1 ق.هـ
621 م
وفاة أبي طالب

وقت وفاة أبي طالب

قال زياد البكائي عن ابن إسحاق: إن خديجة وأبا طالب هلكا في عام واحد، وكان هلاكهما بعد عشر سنين مضين من مبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مهاجره صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بثلاث سنين. وذكر ابن قتيبة أن خديجة توفيت بعد أبي طالب بثلاثة أيام. وذكر البيهقي نحوه. وعن الواقدي: توفيت خديجة قبل أبي طالب بخمس وثلاثين ليلة، وقيل غير ذلك.

مساندة أبي طالب لابن أخيه

فلما هلك أبو طالب نالت قريش من رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تطمع فيه في حياة أبي طالب، حتى اعترضه سفيه من سفهاء قريش فنثر على رأسه تراباً، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
«لا تبك يا بنية فإن الله مانع أباك». و يقول بين ذلك: ما نالت مني قريش شيئاً أكرهه حتى مات أبو طالب محاولاة قريش لصد النبي عن دعوته
قال: ولما اشتكى أبو طالب وبلغ قريش ثقله قال بعضهم لبعض: إن حمزة وعمر قد أسلما، وقد فشا أمر محمد في قبائل قريش كلها، فانطلقوا بنا إلى أبي طالب فليأخذ لنا على ابن أخيه وليعطه منا، فإنا والله ما نأمن أن يبتزونا أمرنا ، فمشوا إلى أبي طالب وكلموه وهم أشراف قومه: عتبة و شيبة ابنا ربيعة، و أبو جهل بن هشام ، و أمية بن خلف ، و أبو سفيان بن حرب في رجال من أشرافهم، فقالوا: يا أبا طالب، إنك منا حيث قد علمت، وقد حضرك ما ترى، وتخوفنا عليك، وقد علمت الذي بيننا وبين ابن أخيك، فادعه وخذ له منا وخذ لنا منه، ليكف عنا ونكف عنه، وليدعنا وديننا وندعه ودينه، فبعث إليه أبو طالب فجاءه، فقال: يا ابن أخي، هؤلاء أشراف قومك، وقد اجتمعوا لك ليعطوك وليأخذوا منك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«نعم، كلمة واحدة تعطونيها وتملكون بها العرب وتدين لكم بها العجم». فقال: أبو جهل: نعم وأبيك، وعشر كلمات، قال: «تقولون لا إله إلا الله، وتخلعون ما تعبدون من دونه». قال: فصفقوا بأيديهم، ثم قالوا: يا محمد، أتريد أن تجعل الآلهة إلهاً واحدًا إن أمرك لعجب

هل مات أبو طالب على الإسلام؟

ثم قال بعضهم لبعض: والله ما هذا الرجل بمعطيكم شيئاً مما تريدون، فانطلقوا وامضوا على دين آبائكم حتى يحكم الله بينكم وبينه، ثم تفرقوا. فقال أبو طالب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: والله يا ابن أخي ما رأيتك سألتهم شحطًا ، فلما قالها طمع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه فجعل يقول له: «أي عم، فأنت فقلها استحل لك به الشفاعة يوم القيامة»، فلما رأى حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه، قال له: يا ابن أخي، والله لولا مخافة السبة عليك وعلى بني أبيك من بعدي، وأن تظن قريش أني إنما قلتها جزعاً من الموت لقلتها لا أقولها إلا لأسرك بها، فلما تقارب من أبي طالب الموت نظر العباس إليه يحرك شفتيه، فأصغى إليه بأذنه، فقال: يا ابن أخي، والله لقد قال أخي الكلمة التي أمرته بقولها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لم أسمع». كذا في رواية ابن إسحق أنه أسلم عند الموت عن سعيد بن المسيب، عن أبيه، قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبد الله بن أبي أمية بن المغيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا عم، قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله». فقال
أبو جهل و عبد الله بن أبي أمية : يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه و يعيدان له تلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم هو: على ملة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما والله لأستغفرن لك ما لم أُنهْ عَنك»، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ} [التوبة: 113] وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56]. ورواه مسلم من حديث أبي هريرة أيضًا وفيه: لولا أن تعيرني قريش يقولون إنما حمله على ذلك الخرع لأقررت بها عينك

شفاعة النبي في أبي طالب

وفي الصحيح من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكُر عنده عمه أبو طالب، فقال: «لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار». عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: «أهون أهل النار في النار عذاباً أبو طالب وهو منتعل بنعلين من نار يغلي منهما دماغه» عن علي: أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبا طالب مات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «اذهب فواره»، فقال: إنه مات مشركًا، قال: «اذهب فواره»، فلما واريته رجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: «اغتسل». وعن وكيع بن عدس، عن أبي رزين عمه، قال: قلت: يا رسول الله، أين أمي؟ قال: «أمك في النار»، قال: قلت: أين من مضى من أهلك؟ قال: «أما ترضى أن تكون أمك مع أمي» . قال عبد الله: قال أبي: الصواب حدُس.

تحقيق القول في إسلام أبي طالب

وذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل راقيا في المقامات السَّنيِةّ، صاعدًا في الدرجات العلية، إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه، وأزلفه بما خصه به لديه من الكرامة حين القدوم عليه، فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله عليه وسلم بعد أن لم تكن، وأن يكون الإحياء والإيمان متأخرًا عن تلك الأحاديث، فلا تعارض.
وقال السهيلي: شهادة العباس لأبي طالب لو أداها بعدما أسلم كانت مقبولة؛ لأن العدل إذا قال سمعت، وقال من هو أعدل منه لم أسمع أخذًا بقول من أثبت السماع، ولكن العباس شهد بذلك قبل أن يسلم. قلت: قد أسلم العباس بعد ذلك، وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حال أبي طالب.
عن عبد الله بن الحارث بن نوفل، قال: سمعت العباس، يقول: قلت: يا رسول الله، إن أبا طالب كان يحفظك وينصرك فهل نفعه ذاك؟ قال: «نعم وجدته في غمرات من النار، فأخرجته إلى ضحضاح». صحيح الإسناد مشهور متفق عليه من حديث العباس في الصحيحين. ولو كانت هذه الشهادة عنده لأداها بعد إسلامه، وعلم حال أبي طالب ولم يسأل، والمعتبر حالة الأداء دون التحمل.
وفيما ذكره السهيلي أن الحارث بن عبد العزى أبا رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة، قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة فأسلم وحسن إسلامه في خبر ذكره من طريق يونس بن بكير.