2 هـ
623 م
محاولة اغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

التخطيط لاغتيال النبي صلى الله عليه وسلم

قال ابن إسحاق: وحدثني محمد بن جعفر بن الزبير بن عروة بن الزبير، قال: جلس عمير بن وهب الجمحي مع صفوان بن أمية بعد مصاب أهل بدر من قريش بيسير في الحجر، وكان عمير بن وهب شيطاناً من شياطين قريش، وكان ممن يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، و يلقون منه عناء وهو بمكة، وكان ابنه وهب بن عمير في أسارى بدر، فذكر أصحاب القليب ومصابهم.
فقال صفوان: إن في العيش والله خير بعدهم. قال له عمير: صدقت، أما والله لولا دَينٌْ عليَّ ليس له عندي قضاء، وعيال أخشى عليهم الضيعة بعدي لركبت إلى محمد حتى أقتله، فإن لي فيهم عِلَةّ ، ابني أسير في أيديهم، قال: فاغتنمها صفوان، فقال: عليَّ دَيْنكُ أنا أقضيه عنك، وعيالك مع عيالي أواسيهم ما بقوا لا يسعني شيء و يعجز عنهم، قال عمير: فاكتم عني شأني وشأنك، قال: افعل، قال: ثم أمر عمير بسيفه فشُحِذ له وسمَّ، ثم انطلق حتى قدم المدينة فبينا عمر بن الخطاب في نفر من المسلمين يتحدثون عن يوم بدر ويذكرون ما أكرمهم الله به، وما أراهم من عدوهم، إذ نظر عمر إلى عمير بن وهب حين أناخ على باب المسجد متوشحاً السيف، فقال: هذا الكلب عدو الله عمير بن وهب ما جاء إلا لشر، وهذا الذي حرَّش بيننا وحزرنا للقوم يوم بدر.

قبض عمر على عمير بن وهب

ثم دخل عمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، هذا عدو الله عمير بن وهب، وقد جاء متوشحاً سيفه، قال: «فأدخله عليَّ»، قال: فأقبل عمر حتى أخذ بحمالة سيفه في عنقه فلببه بها ، وقال لرجال ممن كانوا معه من الأنصار: ادخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فاجلسوا عنده، واحذروا عليه هذا الخبيث؛ فإنه غير مأمون، ثم دخل به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر آخذ بحمالة سيفه في عنقه، قال: «أرسله يا عمر، ادن يا عمير، ادن يا عمير».

استعمال عمير السياسة

فدنا ثم قال: أنعموا صباحًا – وكانت تحية أهل الجاهلية بينهم- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أكرمنا الله بتحية خير من تحيتك يا عمير بالسلام، تحية أهل الجنة»، قال أما والله إن كنت بها يا محمد لحديث عهد، قال: فما جاء بك يا عمير؟ قال: جئت لهذا الأسير الذي فيكم، فأحسنوا فيه، قال: فما بال السيف في عنقك؟ قال: قبحها الله من سيوف، وهل أغنت عنا شيئاً، قال: أصدقني، ما الذي جئت له؟ قال: ما جئت إلا لذلك.
إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما كان بينه وبين صفوان قال: بلى، قعدت أنت وصفوان بن أمية في الحِجرْ، فذكرتما أصحاب القليب من قريش، ثم قلت: لولا دَينٌْ عليَّ وعيال لي، لخرجت حتى أقتل محمدًا، فتحمل لك صفوان بدينك وعيالك على أن تقتلني له، والله حائل بينك وبين ذلك.

إسلام عمير رضي الله عنه

قال عمير: أشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد كنا يا رسول الله نكذبك بما تأتي به من خبر السماء وما ينزل عليك من الوحي، وهذا أمر لم يحضره إلا أنا وصفوان، فوالله إني لأعلم ما أتاك به إلا الله، والحمد لله الذي هداني للإسلام، وساقني هذا المساق، ثم تشهد شهادة الحق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقّهِوا أخاكم في دينه، وأقرئوه القرآن، وأطلقوا له أسيره»، ففعلوا ذلك.

عمير ينقلب داعيا إلى الإسلام

ثم قال: يا رسول الله إني كنت جاهدًا على إطفاء نور الله، شديد الأذى لمن كان على دين الله، فأنا أحب أن تأذن لي فأقدم مكة فأدعوهم إلى الله وإلى الإسلام لعل الله يهديهم وإلا آذيتهم في دينهم كما كنت أؤذي أصحابك في دينهم، قال: فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلحق بمكة، قال: وكان صفوان حين خرج عمير يقول: أبشروا بوقعة تأتيكم الآن تنسيكم وقعة بدر، وكان صفوان يسأل عن الركبان، حتى قدم راكب فأخبره عن إسلامه، فحلف أن لا يكلمه أبدًا، وأن لا ينفعه بنفع أبدًا.
والحديث أخرجه الطبراني في المعجم الكبير، باب العين، رقم 117 ، قال الهيثمي في (مجمع الزوائد / 14063 ): “رواه الطبراني مرسلا وإسناده جيد”، وقال ابن حجر العسقلاني في (الإصابة 4/604–605) “هكذا ذكره أبو الأسود عن عروة مرسلا، وأورده ابن إسحاق في المغازي عن محمد بن جعفر بن الزبير مرسلا أيضا، وجاء من وجه آخر موصولا، أخرجه ابن
منده من طر يق أبي الأزهر، عن عبد الرزاق، عن جعفر بن سليمان، عن أبي عمران الجوني، عن أنس أو غيره”.