23 هـ
644 م
قِصَّةُ الشُّورَى

حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ شبة، قال: حدثنا علي بن محمد، عن وَكِيعٍ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، …

عن قتادة، عن شهر بن حوشب وابى مِخْنَفٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ عَبَّاسِ بْنِ سَهْلٍ وَمُبَارَكُ بْنُ فَضَالَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَيُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ الأَوْدِيِّ، أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّاب لَمَّا طُعِنَ قِيلَ لَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوِ اسْتَخْلَفْتَ! قَالَ: مَنْ أَسْتَخْلِفُ؟ لَوْ كَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ حَيًّا اسْتَخْلَفْتُهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي قُلْتُ: سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُولُ: إِنَّهُ أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةُ، وَلَوْ كَانَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ حَيًّا اسْتَخْلَفْتُهُ، فَإِنْ سَأَلَنِي رَبِّي قُلْتُ: سَمِعْتُ نَبِيَّكَ يَقُولُ: إِنَّ سَالِمًا شَدِيدُ الْحُبِّ لِلَّهِ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: أَدُلُّكَ عَلَيْهِ؟ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَقَالَ: قَاتَلَكَ اللَّهُ، وَاللَّهِ مَا أَرَدْتَ اللَّهَ بِهَذَا، وَيْحَكَ! كَيْفَ أَسْتَخْلِفُ رَجُلا عَجَزَ عَنْ طَلاقِ امْرَأَتِهِ! لا أَرَبَ لَنَا فِي أُمُورِكُمْ، مَا حَمِدْتُهَا فَأَرْغَبُ فِيهَا لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، إِنْ كَانَ خَيْرًا فَقَدْ أَصَبْنَا منه، وان كان شرا فشرعنا آل عُمَرَ، بِحَسْبِ آلِ عُمَرَ أَنْ يُحَاسَبَ مِنْهُمْ رَجُلٌ وَاحِدٌ، وَيُسْأَلَ عَنْ أَمْرِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، أَمَا لَقَدْ جَهِدْتُ نَفْسِي، وَحَرَّمْتُ أَهْلِي، وَإِنْ نَجَوْتُ كَفَافًا لا وِزْرَ وَلا أَجْرَ إِنِّي لَسَعِيدٌ، وَانْظُرْ فَإِنِ اسْتَخْلَفْتُ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَإِنْ أَتْرُكُ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي، وَلَنْ يُضَيِّعَ اللَّهُ دِينَهُ فَخَرَجُوا ثُمَّ رَاحُوا، فَقَالُوا: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ عَهِدْتَ عَهْدًا! فَقَالَ: قَدْ كُنْتُ أَجْمَعْتُ بَعْدُ مَقَالَتِي لَكُمْ أَنْ أَنْظُرَ فَأُوَلِّيَ رَجُلا أَمْرَكُمْ، هُوَ أَحْرَاكُمْ أَنْ يَحْمِلَكُمْ عَلَى الْحَقِّ- وَأَشَارَ إِلَى عَلِيٍّ- وَرَهَقَتْنِي غَشْيَةٌ، فَرَأَيْتُ رَجُلا دَخَلَ جَنَّةً قَدْ غَرَسَهَا، فَجَعَلَ يَقْطِفُ كُلَّ غَضَّةٍ وَيَانِعَةٍ فَيَضُمُّهُ إِلَيْهِ وَيُصَيِّرُهُ تَحْتَهُ، فَعَلِمْتُ أَنَّ اللَّهَ غَالِبٌ أَمْرَهُ، وَمُتَوَفٍّ عُمَرَ، فَمَا أُرِيدُ أَنْ أَتَحَمَّلَهَا حَيًّا وَمَيِّتًا، عَلَيْكُمْ هؤلاء الرهط الذين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ» سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ مِنْهُمْ، وَلَسْتُ مُدْخِلَهُ، وَلَكِنِ السِّتَّةُ: عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ ابْنَا عَبْدِ مَنَافٍ، وعبد الرحمن وسعد خالا رسول الله صلى الله عليه وسلم، والزبير بن العوام حوارى رسول الله صلى الله عليه وسلم وَابْنُ عَمَّتِهِ، وَطَلْحَةُ الْخَيْرِ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَلْيَخْتَارُوا مِنْهُمْ رَجُلا، فَإِذَا وَلُّوا وَالِيًا فَأَحْسِنُوا مُؤَازَرَتَهُ وَأَعِينُوهُ، إِنِ ائْتَمَنَ أَحَدًا مِنْكُمْ فَلْيُؤَدِّ إِلَيْهِ أَمَانَتَهُ وَخَرَجُوا، فَقَالَ الْعَبَّاسُ لِعَلِيٍّ: لا تَدْخُلْ مَعَهُمْ، قَالَ: أَكْرَهُ الْخِلافَ، قَالَ: إِذًا تَرَى مَا تَكْرَهُ! فَلَمَّا أَصْبَحَ عُمَرُ دَعَا عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ، فَقَالَ: إِنِّي نَظَرْتُ فَوَجَدْتُكُمْ رُؤَسَاءَ النَّاسِ وَقَادَتَهُمْ، وَلا يَكُونُ هَذَا الأَمْرُ الا فيكم، وقد قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وَهُوَ عَنْكُمْ رَاضٍ، إِنِّي لا أَخَافُ النَّاسَ عَلَيْكُمْ إِنِ اسْتَقَمْتُمْ، وَلَكِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمُ اخْتِلافَكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ، فَيَخْتَلِفَ النَّاسُ، فَانْهَضُوا إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ بِإِذْنٍ مِنْهَا، فَتَشَاوَرُوا وَاخْتَارُوا رَجُلا مِنْكُمْ ثُمَّ قَالَ: لا تَدْخُلُوا حُجْرَةَ عَائِشَةَ، وَلَكِنْ كُونُوا قَرِيبًا، وَوَضَعَ رَأْسَهُ وَقَدْ نَزَفَهُ الدَّمُ.
فَدَخَلُوا فَتَنَاجَوْا، ثُمَّ ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَمُتْ بَعْدُ، فَأَسْمَعَهُ فَانْتَبَهَ فَقَالَ: أَلا أَعْرِضُوا عَنْ هَذَا أَجْمَعُونَ، فَإِذَا مِتُّ فَتَشَاوَرُوا ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَلِيُصَلِّ بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ، وَلا يَأْتِيَنَّ الْيَوْمُ الرَّابِعُ إِلا وعليكم أميرا مِنْكُمْ، وَيَحْضُرُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مُشِيرًا، وَلا شَيْءَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ، وَطَلْحَةُ شَرِيكُكُمْ فِي الأَمْرِ، فَإِنْ قَدِمَ فِي الأَيَّامِ الثَّلاثَةِ فَأَحْضِرُوهُ أَمْرَكُمْ، وَإِنْ مَضَتِ الأَيَّامُ الثَّلاثَةُ قَبْلَ قُدُومِهِ فَاقْضُوا أَمْرَكُمْ، وَمَنْ لِي بِطَلْحَةَ؟ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: أَنَا لَكَ بِهِ، وَلا يُخَالِفُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَقَالَ عُمَرُ: أَرْجُو أَلا يُخَالِفَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَمَا أَظُنُّ أَنْ يَلِيَ إِلا أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: عَلِيٌّ أَوْ عُثْمَانُ، فَإِنْ وُلِّيَ عُثْمَانُ فَرَجُلٌ فِيهِ لِينٌ، وَإِنْ وُلِّيَ عَلِيٌّ فَفِيهِ دُعَابَةٌ، وَأَحَرَّ بِهِ أَنْ يَحْمِلَهُمْ عَلَى طَرِيقِ الْحَقِّ، وَإِنْ تُوَلُّوا سَعْدًا فَأَهْلُهَا هُوَ، وَإِلا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ الْوَالِي، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ خِيَانَةٍ وَلا ضَعْفٍ، وَنِعْمَ ذُو الرَّأْيِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ! مُسَّدَدٌ رَشِيدٌ، لَهُ مِنَ اللَّهِ حَافِظٌ، فَاسْمَعُوا مِنْهُ.
