وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند #~~~السُّقيا~~~# ” أم البرك ” ومعه عشرة آلاف مقاتل من المسلمين …
وقد أخفى صلى الله عليه وآله وسلم وجهته، فأقاموا بها أوّل الليل ثم ساروا حوالي 16.5 كم في ثلاث ساعات وربع تقريبًا حتى وصلوا #~~~البُستان~~~# ثم 24 كم في خمس ساعات تقريبًا حتى نزلوا #~~~الأبواء~~~# وقت الضحى وصلوا الصبح في الطريق، وصلوا بها الظهر والعصر.
ولمّا نزلت مُقدِّمة الجيش الأبواء، كان أبو سفيان بن الحارث [^1] -وكان ما يزال على شِركِه وهو ابن عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم- ومعه ابنه جعفر قد نزلا الأبواء وقد دخل الإسلام في قلب أبي سُفيان، فجاء يلاحق النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكلمه بالأبواء.
فيحكي أبو سفيان عن نفسه يقول: “لا أراني عند ملك الروم وقد هربت من الإسلام لا أُعرَف إلا بمحمد!!، فدخلني الإسلام، وعرفت أن ما كنت فيه باطل من الشرك، ولكنّا كُنّا مع قوم أهل عقول باسقة -يريد متكبرة- وأرى فاضل الناس يعيش في عقولهم ورأيهم، فسلكوا طريقًا فسلكناه. ولمّا جعل أهل الشرف والسن يقتحمون عن محمد -يقفون ضدَّه- وينصرون آلهتهم ويغضبون لآبائهم فاتبعناهم!”، ثم يقول: “فقلت: من أصحب ومع من أكون؟ قد ضرب الإسلام بجرانه -انتشر الإسلام انتشارًا واسعًا- فجئت زوجتي وولدي، فقلت: تهيئوا للخروج فقد أظل قدوم محمد عليكم، قالوا: قد آن لك أن تبصر أن العرب والعجم قد تبعت محمدًا وأنت مُوضِع في عداوته وكنت أولى الناس بنصره!، فقُلت لغُلامي: عجِّل بأبعِرة -جِمال- وفرس، ثم سرنا حتى نزلنا الأبواء، وقد نزلت مُقدمة الجيش الأبواء، فتنكرتُ وخفت أن أُقتل وكان قد هدر دمي؛ فخرجت، وأجد ابني جعفرًا على قدمي نحوًا من ميل في الغداة التي صبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها الأبواء، فأقبل الناس رسلًا رسلًا -جماعات-، فتنحيت فرقًا -خوفًا- من أصحابه فلما طلع مركبه تصديت له تلقاء وجهه فلمّا ملأ عينيه مني أعرض عني بوجهه إلى الناحية الأخرى، فتحولت إلى ناحية وجهه الأخرى، وأعرض عني مرارًا، فأخذني ما قَرُب وما بَعُد وقلت: أنا مقتول قبل أن أصل إليه!، وأتذكر برّه ورحمته وقرابتي فيمسك ذلك مني، وقد كنت لا أشك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه سيفرحون بإسلامي فرحًا شديدًا؛ لقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما رأى المسلمون إعراض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عني أعرضوا عني جميعًا، فلقيني ابن أبي قحافة مُعرضًا، ونظرت إلى عُمر ويُغري بي رجل من الأنصار فلصق بي رجل يقول: يا عدو الله أنت الذي كنت تؤذي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وتؤذي أصحابه قد بلغت مشارق الأرض ومغاربها في عداوته، فرددت بعض الرد عن نفسي، فاستطال علي، ورفع صوته حتى جعلني في مثل الحَرَجَة من الناس يسرون بما يفعل بي -حاصرني وأكثر علي الكلام ولا أحد يمنعه عني بل الناس مسرورون بكلام الأنصاري له-، فدخلت على عمي العباس، فقلت: يا عباس، قد كنت أرجوا أن سيفرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بإسلامي لقرابتي وشرفي، وقد كان منه ما كان رأيت، فكلمه ليرضى عني، قال: لا والله لا أكلمه كلمة فيك أبدًا بعد الذي رأيت منه إلا أن أرى وجهًا -يعني إلا أن أرى النبي مستبشرًا- إني أجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهابه!، قال أبو سفيان: يا عمي إلى من تكلني؟!، قال: هو ذاك!، يقول أبو سفيان: فلقيت عليًا، فكلمته فقال لي مثل ذلك، فرجعت إلى العباس فقلت: يا عم، فكف عني الرجل الذي يشتمني، قال العباس: صفه لي، فقلتُ-أبا سفيان-: هو رجل آدم -أسمر-، شديد الأُدمة، قصير دحداح -قصير كبير البطن-، بين عينيه شجَّة. قال ذاك نُعمان بن الحارث النَّجّاري. فأرسل إليه العباس فقال: يا نُعمان، إن أبا سفيان ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن أخي، وإن يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ساخطًا فسيرضى، فكُفَّ عنه، فلم يَكُف، وقال: لا أُعرِض عنه، قال أبو سفيان: فخرجت على باب منزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى خرج إلى الجحفة وهو لا يكلمني ولا أحد من المسلمين”.
ثم سار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه بعد العصر من الأبواء حوالي 4 كم في ساعة إلا الربع تقريبًا حتى #~~~تلعات اليمن~~~# وغربت الشمس وهم بها.
[^1]: كان أبو سفيان بن الحارث أخا النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الرضاعة، أرضعته حليمة أيَّامًا، وكان قد نشأ في صغره مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان في سِنِّه فكان ذلك كلّه من عوامل أُلْفَتِه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، فلمّا بُعِثَ صلى الله عليه وآله وسلم بالرسالة عاداه عداوة شديدة لم يُعادِ أحد مثلها قط، ولم يكن ممن دخل مع بني هاشم شِعب أبي طالب في حصار قُريش لهم بمكَّة قبل الهجرة، وكان يقول الشِّعر يَسُبُّ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه، فأهدر النَّبي صلى الله عليه وآله وسلَّم دَمَه -أمر من وجده بقتله- وامتدَّت عداوته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم والإسلام عشرين سنة منذ بدء البَعثة، حتى هرب من جزيرة العرب إلى الرّوم، فقدم على قيصر ملك الرُّوم، فقال: ممن أنت؟، فذكر له أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطَّلِب نَسَبَه كاملًا، فقال قيصر: “أنت ابن عم محمد إن كنت صادقًا؛ محمد بن عبد الله بن عبد المطلب؟”، قال أبو سفيان: “نعم!، أنا ابن عمه!”.