5 هـ
627 م
مَقْتَلُ سَلّامِ بْنِ أبي الْحقيق

اسْتِئْذَان الْخَزْرَج الرَّسُول فِي قَتْلِ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: …


وَلَمّا انْقَضَى شَأْنُ الْخَنْدَقِ، وَأَمْرُ بَنِي قُرَيْظَةَ، وَكَانَ سَلّامُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ أَبُو رَافِعٍ فِيمَنْ حَزّبَ الْأَحْزَابَ عَلَى رَسُولِ اللهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ الْأَوْسُ قَبْلَ أُحُدٍ قَدْ قَتَلَتْ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَحْرِيضِهِ عَلَيْهِ اسْتَأْذَنَتْ الْخَزْرَجُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ وَهُوَ بِخَيْبَرِ فَأَذِنَ لَهُمْ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَحَدّثَنِي مُحَمّدُ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ شِهَابٍ الزّهْرِيّ، عَنْ عبد الله بْنِ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ:
وَكَانَ مِمّا صَنَعَ اللهُ بِهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنّ هَذَيْنِ الْحَيّيْنِ مِنْ الْأَنْصَارِ وَالْأَوْسِ، وَالْخَزْرَجِ، كَانَا يَتَصَاوَلَانِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ لَا تَصْنَعُ الْأَوْسُ شَيْئًا عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَاءً إلّا قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَذِهِ فَضْلًا عَلَيْنَا عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الْإِسْلَامِ قَالَ فَلَا يَنْتَهُونَ حَتّى يُوقِعُوا مِثْلَهَا ; وَإِذَا فَعَلَتْ الْخَزْرَجُ شَيْئًا قَالَتْ الْأَوْسُ مِثْلَ ذَلِكَ.
وَلَمّا أَصَابَتْ الْأَوْسُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ فِي عَدَاوَتِهِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ الْخَزْرَجُ: وَاَللهِ لَا تَذْهَبُونَ بِهَا فَضْلًا عَلَيْنَا أَبَدًا، قَالَ فَتَذَاكَرُوا: مَنْ رَجُلٌ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْعَدَاوَةِ كَابْنِ الْأَشْرَفِ؟ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَهُوَ بِخَيْبَرِ فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ فَأذن لَهُم
النَّفر الّذِينَ خَرَجُوا لِقَتْلِ ابْنِ أبي الْحقيق وقصتهم:
فَخَرَجَ إلَيْهِ مِنْ الْخَزْرَجِ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ خَمْسَةُ نَفَرٍ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ، وَمَسْعُودُ بْنُ سِنَانٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ، وَأَبُو قَتَادَةَ الْحَارِثُ بْنُ رِبْعِيّ، وَخُزَاعِيّ بْنُ أَسْوَدَ، حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ أَسْلَمَ. فَخَرَجُوا وَأَمّرَ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ، وَنَهَاهُمْ عَنْ أَنْ يَقْتُلُوا وَلِيدًا أَوْ امْرَأَةً فَخَرَجُوا حَتّى إذَا قَدِمُوا خَيْبَرَ، أَتَوْا دَارَ ابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ لَيْلًا، فَلَمْ يَدَعُوا بَيْتًا فِي الدّارِ إلّا أَغْلَقُوهُ عَلَى أَهْلِهِ. وَكَانَ فِي عِلّيّةٍ لَهُ إلَيْهَا عَجَلَةٌ قَالَ فَأَسْنَدُوا فِيهَا حَتّى قَامُوا عَلَى بَابِهِ فَاسْتَأْذَنُوا عَلَيْهِ فَخَرَجَتْ إلَيْهِمْ امْرَأَتُهُ فَقَالَتْ مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَاسٌ مِنْ الْعَرَبِ نَلْتَمِسُ الْمِيرَةَ. قَالَتْ ذَاكُمْ صَاحِبُكُمْ فَأُدْخِلُوا عَلَيْهِ قَالَ فَلَمّا دَخَلْنَا عَلَيْهِ أَغْلَقْنَا عَلَيْنَا وَعَلَيْهَا الْحُجْرَةَ تَخَوّفًا أَنْ تَكُونَ دُونَهُ مُحَاوَلَةٌ تَحُولُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ قَالَتْ فَصَاحَتْ امْرَأَتُهُ فَنَوّهَتْ بِنَا وَابْتَدَرْنَاهُ وَهُوَ عَلَى فِرَاشِهِ بِأَسْيَافِنَا، فَوَاَللهِ مَا يَدُلّنَا عَلَيْهِ فِي سَوَادِ اللّيْلِ إلّا بَيَاضُهُ كَأَنّهُ قُبْطِيّةٌ مُلْقَاةٌ. قَالَ وَلَمّا صَاحَتْ بِنَا امْرَأَتُهُ جَعَلَ الرّجُلُ مِنّا يَرْفَعُ عَلَيْهَا سَيْفَهُ ثُمّ يَذْكُرُ نَهْيَ
رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُفّ يَدَهُ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَفَرَغْنَا مِنْهَا بِلَيْلِ. قَالَ فَلَمّا ضَرَبْنَاهُ بِأَسْيَافِنَا تَحَامَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُنَيْسٍ بِسَيْفِهِ فِي بَطْنِهِ حَتّى أَنْفَذَهُ وَهُوَ يَقُولُ قَطْنِي قَطْنِي: أَيْ حَسْبِي حَسْبِي. قَالَ وَخَرَجْنَا، وَكَانَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَتِيكٍ رَجُلًا سَيّئَ الْبَصَرِ قَالَ فَوَقَعَ مِنْ الدّرَجَةِ فَوَثِئَتْ يَدُهُ وَثْئًا شَدِيدًا – وَيُقَالُ رِجْلُهُ فِيمَا قَالَ ابْنُ هِشَامٍ – وَحَمَلْنَاهُ
حَتّى نَأْتِيَ بِهِ مَنْهَرًا مِنْ عُيُونِهِمْ فَنَدْخُلُ فِيهِ. قَالَ فَأَوْقَدُوا النّيرَانَ وَاشْتَدّوا فِي كُلّ وَجْهٍ يَطْلُبُونَنَا، قَالَ حَتّى إذَا يَئِسُوا رَجَعُوا إلَى صَاحِبِهِمْ فَاكْتَنَفُوهُ وَهُوَ يُقْضَى بَيْنَهُمْ. قَالَ فَقُلْنَا: كَيْفَ لَنَا بِأَنْ نَعْلَمَ بِأَنّ عَدُوّ اللهِ قَدْ مَاتَ؟ قَالَ فَقَالَ رَجُلٌ مِنّا: أَنَا أَذْهَبُ فَأَنْظُرُ لَكُمْ فَانْطَلَقَ حَتّى دَخَلَ فِي النّاسِ. قَالَ فَوَجَدْت امْرَأَتَهُ وَرِجَالَ يَهُودَ حَوْلَهُ وَفِي يَدِهَا الْمِصْبَاحُ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ وَتُحَدّثُهُمْ وَتَقُولُ أَمَا وَاَللهِ لَقَدْ سَمِعْت صَوْتَ ابْنِ عَتِيكٍ ثُمّ أَكْذَبْت نَفْسِي وَقُلْت: أَنّى ابْنُ عَتِيكٍ بِهَذِهِ الْبِلَادِ؟ ثُمّ أَقْبَلَتْ عَلَيْهِ تَنْظُرُ فِي وَجْهِهِ ثُمّ قَالَتْ فَاظَ وَإِلَهِ يَهُودَ فَمَا سَمِعْت مِنْ كَلِمَةٍ كَانَتْ أَلَذّ إلَى نَفْسِي مِنْهَا. قَالَ ثُمّ جَاءَنَا الْخَبَرُ فَاحْتَمَلْنَا صَاحِبَنَا فَقَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْنَاهُ بِقَتْلِ عَدُوّ اللهِ وَاخْتَلَفْنَا عِنْدَهُ فِي قَتْلِهِ كُلّنَا يَدّعِيهِ. قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «هَاتُوا أَسْيَافَكُمْ» قَالَ فَجِئْنَاهُ بِهَا، فَنَظَرَ إلَيْهَا، فَقَالَ لِسَيْفِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُنَيْسٍ: «هَذَا قَتَلَهُ أَرَى فِيهِ أثر الطَّعَام».