وَقَالَ لأَبِي طَلْحَةَ الأَنْصَارِيِّ: يَا أَبَا طَلْحَةَ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ طَالَمَا أَعَزَّ الإِسْلامَ بِكُمْ، فَاخْتَرْ خَمْسِينَ رَجُلا مِنَ الأَنْصَارِ، فَاسْتَحِثَّ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ حَتَّى يَخْتَارُوا رَجُلا مِنْهُمْ وَقَالَ لِلْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ: إِذَا وَضَعْتُمُونِي فِي حُفْرَتِي فَاجْمَعْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ فِي بَيْتٍ حَتَّى يَخْتَارُوا رَجُلا مِنْهُمْ، وَقَالَ لِصُهَيْبٍ:
صَلِّ بِالنَّاسِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَأَدْخِلْ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَطَلْحَةَ إِنْ قَدِمَ، وَأَحْضِرْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَلا شَيْءَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ، وَقُمْ عَلَى رُءُوسِهِمْ، فَإِنِ اجْتَمَعَ خَمْسَةٌ وَرَضُوا رَجُلا وَأَبَى وَاحِدٌ فَاشْدَخْ رَأْسَهُ- أَوِ اضْرِبْ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ- وَإِنِ اتَّفَقَ أَرْبَعَةٌ فَرَضُوا رَجُلا مِنْهُمْ وَأَبَى اثْنَانِ، فَاضْرِبْ رُءُوسَهُمَا، فَإِنْ رَضِيَ ثَلاثَةٌ رَجُلا مِنْهُمْ وَثَلاثَةٌ رَجُلا مِنْهُمْ، فَحَكِّمُوا عَبْدَ اللَّهِ ابن عُمَرَ، فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ حَكَمَ لَهُ فَلْيَخْتَارُوا رَجُلا مِنْهُمْ، فَإِنْ لَمْ يَرْضَوْا بِحُكْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَاقْتُلُوا الْبَاقِينَ إِنْ رَغِبُوا عَمَّا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ النَّاسُ.
فَخَرَجُوا، فَقَالَ عَلِيٌّ لِقَوْمٍ كَانُوا مَعَهُ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ: إِنْ أُطِيعُ فِيكُمْ قَوْمَكُمْ لَمْ تُؤَمَّرُوا أَبَدًا وَتَلَقَّاهُ الْعَبَّاسُ، فَقَالَ: عَدَلْتَ عَنَّا! فَقَالَ: وَمَا عِلْمُكَ؟ قَالَ: قَرَنَ بِي عُثْمَانَ، وَقَالَ: كُونُوا مَعَ الأَكْثَرِ، فَإِنْ رَضِيَ رَجُلانِ رَجُلا، وَرَجُلانِ رَجُلا فَكُونُوا مَعَ الَّذِينَ فِيهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، فَسَعْدٌ لا يُخَالِفُ ابْنَ عَمِّهِ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ صِهْرُ عُثْمَانَ، لا يَخْتَلِفُونَ، فَيُوَلِّيهَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عُثْمَانَ، أَوْ يُوَلِّيهَا عُثْمَانُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ، فَلَوْ كَانَ الآخَرَانِ مَعِي لَمْ ينفعانى، بله إِنِّي لا أَرْجُو إِلا أَحَدَهُمَا فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: لَمْ أَرْفَعْكَ فِي شَيْءٍ إِلا رَجَعْتَ إِلَيَّ مُسْتَأْخِرًا بِمَا أَكْرَهُ، أَشَرْتُ عَلَيْكَ عِنْدَ وفاه رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنْ تَسْأَلَهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ، فَأَبَيْتَ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ بَعْدَ وَفَاتِهِ أَنْ تُعَاجِلَ الأَمْرَ فَأَبَيْتَ، وَأَشَرْتُ عَلَيْكَ حِينَ سَمَّاكَ عُمَرُ فِي الشُّورَى أَلا تَدْخُلَ مَعَهُمْ فَأَبَيْتَ، احْفَظْ عَنِّي وَاحِدَةً، كُلَّمَا عَرَضَ عَلَيْكَ الْقَوْمُ، فَقُلْ: لا، إِلا أَنْ يُوَلُّوكَ، وَاحْذَرْ هَؤُلاءِ الرَّهْطَ، فَإِنَّهُمْ لا يَبْرَحُونَ يَدْفَعُونَنَا عَنْ هَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقُومَ لَنَا بِهِ غَيْرُنَا، وَايْمُ اللَّهِ لا يَنَالُهُ إِلا بِشَرٍّ لا يَنْفَعُ مَعَهُ خَيْرٌ فَقَالَ عَلِيٌّ: أَمَا لَئِنْ بَقِيَ عُثْمَانُ لأُذَكِّرَنَّهُ مَا أَتَى وَلَئِنْ مَاتَ لَيَتَدَاوَلُنَّهَا بَيْنَهُمْ، وَلَئِنْ فَعَلُوا لَيَجِدُنِّي حَيْثُ يَكْرَهُونَ، ثُمَّ تَمَثَّلَ:

حَلَفْتُ بِرَبِّ الرَّاقِصَاتِ عَشِيَّةً*** غَدَوْنَ خِفَافًا فَابْتَدَرْنَ الْمُحَصَّبَا
لِيَخْتَلِيَنَّ رَهَطُ ابْنِ يَعْمُرَ مَارِئَا *** نَجِيعًا بَنُو الشَّدَّاخِ وِرْدًا مُصَلَّبَا

وَالْتَفَتَ فَرَأَى أَبَا طَلْحَةَ فَكَرِهَ مَكَانَهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: لم ترع أَبَا الْحَسَنِ فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ وَأُخْرِجَتْ جِنَازَتُهُ، تَصَدَّى عَلِيٌّ وَعُثْمَانُ: أَيُّهُمَا يُصَلِّي عَلَيْهِ، فَقَالَ عَبْدُ الرحمن: كلا كما يُحِبُّ الإِمْرَةَ، لَسْتُمَا مِنْ هَذَا فِي شَيْءٍ، هَذَا إِلَى صُهَيْبٍ، اسْتَخْلَفَهُ عُمَرُ، يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثَلاثًا حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ عَلَى إِمَامٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ صُهَيْبٌ، فَلَمَّا دُفِنَ عُمَرُ جَمَعَ الْمِقْدَادُ أَهْلَ الشُّورَى فِي بَيْتِ الْمُسَوَّرِ بْنِ مَخْرَمَةَ- وَيُقَالُ فِي بَيْتِ الْمَالِ، وَيُقَالُ فِي حُجْرَةِ عَائِشَةَ بِإِذْنِهَا- وَهُمْ خَمْسَةٌ، مَعَهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَطَلْحَةُ غَائِبٌ، وَأَمَرُوا أَبَا طَلْحَةَ أَنْ يَحْجِبَهُمْ، وَجَاءَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَالْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَجَلَسَا بِالْبَابِ، فَحَصَبَهُمَا سَعْدٌ وَأَقَامَهُمَا، وَقَالَ: تُرِيدَانِ أَنْ تَقُولا: حَضَرْنَا وَكُنَّا فِي أَهْلِ الشُّورَى! فَتَنَافَسَ الْقَومُ فِي الأَمْرِ، وَكَثُرَ بَيْنَهُمُ الْكَلامُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا كُنْتُ لأَنْ تَدْفَعُوهَا أَخْوَفُ مِنِّي لأَنْ تَنَافَسُوهَا! لا وَالَّذِي ذَهَبَ بِنَفْسِ عُمَرَ، لا أُزِيدَكُمْ عَلَى الأَيَّامِ الثَّلاثَةِ الَّتِي أُمِرْتُمْ، ثُمَّ أَجْلِس فِي بَيْتِي، فَأَنْظُر مَا تَصْنَعُونَ! فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يُخْرِجُ مِنْهَا نَفْسَهُ وَيَتَقَلَّدُهَا عَلَى أَنْ يُوَلِّيَهَا أَفْضَلَكُمْ؟
فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ: فَأَنَا أَنْخَلِعُ مِنْهَا، فَقَالَ عُثْمَانُ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ رضى، فانى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «أَمِينٌ فِي الأَرْضِ أَمِينٌ فِي السَّمَاءِ» فَقَالَ الْقَوْمُ: قَدْ رَضِينَا- وَعَلِيٌّ سَاكِتٌ-فَقَالَ: مَا تَقُولُ يَا أَبَا الْحَسَنِ؟ قَالَ: أَعْطِنِي مَوْثِقًا لَتُؤْثِرُنَّ الْحَقَّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى، وَلا تخص ذا رحم، ولا تالوا الأُمَّةَ! فَقَالَ: أَعْطُونِي مَوَاثِيقَكُمْ عَلَى أَنْ تَكُونُوا مَعِي عَلَى مَنْ بَدَّلَ وَغَيَّرَ، وَأَنْ تَرْضَوْا مَنِ اخْتَرْتُ لَكُمْ، عَلَيَّ مِيثَاقُ اللَّهِ أَلا أَخُصَّ ذَا رَحِمٍ لِرَحِمِهِ، وَلا آلُو الْمُسْلِمِينَ فَأَخَذَ مِنْهُمْ مِيثَاقًا وَأَعْطَاهُمْ مِثْلَهُ، فَقَالَ لِعَلِيٍّ، إِنَّكَ تَقُولُ: إِنِّي أَحَقُّ مَنْ حَضَرَ بِالأَمْرِ لِقَرَابَتِكَ وَسَابِقَتِكَ وَحُسْنِ أَثَرِكَ فِي الدِّينِ وَلَمْ تُبْعَدْ، وَلَكِنْ أَرَأَيْتَ لَوْ صُرِفَ هَذَا الأَمْرُ عَنْكَ فَلَمْ تَحْضُرْ، مَنْ كُنْتَ تَرَى مِنْ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ أَحَقَّ بِالأَمْرِ؟ قَالَ: عُثْمَانُ وَخَلا بِعُثْمَانَ، فَقَالَ: تَقُولُ: شَيْخٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ مناف، وصهر رسول الله صلى الله عليه وسلم وَابْنُ عَمِّهِ، لِي سَابِقَةٌ وَفَضْلٌ- لَمْ تُبْعَدْ- فَلَنْ يُصْرَفْ هَذَا الأَمْرُ عَنِّي، وَلَكِنْ لَوْ لَمْ تَحْضُرْ فَأَيُّ هَؤُلاءِ الرَّهْطِ تَرَاهُ أَحَقَّ بِهِ؟ قَالَ: عَلِيٌّ ثُمَّ خَلا بِالزُّبَيْرِ، فَكَلَّمَهُ بِمِثْلِ مَا كَلَّمَ بِهِ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ، فَقَالَ: عُثْمَانُ ثُمَّ خَلا بِسَعْدٍ، فَكَلَّمَهُ، فَقَالَ: عُثْمَانُ فَلَقِيَ عَلِيٌّ سَعْدًا، فَقَالَ: {وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِي تَسَآءَلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً} [النساء: 1] ، أَسْأَلُكَ بِرَحِمِ ابْنِي هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَبِرَحِمِ عَمِّي حَمْزَةَ مِنْكَ أَلا تَكُونَ مَعَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لِعُثْمَانَ ظَهِيرًا عَلَيَّ، فَإِنِّي أُدْلِي بِمَا لا يُدْلِي بِهِ عُثْمَانُ وَدَارَ عَبْدُ الرحمن لياليه يلقى اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وَمَنْ وَافَى الْمَدِينَةَ مِنْ أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ وَأَشْرَافِ النَّاسِ، يُشَاوِرُهُمْ، وَلا يَخْلُو بِرَجُلٍ إِلا أَمَرَهُ بِعُثْمَانَ، حَتَّى إِذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتِي يَسْتَكْمِلُ فِي صَبِيحَتِهَا الأَجَلُ، أَتَى مَنْزِلَ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ بَعْدَ ابْهِيرَارٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَأَيْقَظَهُ فَقَالَ: أَلا أَرَاكَ نَائِمًا وَلَمْ أَذُقْ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ كَثِيرَ غَمْضٍ! انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وَسَعْدًا.
فَدَعَاهُمَا فَبَدَأَ بِالزُّبَيْرِ فِي مُؤَخِّرِ الْمَسْجِدِ فِي الصُّفَّةِ الَّتِي تَلِي دَارَ مَرْوَانَ، فَقَالَ لَهُ: خَلِّ ابْنَيْ عَبْدِ مَنَافٍ وَهَذَا الأَمْرِ، قَالَ: نَصِيبِي لِعَلِيٍّ، وَقَالَ لِسَعْدٍ: أَنَا وَأَنْتَ كَلالَةٌ، فَاجْعَلْ نَصِيبُكَ لِي فَأَخْتَارُ، قَالَ: إِنِ اخْتَرْتَ نَفْسَكَ فَنَعَمْ، وَإِنِ اخْتَرْتَ عُثْمَانَ فَعَلِيٌّ أَحَبُّ إِلَيَّ، أَيُّهَا الرَّجُلُ بَايِعْ لِنَفْسِكَ وَأَرِحْنَا، وَارْفَعْ رُءُوسَنَا، قَالَ: يَا أَبَا إِسْحَاقَ، إِنِّي قَدْ خَلَعْتُ نَفْسِي مِنْهَا عَلَى أَنْ أَخْتَارُ، وَلَوْ لَمْ أَفْعَلْ وَجُعِلَ الْخِيَارُ إِلَيَّ لَمْ أَرُدَّهَا، إِنِّي أُرِيتُ كَرَوْضَةٍ خَضْرَاءَ كَثِيرَةِ الْعُشْبِ، فَدَخَلَ فَحْلٌ فَلَمْ أَرَ فَحْلا قَطُّ أَكْرَمَ مِنْهُ، فَمَرَّ كَأَنَّهُ سَهْمٌ لا يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ مِمَّا فِي الرَّوْضَةِ حَتَّى قَطَعَهَا، لَمْ يُعَرِّجْ وَدَخَلَ بَعِيرٌ يَتْلُوهُ فَاتَّبَعَ أَثَرَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنَ الرَّوْضَةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَحْلٌ عَبْقَرِيٌّ يَجُرُّ خِطَامَهُ، يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالا وَيَمْضِي قَصْدَ الأَوَّلِينَ حَتَّى خَرَجَ، ثُمَّ دَخَلَ بَعِيرٌ رَابِعٌ فَرَتَعَ فِي الرَّوْضَةِ، وَلا وَاللَّهِ لا أَكُونُ الرَّابِعَ، وَلا يَقُومُ مَقَامَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ بَعْدَهُمَا أَحَدٌ فَيَرْضَى النَّاسُ عَنْهُ قَالَ سَعْدٌ: فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ الضَّعْفُ قَدْ أَدْرَكَكَ، فَامْضِ لِرَأْيِكَ، فَقَدْ عَرَفْتَ عَهْدَ عُمَرَ.

