فأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة مرجعه من الحديبية، …
ذا الحجة وبعض المحرم، ثم خرج في بقية من المحرم غازياً إلى خيبر، وذلك قرب آخر السنة السادسة من الهجرة .
واستخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم نميلة بن عبد الله الليثي،ودفع الراية إلى علي بن أبي طالبن وقيل: إنها كانت بيضاء. وسلك على عصر ، فبنى له بها مسجد ، ثم على الصهباء، ثم نزل بواد يقال له: الرجيع، فنزل بينهم وبين غطفان لئلا يمدوهم وكانت غطفان قد أرادت إمداد يهود خيبر فلما خرجوا أسمعهم الله تعالى من ورائهم حساً راعهم، فانصرفوا، وبدا لهم فأقاموا في أماكنهم. وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يفتتح الآطام والحصون والأموال مالاً مالا. فأول حصونهم افتتح حصن اسمه: ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، ألقيت عليه رحى فقتلته؛ ثم القموص، حصن بني أبي الحقيق.
وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم سبايا، منهن : صفية بنت حيي بن أخطب، وكانت عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق، وبنتي عم لها، فوهب عليه السلام صفية لدحية، ثم ابتاعها منه بتسعة أرؤس، وجعلها عند أم سليم، حتى اعتدت وأسلمت، ثم أعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجها، وجعل عتقها صداقها، لا صداق لها غيره، فصارت سنة مستحبة لكل من أراد أن يفعل ذلك إلى يوم القيامة.
وفي غزوة خيبر حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية، وأخبر أنها رجس، وأمر بالقدور فألقيت وهي تفور بلحومها، وأمر بغسل القدور بعد، وأحل حينئذ لحوم الخيل وأطعمهم إياها.
ثم فتح حصن الصعب بن معاذ، ولم يكن بخيبر حصن أكثر طعاماً من، ولا أوفر ودكاً منه . وآخر ما افتتح عليه السلام من حصونهم: الوطيح والسلالم، حاصرهما بضع عشرة ليلة. وكان شعار المسلمين يوم خيبر أمت أمت.
ووقف إلى بعض حصونهم أبو بكر وعمر رضوان الله عليهما، فلم يفتحاه، فدفع رسول الله صلى الله عليه وسلم الراية إلى علي رضوان الله عليه، ففتحه، وكان أرمد، فتفل في عينيه، فبرئ.
وكان فتح خيبر: الأرض كلها وبعض الحصون عنوة وهي الأكثر وبعضها صلحاً على الجلاء، فقسمها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن عزل الخمس، وأقر اليهود على أن يعتملوها بأموالهم وأنفسهم، ولهم النصف من كل ما يخرج منها من زرع أو ثمر، ويقرهم على ذلك ما بدا له. فبقوا على ذلك حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومدة خلافة أبي بكر، وجمهور خلافة عمر؛ فلما كان في آخر خلافته، بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر في مرضه الذي مات فيه أن لا يبقى في جزيرة العرب دينان. فأمر بإجلائهم عن خيبر وغيرها من بلاد العرب، وأخذ المسلمون ضياعهم من مقاسم خيبر، فتصرفوا فيها. وكان متولي قسمتها بين أصحابها جبار بن صخر من بني سلمة، وزيد بن ثابت من بني النجار.
وفي فتح خيبر أهدت يهودية تسمى زينب بنت الحارث، امرأة سلام ابن مشكم، إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاة مصلية ، قد جعلت فيها السم، وكان أحب اللحم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الذراع، فتناول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلاك منها مضغة، وكان معه عليه السلام بشر بن البراء بن معرور من بني سلمة، فأكل منه وازداد لقمة، فقال عليه السلام: «إن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم»، ولفظ لقمةً، ثم دعا باليهودية فاعترفت، ومات بشر من أكلته تلك، رضوان الله عليه، ولم يقتل عليه السلام اليهودية .
وكان المسلمون يوم خيبر ألفاً وأربعمائة رجل ومائتي فارس. ووقع سهم زبير بن العوام بالخوع من النطاة؛ ووقع أيضاً بالنطاة سهم بني بياضة وبني الحارث بن الخزرج؛ ووقع بنو عوف بن الخزرج ومزينة في ناعم من النطاة، ووقع سهم عاصم بن عدي أخي بني عجلان مع سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وسهم عبد الرحمن بن عوف، وسهام بني ساعدة، وبني النجار، وعلي بن أبي طالب، وطلحة بن عبيد الله، وغفار، وأسلم، وعمر بن الخطاب، وبني سلمة، وبني حارثة، وجهينة، وثقيف من العرب -: في الشق.
