9 ربيع الأول 53 ق.هـ
20 نيسان 571 م
الميلاد الشريف

وقت مولد النبي صلى الله عليه وسلم

ولد سيدنا ونبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول عام الفيل، قيل: بعد الفيل بخمسين يومًا. وقال أبو عبد الله الزبير: حملت به أمه صلى الله عليه وسلم في أيام التشريق في شعب أبي طالب عند الجمرة الوسطى، وولد صلى الله عليه وسلم في الدار التي تدعى لمحمد بن يوسف أخي الحجاج يوم الإثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رمضان، وقيل: بل يوم الإثنين في ربيع الأول لليلتين خلتا منه. قال أبو عمر: وقد قيل لثمان خلون منه، وقيل: إنه أول اثنين من ربيع الأول، وقيل: لاثنتي عشرة ليلة خلت منه عام الفيل، وقيل: إنه ولد في شعب بني هاشم.

مكان مولد الرسول بمكة المكرمة
مكان مولد الرسول بمكة المكرمة

وروي عن ابن عباس قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل  أخبرناه أبو المعالي أحمد بن إسحاق فيما قرأت عليه. .
وعن قيس بن مخرمة قال: ولدت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفيل، فنحن لدِاَن . وقيل: بعد الفيل بشهر، وقيل: بأربعين يومًا، وقيل: بخمسين يومًا.
وذكر أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي، قال: كان قدوم الفيل مكة لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم، وقد قال ذلك غير الخوارزمي، وزاد: يوم الأحد، قال: وكان أول المحرم تلك السنة يوم الجمعة. قال الخوارزمي: وولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك بخمسين يومًا يوم الإثنين لثمان خلت من ربيع الأول، وذلك يوم عشرين من نيسان، قال: وبعث نبينا يوم
الإثنين لثمان خلت من ربيع الأول سنة إحدى وأربعين من عام الفيل، فكان من مولده إلى أن بعثه الله أربعون سنة ويوم، ومن مبعثه إلى أول المحرم من السنة التي هاجر فيها اثنتا عشرة سنة وتسعة أشهر وعشرون يومًا، وذلك ثلاث وخمسون سنة تامة من عام الفيل.

ولادته صلى الله عليه وسلم

وعن عثمان ابن أبي العاص، عن أمه فاطمة بنت عبد الله: أنها شهدت ولادة النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً، قالت: فما شيء أنظر إليه من البيت إلا نور، وإني لأنظر إلى النجوم تدنو، حتى إني لأقول: لتقعن علي. و يقال: وضعت عليه جفنة فانفلقت عنه فلقتين، فكان ذلك من مبادئ إمارات النبوة في نفسه.
و عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما، قال: كان في عهد الجاهلية إذا ولد لهم مولود من تحت الليل وضعوه تحت الإناء لا ينظرون إليه حتى يصبحوا، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم طرحوه تحت برمة فلما أصبحوا أتوا البرمة، فإذا هي قد انفلقت اثنتين وعيناه صلى الله عليه وسلم إلى السماء، فعجبوا من ذلك. وروى ابن سعد بسند رجاله ثقات أثبات عن عكرمة رحمه الله تعالى مرسلاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما وضعته أمه وضعته تحت برمة فانفلقت عنه، قالت: فنظرت إليه فإذا هو قد شق بصره ينظر إلى السماء.
و عن أبي الحسن التنوخي رحمه الله تعالى، قال: كان المولود إذا ولد في قريش دفعوه إلى نسوة من قريش إلى الصبح فكفأن عليه برمة، فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم دفع إلى نسوة فكفأن عليه برمة، فلما أصبحن أتين فوجدت البرمة قد انفلقت عنه باثنتين، فوجدنه مفتوح العين شاخصًا ببصره إلى السماء، فأتاهن عبد المطلب فقلن: ما رأينا مولودًا مثله، ووجدناه قد انفلقت عنه البرمة، ووجدناه مفتوحًا عينه شاخصًا ببصره إلى السماء، فقال: احفظنه، فإني أرجو أن يصيب خيراً.
عن آمنة: أنها قالت: وضعت عليه إناء فوجدته قد انفلق الإناء عنه وهو يمص إبهامه يشخب لبَناً.

بشارات مولده صلى الله عليه وسلم

وقد أخبرت الأحبار والرهبان بليلة ولادته صلى الله عليه وسلم. فعن حسان بن ثابت رضي الله عنه، قال: إني لغلام يفعة، أي غلام مرتفع ابن سبع سنين أو ثمانٍ، أعقل ما رأيت وسمعت، إذ بيهودي بيثرب يصيح ذات يوم غداة على أطمة – أي محل مرتفع-: يا معشر يهود، فاجتمعوا إليه وأنا أسمع وقالوا: ويلك، ما لك؟ قال: طلع نجم أحمد الذي ولد به في هذه الليلة: أي الذي طلوعه علامة على ولادته صلى الله عليه وسلم في تلك الليلة في بعض الكتب القديمة، وحسان هذا سيأتي أنه ممن عاش في الجاهلية ستين سنة وفي الإسلام مثلها، وكذا عاش هذا القدر وهو مائة وعشرون سنة أبوه وجده ووالد جده. قال بعضهم: ولا يعرف أربعة تناسلوا وتساوت أعمارهم سواهم. وكان حسان رضي الله عنه يضرب بلسانه أرنبة أنفه وكذا ابنه وأبوه وجده.

