17 ربيع الأول 6 هـ
5 آب 627 م
غزوة ذي قرد

سبب الغزوة

قال ابن إسحاق: ثم قدم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم المدينة، فلم يقم بها إلا ليالي قلائل، حتى أغار عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر الفزاري في خيل من غطفان، على لقاح رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم ب الغابة، وفيها رجل من بني غفار وامرأة له، فقتلوا الرجل، واحتملوا المرأة في اللقاح.

بلاء ابن الأكوع في هذه الغزوة

فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، وعبد اللّٰه بن أبي بكر، ومن لا أتهم، عن عبد اللّٰه بن كعب بن مالك، كل قد حدَّث في غزوة ذي قرَدَ بعض الحديث: أنه كان أول من نذَِر بهم  سلمة بن عمرو بن الأكوع غدا يريد الغابة متوشحًا قوسه ونبله، ومعه غلام ل طلحة بن عبيد اللّٰه ، معه فرس له يقوده، حتى إذا علا ثنية الوداع نظر إلى بعض خيولهم، فأشرف إلى ناحية سَلْع ، ثم صرخ: وا صباحاه، ثم خرج يشتد في آثار القوم، وكان مثل السبع، حتى لحق القوم، فجعل يردهم بالنبل، ويقول إذا رمى: خذها وأنا ابن الأكوع، واليوم يوم الرُّضع ، فإذا وجهت الخيل نحوه انطلق هاربًا، ثم عارضهم، فإذا أمكنه الرمي رمى، ثم قال: خذها وأنا ابن الأكوع، اليوم يوم الرضع، قال: فيقول قائلهم: أوكَُيِّعُنا! هو أول النهار.

تسابق الفرسان لتلبية النداء

قال: وبلغ رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم صياح ابن الأكوع، فصرخ في المدينة: الفزع الفزع، فكان أول من انتهى إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم من الفرسان: المقداد بن عمرو وهو الذي يقال له المقداد بن الأسود حليف بني زهرة، ثم عباد بن بشر ، و سعد بن زيد ، أحد بني كعب بن عبد الأشهل، و أسيد بن ظهير ، يشك فيه، و عكاشة بن محصن ، و محرز بن نضلة ، و أبو قتادة ، و أبو عياش عبيد بن زيد بن صامت ، أخو بني زريق.

تعيين أميرهم

فلما اجتمعوا إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم أَمّر عليهم سعد بن زيد ، ثم قال: “اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس“.

نصيحة الرسول لأبي عياش بترك فرسه

وقد قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فيما بلغني عن رجال من بني زريق لأبي عياش: يا أبا عياش، لو أعطيت هذا الفرس رجلاً هو أفرس منك فلحق بالقوم. فقال أبو عياش: قلت: يا رسول اللّٰه، أنا أفرس الناس، ثم ضربت الفرس، فوالله ما جرى بي خمسين ذراعًا حتى طرحني، فعجبت أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم يقول: “لو أعطيته أفرس منك“، وأنا أقول: أنا أفرس الناس.

مَنْ ركب فرس أبي عياش

فزعم رجال من بني زريق أن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم أعطى فرس أبي عياش معاذ بن ماعص ، أو عائذ بن ماعص بن قيس بن خلدة، وكان ثامناً. كذا وقع هنا، وبعض الناس يقول: إن معاذ بن ماعص وأخاه عائذًا قتُلا يوم بئر معونة شهيدين، وقد تقدم ذلك، وبعض الناس يعد سلمة بن الأكوع أحد الثمانية، ويطرح أسيد بن ظهير ، ولم يكن سلمة يومئذ فارسًا، قد كان أول من لحق بالقوم على رجليه، فخرج الفرسان في طلب القوم حتى تلاحقوا.

سبق محرز إلى القوم

فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة: أن أول فارس لحق بالقوم محرز بن نضلة.

التعريف بمحرز رضي اللّٰه عنه

هو أخو بني أسد بن خزيمة، وكان يقال لمحرز: الأخرم، ويقال له: قمير.

