(شِعْرُ حَسَّانَ فِي الرَّدِّ عَلَى الزِّبْرِقَانِ)

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَكَانَ حَسَّانُ غَائِبًا، فَبَعَثَ إلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَسَّانُ:…

جَاءَنِي رَسُولُهُ، فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ إنَّمَا دَعَانِي لِأُجِيبَ شَاعِرَ بَنِي تَمِيمٍ، فَخَرَجْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَقُولُ:
مَنَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ إذْ حَلَّ وَسْطَنَا عَلَى أَنْفٍ رَاضٍ مِنْ مَعَدٍّ وَرَاغِمِ
مَنَعْنَاهُ لَمَا حَلَّ بَيْنَ بُيُوتِنَا بِأَسْيَافِنَا مِنْ كُلِّ بَاغٍ وَظَالِمِ
بِبَيْتٍ حَرِيدٍ عِزُّهُ وَثَرَاؤُهُ بِجَابِيَةِ الْجَوْلَانِ وَسْطَ الْأَعَاجِمِ 
هَلْ الْمجد إِلَّا السّؤدد الْعَوْدُ وَالنَّدَى وِجَاهُ الْمُلُوكِ وَاحْتِمَالُ الْعَظَائِمِ 
قَالَ: فَلَمَّا انْتَهَيْتُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَامَ شَاعِرُ الْقَوْمِ، فَقَالَ مَا قَالَ، عَرَضْتُ فِي قَوْلِهِ، وَقُلْتُ عَلَى نَحْوِ مَا قَالَ. قَالَ: فَلَمَّا فَرَغَ الزِّبْرِقَانُ، قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وسلّم لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ: قُمْ يَا حَسَّانُ، فَأَجِبْ الرَّجُلَ فِيمَا قَالُ. فَقَامَ حَسَّانٌ، فَقَالَ:
إنَّ الذَّوَائِبَ مِنْ فِهْرٍ وَإِخْوَتِهِمْ قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنَّاسِ تُتَّبَعُ 
يَرْضَى بِهِمْ كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ تَقْوَى الْإِلَهِ وَكُلَّ الْخَيْرِ يَصْطَنِعُ 
قَوْمٌ إذَا حَارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمْ أَوْ حَاوَلُوا النَّفْعَ فِي أَشْيَاعِهِمْ نَفَعُوا
سَجِيَّةٌ تِلْكَ مِنْهُمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ إنَّ الْخَلَائِقَ فَاعْلَمْ شَرُّهَا الْبِدَعُ 
إنْ كَانَ فِي النَّاسِ سَبَّاقُونَ بَعْدَهُمْ فَكُلُّ سَبْقٍ لِأَدْنَى سَبْقِهِمْ تَبَعُ
لَا يَرْقَعُ النَّاسَ مَا أَوْهَتَ أَكَفُّهُمْ عِنْدَ الدَّفَّاعِ وَلَا يُوهُونَ مَا رَقَعُوا 
إنْ سَابَقُوا النَّاسَ يَوْمًا فَازَ سَبْقُهُمْ أَوْ وَازَنُوا أَهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدَى مَتَعُوا 
أَعِفَّةٌ ذُكِرَتْ فِي الْوَحْي عِفَّتُهُمْ لَا يَنْطَبَعُونَ وَلَا يُرْدِيهِمْ طَمَعُ 
لَا يَبْخَلُونَ عَلَى جَارٍ بِفَضْلِهِمْ وَلَا يَمَسُّهُمْ مِنْ مَطْمَعٍ طَبَعُ 
إذَا نَصَبْنَا لِحَيِّ لَمْ نَدِبَّ لَهُمْ كَمَا يَدُبُّ إلَى الْوَحْشِيَّةِ الذَّرِعُ 
نَسْمُو إذَا الْحَرْبُ نَالَتْنَا مَخَالِبُهَا إذَا الزَّعَانُفُ مِنْ أَظْفَارهَا خَشَعُوا 
لَا يَفْخَرُونَ إذَا نَالُوا عَدُوَّهُمْ وَإِنْ أُصِيبُوا فَلَا خُورٌ وَلَا هُلُعُ 
كَأَنَّهُمْ فِي الْوَغَى وَالْمَوْتُ مُكْتَنِعٌ أُسْدٌ بِحِلْيَةِ فِي أَرْسَاغِهَا فَدَعُ 
خُذْ مِنْهُمْ مَا أَتَى عَفْوًا إذَا غَضِبُوا وَلَا يَكُنْ هَمُّكَ الْأَمْرَ الَّذِي مَنَعُوا 
فَإِنَّ فِي حَرْبِهِمْ فَاتْرُكْ عَدَاوَتَهُمْ شَرًّا يُخَاضُ عَلَيْهِ السَّمُّ وَالسَّلَعُ 
أَكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهُمْ إذَا تَفَاوَتَتْ الْأَهْوَاءُ وَالشِّيَعُ
أَهْدِي لَهُمْ مِدْحَتِي قَلْبٌ يُؤَازِرُهُ فِيمَا أُحِبُّ لِسَانٌ حَائِكٌ صَنَعُ 
فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ الْأَحْيَاءِ كُلِّهِمْ إنْ جَدَّ بِالنَّاسِ جِدُّ الْقَوْلِ أَوْ شَمَعُوا 
قَالَ ابْنُ هِشَامٍ: أَنْشَدَنِي أَبُو زَيْدٍ:
يَرْضَى بِهَا كُلُّ مَنْ كَانَتْ سَرِيرَتُهُ تَقْوَى الْإِلَهِ وَبِالْأَمْرِ الَّذِي شَرَعُوا