وكان عبيد بن أوس من بني حارثة بن عوف، عرف يومئذ بعبيد السهام، لكثرة ما اشترى من سهام الناس يومئذ. واشترى عمر مائة سهم بخيبر، فهي صدقته الباقية إلى اليوم، وإلى يوم القيامة.
ذكر من استشهد يوم خيبر
ربيعة بن أكثم بن سخبرة بن عمرو بن لكيز بن عامر بن غنم بن دودان بن أسد بن خزيمة.
وثقف بن عمرو بن سميط بن ثعلبة بن عبد الله بن غنم بن دودان.
ورفاعة بن مسروح وهؤلاء كلهم من بني أمية بن عبد شمس.
ومسعود بن ربيعة، من القارة، حليف بني زهرة.
وعبد الله بن الهبيب وقيل: ابن الهبيب بن أهيب ابن سحيم بن غيرة، من بني ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ، حليف بني أسد بن عبد العزى وابن أختهم.
وبشر بن البراء بتن معرور، من بني سلمة، مات من السم الذي أكله مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وفضيل بن النعمان، من بني سلمة أيضاً.
ومسعود بن سعد بن قيس بن خلدة بن عامر بن زريق.
ومحمود بن مسلمة بن خالد بن عدي بن مجدعة بن حارثة بن الحارث ابن الأوس، حليف لبني عبد الأشهل.
وابو ضياح ثابت بن أمية بن امرئ القيس بن ثعلبة بن عمرو ابن عوف، من أهل قباء.
ومبشر بن عبد المنذر بن دينار بن أمية بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف.
والحارث بن حاطب.
وأوس بن قتادة.
وعروة بن مرة بن سراقة.
وأوس بن القائد.
وأنيف بن حبيب.
وثابت بن أثلة .
وطلحة.
والأسود الراعي، واسمه: أسلم كل هؤلاء من بني عمرو بن عوف.
ومن بني غفار:
عمارة بن عقبة بن حارثة بن غفار بن مليل بن ضمرة، أصابه سهم. ومن أسلم:
عامر بن الأكوع.
وإثر فتح خيبر قدم من الحبشة :
جعفر بن أبي طالب، وامرأته: أسماء بنت عميس، وابناهما : عبد الله ابن جعفر، ومحمد بن جعفر.
وخالد بن سعيد بن العاصي بن أمية بن عبد شمس، مع امرأته: أمينة بنت خلف.
وابناهما: سعيد، وأمة.
وعمرو بن سعيد بن العاصي ، وكانت امرأته فاطمة بنت صفوان الكنانية قد ماتت بأرض الحبشة.
ومعيقيب بن أبي فاطمة، وهو الذي ولي بيت المال لعمر، وهو حليف آل عتبة بن ربيعة.
والأسود بن نوفل بن خويلد بن أسد بن عبد العزى.
وجهم بن قيس بن عبد شرحبيل، وابناه: عمرو بن جهم، وخزيمة بنت جهم. وهو من بني عبد الدار، وكانت امرأته: أحرملة بنت عبد الأسود، قد هلكت بأرض الحبشة.
والحارث بن خالد بن صخر، من بني تيم بن مرة، وكانت امرأته: ريطة بنت الحارث بن جبيلة، هلكت بأرض الحبشة.
وعثمان بن ربيعة بن أهبان الجمحي.
ومحمية بن جزء الزبيدي، حليف لبني سهم، ولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم الخمس.
ومعمر بن عبد الله بن نضلة، من بني عدي بن كعب.
وأبو حاطب بن عمرو بن عبد شمس، من بني عامر بن لؤي.
ومالك بن ربيعة بن قيس بن عبد شمس، من بني عامر بن لؤي، ومعه امرأته: عمرة بنت السعدي بن وقدان بن عبد شمس العامرية.
وكان أتى سائر مهاجرة الحبشة قبل ذلك بسنتين، وكان هؤلاء المذكورون آخر من بقى بها .
فتح فدك
ولما اتصل بأهل فدك ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهل خيبر، بعثوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤمنهم، ويتركوا الأموال. فأجابهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فكانت مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فلم تقسم لذلك، ووضعها عليه السلام حيث أمره ربه تعالى.
فتوح وادي القرى
وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خيبر إلى وادي القرى، فأصيب بها غلام اسمه: مدعم، أصابه سهم غرب فقتله ، فقال الناس: هنيئاً له الجنة، فقال عليه السلام: «كلا والذي نفسي بيده، إن الشملة التي أصابها يوم خيبر من الغنائم لم تصبها المقاسم، تشتعل عليه الآن ناراً» ؛ أو كما قال عليه السلام، فافتتحها عنوة وقسمها.