(شِعْرُ كَعْبٍ فِي الرَّدِّ عَلَى هُبَيْرَةَ)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ يُجِيبُ هُبَيْرَةَ بْنَ أَبِي وَهْبٍ أَيْضًا:…

أَلَا هَلْ أَتَى غَسَّانَ عَنَّا وَدُونَهُمْ مِنْ الْأَرْضِ خَرْقٌ سَيْرُهُ مُتَنَعْنِعُ 
صَحَارٍ وَأَعْلَامٌ كَأَنَّ قَتَامَهَا مِنْ الْبُعْدِ نَقْعٌ هَامِدٌ مُتَقَطِّعُ
تَظَلُّ بِهِ الْبُزَّلُ العَرامِيسُ رُزَّحًا وَيَخْلُو بِهِ غَيْثُ السِّنِينَ فَيُمْرِعُ 
بِهِ جِيَفُ الْحَسْرَى يَلُوحُ صَلِيبُهَا كَمَا لَاحَ كَتَّانُ التِّجَارِ الْمُوَضَّعُ 
بِهِ الْعَيْنُ وَالْآرَامُ يَمْشِينَ خِلْفَةً وَبَيْضُ نَعَامٍ قَيْضُهُ يَتَقَلَّعُ 
مُجَالَدُنَا  عَنْ دِينِنَا كُلُّ فَخْمَةٍ مُذَرَّبَةٍ فِيهَا الْقَوَانِسُ تَلْمَعُ 
وَكُلُّ صَمُوتٍ فِي الصِّوَانِ كَأَنَّهَا إذَا لُبِسَتْ تهي من المَاء مترع 
وَلَكِنْ بِبَدْرٍ سَائِلُوا مَنْ لَقِيُتمُ مِنْ النَّاسِ وَالْأَنْبَاءُ بِالْغَيْبِ تَنْفَعُ
وَإِنَّا بِأَرْضِ الْخَوْفِ لَوْ كَانَ أَهْلُهَا سِوَانَا لَقَدْ أَجْلَوْا بِلَيْلٍ فَأَقْشَعُوا 
إذَا جَاءَ مِنَّا رَاكِبٌ كَانَ قَوْلُهُ أَعِدُّوا لِمَا يُزْجِي ابْنُ حَرْبٍ وَيَجْمَعُ 
فَمَهْمَا يُهِمُّ النَّاسَ مِمَّا يَكِيدُنَا فَنَحْنُ لَهُ مِنْ سَائِرِ النَّاسِ أَوْسَعُ
فَلَوْ غَيْرُنَا كَانَتْ جَمِيعًا تكيده البريّة قَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَوَزَّعُوا
نُجَالِدُ لَا تَبْقَى عَلَيْنَا قَبِيلَةٌ مِنْ النَّاسِ إلَّا أَنْ يَهَابُوا وَيَفْظُعُوا 
وَلَمَّا ابْتَنَوْا بِالْعَرْضِ قَالَ سَرَاتُنَا عَلَامَ إذَا لَمْ تَمْنَعْ الْعِرْضَ نَزْرَعُ؟ 
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ نَتْبَعُ أَمْرَهُ إذَا قَالَ فِينَا الْقَوْلَ لَا نَتَطَلَّعُ 
تَدَلَّى عَلَيْهِ الرُّوحُ مِنْ عِنْدِ رَبِّهِ يُنَزَّلُ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ وَيُرْفَعُ 
نُشَاوِرُهُ فِيمَا نُرِيدُ وَقَصْرُنَا إذَا مَا اشْتَهَى أَنَّا نُطِيعُ وَنَسْمَعُ 
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَمَّا بَدَوْا لَنَا ذَرُوا عَنْكُمْ هَوْلَ الْمَنِيَّاتِ وَاطْمَعُوا
وَكُونُوا كَمَنْ يَشْرِي الْحَيَاةَ تَقَرُّبًا إلَى مَلِكٍ يُحْيَا لَدَيْهِ وَيُرْجَعُ 
وَلَكِنْ خُذُوا أَسْيَافَكُمْ وَتَوَكَّلُوا عَلَى اللَّهِ إنَّ الْأَمْرَ للَّه أَجْمَعُ
فَسِرْنَا إلَيْهِمْ جَهْرَةً فِي رِحَالهِمْ ضُحَيًّا عَلَيْنَا الْبِيضُ لَا نَتَخَشَّعُ 
بِمَلْمُومَةٍ فِيهَا السَّنَوُّرُ وَالْقَنَا إذَا ضَرَبُوا أَقْدَامَهَا لَا تَوَرَّعُ 
فَجِئْنَا إلَى مَوْجٍ مِنْ الْبَحْرِ وَسْطَهُ أَحَابِيشُ مِنْهُمْ حَاسِرٌ وَمُقَنَّعُ 
ثَلَاثَةُ آلَافٍ وَنَحْنُ نَصِيَّةٌ ثَلَاثُ مِئِينٍ إنْ كَثُرْنَا وَأَرْبَعُ 
نُغَاوِرهُمْ تَجْرِي الْمَنِيَّةُ بَيْنَنَا نُشَارِعُهُمْ حَوْضَ الْمَنَايَا وَنَشْرَعُ
