(شِعْرُ كَعْبٍ)

وَأَجَابَهُ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ أَيْضًا، فَقَالَ: …
أَبْقَى لَنَا حَدَثُ الْحُرُوبِ بَقِيَّةً مِنْ خَيْرِ نِحْلَةِ رَبِّنَا الْوَهَّابِ
بَيْضَاءَ مُشْرِفَةَ الذُّرَى وَمَعَاطِنًا حُمُّ الْجُذُوعِ غَزِيرَةُ الْأَحْلَابِ
كَاللُّوبِ يُبْذَلُ جَمُّهَا وَحَفِيلُهَا لِلْجَارِ وَابْنِ الْعَمِّ وَالْمُنْتَابِ
وَنَزَائِعًا مِثْلَ السَّرَاحِ نَمَى بِهَا عَلَفُ الشَّعِيرِ وَجِزَّةُ الْمِقْضَابِ
عَرِيَ الشَّوَى مِنْهَا وَأَرْدَفَ نَحْضَهَا جُرْدُ الْمُتُونِ وَسَائِرُ الْآرَابِ
قُودًا تَرَاحُ إلَى الصِّيَاحِ إذْ غَدَتْ فِعْلَ الضِّرَاءِ تَرَاحُ لِلْكَلَّابِ
وَتَحُوطُ سَائِمَةَ الدِّيَارِ وَتَارَةً تُرْدِي الْعِدَا وَتَئُوبُ بِالْأَسْلَابِ
حُوشُ الْوُحُوشِ مُطَارَةٌ عِنْدَ الْوَغَى عُبْسُ اللِّقَاءِ مبينَة الإنجاب
علقت عَلَى دَعَةٍ فَصَارَتْ بُدَّنًا دُخْسَ الْبَضِيعِ خَفِيفَةَ الْأَقْصَابِ
يَغْدُونَ بِالزَّغْفِ الْمُضَاعَفِ شَكَّةً وَبِمُتْرَصَاتِ فِي الثِّقَافِ صِيَابِ
وَصَوَارِمٌ نَزَعَ الصَّيَاقِلَ غُلْبَهَا وَبِكُلِّ أَرْوَعَ مَاجِدْ الْأَنْسَابِ
يَصِلُ الْيَمِينَ بِمَارِنٍ مُتَقَارِبٍ وُكِلَتْ وَقِيعَتُهُ إلَى خَبَّابِ
وَأَغَرَّ أَزْرَقَ فِي الْقَنَاةِ كَأَنَّهُ فِي طُخْيَةِ الظَّلْمَاءِ ضَوْءُ شِهَابِ
وَكَتِيبَةٍ يَنْفِي الْقِرَانَ قَتِيرُهَا وتردّ حدّ قواحز النُّشَّابِ
جَأْوَى مُلَمْلَمَةً كَأَنَّ رِمَاحَهَا  فِي كُلِّ مَجْمَعَةٍ ضَرِيمَةُ غَابِ
يَأْوِي إلَى ظِلِّ اللِّوَاءِ كَأَنَّهُ فِي صَعْدَةِ الْخَطِّيِّ فَيْءُ عُقَّابِ
أَعْيَتْ أَبَا كَرْبٍ وَأَعْيَتْ تُبَّعًا وَأَبَتْ بَسَالَتُهَا عَلَى الْأَعْرَابِ
وَمَوَاعِظٌ مِنْ رَبِّنَا نُهْدَى بِهَا بِلِسَانِ أَزْهَرَ طَيِّبِ الْأَثْوَابِ
عُرِضَتْ عَلَيْنَا فَاشْتَهَيْنَا ذِكْرَهَا مِنْ بَعْدِ مَا عُرِضَتْ عَلَى الْأَحْزَابِ
حِكَمًا يَرَاهَا الْمُجْرِمُونَ بِزَعْمِهِمْ حَرَجًا وَيَفْهَمُهَا ذَوُو الْأَلْبَابِ
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا فَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: حَدَّثَنِي مَنْ أَثِقُ بِهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبَّادِ ابْن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، قَالَ: لَمَّا قَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ:
جَاءَتْ سَخِينَةُ كَيْ تُغَالِبَ رَبَّهَا فَلَيُغْلَبَنَّ مُغَالِبُ الْغَلَّابِ
قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “لَقَدْ شَكَرَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ عَلَى قَوْلِكَ هَذَا“. قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
مَنْ سَرَّهُ ضَرْبٌ يُمَعْمِعُ بَعْضُهُ بَعْضًا كَمَعْمَعَةِ الْأَبَاءِ الْمُحْرَقِ
فَلْيَأْتِ مَأْسَدَةً تُسَنُّ سُيُوفُهَا  بَيْنَ الْمَذَادِ وَبَيْنَ جَزْعِ الْخَنْدَقِ
دَرِبُوا بِضَرْبِ الْمُعْلِمِينَ وَأَسْلَمُوا مُهُجَاتِ أَنْفُسِهِمْ لِرَبِّ الْمَشْرِقِ
