وكان المحرّك لأهل خيبر على حرب المسلمين وهو سيدهم أبو رافع سلّام ابن أبي الحقيق …
الملقب بتاجر أهل الحجاز لما كان له من المهارة في التجارة، وكان ذا ثروة طائلة يقلّب بها قلوب اليهود كما يريد، فانتدب له عليه الصلاة والسلام من يقتله، فأجاب لذلك خمسة رجال من الخزرج رئيسهم عبد الله بن عتيك ليكون لهم مثل أجر إخوانهم من الأوس الذين قتلوا كعب بن الأشرف، فإن من نعم الله على رسوله أن كان الأوس والخزرج يتفاخرون بما يفعلونه من تنفيذ رغبات رسول الله، فلا تعمل الأوس عملا إلّا اجتهد الخزرج في مثله، فأمرهم الرسول الله بذلك بعد أن وصاهم ألا يقتلوا وليدا ولا امرأة، فساروا حتى أتوا خيبر، فقال عبد الله لأصحابه: مكانكم. فإني منطلق للبواب ومتلطّف له لعلي أدخل، فأقبل حتى دنا من الباب، ثم تقنّع بثوب كأنه يقضي حاجته، وقد دخل الناس، فهتف به البواب: ادخل يا عبد الله إن كنت تريد الدخول، فإنّي أريد أن أغلق الباب، فدخل وكمن حتى نام البوّاب، فأخذ المفاتيح، وفتح ليسهل له الهرب، ثم توجّه إلى بيت أبي رافع، وصار يفتح الأبواب التي توصل إليه، وكلّما فتح بابا أغلقه من داخل حتى انتهى إليه، فإذا هو في بيت مظلم وسط عياله، فلم يمكنه تمييزه، فنادى يا أبا رافع، قال: من؟ فأهوى بالسيف نحو الصوت فلم يغن شيئا، وعند ذلك قالت امرأته: هذا صوت ابن أبي عتيك، فقال لها: ثكلتك أمك وأين ابن أبي عتيك الان؟ فعاد عبد الله للنداء مغيرا صوته قائلا: ما هذا الصوت الذي نسمعه يا أبا رافع؟ قال: لأمّك الويل أن رجلا في البيت ضربني بالسيف، فعمد إليه فضربه أخرى لم تغن شيئا، فتوارى ثم جاءه كالمغيث وغيّر صوته، فوجده مستلقيا على ظهره، فوضع السيف في بطنه، وتحامل عليه حتى سمع صوت العظم ثم خرج من البيت، وكان نظره ضعيفا فوقع من فوق السلم فكسرت رجله، فعصبها بعمامته ثم انطلق إلى أصحابه، وقال: النجاة قتل والله أبو رافع، فانتهوا إلى الرسول، فحدّثوه ثم قال لعبد الله: «أبسط رجلك» فمسحها عليه الصلاة والسلام فكأنه لم يشتكها قط، وعادت أحسن ما كانت. فانظر رعاك الله إلى ما كان عليه المسلمون من استسهال المصاعب ما دامت في ارضاء رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فرضي الله عنهم وأرضاهم.