وفي ليلته أمسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند #~~~المُنْصَرَف~~~# “المُسَيجيد” ومعه عشرة آلاف مقاتل قادمين من …
المدينة المنورة فصلوا بها المغرب والعشاء أو قريبًا منها واستراحوا أوَّل الليل، ثم أكملوا المسير حوالي 16.5 كم في ثلاث ساعات وثلث تقريبًا حتى #~~~الرويثة~~~#، ثم حوالي 15 كم في ثلاث ساعات تقريبًا حتى وصلوا #~~~الأثاية~~~# “الشَّفية” وقت صلاة الصبح تقريبًا فصلوه بها أو قريبًا منها.
ثم أكملوا المسير حوالي 4 كم أخرى في ساعة إلا الربع تقريبًا حتى نزلوا #~~~العَرْج~~~# وقت الضُّحى تقريبًا، فصلوا بها الظهر والعصر.
ولمّا نزل صلى الله عليه وآله وسلم العَرْج والناس معه لا يدرون وجهته صلى الله عليه وآله وسلم، إلى قُريش؟ -بمكة-، أو إلى هوازن؟ -بأوطاس-، أو إلى ثقيف؟ -بالطائف- ويحبون أن يعلموا وجهته، فلمّا جلس صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه في العَرْج وهو يحدثهم، قال كعب بن مالك -وهو من الأنصار-: آتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعلم لكم أين يتوجه!، فجاء وجلس على ركبتيه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال:
قضينا من تهامة كل ريب وخيبر ثم أجممنا السيوفا
نسائلها ولو نطقت لقالت قواطعهن دوسا أو ثقيفا
فسلت لحاضر إن لم تروها بساحة داركم منها ألوفا
فننتزع الخيام ببطن وج ونترك دورهم منهم خلوفا
فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزد على ذلك، فأخذ الناس يقول بعضهم لبعض: “والله ما بيَّن لنا رسول الله شيئًا!، ما ندري أين يتوجه؛ إلى قُريش أو ثقيف أو هوازن؟؟!”.
وسمع عُيينة بن حصن الفزاري [^1] بمسير النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة، وكان عند أهله بنجد، فجاء المدينة -يوم الأربعاء- فوجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج من يومين، فأخذ الطريق المُختصرة من ناحية #~~~ركوبة~~~# ومعه بعض قومه، فسَبَق إلى العَرْج، فلمّا نزلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه وقال: “يا رسول الله بلغني خروجك ومن يجتمع إليك فأقبلت سريعًا، ولم أشعر فأجمع قومي فيكون لنا جلبة كثيرة، ولست أرى هيئة حرب، لا أرى ألوية ولا رايات، فالعُمرة تُريد؟ فلا أرى هيئة الإحرام!، فأين وجهك يا رسول الله؟”، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «حيث يشاء الله!».
ثم أكملوا المسير حوالي 10 كم في ساعتين تقريبًا، حتى وصلوا منتصف الطريق بين العَرْج “النظيم” و#~~~الطلوب~~~#، ولمّا كانوا في الطريق رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كَلْبَة تئن على أولادها وتخاف عليهم وهم حولها يرضعون منها، فأمر الصحابي: جُعيل بن سُراقة أن يقف بجوارها حتى لا يتعرض لها أحد من الجيش أو لأولادها ولا يروّعهم، وغربت الشمس وهم في الطريق.
[^1]: عُيَيْنَة اسمه حُذيفة، وهو من المؤلفة قلوبهم؛ وسُمِّيَ بعُيينة لمرض أصابه جحظت منه عيناه، وقيل أنَّه من مُسلمة الفتح، والظاهر أنّه أظهر الإسلام قبل ذلك -كما هو المختار-، وكان من الأعراب الأجلاف المعروفين بالغلظة من منطقة نجد شرق الحجاز، وقد سمّاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم “الأحمق المُطاع في قومه”؛ وسبب ذلك: غلظته وسوء أدبه وتسرعه، فقد رُوِيَ أنَّه دخل مرَّة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغير إذن، وعنده أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها -قيل قبل أن ينزل فرض الحجاب-، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «وأين الإذن؟»، قال: “ما استأذنت على أحدٍ من مُضَر!”، ثم أشار عُيَيْنَة إلى عائشة وقال: “من هذه الحميراء؟”، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عائشة، أم المؤمنين»، قال عيينة: “أفلا أنزل لك على أجمل منها؛ أم البنين -زوجة عُيَيْنَة-، فتتزوجها؟!”، فغضبت عائشة رضي الله عنها وقالت: “من هذا يا رسول الله؟”، قال: «هذا أحمق مُطاع، وهو على ما ترين سيد قومه!»، وله إساءات كثيرة أثناء حرب يهود وحصار الطائف كما سيأتي، ومع ذلك فقد استخدمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائدًا على سريّة فيما بعد.