12 ق.هـ
610 م
إسْلَامُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ ثَانِيًا

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ ثُمّ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شُرَحْبِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ …

الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ الْكَلْبِيّ، مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَوّلَ ذَكَرٍ أَسْلَمَ، وَصَلّى بَعْدَ عَلِيّ بْنِ أبي طَالب.
نسبه وَسبب تبني رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ:
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ بْنِ شَرَاحِيلَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عَبْدِ الْعُزّى بْنِ امْرِئِ الْقِيسِ بْنِ النّعْمَانِ بْنِ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ وُدّ بْنِ عَوْفِ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ بَكْرِ بْنِ عَوْفِ بْنِ عُذْرَةَ بْنِ زَيْدِ اللّاتِ بْنِ رُفَيْدَة بْنِ ثَوْرِ بْنِ كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ. وَكَانَ حَكِيمُ بْنُ حِزَامِ بْنِ خُوَيْلِدِ قَدِمَ مِنْ الشّامِ بِرَقِيقِ فِيهِمْ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَصِيفٌ. فَدَخَلَتْ عَلَيْهِ عَمّتُهُ خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ، وَهِيَ يَوْمئِذٍ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَهَا: اخْتَارِي يَا عَمّةُ أَيّ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ شِئْت فَهُوَ لَك، فَاخْتَارَتْ زَيْدًا فَأَخَذَتْهُ فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَهَا، فَاسْتَوْهَبَهُ مِنْهَا، فَوَهَبَتْهُ لَهُ فَأَعْتَقَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَبَنّاهُ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إلَيْهِ.
شعر حَارِثَة حِين فقد ابْنه زيدا، وقدومه على رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسْأَله رده عَلَيْهِ:
وَكَانَ أَبُوهُ حَارِثَةُ قَدْ جَزَعَ عَلَيْهِ جَزَعًا شَدِيدًا، وَبَكَى عَلَيْهِ حِينَ فَقَدَهُ فَقَالَ:

بَكَيْت عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلَ *** أَحَيّ، فَيُرْجَى أَمْ أَتَى دُونَهُ الْأَجَلْ
فَوَاَللهِ مَا أَدْرِي، وَإِنّي لَسَائِلٌ *** أَغَالَك بَعْدِي السّهْلُ أَمْ غَالَك الْجَبَلْ
وَيَا لَيْتَ شِعْرِي هَلْ لَك الدّهْرُ أَوْبَةٌ *** فَحَسْبِي مِنْ الدّنْيَا رُجُوعُك لِي بَجَلْ
تُذَكّرُنِيهِ الشّمْسُ عِنْدَ طُلُوعِهَا *** وَتَعْرِضُ ذِكْرَاه إذَا غَرْبهَا أَفَلْ
وَإِنْ هَبّتْ الْأَرْوَاحُ هَيّجْنَ ذِكْرَهُ *** فَيَا طُولُ مَا حُزْنِي عَلَيْهِ وَمَا وَجَلْ
سَأُعْمِلُ نَصّ الْعِيسِ فِي الْأَرْضِ جَاهِدًا *** وَلَا أَسْأَمُ التّطْوَافَ أَوْ تَسْأَمُ الْإِبِلْ
حَيَاتِي أَوْ تَأْتِي عَلَيّ مَنِيّتِي *** فَكُلّ امْرِئِ فَانٍ وَإِنْ غَرّهُ الْأَمَلْ

ثُمّ قَدِمَ عَلَيْهِ – وَهُوَ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – «إنْ شِئْت فَأَقِمْ عِنْدِي، وَإِنْ شِئْت فَانْطَلِقْ مَعَ أَبِيك فَقَالَ بَلْ أُقِيمُ عِنْدَك» فَلَمْ يَزَلْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – حَتّى بَعَثَهُ اللهُ فَصَدّقَهُ وَأَسْلَمَ، وَصَلّى مَعَهُ فَلَمّا أَنْزَلَ اللهُ عَزّ وَجَلّ {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ} [الْأَحْزَابُ: 5] قَالَ أَنَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.


إسْلَامُ زَيْدٍ:
فَصْلٌ: وَذَكَرَ حَدِيثَ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ، وَقَالَ فِيهِ حَارِثَةُ بْنُ شُرَحْبِيلَ وَقَالَ ابْنُ هِشَامٍ شَرَاحِيلُ قَالَ أَصْحَابُ النّسَبِ كَمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ، وَرُفِعَ نَسَبُهُ إلَى كَلْبِ بْنِ وَبْرَةَ وَوَبْرَةُ هُوَ ابْنُ ثَعْلَبِ بْنِ حُلْوَانَ بْنِ الْحَافِ بْنِ قُضَاعَةَ، وَأُمّ زَيْدٍ سُعْدَى بِنْتُ ثَعْلَبَةَ [بْنِ عَبْدِ عَامِرٍ] مِنْ بَنِي مَعْنٍ مِنْ طَيّءٍ، وَكَانَتْ قَدْ خَرَجَتْ بِزَيْدِ لِتُزِيرَهُ أَهْلَهَا، فَأَصَابَتْهُ خَيْلٌ مِنْ بَنِي الْقَيْنِ بْنِ جِسْرٍ، فَبَاعُوهُ بِسُوقِ حُبَاشَةَ وَهُوَ مِنْ أَسْوَاقِ الْعَرَبِ، وَزَيْدٌ يَوْمُئِذٍ ابْنُ ثَمَانِيّةِ أَعْوَامٍ، ثُمّ كَانَ مِنْ حَدِيثِهِ مَا ذَكَرَ ابْنُ إسْحَاقَ، وَلَمّا بَلَغَ زَيْدًا قَوْلُ أَبِيهِ بَكَيْت عَلَى زَيْدٍ وَلَمْ أَدْرِ مَا فَعَلْ. الْأَبْيَاتَ. قَالَ بِحَيْثُ يَسْمَعُهُ الرّكْبَانُ:

أَحِنّ إلَى أَهْلِي، وَإِنْ كُنّ نَائِيًا *** بِأَنّي قَعِيدُ الْبَيْتِ عِنْدَ الْمَشَاعِرِ
فَكُفّوا مِنْ الْوَجْدِ الّذِي قَدْ شَجَاكُمْ *** وَلَا تُعْمِلُوا فِي الْأَرْضِ نَصّ الْأَبَاعِرِ
فَإِنّي بِحَمْدِ اللهِ فِي خَيْرِ أُسْرَةٍ *** كِرَامِ مَعَدّ كَابِرًا بَعْدَ كَابِرِ

فَبَلَغَ أَبَاهُ قَوْلُهُ فَجَاءَ هُوَ وَعَمّهُ كَعْبٌ حَتّى وَقَفَا عَلَى رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِمَكّةَ وَذَلِكَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ فَقَالَا لَهُ يَا بْنَ عَبْدِ الْمُطّلِبِ، يَا بْنَ سَيّدِ قَوْمِهِ أَنْتُمْ جِيرَانُ اللهِ وَتَفُكّونَ الْعَانِيَ وَتُطْعِمُونَ الْجَائِعَ وَقَدْ جِئْنَاكُمْ فِي ابْنِنَا عَبْدِك، لِتُحْسِنَ إلَيْنَا فِي فِدَائِهِ فَقَالَ “أَوَغَيْرُ ذَلِكَ”؟ فَقَالَا: وَمَا هُوَ؟ فَقَالَ اُدْعُوهُ وَأُخَيّرُهُ فَإِنْ اخْتَارَكُمَا فَذَاكَ وَإِنْ اخْتَارَنِي فَوَاَللهِ مَا أَنَا بِاَلّذِي أَخْتَارُ عَلَى مَنْ اخْتَارَنِي أَحَدًا”, فَقَالَا لَهُ قَدْ زِدْت عَلَى النّصْفِ فَدَعَاهُ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَلَمّا جَاءَ قَالَ “مِنْ هَذَانِ”؟ فَقَالَ هَذَا أَبِي حَارِثَةُ بْنُ شَرَاحِيلَ وَهَذَا عَمّي: كَعْبُ بْنُ شَرَاحِيلَ، فَقَالَ “قَدْ خَيّرْتُك إنْ شِئْت ذَهَبْت مَعَهُمَا، وَإِنْ شِئْت أَقَمْت مَعِي”, فَقَالَ بَلْ أُقِيمُ مَعَك، فَقَالَ لَهُ أَبُوهُ يَا زَيْدُ أَتَخْتَارُ الْعُبُودِيّةَ [عَلَى الْحُرّيّةِ وَ] عَلَى أَبِيك وَأُمّك وَبَلَدِك وَقَوْمِك؟ فَقَالَ إنّي قَدْ رَأَيْت مِنْ هَذَا الرّجُلِ شَيْئًا، وَمَا أَنَا بِاَلّذِي أُفَارِقُهُ أَبَدًا فَعِنْدَ ذَلِكَ أَخَذَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بِيَدِهِ وَقَامَ بِهِ إلَى الْمَلَإِ مِنْ قُرَيْشٍ، فَقَالَ: “اشْهَدُوا أَنّ هَذَا ابْنِي، وَارِثًا وَمَوْرُوثًا فَطَابَتْ نَفْسُ أَبِيهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَكَانَ يُدْعَى: زَيْدَ بْنِ مُحَمّدٍ حَتّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى: {ٱدْعُوهُمْ لآبَآئِهِمْ} [الْأَحْزَابُ: 5] .
وَفِي الشّعْرِ الّذِي ذَكَرَهُ ابْنُ إسْحَاقَ لِحَارِثَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ:

حَيَاتِي وَإِنْ تَأْتِي عَلَيّ مُنْيَتِي *** فَكُلّ امْرِئِ فَانٍ وَإِنْ غَرّهُ الْأَمَلْ
سَأُوصِي بِهِ قَيْسًا وَعَمْرًا كِلَيْهِمَا *** وَأُوصِي يَزِيدَ ثُمّ أُوصِي بِهِ جَبَلْ

يَعْنِي: يَزِيدَ بْنَ كَعْبِ [بْنِ شَرَاحِيلَ] وَهُوَ ابْنُ عَمّ زَيْدٍ وَأَخُوهُ [لِأُمّهِ] وَيَعْنِي بِجَبَلِ جَبَلَةَ بْنَ حَارِثَةَ أَخَا زَيْدٍ وَكَانَ أَسَنّ مِنْهُ. سُئِلَ جَبَلَةُ: مَنْ أَكْبَرُ أَنْتَ أَمْ زَيْدٌ؟ فَقَالَ زَيْدًا أَكْبَرُ مِنّي، وَأَنَا وُلِدْت قَبْلَهُ يُرِيدُ أَنّهُ أَفْضَلُ مِنْهُ بِسَبْقِهِ لِلْإِسْلَامِ.