ذو الحجة 7 ق.هـ
آب 616 م
إسلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه

تمني النبي إسلام عمر

عن عائشة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:
«اللهم أعز الإسلام بعمر بن الخطاب».

قصة إسلام عمر 

عن أسامة بن زيد، عن أبيه، عن جده أسلم، قال:
قال لنا عمر بن الخطاب: أتحبون أن أعلمكم كيف كان بدء إسلامي؟ قلنا: نعم، قال: كنت من أشد الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا أنا في يوم حار شديد الحر بالهاجرة في بعض طرق مكة، إذ لقيني
رجل من بعض قريش، فقال لي: أين تذهب يا ابن الخطاب؟ أنت تزعم أنك هكذا، وقد دخل عليك هذا الأمر في بيتك، قال: قلت: وما ذاك؟ قال: أختكُ قد صبأت، قال: فرجعت مغضباً، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجمع الرجل والرجلين إذا أسلم عند الرجل به قوة، فيكونان معه و يصيبان من طعامه، قال: وقد ضم إلى زوج أختي رجلين، قال: فجئت حتى قرعت الباب، فقيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وكان القوم جلوسًا يقرؤون صحيفة معهم، قال: فلما سمعوا صوتي تبادروا واختفوا وتركوا أو نسوا الصحيفة من أيديهم، قال: فقامت المرأة ففتحت لي، قال: فقلت لها: يا عدوة نفسها، قد بلغني أنك قد صبوت؟
قال: فأَرْفعُ شيئاً في يدي فأضربها به، قال: فسال الدم، قال: فلما رأتِ المرأة اُلدم بكت، ثم قالت: يا ابن الخطاب، ما كنت فاعلاً فافعل، فقد أسلمت، قال: فدخلتُ وأنا مغضب، قال: فجلست على السرير فنظرت، فإذا بكتاب في ناحية البيت، فقلت: ما هذا الكتاب؟ أعطينه، فقالت: لا أعطيكه، لست من أهله، أنت لا تغتسل من الجنابة ولا تطهر وهذا لا يمسه إلا المطهرون، قال: فلم أزل بها حتى أعطتنيه، فإذا فيه (بسم الله الرحمن الرحيم) فلما مررت بالرحمن الرحيم ذعرت ورميت الصحيفة من يدي، قال: ثم رجعت إلى نفسي، فإذا فيها: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ} [الحديد: 1].
قال: فكلما مررت بالاسم من أسماء الله عز وجل ذعرت ثم ترجع إلي نفسي حتى بلغت: {آمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ …} [الحديد: 7] حتى بلغ إلى قوله: {…إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ} [الحديد: 8] قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
فخرج القوم يتبادرون بالتكبير استبشارًا بما سمعوا مني، وحمدوا للهّٰ عز وجل، ثم قالوا: يا ابن الخطاب، أبشر، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا يوم الاثنين، فقال: اللهم أعز الإسلام بأحد الرجلين، إما أبو جهل بن هشام، وإما عمر بن الخطاب.
وإنا نرجو أن تكون دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم لك؛ فأبشر، قال: فلما أن عرفوا مني الصدق قلت لهم: أخبروني بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: هو في بيت في أسفل الصفا، وصفوه، قال: فخرجت حتى قرعت الباب، قيل: من هذا؟ قلت: ابن الخطاب، قال: وعرفوا شدتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعلموا إسلامي، قال: فما اجترأ أحد أن يفتح الباب، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «افتحوا له، فإن يرد الله به خيراً يهده»، وقال: ففتحوا لي وأخذ رجلان بعضدي حتى دنوت من النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «أرسلوه»، قال: فأرسلوني، فجلست بين يديه، قال: فأخذ بمجمع قميصي فجبذني إليه ، ثم قال: «أسلم يا ابن الخطاب، اللهم اهده».
قال: قلت: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، قال: فكبر المسلمون تكبيرة سمعت بطرق مكة، قال: وقد كان الرجل إذا أسلم استخفى، ثم خرجت فكنت لا أشاء أن أرى رجلاً إذا أسلم ضرب إلا رأيته، قال: فلما رأيت ذلك، قلت: لا أحب أن لا يصيبني ما يصيب المسلمين، قال: فذهبت إلى خالي وكان شريفًا فيهم فقرعت الباب عليه، فقال: من هذا؟
قلت: ابن الخطاب، قال: فخرج إلي فقلت له: أشعرت إني قد صبوت  ؟ قال: نعم، فقلت: نعم، قال: لا تفعل، قال: قلت: بلى، قد فعلت، قال: لا تفعل، فأجاف الباب دوني وتركني، قال: قلت: ما هذا بشيء؟ قال: فخرجت حتى جئت رجلاً من عظماء قريش فقرعت عليه الباب قال: من هذا؟ قلت: عمر بن الخطاب، قال: فخرج إلي، فقلت له: هل شعرت أني قد صبوت؟ فقال: أو فعلت، قلت: نعم، قال: فلا تفعل، قلت: قد فعلت، قال: لا تفعل، ثم قام فدخل فأجاف الباب دوني. قال: فلما رأيت ذلك انصرفت، فقال لي رجل: تحب أن يعلم إسلامك؟ قال: قلت: نعم، قال: فإذا جلس الناس في الحجر واجتمعوا أتيت فلاناً لرجل لم يكن يكتم السر فأصغ إليه فقل له: فيما بينك وبينه إني قد صبوت، فإنه سوف يظهر عليك ذلك و يصيح و يعلنه، قال: فلما اجتمع الناس في الحجر، جئت إلى الرجل فدنوت منه، فأصغيت إليه فيما بيني وبينه، فقلت: أعلمت أني قد صبوت؟ قال: فقال: أصبوت؟ قلت: نعم، قال: فرفع صوته بأعلاه، قال: ألا إن ابن الخطاب قد صبأ؟ قال: فمازال الناس يضربوني وضربتهم، قال: فقال خالي: ما هذا؟ قال: فقيل: ابن الخطاب، قال: فقام علي في الحجر فأشار بكمه، فقال: ألا إني قد أجرت ابن أختي، قال: فانكشف الناس عني.
قال: وكنت لا أشاء أن أرى أحدًا من المسلمين يضرب إلا رأيته وأنا لا أضرب، قال: فقلت: ما هذا بشيء حتى يصيبني مثل ما يصيب المسلمين، قال: فأمهلت، حتى إذا جلس الناس في الحجر وصلت إلى خالي فقلت: اسمع، فقال: ما أسمع؟ قال: قلت: جوارك عليك رَدّ،ٌ قال: فقال: لا تفعل يا ابن أختي، قال: قلت: بلى هو ذاك، فقال: ما شئت، قال: فما زلت أضرب وأضرب حتى أعز الله الإسلام.
وروينا هذا الخبر من طريق ابن إسحاق، وفيه قال: وكان إسلام عمر فيما بلغني أن أخته فاطمة وكانت عند سعيد بن زيد كانت قد أسلمت وأسلم زوجها سعيد وهم مستخفون بإسلامهم من عمر، وكان نعيم النحام رجل من قومه قد أسلم، وفيه أن عمر خرج متوشحاً سيفه يقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه وهم قريب من أربعين بين رجال ونساء، وأن الذي قال له ما قال نعيم، وأن خباباً كان في بيت أخته يقرئهم القرآن، وأن الذي كان في الصحيفة سورة طه، وأن الذي أذن في دخوله على رسول الله صلى الله عليه وسلم حمزة بن عبد المطلب والرجل الذي صرح بإسلام عمر عندما قاله جميل بن معمر الجمحي الذي يقال له: ذو القلبين، وفيه نزلت: {مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] على أحد الأقوال، وفيه يقول الشاعر:

وكيف ثوائي بالمدينة بعدما  ***  قضى وطراً منها جميل بن معمر

تأثر عمر بالقرآن

وحدثني أبي محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر، فذكر القصة، وفيها: فأتيته بصحفة فيها طه، فقرأ فيها ما شاء الله، قال عمر: فلما بلغ: {فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لاَّ يُؤْمِنُ بِهَا وَٱتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَىٰ} [طه: 16]، قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، وفيها قالوا: يا رسول الله، هذا عمر بن الخطاب يستفتح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ائذنوا له، فإن يرد الله به خيراً يهده وإلا كفيتموه بإذن الله». قال محمد – يعني: ابن عائذ- وهذا وهم، وإنما الذي قال “إن يرد الله به خيراً، وإلا كفيتموه” حمزة.

عزم المشركين لقتل عمر

وفي الخبر: عن عبيد الله بن عمر، قال: فبينا هو خائف على نفسه إذ جاءه العاص بن وائل عليه حلة وقميص مكفف بالحرير ، فقال: ما لك يا ابن الخطاب؟ قال: زعم قومك أنهم سيقتلوني إذا أسلمت، قال العاص: لا سبيل إليك، فما عدا أن قالها العاص فأمنت عليه، قال عبد الله بن عمر: فخرج عمر والعاص، فإذا الوادي قد سال بالناس، فقال لهم: أين تريدون؟ قالوا: هذا الذي قد خالف دين قومه، قال: لا سبيل إليه فارجعوا، فرجعوا.
إيذاء عمر قبل إسلامه النبي والمسلمين وعن شريح بن عبيد، قال: قال عمر بن الخطاب: خرجت أتعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن أسلم، فوجدته قد سبقني إلى المسجد، فقمت خلفه، فاستفتح سورة الحاقة، فجعلت أتعجب من تأليف القرآن، فقلت: هذا والله شاعر كما قالت
قريش، فقرأ: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ} [الحاقة: 40-41] قال: قلت: كاهن علم ما في نفسي، فقرأ: {وَلاَ بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} [الحاقة: 42] إلى آخر السورة، قال: فوقع الإسلام في قلبي كل موقع. وقد ذكر غير هذا في خبر إسلام عمر رضي الله عنه أيضًا، فالله أعلم أي ذلك كان.

بشارة أهل السماء بإسلام عمر

عن ابن عباس، قال:
لما أسلم عمر رضي الله عنه نزل جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا محمد، لقد استبشر أهل السماء بإسلام عمر رضي الله عنه. رواه ابن ماجه.