ما حدث لإبليس

عن أبي صالح السمان، قال: قال كعب: إنا لنجد في كتاب الله عز وجل محمد مولده بمكة. وعن عبد الملك بن عمير، قال: قال كعب: إني أجد في التوراة: عبدي أحمد المختار، مولده بمكة. وحكى أبو الربيع بن سالم، أن بقي بن مخلد ذكر في تفسيره: أن إبليس لعنه الله رن أربع رنات: رنة حين لعن، ورنة حين أهبط، ورنة حين ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورنة
حين نزلت فاتحة الكتاب.

ارتجاس إيوان كسرى

حدثني مخزوم بن هانئ المخزومي عن أبيه وأتت له خمسون ومائة سنة، قال: لما كان ليلة ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتجس إيوان كسرى، وسقطت منه أربع عشرة شرفة، وخمدت نار فارس ولم تخمد قبل ذلك بألف عام، وغاضت بحيرة ساوة ، ورأى الموبذان إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، فلما أصبح كسرى أفزعه ذلك، فصبر عليه تشجعاً، ثم رأى أن لا يدخر ذلك عن مرازبته فجمعهم، ولبس تاجه وجلس على سريره، ثم بعث إليهم، فلما اجتمعوا عنده، قال: تدرون فيما بعثت إليكم؟ قالوا: لا، إلا أن يخبرنا الملك، فبينما هم كذلك إذ ورد
عليهم كتاب بخمود النيران، فازداد غمًاّ إلى غمه، ثم أخبرهم ما رأى وما هاله.
فقال الموبذان: وأنا – أصلح الله الملك- قد رأيت في هذه الليلة رؤيا، ثم قص عليه رؤياه في الإبل.
فقال: أي شيء يكون هذا يا موبذان؟
قال: حدث يكون في ناحية العرب – وكان أعلمهم في أنفسهم- فكتب عند ذلك: من كسرى ملك الملوك إلى النعمان بن المنذر، أما بعد: فوجه إلي برجل عالم بما أريد أن أسأله عنه، فوجه إليه بعبد المسيح بن عمرو الغساني، فلما ورد عليه، قال له: ألك علم بما أريد أن أسألك عنه، قال: ليخبرني الملك أو ليسألني عما أحب، فإن كان عندي منه علم وإلا أخبرته بمن يعلمه، فأخبره بالذي وجه إليه فيه، قال: علم ذلك عند خالٍ لي يسكن مشارف الشام يقال له سطيح ، قال: فأته فاسأله عما سألتك عنه ثم ائتني بتفسيره.
فخرج عبد المسيح حتى انتهى إلى سطيح وقد أوفى على الضريح ، فسلم عليه وكلمه، فلم يرد عليه سطيح جواباً، فأنشأ يقول: أصم أم يسمع غطريف اليمن… في أبيات ذكرها. قال: فلما سمع سطيح شعره رفع رأسه يقول عبد المسيح: على جمل مشيخ إلى سطيح وقد أشفى على الضريح، بعثك ملك بني ساسان لارتجاس الإيوان وخمود النيران ورؤيا الموبذان، رأى إبلاً صعاباً تقود خيلاً عراباً، قد قطعت دجلة وانتشرت في بلادها، يا عبد المسيح: إذا كثرت التلاوة، وظهر صاحب الهراوة ، وفاض وادي السماوة، وغاضت بحيرة ساوة، وخمدت نار فارس، فليس الشام لسطيح شامًا، يملك منهم ملوك وملكات على عدد الشرفات، وكل ما هو آت آت، ثم قضى سطيح مكانه، فنهض عبد المسيح إلى راحلته وهو يقول:
شمر فإنك ماضي الهم شمير      ***     لا يفزعنك تفريق وتغيير
إن يمس ملك بني ساسان أفرطهم *** فإن ذا الدهر أطوار دهارير
فربما ربما أضحوا بمنزلة           ***       تهاب صولهم الأسد المهاصير
منهم أخو الصرح بهرام وأخوته     ***    والهرمزان وسابور وسابور
والناس أولاد علات فمن علموا   ***       أن قد أقل فمحقور ومهجور
وهم بنو الأم أما إن رؤوا نشبا     ***     فذاك بالغيب محفوظ ومنصور
والخير والشر مقرونان في قرن   ***    فالخير متبع والشر محذور

فلما قدم عبدُ المسيح على كسرى أخبره بما قال له سطيح، فقال كسرى: إلى أن يملك منا أربعة عشر ملكًا كانت أمور وأمور، فملك منهم عشرة في أربع سنين، وملك الباقون إلى خلافة عثمان رضي الله عنه.

