ربيع الأول 11 هـ
حزيران 632 م
وَفَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

دعث لليلتين بَقِيَتَا من صفر ثمَّ حصل لَهُ من الوعك مَا أتعب الخواطر وشغل الْفِكر واشتدت حرارة الْحمى عَلَيْهِ وانصبت مواد الوصب إِلَيْهِ فهرع …

الْمُسلمُونَ إِلَى عيادته وتألم المخلصون فِي محبته وإرادته وَكَانَ فِي مَرضه يُصَلِّي بِالنَّاسِ وَيقْرَأ الْقُرْآن حَتَّى قَرَأَ فِي لَيْلَة سبعين سُورَة فِيهِنَّ الْبَقَرَة وَآل عمرَان فَلَمَّا ثقل قَالَ «مروا أَبَا بكر فَليصل بِالنَّاسِ» وَألبسهُ من الْخلَافَة والإئتمام بِهِ فِي الصَّلَاة أَفْخَر لِبَاس وَأمر بسد الْأَبْوَاب الْمَفْتُوحَة فِي الْمَسْجِد إِلَّا بَابه وَخرج عاصبا رَأسه فَخَطب وَأثْنى عَلَيْهِ بِمحضر من الصَّحَابَة.
وجاءه جِبْرِيل يعودهُ من جِهَة الله إِكْرَاما لَهُ فِي ثَلَاثَة أَيَّام وَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ملك الْمَوْت وَلم يسْتَأْذن على أحد من الْأَنْبِيَاء الْأَعْلَام.
فَلَمَّا نزل بِهِ مَا لَا محيد لِلْخلقِ عَن لِقَائِه جعل يمسح وَجهه بِالْمَاءِ وَيسْأل الْإِعَانَة فِي دُعَائِهِ ثمَّ شخص بَصَره إِلَى السَّمَاء حَيْثُ حَان التَّحْوِيل وَخير فَاخْتَارَ الرفيق الْأَعْلَى مَعَ جِبْرِيل وَمِيكَائِيل.
وَتُوفِّي لاثنتى عشرَة من ربيع الأول عَن ثَلَاث وَسِتِّينَ على الصَّحِيح وغسله الْعَبَّاس وَعلي وَمن مَعَهُمَا وهم الَّذين وسدوه فِي الضريح وكفن فِي ثَلَاثَة أَثوَاب سحُولِيَّة لَيْسَ فِيهَا قَمِيص وَلَا عِمَامَة وَصلى الْمُسلمُونَ عَلَيْهِ أفذاذا لَا يقدم أحد مِنْهُم على الْإِمَامَة.
وَدفن فِي بَيت عَائِشَة وَفِيه كَانَت وَفَاته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ أَبُو ذوئيب الْهُذلِيّ سَمِعت هاتفا قبل وَفَاته يَقُول:

خطب أجل أَنَاخَ بِالْإِسْلَامِ *** بَين النخيل ومعقد الْآطَام
قبض النَّبِي مُحَمَّد فعيوننا *** تذري الدُّمُوع عَلَيْهِ بالتسجام

وَقَالَ سُفْيَان بن الْحَارِث بن عبد الْمطلب من أَبْيَات:

لقد عظمت مُصِيبَتنَا وجلت *** عَشِيَّة قيل قد قبض الرَّسُول
فأضحت أَرْضنَا مِمَّا عراها *** تكَاد بِنَا جوانبها تَزُول
فَقدنَا الْوَحْي والتنزيل فِينَا *** يروح بِهِ وَيَغْدُو جِبْرِيل
وَذَاكَ أَحَق مَا سَالَتْ عَلَيْهِ *** نفوس النَّاس أَو كربت تسيل

وَقَالَت فَاطِمَة عَلَيْهَا السَّلَام:

اغبر آفَاق السَّمَاء وكورت *** شمس النَّهَار وأظلم الععصران
وَالْأَرْض من بعد النَّبِي كئيبة *** أسفا عَلَيْهِ كَثِيرَة الرجفان
فليبكه شَرق الْبِلَاد وغربها *** ولتبكه مُضر وكل يمَان
وليبكه الطود الْمُعظم جوه *** وَالْبَيْت ذُو الأستار والأركان
يَا خَاتم الرُّسُل الْمُبَارك ضوؤه *** صلى عَلَيْك منزل الْقُرْآن

وَقَالَت صَفِيَّة بنت عبد الْمطلب:

أَلا يَا رَسُول الله كنت رجاءنا *** وَكنت بِنَا برا وَلم تَكُ جَافيا 
وَكنت رحِيما هاديا ومعلما *** وليبك عَلَيْك الْيَوْم من كَانَ باكيا
لعمرك مَا أبْكِي النَّبِي لفقده *** وَلَكِن لما أخْشَى من الْهَرج آتِيَا
أفاطم صلى الله رب مُحَمَّد *** على جدث بِيَثْرِب ثاويا
فدى لرَسُول الله أُمِّي وخالتي *** وَعمي وآبائي وَنَفْسِي وماليا
نصحت وَبَلغت الرسَالَة صَادِقا *** ومت صَلِيب الْعود أَبْلَج صافيا
عَلَيْك من الله السَّلَام تَحِيَّة *** وأدخلت جنَّات من العدن رَاضِيا