وَانْصَرَفَ الزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ، وَأَرْسَلَ الْمُسَوَّرَ بْنَ مَخْرَمَةَ إِلَى عَلِيٍّ، فَنَاجَاهُ طَوِيلا، وَهُوَ لا يَشُكُّ أَنَّهُ صَاحِبُ الأَمْرِ، ثُمَّ نَهَضَ، وَأَرْسَلَ الْمُسَوَّرَ إِلَى عُثْمَانَ فَكَانَ فِي نَجِيِّهِمَا، حَتَّى فَرَقَ بَيْنَهُمَا أَذَانُ الصُّبْحِ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ: قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: يَا عَمْرُو، مَنْ أَخْبَرَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا كَلَّمَ بِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَلِيًّا وَعُثْمَانَ فَقَدْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَوَقَعَ قَضَاءُ رَبِّكَ عَلَى عُثْمَانَ فَلَمَّا صَلَّوُا الصُّبْحَ جَمَعَ الرَّهْطَ، وبَعَثَ إِلَى مَنْ حَضَرَهُ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَأَهْلِ السَّابِقَةِ وَالْفَضْلِ مِنَ الأَنْصَارِ، وَإِلَى أُمَرَاءِ الأَجْنَادِ، فَاجْتَمَعُوا حَتَّى الْتَجَّ الْمَسْجِدُ بِأَهْلِهِ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ النَّاسَ قَدْ أَحَبُّوا أَنْ يَلْحَقَ أَهْلُ الأَمْصَارِ بِأَمْصَارِهِمْ وَقَدْ عَلِمُوا مَنْ أَمِيرُهُمْ فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ: إِنَّا نَرَاكَ لَهَا أَهْلا، فَقَالَ: أَشِيرُوا عَلَيَّ بِغَيْرِ هَذَا، فَقَالَ عَمَّارٌ: إِنْ أَرَدْتَ أَلا يَخْتَلِفَ الْمُسْلِمُونَ فَبَايِعْ عَلِيًّا فَقَالَ الْمِقْدَادُ بْنُ الأَسْوَدِ: صَدَقَ عَمَّارٌ، ان إِنْ بَايَعْتَ عَلِيًّا قُلْنَا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا قَالَ ابْنُ أَبِي سَرْحٍ: إِنْ أَرَدْتَ أَلا تَخْتَلِفَ قُرَيْشٌ فَبَايِعْ عُثْمَانَ.
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ: صَدَقَ، إِنْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ قُلْنَا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا.
فَشَتَمَ عَمَّارٌ ابْنَ أَبِي سَرْحٍ، وَقَالَ: مَتَّى كُنْتَ تَنْصَحُ الْمُسْلِمِينَ! فَتَكَلَّمَ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو أُمَيَّةَ، فَقَالَ عَمَّارٌ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ، وَأَعَّزَنَا بِدِينِهِ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ هَذَا الأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ! فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بنى مخزوم: لقد عدوت طورك يا بن سُمَيَّةَ، وَمَا أَنْتَ وَتَأْمِيرُ قُرَيْشٍ لأَنْفُسِهَا! فَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، افْرُغْ قَبْلَ أَنْ يُفْتَتَنَ النَّاسُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ، فَلا تَجْعَلَنَّ أَيُّهَا الرَّهْطُ عَلَى أَنْفُسِكُمْ سَبِيلا وَدَعَا عَلِيًّا، فَقَالَ: عَلَيْكَ عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَسِيرَةِ الْخَلِيفَتَيْنِ مِنْ بَعْدِهِ؟ قَالَ: أَرْجُو أَنْ أَفْعَلَ وَأَعْمَلَ بِمَبْلِغِ عِلْمِي وَطَاقَتِي، وَدَعَا عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِعَلِيٍّ، قَالَ:
نَعَمْ، فَبَايَعَهُ، [فَقَالَ عَلِيٌّ: حَبَوْتَهُ حَبْوَ دَهْرٍ، لَيْسَ هَذَا أَوَّلَ يَوْمٍ تَظَاهَرْتُمْ فِيهِ عَلَيْنَا،{فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَٱللَّهُ ٱلْمُسْتَعَانُ عَلَىٰ مَا تَصِفُونَ} [يوسف: 18]، وَاللَّهِ مَا وَلَّيْتَ عُثْمَانَ إِلا لِيُرَّدَ الأَمْرَ إِلَيْكَ، وَاللَّهِ {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29] فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: يَا عَلِيُّ لا تَجْعَلْ عَلَى نَفْسِكَ سَبِيلا، فَإِنِّي قَدْ نَظَرْتُ وَشَاوَرْتُ النَّاسَ، فَإِذَا هُمْ لا  يَعْدِلُونَ بِعُثْمَانَ فَخَرَجَ عَلِيٌّ وَهُوَ يَقُولُ: سَيَبْلُغُ الْكِتَابُ أَجَلَهُ فَقَالَ الْمِقْدَادُ: يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ، أَمَا وَاللَّهِ لَقَدْ تَرَكْتَهُ مِنَ الَّذِينَ يَقْضُونَ {بِٱلْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ} [الأعراف: 159] فَقَالَ: يَا مِقْدَادُ، وَاللَّهِ لَقَدِ اجْتَهَدْتُ لِلْمُسْلِمِينَ، قَالَ: إِنْ كُنْتَ أَرَدْتَ بِذَلِكَ اللَّهَ فَأَثَابَكَ اللَّهُ ثَوَابَ الْمُحْسِنِينَ فَقَالَ الْمِقْدَادُ: مَا رَأَيْتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ إِلَى أَهْلِ هَذَا الْبَيْتِ بَعْدَ نَبِيِّهِمْ إِنِّي لأَعْجَبُ مِنْ قُرَيْشٍ أَنَّهُمْ تَرَكُوا رَجُلا مَا أَقُولُ إِنَّ أَحَدًا أَعْلَمَ وَلا أَقْضَى مِنْهُ بِالْعَدْلِ، أَمَا وَاللَّهِ لَوْ أَجِدُ عَلَيْهِ أَعْوَانًا! فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
يَا مِقْدَادُ، اتَّقِ اللَّهَ، فَإِنِّي خَائِفٌ عَلَيْكَ الْفِتْنَةَ، فَقَالَ رَجُلٌ لِلْمِقْدَادِ: رَحِمَكَ اللَّهُ! مَنْ أَهْلُ هَذَا الْبَيْتِ وَمَنْ هَذَا الرَّجُلُ؟ قَالَ: أَهْلُ الْبَيْتِ بَنُو عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالرَّجُلُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ عَلِيٌّ: إِنَّ النَّاسَ يَنْظُرُونَ إِلَى قُرَيْشٍ، وَقُرَيْشٌ تَنْظُرُ إِلَى بَيْتِهَا فَتَقُولُ: إِنْ وُلِّيَ عَلَيْكُمْ بَنُو هَاشِمٍ لَمْ تَخْرُجْ مِنْهُمْ أَبَدًا، وَمَا كَانَتْ فِي غَيْرِهِمْ مِنْ قُرَيْشٍ تَدَاوَلْتُمُوهَا بَيْنَكُمْ] وَقَدِمَ طَلْحَةُ فِي الْيَوْمِ الذى بويع فِيهِ لِعُثْمَانَ، فَقِيلَ لَهُ: بَايِعْ عُثْمَانَ، فَقَالَ: أَكُلُّ قُرَيْشٍ رَاضٍ بِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَتَى عُثْمَانَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: أَنْتَ عَلَى رَأْسِ أَمْرِكَ، إِنْ أَبَيْتَ رَدَدْتُهَا، قَالَ: أَتَرُدُّهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَكُلُّ النَّاسِ بَايَعُوكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قال: قد رضيت، لا ارغب عَمَّا قَدْ أَجْمَعُوا عَلَيْهِ، وَبَايَعَهُ.
وَقَالَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، قَدْ أَصَبْتَ إِذْ بَايَعْتَ عُثْمَانَ! وَقَالَ لِعُثْمَانَ: لَوْ بَايَعَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ غَيْرَكَ مَا رَضِينَا، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: كَذَبْتَ يَا أَعْوَرُ، لَوْ بَايَعْتُ غَيْرَهُ لَبَايَعْتَهُ، وَلَقُلْتَ هَذِهِ الْمَقَالَةَ.
وَقَالَ الْفَرَزْدَقُ،

صَلَّى صُهَيْبٌ ثَلاثًا ثُمَّ أَرْسَلَهَا *** عَلَى ابْنِ عَفَّانَ مُلْكًا غَيْرَ مَقْصُورِ
خِلافَةً مِنْ أَبِي بِكْرٍ لِصَاحِبِهِ ***كَانُوا أَخِلاءَ مَهْدِيٍّ وَمَأْمُورِ

وَكَانَ الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ يَقُولُ: مَا رَأَيْتُ رَجُلا بَذَّ قَوْمًا فِيمَا دَخَلُوا فِيهِ بِأَشَدَّ مِمَّا بَذَّهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ.
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَأَمَّا الْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ، فَإِنَّ الرِّوَايَةَ عِنْدَنَا عَنْهُ مَا حَدَّثَنِي سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ أَبُو السَّائِبِ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عبد العزيز ابن أَبِي ثَابِتِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَعْفَرٍ، عَنْ أبيه، عن المسور بن مخرمة- وكانت أمه عَاتِكَةَ ابْنَةَ عَوْفٍ- فِي الْخَبَرِ الَّذِي قَدْ مَضَى ذِكْرِي أَوَّلَهُ فِي مَقْتَلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: وَنَزَلَ فِي قَبْرِهِ- يَعْنِي فِي قَبْرِ عُمَرَ- الْخَمْسَة، يَعْنِي أَهْلَ الشُّورَى قَالَ: ثُمَّ خَرَجُوا يُرِيدُونَ بُيُوتَهُمْ، فَنَادَاهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: إِلَى أَيْنَ؟ هَلُمُّوا! فَتِبِعُوهُ، وَخَرَجَ حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ فَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ الْفِهْرِيَّةِ، أُخْتِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ الْفِهْرِيِّ-  قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: بَلْ كَانَتْ زَوْجَتَهُ، وَكَانَتْ نَجُودًا، يُرِيدُ ذَاتَ رَأْيٍ- قَالَ: فَبَدَأَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِالْكَلامِ، فَقَالَ: يَا هَؤُلاءِ، إِنَّ عِنْدِي رَأْيًا، وَإِنَّ لَكُمْ نَظَرًا، فَاسْمَعُوا تَعْلَمُوا، وَأَجِيبُوا تَفْقَهُوا، فَإِنَّ حَابِيًا خَيْرٌ مِنْ زَاهِقٍ، وَإِنَّ جَرْعَةً مِنْ شَرُوبٍ بَارِدٍ أَنْفَعُ مِنْ عَذَبٍ مُوبٍ، أَنْتُمْ أَئِمَةٌ يُهْتَدَى بِكُمْ، وَعُلَمَاءُ يُصْدَرُ إِلَيْكُمْ، فَلا تَفُلُّوا الْمَدَى بِالاخْتِلافِ بَيْنَكُمْ، وَلا تَغْمِدُوا السُّيُوفَ عَنْ أَعْدَائِكُمْ، فَتُوتِرُوا ثَأْرَكُمْ، وَتُؤْلِتُوا أَعْمَالَكُمْ، لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ، وَلِكُلِّ بَيْتٍ إِمَامٌ بِأَمْرِهِ يَقُومُونَ، وَبِنَهْيِهِ يَرْعَوْنَ. قَلِّدُوا أَمْرَكُمْ وَاحِدًا مِنْكُمْ تَمْشُوا الْهُوَيْنَى وَتَلْحَقُوا الطَّلَبَ، لَوْلا فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ، وَضَلالَةٌ حَيْرَاءُ، يَقُولُ أَهْلُهَا مَا يَرَوْنَ، وَتَحِلُّهُمُ الْحَبَوْكَرَى مَا عَدَتْ نِيَّاتُكُمْ مَعْرِفَتَكُمْ، وَلا أَعْمَالُكُمْ نِيَاتِكُمْ احْذَرُوا نَصِيحَةَ الْهَوَى، وَلِسَانَ الْفُرْقَةِ، فَإِنَّ الْحِيلَةَ فِي الْمَنْطِقِ أَبْلَغُ مِنَ السُّيُوفِ فِي الْكَلِمِ، عَلِّقُوا أَمْرَكُمْ رَحْبَ الذِّرَاعِ فِيمَا حَلَّ، مَأْمُونُ الْغَيْبِ فِيمَا نَزَلَ، رِضًا مِنْكُمْ وَكُلُّكُمْ رِضًا، وَمُقْتَرَعًا مِنْكُمْ وَكُلُّكُمْ مُنْتَهَى، لا تُطِيعُوا مُفْسِدًا يَنْتَصِحُ، وَلا تُخَالِفُوا مُرْشِدًا يَنْتَصِرُ، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.
ثم تكلم عثمان بن عفان، فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي اتَّخَذَ مُحَمَّدًا نَبِيًّا، وَبَعَثَهُ رَسُولا، صَدَقَهُ وَعْدَهُ، وَوَهَبَ لَهُ نَصْرَهُ عَلَى كُلِّ مَنْ بَعُدَ نَسَبًا، أَوْ قَرُبَ رَحِمًا، صلى الله عليه وسلم، جَعَلَنَا اللَّهُ لَهُ تَابِعِينَ وَبِأَمْرِهِ مُهْتَدِينَ، فَهُوَ لَنَا نُورٌ، وَنَحْنُ بِأَمْرِهِ نَقُومُ، عِنْدَ تَفَرُّقِ الأَهْوَاءِ، وَمُجَادَلَةِ الأَعْدَاءِ، جَعَلَنَا اللَّهُ بِفَضْلِهِ أَئِمَّةً وَبِطَاعَتِهِ أُمَرَاءَ، لا يَخْرُجُ أَمْرُنَا مِنَّا، وَلا يَدْخُلُ عَلَيْنَا غَيْرُنَا إِلا مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ، ونكل عن القصد، واحر بها يا بن عوف ان تترك، واحذر بِهَا أَنْ تَكُونَ إِنْ خُولِفَ أَمْرُكَ وَتُرِكَ دُعَاؤُكَ، فَأَنَا أَوَّلُ مُجِيبٍ لَكَ، وَدَاعٍ إِلَيْكَ، وَكَفِيلٍ بِمَا أَقُولُ زَعِيمٌ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ.