بشارة عبد المطلب بمولده صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق: فلما وضعته أمه أرسلت إلى جده عبد المطلب: أنه قد ولد لك غلام فانظر إليه، فأتاه ونظر إليه، وحدثته بما رأت حين حملت به، وما قيل لها فيه، وما أمرت أن تسميه، فيزعمون أن عبد المطلب أخذه فدخل به الكعبة، فقام يدعو الله ويتشكر له ما أعطاه، ثم خرج به إلى أمه فدفعه إليها.

ختن النبي صلى الله عليه وسلم

وولد صلى الله عليه وسلم معذورًا مسرورًا أي مختوناً مقطوع السرة، ووقع إلى الأرض مقبوضة أصابع يده، مشيراً بالسباحة كالمسبح بها، حكاه السهيلي.
وعن ابن عباس، قال: ولد النبي صلى الله عليه وسلم مسرورًا مختوناً.
ذكر تسميته صلى الله عليه وسلم روينا عن أبي جعفر محمد بن علي من طريق ابن سعد، قال: أُمرت آمنة وهي حامل برسول الله صلى الله عليه وسلم أن تسميه أحمد.
وروينا عن ابن إسحاق فيما سلف: أنها أتيت حين حملت به، فقيل لها: إنك قد حملت بسيد هذه الأمة، وفيه: ثم سميه محمدًا.

أسماؤه الشريفة صلى الله عليه وسلم

عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لي أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي». وصححه وقال: في الباب عن حذيفة. وروى حديث جبير البخاري ومسلم والنسائي، وسيأتي الكلام على بقية الأسماء إن شاء الله تعالى. وذكر أبو الربيع بن سالم، قال: ويروى أن عبد المطلب إنما سماه محمدًا لرؤيا رآها، زعموا أنه رأى في منامه: كأن سلسلة في فضة خرجت من ظهره، لها طرف في السماء وطرف في الأرض، وطرف في المشرق، وطرف في المغرب، ثم عادت كأنها شجرة، على كل ورقة منها نور، وإذا أهل المشرق والمغرب يتعلقون بها، فقصها، فعبرت له بمولود يكون من صلبه يتبعه أهل المشرق والمغرب، ويحمده أهل السماء والأرض، فلذلك سماه محمدًا مع ما حدثته به أمه.
وروينا عن أبي القاسم السهيلي رحمه الله، قال: لا يعرف في العرب من تسمى بهذا الاسم قبله صلى الله عليه وسلم إلا ثلاثة طمع آباؤهم حين سمعوا بذكر محمد صلى الله عليه وسلم وبقرب زمانه وأنه يعبث بالحجاز أن يكون ولداً لهم، ذكرهم ابن فورك في كتاب (الفضول) وهم: محمد بن سفيان بن مجاشع جد الفرزدق الشاعر، والآخر محمد بن أحيحة، والآخر محمد بن حمران وهو من ربيعة، وذكر معهم محمدًا رابعاً أنسيته، وكان آباء هؤلاء الثلاثة قد وفدوا على بعض الملوك الأول، وكان عنده علم بالكتاب الأول، فأخبرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم وباسمه، وكان كل واحد منهم قد خلف امرأته حاملاً، فنذر كل واحد منهم وإن ولد له ولد ذكَرَ أن يسميه محمدًا؛ ففعلوا ذلك.

سر الاسمين (محمد وأحمد)

وروينا عن القاضي أبي الفضل عياض رحمه الله في تسميته عليه السلام محمدًا وأحمد، قال: في هذين الاسمين من بدائع آياته وعجائب خصائصه، أن الله جل اسمه حمى أن يسمى بهما أحد قبل زمانه، أما أحمد الذي أتى في الكتب وبشرت به الأنبياء فمنع الله تعالى بحكمته أن يسمى به أحد غيره، ولا يدعي به مدعو قبله، حتى لا يدخل لبَسْ على ضعيف القلب أو شك، وكذلك محمد أيضًا لم يسم به أحد من العرب ولا غيرهم إلى أن شاع قبيل وجوده صلى الله عليه وسلم وميلاده أن نبيًاّ يبعث اسمه محمد، فسمى قوم قليل من العرب أبناءهم بذلك؛ رجاء أن يكون أحدهم هو، والله أعلم حيث يجعل رسالاته، وهم: محمد بن أحيحة بن الجلاح الأوسي، ومحمد بن مسلمة الأنصاري، ومحمد بن براء البكري، ومحمد بن سفيان بن مجاشع، ومحمد بن حمران الجعفي، ومحمد بن خزاعي السلمي، لا سابع لهم. ويقال: إن أول من سمي به محمد بن سفيان، واليمن تقول: محمد بن اليحمد الأزدي، ثم حمى الله كل من سمى به أن يدعي النبوة أو يدعيها أحد له حتى تحققت السمتان له، ولم ينُازع فيهما والله أعلم.