قصة جهاده ومقتله

وأن الفزع لما كان جال فرسٌ لمحمود بن مسلمة في الحائط حين سمع صاهلة الخيل، وكان فرسًا صنيعًا جَامًّا. فقال نساء من نساء بني عبد الأشهل حين رأين الفرس يجول في الحائط بجذع نخل هو مربوط به: يا قمير، هل لك في أن تركب هذا الفرس، فإنه كما ترى، ثم تلحق برسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم والمسلمين؟ قال: نعم، فأعطينه إياه، فخرج عليه. فلم يلبث أن بذَّ الخيل لجمِاَمه ، حتى أدرك القوم فوقف لهم بين أيديهم، ثم قال: قفوا يا معشر بني الَلّكِيعة حتى يلحق بكم من وراءكم من أدباركم من المهاجرين والأنصار، قال: وحمل عليه رجل منهم فقتله، وجال الفرس فلم يقدر عليه حتى وقف على أرِيّهِ في بني عبد الأشهل، فلم يقتل من المسلمين غيره.

شهداء المسلمين

قال ابن هشام: قتل يومئذ من المسلمين مع محرز وَقَّاص بن محرز المدلجي فيما ذكر غير واحد من أهل العلم.

هلاك حبيب بن عيينة

قال ابن إسحاق: ولما تلاحقت الخيل قتل أبو قتادة حبيبَ بن عيينة بن حصن، وغشاه بُرْدَه، ثم لحق بالناس.

لحوق النبي بالجيش

وأقبل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم في المسلمين، واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم فيما قال ابن هشام، فإذا حبيب مُسَجَّى ببُرْد أبي قتادة.
فاسترجع الناس وقالوا: قتل أبو قتادة، فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: “ليس بأبي قتادة، ولكنه قتيل لأبي قتادة، وضع عليه بُرْدَه لتعرفوا أنه صاحبه“.
وأدرك عكاشة بن محصن أوبارًا، وابنه عمرو بن أوبار، وهما على بعير واحد، فانتظمهما بالرمح فقتلهما جميعًا، واستنقذوا بعض اللقاح.

منزل جيش المسلمين

وسار رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم حتى نزل بالجبل من ذي قرَدَ، وتلاحق به الناس، وأقام عليه يومًا وليلة.

شجاعة سلمة بن الأكوع

وقال له سلمة بن الأكوع: “يا رسول اللّٰه، لو سرحتني في مائة رجلاً لاستنقذت بقية السَّرْح ، وأخذت بأعناق القوم، فقال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فيما بلغني: إنهم الآن ليغبقون في غطفان“.

تقسيم الفيء بين المسلمين

فقسم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم في أصحابه، في كل مائة رجل جزورًا، وأقاموا عليها.

رجوع النبي إلى المدينة

ثم رجع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم قافلاً  إلى المدينة.

نذر لامرأة الغفاري

وأقبلت امرأة الغفاري على ناقة من إبل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم حتى قدمت عليه فأخبرته الخبر، فلما فرغت، “قالت: يا رسول اللّٰه، إني قد نذرت اللّٰه أن أنحرها إن نجاني اللّٰه عليها، قال: فتبسم رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، قال: بئس ما جَزَيْتها أن حملك اللّٰه عليها، ونجاك بها ثم تنحرينها، لا نذر في معصية اللّٰه، ولا فيما لا تملكين، إنما هي ناقة من إبلي، ارجعي إلى أهلك على بركة اللّٰه“.
والحديث عن امرأة الغفاري وما قالت وما قال لها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم عن أبي الزبير المكي عن الحسن البصري.

مقتل رئيس القوم

وقال ابن عقبة: كان رئيس القوم- يعني المشركين- مسعدة الفزاري، وهو عنده قتيل أبي قتادة. وفيه قوله عليه السلام: لتعرفوه، فتخلُّوا عن قتيله وسلبه.

وطيس المعركة

ثم إن فوارس النبي صلى اللّٰه عليه وسلم أدركوا العدو والسَّرْح، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، واستنقذوا السرح، وهزم اللّٰه تعالى العدو، ويقال: قتل أبو قتادة قرفة امرأة مسعدة، وأما ابن سعد، فقال: وقتل المقداد بن عمرو حبيب بن عيينة بن حصن ، و قرفة بن مالك بن حذيفة بن بدر.

مَنْ قتل محرز

قال ابن عقبة: وقتل يومئذ من المسلمين الأخرم محرز بن نضلة، قتله أوبار. كذا قاله، وهو  عند ابن سعد: آثار، وعند ابن عائذ: آبار. فشد عكاشة بن محصن فقتل أوبارًا وابنه، وذكر ابن عائذ عن الوليد بن مسلم، عن عبد اللّٰه بن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عروة نحو ما ذكرنا عن ابن عقبة.

