1 هـ
622 م
أمر النبي أصحابه بالهجرة إلى المدينة

النبي يأمر أصحابه بالهجرة عقب بيعة العقبة الثالثة

قال ابن إسحاق: فلما تمت بيعة هؤلاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة العقبة وكانت سرًّا عن كفار قومهم كفار قريش، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من كان معه بالهجرة إلى المدينة، فخرجوا أرسالًا ، أولهم فيما قيل: أبو سلمة بن عبد الأسد المخزومي، وحبست عنه امرأته أم سلمة هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم بمكة نحو سنة، ثم أذن لها بنو المغيرة الذين حبسوها في اللحاق بزوجها، فانطلقت وحدها مهاجرة، حتى إذا كانت التنعيم لقيت عثمان بن طلحة
أخا بني عبد الدار، وكان يومئذ مشركًا، فشيعها حتى أوفى على قر ية بني عمرو بن عوف قباء قال لها: هذا زوجك في هذه القر ية، ثم انصرف راجعاً إلى مكة، فكانت تقول: ما رأيت صاحباً قط كان أكرم من عثمان بن أبي طلحة. وقد قيل: إن أول المهاجرين مصعب بن عمير .

ذكر أوائل من قدموا المدينة من الصحابة

روينا عن أبي عروبة، ثنا ابن بشار وابن المثنى، قالا: ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة عن أبي إسحاق، قال: سمعت البراء، يقول: كان أول من قدم المدينة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ، ثم عامر بن ربيعة حليف بن عدي بن كعب معه امرأته ليلى بنت أبي حثمة بن غانم . قال أبو عمر: وهي أول ظعينة دخلت من المهاجرات المدينة، وقال موسى بن عقبة: وأول امرأة دخلت المدينة أم سلمة ، ثم عبد الله بن جحش بن رئاب بأهله وأخيه عبد بن جحش أبي أحمد وكان ضريراً، وكان منزلهما ومنزل أبي سلمة وعامر على مبشر بن عبد المنذر بن زنبر بقباء في بني عمرو بن عوف. قال أبو عمر: وهاجر جميع بني جحش بنسائهم، فعدا أبو سفيان على دارهم فتملكها، وكانت الفارعة بنت أبي سفيان بن حرب تحت أبي أحمد بن جحش ، وزاد غير أبي عمر: فباعها من عمرو بن علقمة أخي بني عامر بن لؤي. فذكر ذلك عبد الله بن جحش لما بلغه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ترضى يا عبد الله أن يعطيك الله بها دارًا في الجنة خيراً منها؟ قال: بلى، قال: فذلك لك».
فلما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة كلمه أبو أحمد في دارهم، فأبطأ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس لأبي أحمد: يا أبا أحمد، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن ترجعوا في شيء أصيب منكم في الله، فأمسك عن كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.

بنو غنم بن دودان يهاجرون جميعاً إلى المدينة

رجع إلى خبر ابن إسحاق: وكان بنو غنم بن دودان أهل إسلام قد أوعبوا إلى المدينة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم هجرة رجالهم ونساؤهم.
عكاشة بن محصن بن حرثان بن قيس بن مرة بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة أبو محصن حليف بني أمية وأخوه عمرو بن محصن و شجاع و عقبة ابنا وهب بن ربيعة بن أسد بن صهيب بن مالك بن كبير بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة و أربد بن جميرة – وقال ابن هشام: حميرة (بالحاء) وهو عند ابن سعد: حمير – و منقذ بن نباتة بن عامر بن غنم بن دودان ، و سعيد بن رقيش و محرز بن نضلة بن عبد الله بن مرة بن كبير بن غنم ، و زيد بن رقيش ، و قيس بن جابر، ومالك بن عمرو ، و صفوان بن عمرو و ثقف بن عمرو حليف بني عبد شمس، و ربيعة بن أكتم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد ، و الزبير بن عبيدة ، و تمام بن عبيدة ، و سخبرة بن عبيدة ، و محمد بن عبد الله بن جحش ، ومن نسائهم: زينب بنت جحش ، و أم خبيبة بنت جحش ، و جدامة بنت جندل ، و أم قيس بنت محصن ، و أم حبيبة بنت ثمامة ، و آمنة بنت رقيش ، و سخبرة بنت تميم ، و حمنة بنت جحش . وقال أبو عمر: ثم خرج عمر بن الخطاب وعياش بن أبي ربيعة في عشرين راكباً فقدموا المدينة، فنزلوا في العوالي في بني أمية بن زيد، وكان يصلي بهم سالم مولى أبي حذيفة ، وكان أكثرهم قرآناً، وكان هشام بن العاص بن وائل قد أسلم، وواعد عمر بن الخطاب أن يهاجر معه، وقال: تجدني أو أجدك عند إضاءة بني غفار، ففطن لهشام قومه فحبسوه عن الهجرة.

أبو جهل والحارث بن هشام يحاولون صد المسلمين عن المدينة

ثم إن أبا جهل و الحارث بن هشام- ومن الناس من يذكر معهما أخاهما العاصي بن هشام – خرجا حتى قدما المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، فكلما عياش بن أبي ربيعة وكان أخاهما لأمهما وابن عمهما، وأخبراه أن أمه قد نذرت أن لا تغسل رأسها ولا تستظل حتى تراه، فرقت نفسه وصدقهما وخرج راجعاً معهما، فكتفاه في الطر يق وبلغا به مكة، فحبساه بها إلى أن خلصه الله تعالى بعد ذلك بدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له في قنوت الصلاة: «اللهم أنج الوليد بن الوليد و سلمة بن هشام و عياش بن أبي ربيعة». قال ابن إسحاق: فحدثني بعض آل
عياش بن أبي ربيعة أنهما حين دخلا مكة، دخلا به نهارًا موثقًا، ثم قالا: يا أهل مكة هكذا فافعلوا بسفهائكم كما فعلنا بسفيهنا هذا.