ثُمَّ تَكَلَّمَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ بَعْدَهُ، فَقَالَ: أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ دَاعِيَ اللَّهِ لا يُجْهَلُ، وَمُجِيبَهُ لا يُخْذَلُ، عِنْدَ تَفَرُّقِ الأَهْوَاءِ وَلَيِّ الأَعْنَاقِ، وَلَنْ يَقْصُرَ عَمَّا قُلْتُ إِلا غوى، وَلَنْ يَتْرُكَ مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ إِلا شَقِيٌّ، لَوْلا حُدُودٌ لِلَّهِ فُرِضَتْ، وَفَرَائِضٌ لِلَّهِ حُدَّتْ، تُرَاحُ عَلَى أَهْلِهَا، وَتَحْيَا لا تَمُوتُ، لَكَانَ الْمَوْتُ مِنَ الإِمَارَةِ نَجَاةً، وَالْفِرَارُ مِنَ الْوِلايَةِ عِصْمَةً، وَلَكِنْ لِلَّهِ عَلَيْنَا إِجَابَةُ الدَّعْوَةِ، وَإِظْهَارُ السُّنَّةِ، لِئَلا نَمُوتَ مِيتَةً عَمِيَّةً، وَلا نَعْمَى عَمَى جَاهِلِيَّةٍ، فَأَنَا مُجِيبُكَ إِلَى مَا دَعَوْتَ، وَمُعِينُكَ عَلَى مَا أَمَرْتَ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ
ثُمَّ تَكَلَّمَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ بَدِيئًا كَانَ، وَآخِرًا يَعُودُ، أَحْمَدُهُ لِمَا نَجَّانِي مِنَ الضَّلالَةِ، وَبَصَّرَنِي مِنَ الْغِوَايَةِ، فَبِهُدَى اللَّهِ فَازَ مَنْ نَجَا، وَبِرَحْمَتِهِ أَفْلَحَ من زكا، وبمحمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم أَنَارَتِ الطُّرُقُ، وَاسْتَقَامَتِ السُّبُلُ، وَظَهَرَ كُلُّ حَقٍّ، وَمَاتَ كُلُّ بَاطِلٍ، إِيَّاكُمْ أَيُّهَا النَّفَرُ وَقَوْلَ الزُّورِ، وَأُمْنِيَةُ أَهْلِ الْغُرُورِ، فَقَدْ سَلَبَتِ الأَمَانِيُّ قَوْمًا قَبْلَكُمْ وَرِثُوا مَا وَرِثْتُمْ، وَنَالُوا مَا نِلْتُمْ، فَاتَّخَذَهُمُ اللَّهُ عَدُوًّا، وَلَعَنَهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا.
قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ٱبْنِ مَرْيَمَ ذٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ} (78) {كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ} [المائدة: 78، 79] إِنِّي نَكَبْتُ قَرْنِي فَأَخَذْتُ سَهْمِي الْفَالِجَ، وَأَخَذْتُ لِطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ مَا ارْتَضَيْتُ لِنَفْسِي، فَأَنَا بِهِ كَفِيلٌ، وَبِمَا أُعْطِيتُ عَنْهُ زَعِيمٌ، والأمر إليك يا بن عَوْفٍ، بِجُهْدِ النَّفْسِ، وَقَصْدِ النُّصْحِ، وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ، وَإِلَيْهِ الرُّجُوعُ، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مُخَالَفَتِكُمْ.
ثُمَّ تَكَلَّمَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا مِنَّا نَبِيًّا، وَبَعَثَهُ إِلَيْنَا رَسُولا، فَنَحْنُ بَيْتُ النُّبُوَّةِ، وَمَعْدِنُ الْحِكْمَةِ، وَأَمَانُ أَهْلِ الأَرْضِ، وَنَجَاةٌ لِمَنْ طَلَبَ، لَنَا حَقٌّ إِنْ نُعْطَهُ نَأْخُذْهُ، وَإِنْ نُمْنَعْهُ نَرْكَبْ أَعْجَازَ الإِبِلِ وَلَوْ طَالَ السرى، لو عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم عَهْدًا لأَنْفَذْنَا عَهْدَهُ، وَلَوْ قَالَ لَنَا قَوْلا لَجَادَلْنَا عَلَيْهِ حَتَّى نَمُوتَ لَنْ يُسْرِعَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَى دَعْوَةِ حَقٍّ وَصِلَةِ رَحِمٍ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ اسْمَعُوا كَلامِي، وَعُوا مَنْطِقِي، عَسَى أَنْ تَرَوْا هَذَا الأَمْرَ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْمَجْمَعِ تُنْتَضَى فِيهِ السُّيُوفُ، وَتُخَانُ فِيهِ الْعُهُودُ، حَتَّى تَكُونُوا جَمَاعَةً، وَيَكُونُ بَعْضُكُمْ أَئِمَةً لأَهْلِ الضَّلالَةِ، وَشِيعَةً لأَهْلِ الْجَهَالَةِ، ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:

فَإِنْ تَكُ جَاسِمٌ هَلَكَتْ فَإِنِّي *** بِمَا فَعَلَتْ بَنُو عَبْدِ بْنِ ضَخْمِ
مُطِيعٌ فِي الْهَوَاجِرِ كُلَّ عِيٍّ***بَصِيرٌ بِالنَّوَى مِنْ كُلِّ نَجْمِ

فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَطِيبُ نَفْسًا أَنْ يُخْرِجَ نَفْسَهُ مِنْ هَذَا الأَمْرِ وَيُوَلِّيَهُ غَيْرَهُ؟ قَالَ: فَأَمْسَكُوا عَنْهُ، قَالَ: فَإِنِّي أُخْرِجُ نَفْسِي وَابْنَ عَمِّي، فَقَلَّدَهُ الْقَوْمُ الأَمْرَ، وَأَحْلَفَهُمْ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَحَلَفُوا لَيُبَايِعَنَّ مَنْ بَايَعَ، وَإِنْ بَايَعَ بِإِحْدَى يَدَيْهِ الأُخْرَى فَأَقَامَ ثَلاثًا فِي دَارِهِ الَّتِي عِنْدَ الْمَسْجِدِ الَّتِي يُقَالُ لَهَا الْيَوْمَ رَحْبَةُ الْقَضَاءِ- وَبِذَلِكَ سُمِّيَتْ رَحْبَةُ الْقَضَاءِ- فَأَقَامَ ثَلاثًا يُصَلِّي بِالنَّاسِ صُهَيْبٌ.