مقتل سَلام ابْنِ أبي الْحقيق
شعر حسان فِي قتل ابْن الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ:
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ:
فَقَالَ حَسّانُ بْنُ ثَابِتٍ وَهُوَ يَذْكُرُ قَتْلَ كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَقَتْلَ سَلّامِ بْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ:

لِلّهِ دَرّ عِصَابَةٍ لَاقَيْتهمْ *** يَا ابْنَ الْحُقَيْقِ وَأَنْتَ يَا ابْنَ الْأَشْرَفِ
يَسْرُونَ بِالْبِيضِ الْخِفَافِ إلَيْكُمْ *** مَرَحًا كَأُسْدِ فِي عَرِينٍ مُغْرِفِ
حَتّى أَتَوْكُمْ فِي مَحَلّ بِلَادِكُمْ *** فَسَقَوْكُمْ حَتْفًا بِبِيضِ ذُفّفِ
مُسْتَبْصِرِينَ لِنَصْرِ دِينِ نَبِيّهِمْ *** مُسْتَصْغِرِينَ لِكُلّ أَمْرٍ مُجْحِفِ

قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: قَوْلُهُ ” ذُفّفِ”، عَنْ غَيْرِ ابْنِ إسْحَاقَ.


 

مَقْتَلُ ابْنِ أَبِي الْحقيق
ذكر فِي النّفَرَ الْخَمْسَةَ الّذِينَ قَتَلُوهُ وَسَمّاهُمْ، وَذَكَرَ فِيهِمْ ابْنَ عُقْبَةَ أَسْعَدَ بْنَ حَرَامٍ وَلَا يُعْرَفُ أَحَدٌ ذَكَرَهُ غَيْرُهُ.
قَطْنِي وَقَدْ وَنُونُ الْوِقَايَةِ
وَذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قَطْنِي قَطْنِي، قَالَ مَعْنَاهُ حَسْبِي حَسْبِي.
قَالَ الْمُؤَلّفُ وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ أَصْلُهَا مِنْ الْقَطّ وَهُوَ الْقَطْعُ ثُمّ خُفّفَتْ وَأُجْرِيَتْ مَجْرَى الْحَرْفِ وَكَذَلِكَ قَدْ بِمَعْنَى قَطْ هِيَ أَيْضًا مِنْ الْقَدّ وَهُوَ الْقَطْعُ طُولًا، وَالْقَطّ بِالطّاءِ هُوَ الْقَطْعُ عَرْضًا، يُقَالُ إنّ عَلِيّا – رَحِمَهُ اللهُ – كَانَ إذَا اسْتَعْلَى الْفَارِسَ قَدّهُ وَاذَا اسْتَعْرَضَهُ قَطّهُ وَلَمّا كَانَ الشّيْءُ الْكَافِي الّذِي لَا يُحْتَاجُ مَعَهُ إلَى غَيْرِهِ يَدْعُو إلَى قَطْعِ الطّلَبِ وَتَرْكِ الْمَزِيدِ جَعَلُوا قَدْ وَقَطْ تُشْعِرُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَإِذَا ذَكَرْت نَفْسَك قُلْت: قَدِي وَقَطِي، كَمَا تَقُولُ حَسْبِي، وَإِنْ شِئْت أَلْحَقْت نُونًا، فَقُلْت: قَدْنِي، وَذَلِكَ مِنْ أَجْلِ سُكُونِ آخِرِهَا فَكَرِهُوا تَحْرِيكَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَاءِ كَمَا كَرِهُوا تَحْرِيكَ آخِرِ الْفِعْلِ فَقَالُوا: ضَرَبَنِي، وَكَذَلِكَ كَرِهُوا تَحْرِيكَ آخِرِ لَيْتَ فَقَالُوا: لَيْتَنِي، وَقَدْ يَقُولُونَ لَيْتِي وَهُوَ قَلِيلٌ وَقَالُوا: لَعَلّنِي وَلَعَلّي، وَقَالُوا: مِنْ لَدُنّي فَأَدْخَلُوهَا عَلَى الْيَاءِ الْمَخْفُوضَةِ بِالظّرْفِ كَمَا أَدْخَلُوهَا عَلَى الْيَاءِ الْمَخْفُوضَةِ بِمِنْ وَعَنْ فَعَلُوا هَذَا وِقَايَةً لِأَوَاخِرِ هَذَا الْكَلِمِ مِنْ الْخَفْضِ وَخَصّوا النّونَ بِهَذَا ; لِأَنّهَا إذَا كَانَتْ تَنْوِينًا فِي آخِرِ الِاسْمِ آذَنَتْ بِامْتِنَاعِ الْإِضَافَةِ وَكَذَلِكَ فِي هَذِهِ الْمَوَاطِنِ الّتِي سَمّيْنَا تُشْعِرُ بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْخَفْضِ وَتُشْعِرُ فِي الْفِعْلِ وَالْحُرُوفِ بِامْتِنَاعِهَا مِنْ الْإِضَافَةِ أَيْضًا، لِأَنّ الْحَرْفَ لَا يُضَافُ وَكَذَلِكَ الْفِعْلُ مَعَ أَنّ النّونَ مِنْ عَلَامَاتِ الْإِضْمَارِ فِي فَعَلْنَا، وَفَعَلَنَا فِي ضَمِيرِ الْمَفْعُولِ فَأَمّا قَدْ وَقَطْ فَاسْمَانِ وَكَذَلِكَ لَدُنْ وَلَكِنْ كَرِهُوا تَحْرِيكَ أَوَاخِرِهَا لِشَبَهِهَا بِالْحُرُوفِ. فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَوْضِعُ نِيّ مِنْ قَوْلِهِ قَطْنِي؟ قُلْنَا: مَوْضِعُهَا خَفْضٌ بِالْإِضَافَةِ كَمَا هِيَ فِي لَدُنّي فَإِنْ قُلْت: كَيْفَ تَكُونُ ضَمِيرَ الْمَفْعُولِ وَالْمَنْصُوبِ فِي ضَرَبَنِي وَلَيْتَنِي، ثُمّ تَقُولُ إنّهَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ؟ قُلْنَا: الضّمِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ هِيَ الْيَاءُ وَحْدَهَا فِي الْخَفْضِ وَالنّصْبِ كَمَا أَنّ الْكَافَ وَالْهَاءَ كَذَلِكَ وَقَدْ قَالُوا: مِنّي وَعَنّي، وَهُوَ ضَمِيرُ خَفْضٍ وَفِيهِ النّونُ وَقَالُوا: لَيْتِي وَلَعَلّي، وَهُوَ ضَمِيرُ نَصْبٍ وَلَيْسَ فِيهِ نُونٌ فَإِنْ قِيلَ فَمَا مَوْضِعُ الِاسْمِ مِنْ الْإِعْرَابِ إذَا قُلْت: قَطِي وَقَدِي؟ قُلْنَا: إعْرَابُهُمَا كَإِعْرَابِ حَسْبِي مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ وَإِنّمَا لَزِمَ حَذْفُ خَبَرِهِ لِمَا دَخَلَهُ مِنْ مَعْنَى الْأَمْرِ وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُ جَهَنّمَ أَعَاذَنَا اللهُ مِنْهَا: قَطِي وَعِزّتِك قَطِي، وَيُرْوَى: قَطْنِي، وَذَلِكَ بَعْدَ قَوْلِهَا: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ فَإِذَا وُضِعَتْ فِيهَا الْقَدَمُ وَزَوَى بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ قَالَتْ قَطْنِي. وَقَدْ جَمَعَ الشّاعِرُ بَيْنَ اللّغَتَيْنِ فَقَالَ:
قَدْنِي مِنْ نَصْرِ الْحُبَيْبَيْنِ قَدِي
فَهَذَا مَا فِي قَطْ الّتِي هِيَ بِمَعْنَى حَسْبِي، فَأَمّا قَطّ الْمَبْنِيّةُ عَلَى الضّمّ فَهِيَ ظَرْفٌ لِمَا مَضَى، وَهِيَ تقال بِالتَّخْفِيفِ والتثقيل وَهِيَ مِنْ الْقَطّ أَيْضًا الّذِي بِمَعْنَى الْقَطْعِ وَفِي مُقَابَلَتِهَا فِي الْمُسْتَقْبَلِ عَوْضُ مَا فَعَلْته قَطّ، وَلَا أَفْعَلُهُ عَوْضُ مِثْلُ قَبْلُ وَبَعْدُ.