تَهَادَى قِسِيُّ النَّبْعِ فِينَا وَفِيّهُمْ وَمَا هُوَ إلَّا الْيَثْرِبِيُّ الْمُقَطَّعُ 
وَمَنْجُوفَةٌ حَمِيَّةٌ صَاعِدِيَّةٌ يُذَرُّ عَلَيْهَا السَّمُّ سَاعَةَ تُصْنَعُ 
تَصُوبُ بِأَبْدَانِ الرِّجَالِ وَتَارَةً تَمُرُّ بِأَعْرَاضِ الْبِصَارِ تَقَعْقَعُ 
وَخَيْلٌ تَرَاهَا بِالْفَضَاءِ كَأَنَّهَا جَرَادٌ صَبًا فِي قَرَّةٍ يَتَرَيَّعُ 
فَلَمَّا تَلَاقَيْنَا وَدَارَتْ بِنَا الرَّحَى وَلَيْسَ لِأَمْرٍ حَمَّهُ اللَّهُ مَدْفَعُ 
ضَرَبْنَاهُمْ حَتَّى تَرَكْنَا سَرَاتَهُمْ كَأَنَّهُمْ بِالْقَاعِ خُشْبٌ مُصَرَّعُ 
لَدُنْ غُدْوَةً حَتَّى اسْتَفَقْنَا عَشِيَّةً كَأَنَّ ذَكَانَا حَرُّ نَارٍ تَلَفَّعُ  
وَرَاحُوا سِرَاعًا مُوجِفِينَ كَأَنَّهُمْ جَهَامٌ هَرَاقَتْ مَاءَهُ الرِّيحُ مُقْلَعُ 
وَرُحْنَا وَأُخْرَانَا بِطَاءٌ كَأَنَّنَا أُسُودٌ عَلَى لَحْمٍ بِبِيشَةَ ظُلَّعُ 
فَنِلْنَا وَنَالَ الْقَوْمُ مِنَّا وَرُبَّمَا فَعَلْنَا وَلَكِنْ مَا لَدَى اللَّهِ أَوْسَعُ
وَدَارَتْ رَحَانَا وَاسْتَدَارَتْ رَحَاهُمْ وَقَدْ جُعِلُوا كُلٌّ مِنْ الشَّرِّ يَشْبَعُ
وَنَحْنُ أُنَاسٌ لَا نَرَى الْقَتْلَ سُبَّةً عَلَى كُلِّ مَنْ يَحْمِي الذِّمَارَ وَيَمْنَعُ 
جِلَادٌ عَلَى رَيْبِ الْحَوَادِثِ لَا نَرَى عَلَى هَالِكٍ عَيْنًا لَنَا الدَّهْرَ تَدْمَعُ 
بَنُو الْحَرْبِ لَا نَعْيَا بِشَيْءٍ نَقُولُهُ وَلَا نَحْنُ مِمَّا جَرَّتْ الْحَرْبُ نَجْزَعُ
بَنُو الْحَرْبِ إنْ نَظْفَرْ فَلَسْنَا بِفُحَّشٍ وَلَا نَحْنُ مِنْ أَظْفَارِهَا نَتَوَجَّعُ
وَكُنَّا شِهَابًا يُتَّقَى النَّاسُ حَرُّهُ وَيَفْرُجُ عَنْهُ مَنْ يَلِيهِ وَيَسْفَعُ 
فَخَرْتَ عَلَيَّ ابْنَ الزِّبَعْرَى وَقَدْ سَرَى لَكُمْ طَلَبٌ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ مُتْبَعُ
فَسَلْ عَنْكَ فِي عُلْيَا مَعَدٍّ وَغَيْرِهَا مِنْ النَّاسِ مَنْ أَخْزَى مَقَامًا وَأَشْنَعُ
وَمَنْ هُوَ لَمْ تَتْرُكْ لَهُ الْحَرْبُ مَفْخَرًا وَمَنْ خَدُّهُ يَوْمَ الْكَرِيهَةِ أَضْرَعُ 
شَدَدْنَا بِحَوْلِ اللَّهِ وَالنَّصْرِ شَدَّةً عَلَيْكُمْ وأطراف الأسنّة شرّع
تَكُرُّ الْقَنَا فِيكُمْ كَأَنَّ فُرُوعَهَا عَزَالِي مَزَادٍ مَاؤُهَا يَتَهَزَّعُ 
عَمَدْنَا إلَى أَهْلِ اللِّوَاءِ وَمَنْ يَطِرْ بِذِكْرِ اللِّوَاءِ فَهُوَ فِي الْحَمْدِ أَسْرَعُ
فَخَانُوا وَقَدْ أَعْطَوْا يَدًا وَتَخَاذَلُوا أَبَى اللَّهُ إلَّا أَمْرَهُ وَهُوَ أَصْنَعُ 
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: وَكَانَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ قَدْ قَالَ:
مُجَالَدُنَا عَنْ جِذْمِنَا كُلُّ فَخْمَةٍ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَصْلُحُ أَنْ تَقُولَ: مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا؟ فَقَالَ كَعْبٌ: نَعَمْ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فَهُوَ أَحْسَنُ، فَقَالَ كَعْبٌ:
مُجَالَدُنَا عَنْ دِينِنَا.