فِي عُصْبَةٍ نَصَرَ الْإِلَهُ نَبِيَّهُ بِهِمْ وَكَانَ بِعَبْدِهِ ذَا مَرْفِقِ
فِي كُلِّ سَابِغَةٍ تَخُطُّ فُضُولُهَا كَالنَّهْيِ هَبَّتْ رِيحُهُ الْمُتَرَقْرِقِ
بَيْضَاءُ مُحْكِمَةٌ كَأَنَّ قَتِيرَهَا حَدَقُ الْجَنَادِبِ ذَاتُ شَكٍّ مُوثَقِ
جَدْلَاءُ يَحْفِزُهَا نِجَادُ مُهَنَّدٍ صَافِي الْحَدِيدَةِ صَارِمٌ ذِي رَوْنَقِ
تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا يَوْمَ الْهِيَاجِ وَكُلَّ سَاعَةِ مَصْدَقِ
نَصِلُ السُّيُوفَ إذَا قَصُرْنَ بِخَطْوِنَا قُدُمًا وَنُلْحِقُهَا إذَا لَمْ تَلْحَقْ
فَتَرَى الْجَمَاجِمَ ضَاحِيًا هَامَاتُهَا بَلْهَ الْأَكُفَّ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْلَقْ
نَلْقَى الْعَدُوَّ بِفَخْمَةٍ مَلْمُومَةٍ تَنْفِي الْجُمُوعَ كَفَصْدِ رَأْسِ الْمَشْرِقِ
وَنُعِدُّ لِلْأَعْدَاءِ كُلَّ مُقَلَّصٍ وَرْدٍ وَمَحْجُولِ الْقَوَائِمِ أَبْلَقِ
تُرْدِى بِفُرْسَانٍ كَأَنَّ كُمَاتَهُمْ عِنْدَ الْهِيَاجِ أُسُودُ طَلٍّ لْثِقِ
صُدَقٌ يُعَاطُونَ الْكُمَاةَ حُتُوفَهُمْ تَحْتَ الْعِمَايَةِ بِالْوَشِيجِ الْمُزْهِقِ
أَمَرَ الْإِلَهُ بِرَبْطِهَا لِعَدُوِّهِ فِي الْحَرْبِ إنَّ اللَّهَ خَيْرُ مُوَفِّقِ
لِتَكُونَ غَيْظًا لِلْعَدُوِّ وَحُيَّطَا لِلدَّارِ إنْ دَلَفَتْ خُيُولُ النُّزَّقِ
وَيُعِينُنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ بِقُوَّةٍ مِنْهُ وَصِدْقِ الصَّبْرِ سَاعَةَ نَلْتَقِي
وَنُطِيعُ أَمْرَ نَبِيِّنَا وَنُجِيبُهُ وَإِذَا دَعَا لِكَرِيهَةٍ لَمْ نُسْبَقْ
وَمَتَى يُنَادِ إلَى الشَّدَائِدِ نَأْتِهَا وَمَتَى نَرَ الْحَوْمَاتِ فِيهَا نُعْنِقْ
مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ فَإِنَّهُ فِينَا مُطَاعُ الْأَمْرِ حَقُّ مُصَدَّقِ
فَبِذَاكَ يَنْصُرنَا وَيُظْهِرُ عِزَّنَا وَيُصِيبُنَا مِنْ نَيْلِ ذَاكَ بِمِرْفَقِ
إنَّ الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ مُحَمَّدًا كَفَرُوا وَضَلُّوا عَنْ سَبِيلِ الْمُتَقِّي
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ أَنْشَدَنِي بَيْتَهُ:
تِلْكُمْ مَعَ التَّقْوَى تَكُونُ لِبَاسَنَا
وَبَيْتَهُ:
مَنْ يَتَّبِعْ قَوْلَ النَّبِيِّ
أَبُو زَيْدٍ. وَأَنْشَدَنِي:
تَنْفِي الْجُمُوعَ كَرَأْسِ قُدْسِ الْمَشْرِقِ
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
لَقَدْ عَلِمَ الْأَحْزَابُ حِينَ تَأَلَّبُوا عَلَيْنَا وَرَامُوا دِينَنَا مَا نُوَادِعُ
أَضَامِيمُ مِنْ قَيْسِ بْنِ عَيْلَانَ أُصْفِقَتْ وَخِنْدِفُ لَمْ يَدْرُوا بِمَا هُوَ وَاقِعُ
يَذُودُونَنَا عَنْ دِينِنَا وَنَذُودُهُمْ عَنْ الْكُفْرِ وَالرَّحْمَنُ رَاءٍ وَسَامِعُ
إذَا غَايَظُونَا فِي مَقَامٍ أَعَانَنَا عَلَى غَيْظِهِمْ نَصْرٌ مِنْ اللَّهِ وَاسِعُ
وَذَلِكَ حِفْظُ اللَّهِ فِينَا وَفَضْلُهُ عَلَيْنَا وَمَنْ لَمْ يَحْفَظْ اللَّهُ ضَائِعُ
هَدَانَا لِدِينِ الْحَقِّ وَاخْتَارَهُ لَنَا وللَّه فَوْقَ الصَّانِعِينَ صَنَائِعُ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَهَذِهِ الْأَبْيَاتُ فِي قَصِيدَةٍ لَهُ.
قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ فِي يَوْمِ الْخَنْدَقِ:
أَلَا أَبْلِغْ قُرَيْشًا أَنَّ سَلْعًا وَمَا بَيْنَ الْعُرَيْضِ إلَى الصِّمَادِ
نَوَاضِحُ فِي الْحُرُوبِ مُدَرَّبَاتٌ وَخَوْصٌ ثُقِّبَتْ مِنْ عَهْدِ عَادِ
رَوَاكِدُ يَزْخَرُ الْمُرَّارُ فِيهَا فَلَيْسَتْ بِالْجِمَامِ وَلَا الثِّمَادِ
كَأَنَّ الْغَابَ وَالْبَرْدِيَّ فِيهَا أَجَشُّ إذَا تَبَقَّعَ لِلْحَصَادِ
وَلَمْ نَجْعَلْ تِجَارَتَنَا اشْتِرَاءَ الْحَمِيرِ لِأَرْضِ دَوْسٍ أَوْ مُرَادِ
بِلَادٌ لَمْ تَثُرْ إلَّا لِكَيْمَا نُجَالِدُ إنْ نَشِطْتُمْ لِلْجِلَادِ
أَثَرْنَا سِكَّةَ الْأَنْبَاطِ فِيهَا فَلَمْ تَرَ مِثْلَهَا جَلَهَاتِ وَادِ
قَصَرْنَا كُلَّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ عَلَى الْغَايَاتِ مُقْتَدِرٍ جَوَادِ
أَجِيبُونَا إلَى مَا نَجْتَدِيكُمْ مِنْ الْقَوْلِ الْمُبَيَّنِ وَالسَّدَادِ
وَإِلَّا فَاصْبِرُوا لِجِلَادِ يَوْمٍ لَكُمْ مِنَّا إلَى شَطْرِ الْمَذَادِ
نُصَبِّحُكُمْ بِكُلِّ أَخِي حُرُوبٍ وَكُلِّ مُطَهَّمٍ [10] سَلِسِ الْقِيَادِ
وَكُلِّ طِمِرَّةٍ خَفِقٌ حَشَاهَا تَدِفُّ دَفِيفَ صَفْرَاءِ الْجَرَادِ
وَكُلِّ مُقَلَّصِ الْآرَابِ نَهْدٍ تَمِيمِ الْخَلْقِ مِنْ أُخْرٍ وَهَادِي
خُيُولٌ لَا تُضَاعُ إذَا أُضِيعَتْ خُيُولُ النَّاسِ فِي السَّنَةِ الْجَمَادِ
يُنَازِعْنَ الْأَعِنَّةَ مُصْغِيَاتٍ إذَا نَادَى إلَى الْفَزَعِ الْمُنَادِي
إذَا قَالَتْ لَنَا النُّذُرُ اسْتَعِدُّوا تَوَكَّلْنَا عَلَى رَبِّ الْعِبَادِ
وَقُلْنَا لَنْ يُفَرِّجَ مَا لَقِينَا سِوَى ضَرْبُ الْقَوَانِسِ وَالْجِهَادِ
فَلَمْ تَرَ عُصْبَةً فِيمَنْ لَقِينَا مِنْ الْأَقْوَامِ مِنْ قَارٍ وَبَادِي
أَشَدَّ بَسَالَةً مِنَّا إذَا مَا أَرَدْنَاهُ وَأَلْيَنَ فِي الْوِدَادِ
إذَا مَا نَحْنُ أَشْرَجْنَا عَلَيْهَا  جِيَادَ الْجُدْلِ فِي الْأُرَبِ الشِّدَادِ
قَذَفْنَا فِي السَّوَابِغِ كُلَّ صَقْرٍ كَرِيمٍ غَيْرِ مُعْتَلِثِ الزِّنَادِ
أَشَمَّ كَأَنَّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ غَدَاةَ بَدَا بِبَطْنِ الْجَزَعِ غَادِي
يُغَشِّي هَامَةَ الْبَطَلِ الْمُذَكَّى صَبِيَّ السَّيْفِ مُسْتَرْخِي النِّجَادِ
لِنُظْهِرَ دِينَكَ اللَّهمّ إنَّا بِكَفِّكَ فَاهْدِنَا سُبُلَ الرَّشَادِ
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ بَيْتُهُ:
قَصَرْنَا كُلَّ ذِي حُضْرٍ وَطَوْلٍ
وَالْبَيْتُ الَّذِي يَتْلُوهُ، وَالْبَيْتُ الثَّالِثُ مِنْهُ، وَالْبَيْتُ الرَّابِعُ مِنْهُ، وَبَيْتُهُ:
أَشَمَّ كَأَنَّهُ أَسَدٌ عَبُوسٌ
وَالْبَيْتُ الَّذِي يَتْلُوهُ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ.