو جندل بن سُهَيْل بن عمر ويرسف فِي قيوده وَقد خرج من أَسْفَل مَكَّة حَتَّى رمى بِنَفسِهِ بَين أظهر الْمُسلمين فَقَالَ سُهَيْل هَذَا يَا مُحَمَّد أول من أقاضيك عَلَيْهِ ان ترده إِلَى فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِنَّا لم نقض الْكتاب بعد» قَالَ فوَاللَّه إِذن لَا أصالحك على شَيْء أبدا فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «فاجزه» قَالَ مَا انا بمجيز ذَلِك لَك قَالَ «بلَى فافعل» قَالَ مَا أَنا بفاعل قَالَ مكرز بلَى قد اجزناه لَك قَالَ ابو جندل أَي معشر الْمُسلمين ارد إِلَى الْمُشْركين وَقد جِئْت مُسلما أَلا ترَوْنَ مَا قد لقِيت وَكَانَ قد عذب عذَابا شَدِيدا فِي الله قَالَ عمر بن الْخطاب فَأتيت نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت أَلَسْت نَبِي الله حَقًا قَالَ «بلَى» قلت أَلسنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ «بلَى» قلت فَلم نعط الدنية فِي ديننَا إِذن قَالَ «إِنِّي رَسُول الله وَلست اعصيه وَهُوَ ناصري» قلت اَوْ لست كنت تحدثنا انا سنأتي الْبَيْت ونطوف بِهِ قَالَ «بلَى» فأخبرتك انا نأتيه الْعَام قلت لَا قَالَ فَإنَّك آتيه ومطوف بِهِ قَالَ فَأتيت أَبَا بكر فَقلت يَا ابا بكر أَلَيْسَ هَذَا نَبِي الله حَقًا قَالَ «بلَى» قلت السنا على الْحق وعدونا على الْبَاطِل قَالَ «بلَى» قلت فَلم نعط الدنية فِي ديننَا إِذن قَالَ أَيهَا الرجل إِنَّه رَسُول الله وَلَيْسَ يَعْصِي ربه وَهُوَ ناصره فَاسْتَمْسك بغرزه فوَاللَّه إِنَّه على الْحق قلت أَو لَيْسَ كَانَ يحدثنا إِنَّا سنأتي الْبَيْت ونطوف بِهِ قَالَ «بلَى» قَالَ فأخبرك انه يَأْتِيهِ الْعَام فَقلت لَا قَالَ فانك تَأتيه وَتَطوف بِهِ.

قَالَ الزُّهْرِيّ قَالَ عمر فَعمِلت لذَلِك أعمالا قَالَ فَلَمَّا فرغ من قَضِيَّة الْكتاب قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «قومُوا فَانْحَرُوا ثمَّ احْلقُوا» قَالَ فوَاللَّه مَا قَامَ مِنْهُم رجل حَتَّى قَالَ ذَلِك ثَلَاث مَرَّات فَلَمَّا لم يقم مِنْهُم أحد دخل على أم سَلمَة فَذكر لَهَا مَا لَقِي من النَّاس قَالَت ام سَلمَة يَا نَبِي الله أَتُحِبُّ ذَلِك أخرج ثمَّ لَا تكلم احدا مِنْهُم كلمة حَتَّى تنحر بدنك وَتَدْعُو حالقك فيحلقك فَخرج فَلم يكلم أحدا مِنْهُم حَتَّى فعل ذَلِك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِك قَامُوا فنحروا وَجعل بَعضهم يحلق بَعْضًا حَتَّى كَاد بَعضهم يقتل بَعْضًا غما ثمَّ جَاءَ نسْوَة مؤمنات فَأنْزل الله عز وَجل {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا جَاءَكُم الْمُؤْمِنَات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن} حَتَّى بلغ {بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10] فَطلق عمر يَوْمئِذٍ امْرَأتَيْنِ كَانَتَا لَهُ فِي الشّرك فَتزَوج إِحْدَاهمَا معَاذ بن أبي سُفْيَان وَالْأُخْرَى صَفْوَان بن أُميَّة ثمَّ رَجَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الى الْمَدِينَة فَجَاءَهُ أَبُو بَصِير رجل من قُرَيْش وَهُوَ مُسلم فأرسلوا فِي طلبه رجلَيْنِ فَقَالُوا الْعَهْد الَّذِي جعلت لنا فَدفعهُ إِلَى الرجلَيْن فَخَرَجَا بِهِ حَتَّى بلغا ذَا الحليفة فنزلوا يَأْكُلُون من تمر لَهُم فَقَالَ ابو بَصِير لأحد الرجلَيْن وَالله إِنِّي لأرى سَيْفك هَذَا يَا فلَان جيدا فاستله الآخر فَقَالَ أجل وَالله إِنَّه لجيد لقد جربت مِنْهُ ثمَّ خرجت فَقَالَ ابو بَصِير ارني انْظُر اليه فامكنه مِنْهُ فَضَربهُ بِهِ حَتَّى برد وفر الآخر حَتَّى أَتَى الْمَدِينَة فَدخل الْمَسْجِد يعدو فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين رَآهُ «لقد رأى هَذَا ذعرا» فَلَمَّا انْتهى إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ قتل وَالله صَاحِبي وَإِنِّي لمقتول فجَاء ابو بَصِير فَقَالَ يَا رَسُول الله قد وَالله أوفى الله ذِمَّتك قد رددتني إِلَيْهِم ثمَّ نجاني الله مِنْهُم فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «ويل امهِ مسعر حَرْب لَو كَانَ لَهُ أحدا» فَلَمَّا سمع ذَلِك عرف انه سيرده إِلَيْهِم فَخرج حَتَّى اتى سيف الْبَحْر قَالَ وينفلت مِنْهُم ابو جندل بن سُهَيْل فلحق بِأبي بَصِير فَجعل لَا يخرج من قُرَيْش رجل قد أسلم إِلَّا لحق بِأبي بَصِير حَتَّى اجْتمعت مِنْهُم عِصَابَة فوَاللَّه مَا يسمعُونَ بعير خرجت لقريش إِلَى الشَّام إِلَّا اعْترضُوا لَهَا فَقَتَلُوهُمْ وَأخذُوا اموالهم فَأرْسلت قُرَيْش إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تناشده الله وَالرحم لما أرسل إِلَيْهِم فَمن أَتَاهُ فَهُوَ آمن فَأرْسل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اليهم وَأنزل الله عز وَجل {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم وَأَيْدِيكُمْ عَنْهُم بِبَطن مَكَّة} حَتَّى بلغ {حمية الْجَاهِلِيَّة} [الفتح: 24-26] وَكَانَت حميتهم أَنهم لم يقرُّوا أَنه رَسُول الله وَلم يقرُّوا بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وحالوا بَينه وَبَين الْبَيْت.

وَأخرج أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَالْحَاكِم وَصَححهُ عَن عبد الله بن مُغفل قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي أصل الشَّجَرَة الَّتِي قَالَ الله فِي الْقُرْآن فَكَانَ يَقع من أَغْصَان تِلْكَ الشَّجَرَة على ظهر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَعلي بن ابي طَالب وَسُهيْل بن عَمْرو بَين يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لعَلي «اكْتُبْ بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم» فَأخذ سُهَيْل بِيَدِهِ وَقَالَ مَا نَعْرِف الرَّحْمَن وَلَا الرَّحِيم اكْتُبْ فِي قَضِيَّتنَا مَا نَعْرِف قَالَ «اكْتُبْ بِاسْمِك اللَّهُمَّ» وَكتب هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد رَسُول الله أهل مَكَّة فَأمْسك سُهَيْل بِيَدِهِ وَقَالَ لقد ظَلَمْنَاك إِن كنت رَسُوله أكتب فِي قَضِيَّتنَا مَا نَعْرِف فَقَالَ «اكْتُبْ هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله» فَبينا نَحن كَذَلِك إِذْ خرج علينا ثَلَاثُونَ شَابًّا عَلَيْهِم السِّلَاح فثاروا فِي وُجُوهنَا فَدَعَا عَلَيْهِم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخذ الله بأسماعهم وَلَفظ الْحَاكِم بِأَبْصَارِهِمْ فقمنا إِلَيْهِم فأخذناهم فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «هَل جئْتُمْ فِي عهد اُحْدُ أَو هَل جعل لكم اُحْدُ أَمَانًا» فَقَالُوا لَا فخلى سبيلهم وَأنزل الله {وَهُوَ الَّذِي كف أَيْديهم عَنْكُم} [الفتح: 24] .

وَأخرج مُسلم عَن جَابر ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من يصعد الثَّنية ثنية المرار فَإِنَّهُ يحط عَنهُ مَا حط عَن بني اسرائيل فَكَانَ أول من صعد خيل بني الْخَزْرَج ثمَّ تبادر النَّاس بعد فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «كلكُمْ مغْفُور لَهُ إِلَّا صَاحب الْجمل الْأَحْمَر» فَقُلْنَا تعال ليَسْتَغْفِر لَك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ وَالله لِأَن أجد ضالتي أحب إِلَى من أَن يسْتَغْفر لي صَاحبكُم وَإِذا هُوَ رجل ينشد ضَالَّة.

وَأخرج ابو نعيم عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَام الْحُدَيْبِيَة حَتَّى إِذا كُنَّا بعسفان سرنا فِي آخر اللَّيْل حَتَّى أَقبلنَا على عقبَة ذَات الحنظل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «مثل هَذِه الثَّنية اللَّيْلَة كَمثل الْبَاب الَّذِي قَالَ الله لبني اسرائيل {ادخُلُوا الْبَاب سجدا وَقُولُوا حطة نغفر لكم خطاياكم} [البقرة: 58] مَا هَبَط اُحْدُ من هَذِه الثَّنية اللَّيْلَة إِلَّا غفر لَهُ» فَلَمَّا هبطنا نزلنَا فَقلت يَا رَسُول الله عَسى ان ترى قُرَيْش نيراننا فَقَالَ «لن يروكم» فَلَمَّا أَصْبَحْنَا صلى بِنَا الصُّبْح ثمَّ قَالَ «وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد غفر اللَّيْلَة للركب أَجْمَعِينَ إِلَّا رويكب وَاحِد» الْتفت عَلَيْهِ رجال الْقَوْم لَيْسَ مِنْهُم فذهبنا نَنْظُر فَإِذا اعرابي بَين ظهراني الْقَوْم ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «يُوشك ان يَأْتِي قوم تَحْتَقِرُونَ اعمالكم مَعَ اعمالهم» قُلْنَا من هم يَا رَسُول الله اقريش قَالَ «لَا وَلَكِن أهل الْيمن أرق أَفْئِدَة وألين قلوبا» فَقُلْنَا أهم خير منا يَا رَسُول الله قَالَ «لَو كَانَ لأحد جبل ذهب فأنفقه مَا أدْرك مد أحدكُم وَلَا نصيفه إِلَّا ان هَذَا فصل مَا بَيْننَا وَبَين النَّاس» {لَا يَسْتَوِي مِنْكُم من أنْفق من قبل الْفَتْح وَقَاتل} [الحديد: 10] الْآيَة.

وَأخرج ابو نعيم عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ قَالَ عَمْرو بن عبد نهم أَتَيْنَا ثنية ذَات الحنظل فوَاللَّه إِن كَانَت لتهمني نَفسِي وحدي انها كَانَت مثل الشرَاك فاتسعت فَكَأَنَّهَا فجاج لاحبة فَلَقَد كَانَ النَّاس تِلْكَ اللَّيْلَة يَسِيرُونَ مصطفين جَمِيعًا من سعتها فَأَضَاءَتْ تِلْكَ اللَّيْلَة حَتَّى كَانَا فِي قمر فَلَمَّا أصبح رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ «لقد غفر الله فِي هَذِه اللَّيْلَة للركب أَجْمَعِينَ إِلَّا رويكبا وَاحِدًا على جمل أَحْمَر» الْتفت عَلَيْهِ رجال الْقَوْم وَلَيْسَ مِنْهُم فَطلب فِي الْعَسْكَر فَإِذا هُوَ من بني ضَمرَة من أهل سيف الْبَحْر فَقيل لَهُ اذْهَبْ إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يسْتَغْفر لَك قَالَ لبعيري وَالله أهم من ان يسْتَغْفر لي صَاحبكُم وَإِذا هُوَ قد أضلّ بَعِيرًا فَانْطَلق يطْلب بعيره بعد ان اسْتَبْرَأَ الْعَسْكَر يَطْلُبهُ فيهم فَبَيْنَمَا هُوَ فِي جبال سراوع إِذْ زلقت بِهِ نَعله فتردى فَمَاتَ فَمَا علم بِهِ حَتَّى أَكلته السبَاع.

وَأخرج البُخَارِيّ عَن الْبَراء قَالَ تَعدونَ انتم الْفَتْح فتح مَكَّة وَقد كَانَ فتح مَكَّة فتحا وَنحن نعد الْفَتْح بيعَة الرضْوَان يَوْم الْحُدَيْبِيَة كُنَّا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عشرَة مائَة وَالْحُدَيْبِيَة بِئْر فنزحناها فَلم نَتْرُك فِيهَا قَطْرَة فَبلغ ذَلِك النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَتَاهَا فَجَلَسَ على شفيرها ثمَّ دَعَا بِإِنَاء من مَاء فَتَوَضَّأ ثمَّ تمضمض ودعا ثمَّ صبه فِيهَا فتركناها غير بعيد ثمَّ انها أصدرتنا مَا شِئْنَا نَحن وركابنا.

وَأخرجه البُخَارِيّ من وَجه آخر عَن الْبَراء وَفِيه كُنَّا ألفا واربعمائة أَو أَكثر
وَأخرجه احْمَد وَالطَّبَرَانِيّ وَأَبُو نعيم وَفِيه فَرفعت إِلَيْهِ الدَّلْو فَغمسَ يَده فِيهَا مَا شَاءَ الله أَن يَقُول ثمَّ صببت الدَّلْو فِيهَا فَلَقَد رَأَيْت آخِرنَا أخرج بِثَوْب خشيَة الْغَرق ثمَّ ساحت يَعْنِي جرت نَهرا.

واخرج مُسلم عَن سَلمَة بن الاكوع قَالَ قدمنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْحُدَيْبِيَة وَنحن أَربع عشرَة مائَة وَعَلَيْهَا خَمْسُونَ شَاة مَا ترْوِيهَا فَقعدَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على جباها يَعْنِي الركي فإمَّا دَعَا وَإِمَّا بزق فِيهَا فَجَاشَتْ فسقينا واسقينا.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة نَحوه وَقَالَ ففارت بِالْمَاءِ حَتَّى جعلُوا يَغْتَرِفُونَ بِأَيْدِيهِم مِنْهَا وهم جُلُوس على شفتها.

وَأخرج ابو نعيم عَن ابْن عَبَّاس انه رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نزل الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ مَاؤُهَا قد انْقَطع وَذَلِكَ فِي حر شَدِيد وَالْقَوْم كثير فَدَعَا بتور من مَاء فَتَوَضَّأ فِي الدَّلْو ومضمض فَاه وصبه فِي الْبِئْر فَفَاضَ المَاء وهم جُلُوس على شفتها وهم يَغْتَرِفُونَ بآنيتهم.

وَأخرج أَبُو نعيم عَن الْوَاقِدِيّ قَالَ كَانَ نَاجِية بن الاعجم يَقُول دَعَاني رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين شكي إِلَيْهِ قلَّة المَاء فَأخْرج سَهْما من كِنَانَته فَدفعهُ إِلَيّ ودعا بِدَلْو من مَاء الْبِئْر فَتَوَضَّأ ثمَّ مضمض فَاه ثمَّ مج فِي الدَّلْو ثمَّ قَالَ انْزِلْ بالدلو فصبها فِي الْبِئْر وانزح ماءها بِالسَّهْمِ فَفعلت فوالذي بَعثه بِالْحَقِّ مَا كدت أخرج حَتَّى يغمرني ففارت كَمَا يفور الْقدر حَتَّى طمت واستوى بشفيرها يَغْتَرِفُونَ من جانبيها حَتَّى نَهِلُوا من آخِرهم وعَلى المَاء يَوْمئِذٍ نفر من الْمُنَافِقين ينظرُونَ إِلَى المَاء وَالَّذِي يَجِيش بِالرَّوَاءِ فَقَالَ أَوْس بن خولي لعبد الله بن أبي وَيحك يَا ابا الْحباب أما آن لَك ان تبصر مَا انت عَلَيْهِ ابعد هَذَا شَيْء وردنا بِئْرا نتبرض ماءها تبرضا لم يخرج فِي الْقَعْب جرعة مَاء فَتَوَضَّأ فِي الدَّلْو ومضمض فِيهِ ثمَّ أفرغه فِيهَا فحثحثها وجاشت بِالرَّوَاءِ فَقَالَ ابْن أبي قد رَأينَا مثل هَذَا فَقَالَ أَوْس قبحك الله وقبح رَأْيك وَأَقْبل ابْن أبي يُرِيد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «أَيْن مَا رَأَيْت الْيَوْم» قَالَ مَا رَأَيْت مثله قطّ قَالَ «فَلم قلت مَا قلت اسْتغْفر الله» فَقَالَ ابْنه يَا رَسُول الله اسْتغْفر لَهُ فَاسْتَغْفر لَهُ.

واخرج ابو نعيم من وَجه آخر مَوْصُول عَن نَاجِية بن جُنْدُب قَالَ نزلنَا على الْحُدَيْبِيَة وَهِي نزح فَألْقى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا سَهْما من كِنَانَته ثمَّ بَصق فِيهَا ثمَّ دَعَا ففارت عيونها حَتَّى لَو شِئْنَا لاغترفنا بِأَيْدِينَا
وَأخرج البُخَارِيّ عَن جَابر قَالَ عَطش النَّاس يَوْم الْحُدَيْبِيَة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين يَدَيْهِ ركوة فَتَوَضَّأ مِنْهَا ثمَّ أقبل على النَّاس فَقَالَ مَا لكم قَالُوا لَيْسَ عندنَا مَاء نَتَوَضَّأ بِهِ وَلَا نشرب إِلَّا مَا فِي ركوتك فَوضع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَده فِي الركوة فَجعل المَاء يفور من بَين أَصَابِعه كأمثال الْعُيُون فشربنا وتوضأنا فَقلت لجَابِر كم كُنْتُم يَوْمئِذٍ قَالَ لَو كُنَّا مائَة ألف لَكَفَانَا كُنَّا خمس عشرَة مائَة لَهُ طرق عَن جَابر قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَغَيره نبع المَاء من الْأَصَابِع الشَّرِيفَة وَقع مَرَّات مُتعَدِّدَة وسأعقد لَهُ بَابا فِيمَا سَيَأْتِي.

واخرج مُسلم عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع قَالَ خرجنَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة فأصابنا جهد حَتَّى هممنا ان نَنْحَر بعض ظهرنا فَأمرنَا نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فجمعنا مزاودنا فبسطنا لَهُ نطعا فَاجْتمع زَاد الْقَوْم على النطع فتطاولت لَا حزركم هُوَ فحزرته كربضة العنز وَنحن أَربع عشرَة مائَة فأكلنا حَتَّى شبعنا جَمِيعًا ثمَّ حشونا جرباننا ثمَّ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «هَل من وضوء» فجَاء رجل بأداوة لَهُ فِيهَا نُطْفَة فأفرغها فِي قدح فتوضأنا كلنا ندغفقه دغفقة أَربع عشرَة مائَة.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن شهَاب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ لما رَجَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة كَلمه بعض أَصْحَابه فَقَالُوا جهدنا وَفِي النَّاس ظهر فانحره لنا فنأكل من لحومه وندهن من شحومه ونحتذي من جلوده فَقَالَ عمر بن الْخطاب لَا تفعل يَا رَسُول الله فَإِن النَّاس إِن يكن مَعَهم بَقِيَّة ظهرا أمثل فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «ابسطوا انطاعكم وعباءكم» فَفَعَلُوا ثمَّ قَالَ من كَانَ عِنْده بَقِيَّة من زَاد وَطَعَام فلينثره ودعا لَهُم ثمَّ قَالَ لَهُم «قربوا أوعيتكم فَأخذُوا مَا شَاءَ الله».

وَأخرج ابْن سعد وَالْحَاكِم وَصَححهُ الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي عمْرَة الانصاري قَالَ كُنَّا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة فَأصَاب النَّاس مَخْمَصَة فاستأذنوه فِي نحر ظُهُورهمْ فَقَالَ عمر يَا رَسُول الله كَيفَ بِنَا إِذا نَحن لَقينَا الْعَدو غَدا جياعا رجَالًا وَلَكِن إِن رَأَيْت ان تَدْعُو النَّاس ببقايا أَزْوَادهم فتجمعها ثمَّ تَدْعُو الله فِيهَا بِالْبركَةِ فَإِن الله سيبلغنا بدعوتك فَدَعَا النَّاس ببقايا أَزْوَادهم فَجعل النَّاس يجيئون بِالْحَفْنَةِ من الطَّعَام وَفَوق ذَلِك فَكَانَ أعلاهم من جَاءَ بِصَاع تمر فجمعها ثمَّ قَامَ فَدَعَا بِمَا شَاءَ الله ان يَدْعُ و ثمَّ دَعَا الْجَيْش بِأَوْعِيَتِهِمْ ثمَّ أَمرهم أَن يحتثوا فَمَا بَقِي فِي الْجَيْش وعَاء إِلَّا ملأوه وَبَقِي مثله فَضَحِك رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بَدَت نَوَاجِذه وَقَالَ «اشْهَدْ ان لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله لَا يلقى الله عبد مُؤمن بهما إِلَّا حجب عَن النَّار».

وَأخرج الْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن أبي خُنَيْس الْغِفَارِيّ قَالَ خرجت مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تهَامَة حَتَّى إِذا كُنَّا بعسفان جَاءَ أَصْحَابه فَقَالُوا أجهدنا الْجُوع فَأذن لنا فِي الظّهْر نأكله قَالَ عمر يَا رَسُول الله إِن اكلوا الظّهْر فعلى مَاذَا يركبون وَلَكِن تَأْمُرهُمْ يجمعوا فضل أَزْوَادهم فِي ثوب ثمَّ تَدْعُو الله لَهُم فَأَمرهمْ فَجمعُوا ثمَّ دَعَا ثمَّ قَالَ «إئتوني بأوعيتكم» فَمَلَأ كل انسان وعاءه.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما نزل الْحُدَيْبِيَة أرسل عُثْمَان إِلَى قُرَيْش فَقَالَ اخبرهم انا لم نأت لقِتَال وَإِنَّمَا جِئْنَا عمارا وادعهم إِلَى الاسلام وَأمره ان يَأْتِي رجَالًا مُؤمنين بِمَكَّة وَنسَاء مؤمنات فَيدْخل عَلَيْهِم ويبشرهم بِالْفَتْح ويخبرهم ان الله وشيك ان يظْهر دينه بِمَكَّة حَتَّى لَا يستخفي فِيهَا بالايمان فَانْطَلق إِلَى قُرَيْش فَأخْبرهُم فَأَبَوا وراموا الْقِتَال ودعا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْبيعَة ونادى مُنَاد أَلا ان روح الْقُدس قد نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الْبيعَة فَبَايعهُ الْمُسلمُونَ على ان لَا يَفروا أبدا فرعب الله الْمُشْركين فأرسلوا من كَانُوا ارتهنوا من الْمُسلمين ودعوا إِلَى الْمُوَادَعَة وَالصُّلْح وَقَالَ الْمُسلمُونَ وهم بِالْحُدَيْبِية قبل ان يرجع عُثْمَان خلص عُثْمَان إِلَى الْبَيْت فَطَافَ بِهِ فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «مَا اظنه طَاف بِالْبَيْتِ وَنحن محصورون» فَرجع عُثْمَان فَقَالُوا لَهُ طفت بِالْبَيْتِ قَالَ بئْسَمَا ظننتم بِي فوالذي نَفسِي بِيَدِهِ لَو مكثت بهَا مُقيما سنة وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقيم بِالْحُدَيْبِية مَا طفت بهَا حَتَّى يطوف بهَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَقَد دعتني قُرَيْش إِلَى الطّواف بِالْبَيْتِ فأبيت فَقَالَ الْمُسلمُونَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ أعلمنَا بِاللَّه وأحسنا ظنا.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق ابْن اسحاق حَدثنِي يزِيد بن سُفْيَان عَن مُحَمَّد بن كَعْب ان كَاتب رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لهَذَا الصُّلْح كَانَ عَليّ بن أبي طَالب فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «أكتب هَذَا مَا صَالح عَلَيْهِ مُحَمَّد بن عبد الله سُهَيْل بن عَمْرو» فَجعل عَليّ يتلكأ ويأبى ان يكْتب إِلَّا مُحَمَّد رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «اكْتُبْ فان لَك مثلهَا تعطيها وَأَنت مضطهد».

وَأخرج ابْن سعد عَن مجمع بن يَعْقُوب عَن أَبِيه قَالَ لما صدر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَصْحَابه حَلقُوا بِالْحُدَيْبِية ونحروا فَبعث الله ريحًا عاصفا فاحتملت اشعارهم فالقتها فِي الْحرم.

وَأخرج احْمَد وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عَبَّاس قَالَ نحر يَوْم الْحُدَيْبِيَة سَبْعُونَ بَدَنَة فَلَمَّا صدت عَن الْبَيْت حنت كَمَا تحن إِلَى اولادها.

وَأخرج الْوَاقِدِيّ عَن عبد الله بن ابي بكر بن حزم قَالَ كَانَ حويطب بن عبد الْعزي يَقُول انصرفت من صلح الْحُدَيْبِيَة وانا مستيقن ان مُحَمَّدًا سَيظْهر.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ لما أقبل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْحُدَيْبِيَة عرسنا لَيْلَة فَقَالَ من يحرسنا فَقلت أَنا فَقَالَ انك تنام ثمَّ قَالَ من يحرسنا فَقلت أَنا فَقَالَ فَأَنت فحرستهم حَتَّى إِذا كَانَ وَجه الصُّبْح أدركني قَول رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِنَّك تنام فَنمت فَمَا استيقظت إِلَّا بالشمس فَلَمَّا استيقظنا قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «إِن الله لَو شَاءَ ان لَا تناموا عَنْهَا لم تناموا وَلكنه اراد ان يكون ذَلِك لمن بعدكم» ثمَّ قَامَ فَصنعَ كَمَا كَانَ يصنع ثمَّ قَالَ هَكَذَا لمن نَام من أمتِي ثمَّ ذهب الْقَوْم فِي طلب رواحلهم فجاؤوا بِهن غير رَاحِلَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ لي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم «أذهب هَهُنَا» فَذَهَبت حَيْثُ وجهني فَوجدت زمامها قد التوى بشجرة فَجئْت بهَا فَقلت يَا رَسُول الله وجدت زمامها قد التوى بشجرة مَا كَانَت تحلها إِلَّا يَد.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مجمع بن جَارِيَة قَالَ شَهِدنَا الْحُدَيْبِيَة فَلَمَّا انصرفنا عَنْهَا نزل على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بكراع الغميم {إِنَّا فتحنا لَك فتحا مُبينًا} [الفتح:1] فَقَالَ رجل يَا رَسُول الله أَو فتح هُوَ قَالَ أَي وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ انه لفتح ثمَّ قسمت خَيْبَر على اهل الْحُدَيْبِيَة.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى فِي قَوْله تَعَالَى {وأثابهم فتحا قَرِيبا} [الفتح:18] قَالَ خَيْبَر وَأُخْرَى لم تقدروا عَلَيْهَا قَالَ فَارس وَالروم.

واخرج الْبَيْهَقِيّ عَن مُجَاهِد قَالَ أرِي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهُوَ بِالْحُدَيْبِية انه يدْخل مَكَّة هُوَ وَأَصْحَابه آمِنين مُحَلِّقِينَ رؤوسهم وَمُقَصِّرِينَ فَقَالَ لَهُ أَصْحَابه حِين نحرُوا بِالْحُدَيْبِية أَيْن رُؤْيَاك يَا رَسُول الله فَأنْزل الله لقد صدق الله وَرَسُوله الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْله {فتحا قَرِيبا} [الفتح:1] فَرَجَعُوا ففتحوا خَيْبَر ثمَّ اعْتَمر بعد ذَلِك فَكَانَ تَصْدِيق رُؤْيَاهُ فِي السّنة الْمُقبلَة.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ عَن عُرْوَة فِي قصَّة أبي جندل قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر مثل سني يُوسُف فجهدوا حَتَّى اكلوا العلهز وَقدم ابو سُفْيَان على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَشَكا إِلَيْهِ الْجُوع.

وَأخرج الْبَيْهَقِيّ وَأَبُو نعيم عَن أبي هُرَيْرَة ان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا صلى الْعشَاء الْآخِرَة قنت فِي الرَّكْعَة الاخيرة يَقُول «اللَّهُمَّ نج الْوَلِيد بن الْوَلِيد اللَّهُمَّ نج سَلمَة ابْن هِشَام اللَّهُمَّ نج عَيَّاش بن أبي ربيعَة اللَّهُمَّ نج الْمُسْتَضْعَفِينَ من الْمُؤمنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُد وطأتك على مُضر اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِين مثل سني يُوسُف» فَأَكَلُوا العلهز ثمَّ لم يزل يَدْعُو للمستضعفين حَتَّى نجاهم الله ثمَّ ترك الدُّعَاء لَهُم.

وَأخرج الْهَيْثَم بن عدي فِي الْأَخْبَار عَن سعيد بن الْعَاصِ قَالَ لما قتل ابي الْعَاصِ يَوْم بدر كنت فِي حجر عمي أبان بن سعيد فَخرج تَاجر إِلَى الشَّام فَمَكثَ سنة ثمَّ قدم وَكَانَ يكثر السب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأول شَيْء سَالَ عَنهُ أَن قَالَ مَا فعل مُحَمَّد فَقَالَ لَهُ عمي عبد الله هُوَ وَالله أعز مَا كَانَ وَأَعلاهُ امرا فَسكت أبان وَلم يسبه كَمَا كَانَ يسبه ثمَّ صنع طَعَاما وَأرْسل إِلَى سراة بني أُميَّة فَقَالَ لَهُم إِنِّي كنت بقرية فَرَأَيْت بهَا رَاهِبًا يُقَال لَهُ بكا لم ينزل إِلَى الأَرْض اربعين سنة فَنزل يَوْمًا فَاجْتمعُوا ينظرُونَ إِلَيْهِ فَجئْت فَقلت إِن لي حَاجَة فَخَلا بِي فَقلت إِنِّي من قُرَيْش وَأَن رجلا منا خرج يزْعم ان الله أرْسلهُ قَالَ مَا اسْمه قلت مُحَمَّد قَالَ مُنْذُ كم خرج قلت عشْرين سنة قَالَ أَلا اصفه لَك قلت بلَى فوصفه فَمَا أَخطَأ من صفته شَيْئا ثمَّ قَالَ لي هُوَ وَالله نَبِي هَذِه الْأمة وَالله لَيظْهرَن ثمَّ دخل صومعته وَقَالَ لي اقْرَأ عَلَيْهِ السَّلَام وَكَانَ ذَلِك فِي زمن الْحُدَيْبِيَة.