رجب 9 هـ
تشرين الاول 630 م
قدوم رسول قيصر على النبي

لقيا التنوخي بحمص

عن سعيد بن أبي راشد، قال: لقيت التنوخي رسول هرقل إلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم بحمص ، وكان جارًا لي شيخاً كبيراً قد بلغ الفند أو قرَبَُ. فقلت: ألا تخبرني عن رسالة هرقل إلى رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم، ورسالة رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم إلى هرقل؟

إرسال دحية إلى هرقل

فقال: بلى. قدم رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم تبوك ، فبعث دحية الكلبي إلى هرقل.

صنيع هرقل

فلما أن جاءه كتاب رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم دعا قسيسي الروم وبطارقتها، ثم أغلق عليه وعليهم الدار. فقال: قد نزل هذا الرجل حيث رأيتم.

موضوع رسالة النبي إلى هرقل

وقد أرسل إليَّ يدعوني إلى ثلاث خصال: يدعوني إلى أن أتبعه على دينه، أو على أن نعطيه مالنا على أرضنا والأرض أرضنا، أو نلقي إليه الحرب.

يعرفونه كما يعرفون أبناءهم

واللهّٰ لقد عرفتم فيما تقرءون من الكتب ليأخذن ما تحت قدمي، فهلم فلنتبعه على دينه، أو نعطه مالنا على أرضنا. فنخروا نخرة رجل واحد حتى خرجوا من برانسهم.

رد القساوسة على هرقل

وقالوا: تدعونا إلى أن نذر النصرانية أو نكون عبيدًا لأعرابي جاء من الحجاز؟

رد هرقل على القساوسة

فلما ظن أنهم إن خرجوا من عنده أفسدوا عليه الروم رفأهم ولم يكد، وقال: إنما قلت ذلك لكم لأعلم صلابتكم على أمركم.

رد هرقل على رسالة النبي صلى اللهّٰ عليه وسلم

ثم دعا رجلاً من عرب تجيب كان على نصارى العرب. قال: ادع لي رجلاً حافظًا للحديث، عربي اللسان، أبعثه إلى هذا الرجل بجواب كتابه.

إرسال التنوخي بالكتاب

فجاء بي، فدفع إليَّ هرقل كتاباً.

وصية هرقل للتنوخي

فقال: اذهب بكتابي إلى هذا الرجل، فما سمعت من حديثه فاحفظ لي منه ثلاث خصال، انظر هل يذكر صحيفته التي كتب إلي بشيء، وانظر إذا قرأ كتابي فهل يذكر الليل، وانظر في ظهره هل به شيء يريبك.

تلقي النبي للكتاب

قال: فانطلقت بكتابه حتى جئت تبوك، فإذا هو جالس بين ظهراني أصحابه محتبياً على الماء.
فقلت: أين صاحبكم؟ قيل: ها هو ذا. فأقبلت أمشي حتى جلست بين يديه فناولته كتابي، فوضعه في حجره.

محادثة النبي للتنوخي

ثم قال: “ممن أنت؟” فقلت: أنا أخو تنوخ. قال: “هل لك إلى الإسلام الحنيفية ملة أبيك إبراهيم؟” قلت: إني رسول قوم وعلى دِين قوم، لا أرجع عنه حتى أرجع إليهم. فضحك وقال: {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِٱلْمُهْتَدِينَ} [القصص: 56].

إخبار التنوخي بأخبار الكتب السابقة

يا أخا تنوخ، إني كتبت بكتاب إلى كسرى فمزقه، واللهّٰ ممزقه وممزق ملكه، وكتبت إلى النجاشي بصحيفة فخرقها واللهّٰ مخرقه ومخرق ملكه، وكتبت إلى صاحبك بصحيفة فأمسكها، فلن يزال الناس يجدون منه بأسًا مادام في العيش خير“.

تحقق واحدة من وصية لهرقل

قلت: هذه إحدى الثلاث التي أوصاني بها صاحبي. فأخذت سهمًا من جعبتي فكتبته في جلد سيفي، ثم إنه ناول الصحيفة رجلاً عن يساره.

معاو ية قارئ الرسالة

قلت: من صاحب كتابكم الذي يقرأ لكم؟ قالوا: معاو ية. فإذا في كتاب صاحبي: تدعوني إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، فأين النار؟

تحقق الثانية من وصية لهرقل

فقال رسول اللهّٰ صلى اللهّٰ عليه وسلم: “سبحان اللهّٰ! أين الليل إذا جاء النهار؟!” قال: فأخذت سهمًا من جعبتي فكتبته في جلد سيفي.

حفاوة النبي الكريم بالتنوخي

فلما أن فرغ من قراءة كتابي، قال: “إن لك حقًّا وإنك رسول، فلو وجدت عندنا جائزة جوزناك بها، إنا سفر مرملون“.

جائزة الرسل

قال: فناداه رجل من طائفة الناس، قال: أنا أجوزه، ففتح رحله، فإذا هو يأتي بحلة صفور ية فوضعها في حجري.
قلت: من صاحب الجائزة؟
قيل لي: عثمان.

ضيافته

ثم قال رسول اللهّٰ: “أيكم ينزل هذا الرجل؟” فقال فتى من الأنصار: أنا. فقام الأنصاري وقمت معه.

تحقق الثالثة من وصية هرقل

حتى إذا خرجت من طائفة المجلس، ناداني رسول اللهّٰ فقال: “تعالَ يا أخا تنوخ“. فأقبلت أهوي إليه حتى كنت قائماً في مجلسي الذي كنت بين يديه، فحل حبوته عن ظهره، وقال: “هاهنا امضِ لما أمرت به“. فجلت في ظهره، فإذا أنا بخاتم في موضع غضون الكتف مثل الحجمة الضخمة.