ربيع الأول 10 هـ
حزيران 631 م
وفاة النبي عليه السلام

وفاته صلى الله عليه وسلم
ثم لما أسلم الناس علم صلى الله عليه وسلم أنه راحل إلى ربه تعالى، …

فخرج صلى الله عليه وسلم فصلى على قتلى أحد صلاته على الميت بعد نحو عشرة أعوام .
ثم لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه الذي مات فيه، كان في بيت ميمونة أم المؤمنين، ثم استأذن صلى الله عليه وسلم نساءه أن يمرض في بيت عائشة أم المؤمنين، فأذن له في ذلك  .
وعرض عليه عند إغمائه أن يلدوه، فنهاهم عن ذلك، فتمادوا على أمرهم ولدوه. واللد: شيء كانت تصنعه العرب، وهو دواء في شقي الفم. فلما أفاق أمر بالاقتصاص منهم كلهم، فلدوا كلهم، حاشا عمه العباس، فإنه لم يحضر ذلك الفعل إذ لدوه. ولدت سودة أم المؤمنين وهي صائمة  .
فلما كان يوم الخميس قبل موته صلى الله عليه وسلم بأربع ليال اجتمع عنده جمع من الصحابة، فقال عليه السلام: «ائتوني بكتف ودواة أكتب لكم كتاباً، لا تضلون بعدي». فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه كما أراد بها الخير، فكانت سبباً لامتناعه من ذلك الكتاب، فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع، وعندنا كتاب الله، وحسبنا كتاب الله.
وساعده قوم، حتى قالوا: أهجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون: أجيبوا بالكتف والدواة يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لا تضلون بعده. فساء ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالخروج من عنده. فالرزية كل الرزية ما حال بينه وبين ذلك الكتاب. إلا أنه لا شك لو كان من واجبات الدين ولوازم الشريعة لم يثنه عنه كلام عمر ولا غيره.
وكان في تلك المرضة قال لعائشة أم المؤمنين رضي الله عنها: لقد هممت أن أبعث إلى أبيك وأخيك فأكتب كتاباً وأعهد عهداً، لئلا يتمنى متمن أو يقول قائل، ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر. فلم يكن، والله أعلم، الكتاب الذي أراد صلى الله عليه وسلم أن يكتبه، فلا يضل بعده، إلا في استخلاف أبي بكر.
وقد ظهرت مغبة ذلك، وكاد الناس يهلكون في الاختلاف فيمن يلي أمر المسلمين بعد، وفي الذي يلي من بعد من قام بعده، وإلى زمن علي، والأمر كذلك فيمن بعد علي. وبالجملة فالكتاب كان رافعاً لهذا النزاع، ولو لم يكن فيه إلا استراحة من سفك الدماء في أمر عثمان ومن بعده؛ فلا حول ولا قوة إلا بالله تعالى، فلقد هلكت في هذا طوائف، وتمادى ضلالهم إلى اليوم.
وصلى عليه السلام أبي بكر في الصف صلاة تامة، وصلى أبو بكر بالناس تلك الأيام، بعهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إليه.
وخرج صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام وهو متوكئ على علي والعباس، وأبو بكر قد أخذ في الصلاة بالناس، فقعد عن يسار أبي بكر، وأبو بكر في موضع الإمام، وصار أبو بكر واقفاً عن يمينه في موضع المأموم، يسمع تكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم. فصلى النبي صلى الله عليه وسلم بالناس، يؤمهم قاعداً وهم خلفه. فصار ذلك مؤيداً لما سبق من صلاته صلى الله عليه وسلم بالناس جالساً.
وكان هذا إجازة وقوف المذكر في مثل هذه الصلاة عن يمين الإمام.
وهذه آخر صلاة صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس.
ثم إن الله تعالى توفى نبيه صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين، حين اشتد الضحى، في اليوم الثاني عشر من ربيع الأول، عند تمام عشر سنين من الهجرة.
وآخر ما رأوه رجال من أصحابه، في صلاتهم الصبح من يوم الاثنين المؤرخ. وانقطع الوحى بموته صلى الله عليه وسلم، واستقر الدين.
وصلى الناس عليه أرسالاً، لم يؤمهم أحد. ودفن في بيت عائشة أم المؤمنين، نصف ليلة الأربعاء، بعد موته بيوم ونصف يوم ونصف ليلة.
وغسله العباس، والفضل وقثم ابناه، وعلي بن أبي طالب، وأسامة ابن زيد، وشقران مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأوس بن خولي، أحد بني عوف بن الخزرج، من الأنصار بدري. فكان أسامة وشقران يصبان الماء.
وكفن في ثلاثة أثواب قطن سحولية بيض، ليس فيها قميص ولا عمامة ولا سراويل ولا درع. أدرج فيها عليه السلام فقط  .
وحفر له أبو طلحة الأنصاري، ولحد له في جانب القبر، وجبل أسامة اللبن، ودلاه في قبره علي بن أبي طالب، والفضل وقثم ابنا العباس، وشقران وأوس بن خولي.
وبسطت تحته قطيفة له كان يفرشها في حياته. وقد قيل: إن عبد الرحمن ابن الأسود الزهري أدخله معهم في قبره.
وكانت مدة مرضه عليه السلام اثني عشر يوماً، ابتدأه الصداع يوم الخميس، وقيل: بل أربعة عشر يوماً. وقالت عائشة أم المؤمنين: كان ينفث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي مات فيه يشبه نفث آكل الزبيب.
وخير عليه السلام عند موته، فاختار لقاء ربه تعالى، قالت عائشة: سمعته يقول ببحة شديدة: «بل الرفيق الأعلى»  ومات صلى الله عليه وسلم مستنداً إلى صدرها.