النبي يأمر بإحضار عياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص

قال ابن هشام: حدثني من أثق به أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو بالمدينة: «من لي بعياش بن أبي ربيعة وهشام بن العاص»؟ فقال الوليد بن المغيرة : أنا لك يا رسول الله بهما، فخرج إلى مكة، فقدمها مستخفياً فلقي امرأة تحمل طعامًا، فقال لها: أين تريدين يا أمة الله؟ قالت: أريد هذين المحبوسين (تعنيهما) فتبعها حتى عرف موضعهما وكانا محبوسين في بيت لا سقف له، فلما أمسى تسور عليهما، ثم أخذ
مروة فوضعها تحت قيديهما ثم ضربهما بسيفه فقطعهما، فكان يقال: السيف ذو المروة لذلك، ثم حملهما على بعيره وساق بهما، فعثر، فدميت أصبعه فقال:

هل أنت إلا أصبع دميت *** وفي سبيل الله ما لقيت

ثم قدم بهما علي رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة.

هجرة عمر بن الخطاب وأهله إلى المدينة

قال ابن إسحاق: ونزل عمر بن الخطاب حين قدم المدينة ومن لحق به من أهله وقومه، وأخوه زيد بن الخطاب و عمرو و عبد الله ابنا سراقة بن المعتمر بن أنس بن أداة بن ر ياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب، و خنيس بن حذافة السهمي، وكان صهره على ابنته حفصة بنت عمر بن الخطاب خلف عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده و سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل و واقد بن عبد الله التميمي حليف لهم و خولى بن أبي خولى ، و مالك بن أبي خولى ، واسم أبي خولى: عمرو بن زهير ، قيل: جعفي، وقيل: عجلي، وقيل غير ذلك، حليفان لهم، وبنو البكير أربعتهم: إياس و عاقل و عامر و خالد حلفاؤهم من بني سعد بن ليث على رفاعة بن عبد المنذر بن زنبر في بني عمرو بن عوف بقباء ، وقد كان منزل عياش بن أبي ربيعة عليه حين قدما المدينة، ثم ٺتابع المهاجرون فنزل طلحة بن عبد الله و صهيب بن سنان على خبيب بن إساف ، و يقال:
بل نزل طلحة على سعد بن زرارة أخي بني النجار، كذا قال ابن سعد، إنما هو أسعد.

صهيب يترك ماله للمشركين هجرة إلى الله ورسوله

قال ابن هشام: وقد ذكر لي عن أبي عثمان النهدي، أنه قال: بلغني أن صهيباً حين أراد الهجرة قال له كفار قريش: أتيتنا صعلوكًا حقيراً فكثر مالك عندنا، وبلغت الذي بلغت، ثم تريد أن تخرج بمالك ونفسك، لا والله لا يكون ذلك، فقال لهم صهيب: أرأيتم إن جعلت لكم مالي أتخلون سبيلي؟ قالوا: نعم، فقال: فإني قد جعلت لكم، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه
وسلم فقال: «ربح صهيب، ربح صهيب».

المهاجرون ينزلون ضيوفاً على الأنصار

قال ابن إسحاق: ونزل حمزة بن عبد المطلب و زيد بن حارثة و أبو مرثد كناز بن الحصين بن يربوع بن عمرو بن يربوع بن خرشة بن سعد بن طر يف بن جلان بن غنم بن غني بن يعصر الغنوي، كذا ذكره أبو عمر عن ابن إسحاق. وأما ابن الرشاطي فقال: حصين بن عمرو بن يربوع بن طر يف بن خرشة بن عبيد بن سعد بن عوف بن كعب بن جبلان بن غنم بن غني وابنه مرثد ، و أَنسَة و أبو كبشة موليًاّ رسول الله صلى الله عليه وسلم على كلثوم بن هدم أخي بني عمرو بن عوف بقباء، و يقال: بل نزلوا
على سعد بن خيثمة ، و يقال: بل نزل حمزة بن عبد المطلب على أسعد بن زرارة، ونزل عبيدة بن الحارث وأخواه الطفيل والحصين و مسطح بن أثاثة واسمه عمرو بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف بن قصي، و سويبط بن سعد بن حرملة وطليب بن عمير ، و خباب مولى عتبة بن غزوان على عبد الله بن سلمة أخي بني العجلان بقباء، ونزل عبد الرحمن بن عوف في رجال من المهاجرين على سعد بن الربيع، ونزل الزبير بن العوام و أبو سبرة بن أبي رهم على منذر بن محمد بن عقبة بن
أحيحة بن الجلاح ، ونزل مصعب بن عمير على سعد بن معاذ ، ونزل أبو حذيفة بن عتبة وسالم مولى أبي حذيفة و عتبة بن غزوان على عباد بن بشر بن وقش، ونزل عثمان بن عفان على أوس بن ثابت أخي حسان، و يقال: بل نزل الأعزاب من المهاجرين على سعد بن خيثمة ، وذلك أنه كان عزباً.

أبو بكر يرجو أن ينال صحبة النبي في الهجرة

وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة بعد أصحابه من المهاجرين ينتظر أن يؤذن له في الهجرة، ولم يتخلف معه أحد من المهاجرين إلا من حبس أو افتتن إلا علي بن أبي طالب و أبو بكر ، وكان أبو بكر كثيراً ما يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة فيقول له:
«لا تعجل لعل الله أن يجعل لك صاحباً»، فيطمع أبو بكر أن يكون هو.