3 ذو القعدة 5 هـ
29 آذار 627 م
يوميّات غزوة بني قُريظة: اليوم الثامن عشر

غزوة بني قُريظة (الحصار – الليلة الثامنة عشرة)

وفيه تقدم الزبير بن العوام وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما واقتربا من حصن #~~~بني قُرَيْظَة~~~#، فقال علي بأعلى صوته: “والله لأذوقن ما ذاق حمزة أو لأفتحن حصنهم”، وكانت بنو قُريظة قد خارت قواهم، وخافوا جدًا، فقالوا: “يا محمد، ننزل على حُكم سعد بن مُعاذ”، وبينهم وبينه رضي الله عنه مصالح متشابكة وحِلف، فوافق النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزلوا ويحكم في قضيتهم سعد بن معاذ رضي الله عنه.

وخرج من الحصن سبعمائة مُقاتل، فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرقة من المقاتلين يقودهم محمد بن مسلمة أن يقوموا بتكتيفهم وربطهم، وأُخرجت النساء والأطفال من الحصن وجُعلوا في ناحية وكُسِّرَت براميل الخمر، وجُمع الأثاث والآنية والسلاح، وبلغ السلاح ألف وخمسمائة سيف، وثلاثمائة درع، وألفا رُمح، وألف وخمسمائة ترس -قطعة من الحديد المستدير يحملها المقاتل للحماية في الحرب-، وأخرجوا الجِمال والماشي ووضع كل ذلك في ناحية.

وجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى جانب الحصن، فاقترب منه الأوس وقالوا: “يا رسول الله حُلفاؤنا دون الخزرج، وقد رأيت ما صَنَعْتَ ببني قينقاع بالأمس حُلفاء ابن أُبي، وهبتَ له سبعمائة مقاتل، وقد ندم حلفاؤنا على ما كان من نقضهم العهد، فهبهم لنا”، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ساكت لا يتكلم، فلمّا كثر إلحاحهم، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «أما ترضون أن يكون الحُكم فيهم إلى رجُل منكم؟» -فسمح للدّفاع باختيار القاضي الذي يرتضيه-، قالوا: “بلى!”، فقال صلى الله عليه وآله وسلَّم: «فذلك إلى سعد بن مُعاذ يحكم فيهم»، وسعد رضي الله عنه في خيمة رُفيدة رضي الله عنها [^1] بالمسجد تُمرّضه.

وسار الأوس إلى المسجد النّبوي الشريف يأتون بسعد بن مُعاذ رضي الله عنه من خيمة رُفيدة، فجاءوا به محمولًا على حمار، وهم يسيرون حوله يقولون: “يا أبا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ولّاك أمر مواليك لتُحسن فيهم، فأحسِن، فقد رأيت ابن أُبيّ وما صنع في حُلفائه”. والضّحاك بن خليفة يقول: “يا أبا عمرو، مواليك، مواليك قد نصروك في المواطن كلها، واختاروك على من سواك ورجوا عطفك”، وقال سلمة بن سلامة بن وقش: “يا أبا عمرون، أحسِن في مواليك وحُلفائك؛ إنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يُحب البقيّة، نصروك يوم بُعاث والحدائق والمواطن، ولا تكن شرًا من ابن أُبيّ”، وسعد بن مُعاذ رضي الله عنه ساكت لا يتكلّم، فلمّا أكثروا عليه الإلحاح قال رضي الله عنه: “لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم”.

فقال بعضهم: “واقوماه، وا سوء صباحاه”، وقال آخرون: “ذهب حُلفاؤنا بلا رجعة”، ونعوا إلى بعضهم بني قُريظة، ودخل سعد إلى مجلس النبي صلى الله وآله وسلم عند الحصن، والنبي صلى الله عليه وآله وسلم جالس وأصحابه حوله فقال: «قوموا إلى سيدكم»، فقام بعضهم -أكثرهم من الأوس قبيلة سعد- إلى سعد فسلموا عليه وأنزلوه وأجلسوه، وقالوا: “يا أبا عمرو، إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ولّاك الحُكم، فأحسن فيهم”.

ولمّا جلس سعد بن مُعاذ وجلس النّاس فقال: “أترضون بِحُكمي على بني قُريظة؟”، قالت بنو قُريظة: “نعم، قد رضينا بحُكمك وأنت غائب عنّا، اختيارًا منّا ورجاء أن تَمُنّ علينا كما فعله غيرك في حُلفائه من قينقاع، وأحوج ما نكون اليوم إلى أن تذكر فضلنا عندك”، فقال سعد: “لا أُقَصِّر في ذلك”، فقالوا: “ما يعني بقوله هذا؟؟”، ثم قال سعد لبني قُريظة : “عليكم عهد الله وميثاقه أن الحُكم فيكم ما حكمت؟”، قالوا: “نعم”، فقال سعد للنّاحية الأُخرى التي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا ينظر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إجلالا وتعظيمًا: “وعلى من هاهنا مثل ذلك؟”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «ومن معه، نعم»، قال سعد: “فإني أحكم فيهم أن يُقتل من نبت شعره، وتُسبى النّساء والذُّريّة وتُقَسَّم الأموال”، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «لقد حكمت فيهم بحُكم الله عز وجل من فوق سبعة أرقِعَة».

وكان عمرو بن سُعدى القُرظي قد خرج ليلًا من الحصن حتى جاء مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبات به حتى أصبح، فلمّا أصبح خرج هائمًا على وجهه من المدينة لم يُعرف له طريق، ولم يُسْلِم. وبقي ابنا سَعيّة وأسد بن عبيد -وهم من قبيلة بني الدّهل اليهودية أبناء عمومة بني قُريظة وكانوا يسكنون معهم- بالمدينة المنورة وثلاثتهم لتبرُئهم من بني قُريظة، فتُرِكوا يمارسون حياتهم بشكل طبيعي كمواطنين صُلحاء مثل غيرهم من أفراد اليهود بالمدينة كأبي الشحم اليهودي حيث لم يشتركوا في الخيانة، وسُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عمرو بن سُعدى القُرَظي، فقال: «ذلك رجُل نجّاه الله بوفائه».

وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالأغنام والإبل والماشية أن ترعى في الشَّجَر، وبالنساء والذّرية والأثاث والآنية أن تؤخذ إلى دار رملة بنت الحارث، وأمر بتقسيم التمر على بني قُريظة يأكلون منه طيلة فترة الحبس، وأمر بالجُناة السبعمائة أن يُحبسوا بدار أسامة بن زيد رضي الله عنه لحين تنفيذ الحُكم عليهم، وجلس اليهود يأمر بعضهم بعضًا بالثبات على اليهوديّة ويتدارسون التّوراة وغربت الشمس وهم كذلك.

[^1]: وكانت رُفَيْدَة -وقيل كُعَيْبَة- قد استأذنت النبي صلى الله عليه وآله وسلَّم أن تضع خيمتها في المسجد النبوي الشريف وكانت لها معرفة بالتمريض وعلاج الجرحى وتطبيبهم، فأذِن لها.