ذو القعدة 5 هـ
نيسان 627 م
غَزْوَة الخَنْدَق الْمَعْرُوفَة بالأحزاب سنة خمس من الْهِجْرَة

بلغ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذِي الْقعدَة من السّنة الْمَذْكُورَة أَن نَفرا من بني النَّضِير خَرجُوا إِلَى مَكَّة بعد وقعتهم الْمَشْهُورَة …

فألبوا قُريْشًا عَلَيْهِ ودعوهم إِلَى حربه وَالْخُرُوج إِلَيْهِ وثابروا على جمع الْأَحْزَاب وَسعوا فِي تأليف الْأَحَابِيش والأعراب فَأمر بِحَفر خَنْدَق حول الْمَدِينَة بِإِشَارَة من سلمَان وحفر فِيهِ بِيَدِهِ الْكَرِيمَة ترغيبا لأهل الْإِيمَان فَبَالغ الْمُسلمُونَ فِي الْعَمَل ودأبوا فِيهِ بضع عشرَة لَيْلَة حَتَّى كمل وَخرج فِي ثَلَاثَة آلَاف من أوليائه وَجعل الخَنْدَق حاجزا بَينه وَبَين أعدائه.
وَأَقْبل أَبُو سُفْيَان بن حَرْب يَقُود الْمُشْركين الْحَافِّينَ بِهِ من جِهَة الشرق والغرب وهم قُرَيْش وسليم وَبَنُو أَسد وَمن مَعَهم وَبَنُو فَزَارَة وَأَشْجَع وَبَنُو مرّة وَمن تَبِعَهُمْ فَنزل فِي عشرَة آلَاف نفر وَصَارَ إِلَيْهِم من بني قُرَيْظَة من نقض الْعَهْد وغدر.
وَعظم الْخطب وَاشْتَدَّ الْأَمر وَنجم نفاق من يخْشَى على الْيَاقُوت من الْجَمْر
وَأقَام الْمُشْركُونَ نَحْو شهر على الْحصار وَلَيْسَ بَين الْفَرِيقَيْنِ غير الرَّمْي بالأسهم الْقصار لَكِن عَمْرو بن عبد ود ظهر قَائِلا هَل من مبارز فناجزه عَليّ بن أبي طَالب وَقَتله قتلة بَطل دلامز.
ثمَّ إِن الله تَعَالَى أرسل عَلَيْهِم الرّيح وجهز إِلَيْهِم جنود التَّقْدِيس وَالتَّسْبِيح وَشهر بَينهم أسياف الْخلاف فرحلوا بعد أَن كَادُوا يهْلكُونَ بعواصف التلاف
وَفِي هَذِه الْغَزْوَة ظَهرت للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم معجزات عديدة مِنْهَا عودة كدية الخَنْدَق كالكثيب بعد أَن كَانَت شَدِيدَة وَمِنْهَا تَكْثِير الْقَلِيل من تمر أُخْت النُّعْمَان بن بشير وَمِنْهَا شبع أهل الخَنْدَق من شويهة جَابر وقرصة الشّعير.

ثمَّ اسْتَقر الْمُسلمُونَ فِي دِيَارهمْ وَكفوا شَرّ من قصد لجهله محو نهارهم
وَفِي قتل عَمْرو بن ود يَقُول عَليّ بن أبي طَالب:

نصر الْحِجَارَة من سفاهة رَأْيه *** ونصرت رب مُحَمَّد بصواب
وصددت حِين تركته متجدلا *** كالجذع بَين دكادك وروابي 
وعففت عَن أثوابه وَلَو أنني *** كنت المقطر بزنى أثوابي
لَا تحسبن الله خاذل دينه *** وَنبيه يَا معشر الْأَحْزَاب

وَفِي هَذِه الْغَزْوَة يَقُول كَعْب بن مَالك من أَبْيَات:

لقد علم الْأَحْزَاب حِين تألبوا *** علينا وراموا ديننَا مَا نوادع
يذودوننا عَن ديننَا ونذودهم *** عَن الْكفْر والرحمن رَاء وسامع
إِذا غايظونا فِي مقَام أعاننا *** على غيظهم نصر من الله وَاقع
وَذَلِكَ حفظ الله فِينَا وفضله *** بجود وَمن لم يحفظ الله ضائع