وقت الغزوة عند ابن سعد

وذكر ابن سعد: أنها في شهر ربيع الأول سنة ست من الهجرة، وأن اللقاح عشرون، فأغار عليها عيينة في ليلة الأربعاء في أربعين فارسًا فاستاقوها، وكان أبو ذر فيها، وقتلوا ابن أبي ذر، وجاء الصريخ فنادى: الفزع الفزع، فنودي: يا خيل اللّٰه اركبي، وكان أول ما نودي بها.

نداء الفزع ليلة السرح

قلت: قد تقدم عن قتادة من طريق ابن عائذ النداء: بيا خيل اللّٰه اركبي في وقعة بني قريظة، وهي قبل هذه عندهم، وركب رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، فخرج غداة الأربعاء في الحديد مقنعًا فوقف. وكان أول من أقبل إليه المقداد بن عمرو، وعليه الدرع والمغْفَر شاهرًا سيفه، فعقد له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم لواء في رمحه، وقال: “امضِ حتى تلحقك الخيل“.

توالي الإمداد

وخلف سعد بن عبادة في ثلاثمائة من قومه يحرسون المدينة، قال: وذهب الصريخ إلى بني عمرو بن عوف، فجاءت الأمداد، فلم تزل الخيل تأتي والرجال على أقدامهم وعلى الإبل حتى انتهوا إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بذي قرَدَ، فاستنقذوا عشر لقاح، وأفلت القوم بما بقي، وهي عشرة.

صلاة الخوف

وصلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بذي قرد صلاة الخوف وأقام به يومًا وليلة يتحسب الخبر.

قسمة الفيء

وقسم في كل مائة من أصحابه جزورًا ينحرونها، وكانوا خمسمائة، ويقال: سبعمائة، وبعث إليه سعد بن عبادة بأحمال تمر، وبعشر جزائر، فوافت رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم بذي قرَدَ.
قال ابن سعد: والثبت عندنا أن سعد بن زيد أمير هذه السرية ولكن الناس نسبوها للمقداد لقول حسان – غداة فوارس المقداد- قلت: وأوله:
ولسَرَّ أولادَ اللقيطة أننا … سِلمٌ غداةَ فوارس المقداد
قال: فعاتبه سعد، فقال: اضطرني الرويُّ إلى المقداد.

وقت رجوع النبي إلى المدينة 

ورجع رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم إلى المدينة يوم الإثنين، وكان قد غاب خمس ليال. …

رواية ابن سعد

وفي رواية لابن سعد في هذا الخبر: عن إياس بن سلمة، عن أبيه، قال: خرجت أنا و رباح غلام النبي صلى اللّٰه عليه وسلم، وخرجت بفرس ل طلحة بن عبيد اللّٰه ، كنت أريد أن أندِّيهَ مع الإبل، فلما أن كان بغلس، أغار عبد الرحمن بن عيينة على إبل رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم فقتل راعيها وخرج يطردها، وذكر نحو ما تقدم، وفيه حتى ما خلق اللّٰه شيئاً من
ظهر النبي صلى اللّٰه عليه وسلم إلا خلفته وراء ظهري، ثم لم أزل أرميهم حتى ألقوا أكثر من ثلاثين رمحًا، وأكثر من ثلاثين بردة يستخفونها، ولا يلقون من ذلك شيئاً إلا جعلت عليه حجارة، وجمعته على طريق رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم، وفيه أنه جلاهم عن ماء ذي قرَدَ، ويخلفون فرسين، فجئت بهما أسوقهما إلى رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم.
وفيه قوله عليه السلام: “إنهم الآن يقرون بأرض غطفان“. قال: فجاء رجل من غطفان، فقال: مروا على فلان الغطفاني، فنحر لهم جزورًا، فلما أخذوا يكشطون جلدها رأوا غبرة فتركوها وخرجوا هرابًا، فلما أصبحنا قال رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم: “خير فرساننا اليوم أبو قتادة، وخير رجالتنا سلمة“، فأعطاني رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه وسلم سهم الراجل والفارس جميعًا. وفي رواية البخاري لهذا الخبر من طريق سلمة، “فقلت: يا نبي اللّٰه، قد حميت القوم الماء وهم عطاش، فابعث إليهم الساعة، فقال: يا ابن الأكوع، ملكتَ فأسجحْ“.