قَالَ: وَبَعَثَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ لَهُ: إِنْ لَمْ أُبَايِعْكَ فَأَشِرْ عَلَيَّ، فَقَالَ: عُثْمَانُ، ثُمَّ بَعَثَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ أُبَايِعْكَ، فَمَنْ تُشِيرُ عَلَيَّ؟ قَالَ: عَلِيٌّ، ثُمَّ قَالَ لَهُمَا: انْصَرِفَا فَدَعَا الزُّبَيْرَ، فَقَالَ: إِنْ لَمْ أُبَايِعْكَ، فَمَنْ تُشِيرُ عَلَيَّ، قَالَ: عُثْمَانُ، ثُمَّ دَعَا سَعْدًا، فَقَالَ: مَنْ تُشِيرُ عَلَيَّ؟ فَأَمَّا أَنَا وَأَنْتَ فَلا نُرِيدُهَا، فَمَنْ تُشِيرُ عَلَيَّ؟ قَالَ: عُثْمَانُ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الثَّالِثَةُ، قَالَ: يَا مِسْوَرُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ، قَالَ: إِنَّكَ لَنَائِمٌ، وَاللَّهِ مَا اكْتَحَلْتُ بِغِمَاضٍ مُنْذُ ثَلاثٍ اذْهَبْ فَادْعُ لِي عَلِيًّا وَعُثْمَانَ، قَالَ: قُلْتُ: يَا خَالُ، بِأَيِّهِمَا أَبْدَأُ؟ قَالَ: بِأَيِّهِمَا شِئْتَ، قَالَ: فَخَرَجْتُ فَأَتَيْتُ عَلِيًّا- وَكَانَ هَوَايَ فِيهِ- فَقُلْتُ: أَجِبْ خَالِي، فَقَالَ: بَعَثَكَ مَعِي إِلَى غَيْرِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: إِلَى مَنْ؟ قُلْتُ: إِلَى عُثْمَانَ، قَالَ: فَأَيُّنَا أَمَرَكَ أَنْ تَبْدَأَ بِهِ؟ قُلْتُ: قَدْ سَأَلْتُهُ فَقَالَ: بِأَيِّهِمَا شِئْتَ، فَبَدَأْتُ بِكَ، وَكَانَ هَوَايَ فِيكَ قَالَ: فَخَرَجَ مَعِي حَتَّى أَتَيْنَا الْمَقَاعِدَ، فَجَلَسَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ، وَدَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ فَوَجَدَتْهُ يُوتِرُ مَعَ الْفَجْرِ، فَقُلْتُ: أَجِبْ خَالِي، فَقَالَ: بَعَثَكَ مَعِي إِلَى غَيْرِي؟ قُلْتُ: نَعَمْ، إِلَى عَلِيٍّ، قَالَ: بِأَيِّنَا أَمَرَكَ أَنْ تَبْدَأَ؟ قُلْتُ: سَأَلْتُهُ فَقَالَ: بِأَيِّهِمَا شِئْتَ، وَهَذَا عَلِيٌّ عَلَى الْمَقَاعِدِ، فَخَرَجَ مَعِي حَتَّى دَخَلْنَا جَمِيعًا عَلَى خَالِي وَهُوَ فِي الْقِبْلَةِ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَانْصَرَفَ لَمَّا رَآنَا، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، فَقَالَ: إِنِّي قَدْ سَأَلْتُ عَنْكُمَا وَعَنْ غَيْرِكُمَا، فَلَمْ أَجِدِ النَّاسَ يَعْدِلُونَ بِكُمَا، هَلْ أَنْتَ يَا عَلِيُّ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ [فَقَالَ: اللَّهُمَّ لا، وَلَكِنْ عَلَى جَهْدِي مِنْ ذَلِكَ وَطَاقَتِي] فَالْتَفَتَ إِلَى عُثْمَانَ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى كَتِفَيْهِ، وَقَالَ: إِذًا شِئْتُمَا! فَنَهَضْنَا حَتَّى دَخَلْنَا الْمَسْجِدَ، وَصَاحَ صَائِحٌ: الصَّلاةُ جَامِعَةٌ- قَالَ عُثْمَانُ: فَتَأَخَّرْتُ وَاللَّهِ حَيَاءً لِمَا رَأَيْتُ مِنْ إِسْرَاعِهِ إِلَى عَلِيٍّ، فَكُنْتُ فِي آخِرِ الْمَسْجِدِ- قَالَ: وَخَرَجَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَعَلَيْهِ عِمَامَتُهُ الَّتِي عَمَّمَهُ بِهَا رسول الله صلى الله عليه وسلم، مُتَقَلِّدًا سَيْفَهُ، حَتَّى رَكِبَ الْمِنْبَرَ، فَوَقَفَ وُقُوفًا طَوِيلا، ثُمَّ دَعَا بِمَا لَمْ يَسْمَعْهُ النَّاسُ.
ثُمَّ تَكَلَّمَ، فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، إِنِّي قَدْ سَأَلْتُكُمْ سِرًّا وَجَهْرًا عَنْ إِمَامِكُمْ، فَلَمْ أَجِدْكُمْ تَعْدِلُونَ بِأَحَدِ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ: إِمَّا عَلِيٌّ وَإِمَّا عُثْمَانُ، فَقُمْ إِلَيَّ يَا عَلِيُّ، فَقَامَ إِلَيْهِ عَلِيٌّ، فَوَقَفَ تَحْتَ الْمِنْبَرِ، فَأَخَذَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِيَدِهِ، فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ:
اللَّهُمَّ لا، وَلَكِنْ عَلَى جَهْدِي مِنْ ذَلِكَ وَطَاقَتِي، قَالَ: فَأَرْسَلَ يَدَهُ ثُمَّ نَادَى:
قُمْ إِلَيَّ يَا عُثْمَانُ، فَأَخَذَ بِيَدِهِ- وَهُوَ فِي مَوْقِفِ عَلِيٍّ الَّذِي كَانَ فِيهِ- فَقَالَ: هَلْ أَنْتَ مُبَايِعِي عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَفِعْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ؟ قَالَ: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى سَقْفِ الْمَسْجِدِ، وَيَدُهُ فِي يَدِ عُثْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اسْمَعْ وَاشْهَدِ، اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ جَعَلْتُ مَا فِي رَقَبَتِي مِنْ ذَاكَ فِي رَقَبَةِ عُثْمَانَ قَالَ: وَازْدَحَمَ النَّاسُ يُبَايِعُونَ عُثْمَانَ حَتَّى غَشَوْهُ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، فَقَعَدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ مَقْعَدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْمِنْبَرِ، وَأَقْعَدَ عُثْمَانَ عَلَى الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَهُ، وَتَلَكَّأَ عَلِيٌّ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ ٱللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً} [الفتح: 10]، فَرَجَعَ عَلِيٌّ يَشُقُّ النَّاسَ، حَتَّى بَايَعَ وَهُوَ يقول: خُدْعَةٌ وَأَيُّمَا خُدْعَةٌ! قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَإِنَّمَا سَبَبُ قَوْلِ عَلِيٍّ: خُدْعَةٌ، أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ كَانَ قَدْ لَقِيَ عَلِيًّا فِي لَيَالِي الشُّورَى، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مُجْتَهِدٌ، وَإِنَّهُ مَتَى أَعْطَيْتَهُ الْعَزِيمَةَ كَانَ أَزْهَدَ لَهُ فِيكَ، وَلَكِنِ الْجَهْدُ وَالطَّاقَةُ، فَإِنَّهُ أَرْغَبُ لَهُ فِيكَ قَالَ: ثُمَّ لَقِيَ عُثْمَانَ، فَقَالَ: إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ رَجُلٌ مُجْتَهِدٌ، وَلَيْسَ وَاللَّهِ يُبَايِعُكَ إِلا بِالْعَزِيمَةِ، فَاقْبَلْ، فَلِذَلِكَ قَالَ عَلِيٌّ: خُدْعَةٌ.
قَالَ: ثُمَّ انْصَرَفَ بِعُثْمَانَ إِلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ، فَجَلَسَ وَالنَّاسُ مَعَهُ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ خَطِيبًا، فَقَالَ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَكَ، وَاللَّهِ مَا كَانَ لَهَا غَيْرُ عُثْمَانَ- وَعَلِيٌّ جَالِسٌ- فَقَالَ عَبْدُ الرحمن: يا بن الدَّبَّاغِ، مَا أَنْتَ وَذَاكَ! وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أُبَايِعُ أَحَدًا إِلا قُلْتَ فِيهِ هَذِهِ الْمَقَالَةَ! قَالَ: ثُمَّ جَلَسَ عُثْمَانُ فِي جَانِبِ الْمَسْجِدِ، ودعا بعبيد اللَّهِ بْنَ عُمَرَ- وَكَانَ مَحْبُوسًا فِي دَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَهُوَ الَّذِي نَزَعَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ بَعْدَ قَتْلِهِ جُفَيْنَةَ وَالْهُرْمُزَانَ وَابْنَةَ أَبِي لُؤْلُؤَةَ، وَكَانَ يَقُولُ: وَاللَّهِ لأَقْتُلَنَّ رِجَالا مِمَّنْ شَرِكَ فِي دَمِ أَبِي- يُعَرِّضُ بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ- فَقَامَ إِلَيْهِ سَعْدٌ، فَنَزَعَ السَّيْفَ مِنْ يَدِهِ، وَجَذَبَ شَعْرَهُ حَتَّى أَضْجَعَهُ إِلَى الأَرْضِ، وَحَبَسَهُ فِي دَارِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ عُثْمَانُ إِلَيْهِ، فَقَالَ عُثْمَانُ لِجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ: أَشِيرُوا عَلَيَّ فِي هَذَا الَّذِي فَتَقَ فِي الإِسْلامِ مَا فَتَقَ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَرَى أَنْ تَقْتُلَهُ، فَقَالَ بَعْضُ الْمُهَاجِرِينَ: قُتِلَ عُمَرُ أَمْسَ وَيُقْتَلُ ابْنُهُ الْيَوْمَ! فَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعْفَاكَ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْحَدَثُ كَانَ وَلَكَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ سُلْطَانٌ، إِنَّمَا كَانَ هَذَا الْحَدَثُ وَلا سُلْطَانَ لَكَ، قَالَ عُثْمَانُ: أَنَا وَلِيُّهُمْ، وَقَدْ جَعَلْتُهَا دِيَةً، وَاحْتَمَلْتُهَا فِي مَالِي.
قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ زِيَادُ بْنُ لَبِيدٍ الْبِيَاضِيُّ إِذَا رَأَى عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عمر، قال:

الا يا عبيد الله مالك مَهْرَبٌ *** وَلا مَلْجَأٌ مِنَ ابْنِ أَرْوَى وَلا خفر
أَصَبْتَ دَمًا وَاللَّهِ فِي غَيْرِ حِلِّهِ *** حَرَامًا وَقَتْلُ الْهُرْمُزَانِ لَهُ خَطَرْ

عَلَى غَيْرِ شَيْءٍ غَيْرَ أَنْ قَالَ قَائِلٌ ***أَتَتَّهِمُونَ الْهُرْمُزَانَ عَلَى عُمَرْ
فَقَالَ سَفِيهٌ- وَالْحَوَادِثُ جَمَّةٌ *** نَعَمْ أَتَّهِمْهُ قَدْ أَشَارَ وَقَدْ أَمَرْ
وَكَانَ سِلاحُ الْعَبْدِ فِي جَوْفِ بَيْتِهِ *** يُقَلِّبُهَا وَالأَمْرُ بِالأَمْرِ يُعْتَبَرْ

قَالَ: فَشَكَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عُثْمَانَ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ وَشِعْرَهُ، فَدَعَا عُثْمَانُ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ، فَنَهَاهُ قَالَ: فَأَنْشَأَ زِيَادٌ يَقُولُ فِي عُثْمَانَ:

أَبَا عَمْرٍو عُبَيْدُ اللَّهِ رَهْنٌ *** فَلا تَشْكُكْ بِقَتْلِ الْهُرْمُزَانِ
فَإِنَّكَ إِنْ غَفَرْتَ الْجُرْمَ عَنْهُ *** وَأَسْبَابُ الْخَطَا فَرَسَا رِهَانِ
أَتَعْفُو إِذْ عَفَوْتَ بِغَيْرِ حَقٍّ *** فَمَا لَكَ بِالَّذِي تَحْكِي يَدَانِ!

فَدَعَا عُثْمَانُ زِيَادَ بْنَ لَبِيدٍ فَنَهَاهُ وَشَذَّبَهُ.
كَتَبَ إِلَيَّ السَّرِيُّ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنْ سَيْفٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ قَالَ غَدَاةَ طُعِنَ عُمَرُ:
مَرَرْتُ عَلَى أَبِي لُؤْلُؤَةَ عَشِيَّ أَمْسِ، وَمَعَهُ جُفَيْنَةُ وَالْهُرْمُزَانُ، وَهُمْ نَجِيٌّ، فَلَمَّا رَهَقَتْهُمْ ثَارُوا، وَسَقَطَ مِنْهُمْ خِنْجَرٌ لَهُ رَأْسَانِ، نِصَابُهُ فِي وَسَطِهِ، فَانْظُرُوا بِأَيِّ شَيْءٍ قُتِلَ، وَقَدْ تَخَلَّلَ أَهْلَ الْمَسْجِدِ، وَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ، فَرَجَعَ إِلَيْهِمُ التَّمِيمِيُّ، وَقَدْ كَانَ أَلَظَّ بِأَبِي لُؤْلُؤَةَ مُنْصَرَفَهُ عَنْ عُمَرَ، حَتَّى اخذه فقتله، وجاء بالخنجر الذى وصفه عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، فَسَمِعَ بِذَلِكَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، فَأَمْسَكَ حَتَّى مَاتَ عُمَرُ، ثُمَّ اشْتَمَلَ عَلَى السَّيْفِ، فَأَتَى الْهُرْمُزَانَ فَقَتَلَهُ، فَلَمَّا عَضَّهُ السَّيْفُ قَالَ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ ثُمَّ مَضَى حَتَّى أَتَى جُفَيْنَةَ- وَكَانَ نَصْرَانِيًّا مِنْ أَهْلِ الْحِيرَةِ ظِئْرًا لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ، أَقْدَمَهُ إِلَى الْمَدِينَةِ لِلصُّلْحِ الَّذِي بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ، وَلِيُعَلِّمَ بِالْمَدِينَةِ الْكِتَابَةَ- فَلَمَّا عَلاهُ بِالسَّيْفِ صُلِبَ بَيْنَ عَيْنَيْهِ وَبَلَغَ ذَلِكَ صُهَيْبًا، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ، فَلَمْ يَزَلْ بِهِ وَعَنْهُ، وَيَقُولُ: السَّيْفُ بِأَبِي وَأُمِّي! حَتَّى نَاوَلَهُ إِيَّاهُ، وَثَاوَرَهُ سَعْدٌ فَأَخَذَ بِشَعْرِهِ، وَجَاءُوا إِلَى صُهَيْبٍ.