326 هـ
937 م
سنه ست وعشرين وثلاثمائة

[أخبار]
لما ورد ابن رائق بغداد، اطمعه الوزير ابو الفضل في اموال مصر والشام، وزوج ابنه أبا القاسم بابنه ابن رائق، وزوج ابن رائق ابنه بابنه طغج …

وخرج الوزير ابو الفضل الى الشام، واستخلف بالحضرة أبا بكر البقرى، فلما بلغ هيت ضعف امره، وقوى امر ابى عبد الله الكوفى، وقلد ابن رائق اعمال الاهواز، فدعاه بجكم الى كتابته فأجابه.
وسفر ابو جعفر بن شيرزاد في الصلح بين ابن رائق والبريدى وأخذ خط الراضي بالرضا عنهم، وقطعت لهم الخلع، على ان يقيموا الخطبه بالبصرة لابن رائق، وان يفتحوا الاهواز وان يحملوا ثلاثين الف دينار، واطلقت ضياعهم بالحضرة وبلغ ذلك بجكم فجزع لهذا الصلح.
واشار عليه يحيى بن سعيد السوسي، بحرب البريدى، فانفذ اليه البريدى أبا جعفر الجمال، فالتقيا بشابرزان، فانهزم الجمال، وانفذ يعاتب البريدى ويقول له: جنيت على نفسك باستجلاب الديلم أولا، وبمظافره ابن رائق ثانيا، وانا أعاهدك ان اوليك وسطا إذا ملكت الحضره، فسجد البريدى لما بلغته رسالته شكرا لله تعالى، ووصل رسوله بثلاثة آلاف دينار، وحلف بمحضر من القاضى ابى القاسم التنوخي والقاضى ابى القاسم بن عبد الواحد بالوفاء لبجكم.
وكان ابن مقله يسال ابن مقاتل والكوفى في رد ضياعه، فيمطلونه، فكتب الى بجكم والى أخي مزداويج يطمعهما في الحضره، وكاتب الراضي بالله يشير بالقبض على ابن رائق، وتوليه بجكم، وكتب الى بجكم ان الراضي قد استجاب لذلك.
وظن ابن مقله انه قد توثق من الراضي، وبذل له استخراج ثلاثة آلاف الف دينار، ان قلده الوزارة، فوافقه على ان ينحدر اليه سرا، الى ان يتم التدبير على ابن رائق، فركب من داره في سوق العطش في طيلسان، وسار الى الأزج بباب البستان، فانحدر في سميريه ليله الاثنين لليلة بقيت من شهر رمضان، وتعمد تلك الليلة ان يكون القمر تحت الشعاع، وذلك يختار للأمور المستوره.
فلما وصل الى دار السلطان، لم يصله الراضي واعتقله في حجره، وبعث بابى الحسن سعيد بن سنجلا الى ابن رائق واخبره بما جرى، واظهر للناس حاله رابع عشر شوال، واستفتى الفقهاء في حاله، وعرفهم ما كاتب به بجكم، فيقال ان القاضى أبا الحسين عمر بن محمد افتى بقطع يده، لأنه سعى في الارض فسادا، فامر الراضي باخراجه الى دهليز التسعينى، وحضر فاتك حاجب ابن رائق والقواد، فقطعت يده اليمنى، ورد الى محبسه من دار السلطان، وامر الراضي بمداواته، فكان ينوح على يده ويقول: يد قد خدمت بها الخلفاء ثلاث دفعات، وكتب بها القرآن دفعتين، تقطع كما تقطع أيدي اللصوص! ثم قال: ان المحنة قد تشبثت بي وهي تؤدينى الى التلف وتمثل:

إذا ما مات بعضك فابك بعضا *** فان الشيء من بعض قريب

وقطع لسانه لما قرب بجكم الحضره، ومات فدفن في دار السلطان، ثم طلبه اهله فنبش وسلم اليهم، نبشته زوجته الدينارية فدفنته بدارها بغله صافى، فنبش بعد موته ثلاث دفعات فهذا عجب.
ومن العجائب انه وزر لثلاث خلفاء، وابن الفرات وزر لخليفه واحد ثلاث دفعات، وابن مقله وزر ثلاث دفعات لثلاث خلفاء، ودفن بعد موته ثلاث دفنات وصول بجكم الى الحضره وتفرده بالإمرة
ولما وافى بجكم ديالى انهزم ابن رائق بعد ان فتح من النهروان بثقا الى ديالى ليكثر ماؤه، فعبر اصحابه سباحه، وصار ابن رائق الى عكبرا، واستتر الكوفى وابن مقاتل.
ووصل بجكم الى الراضي ثانى عشر ذي القعده، فخلع عليه والطالع العقرب، وسار بالخلع الى مضربه بديالى، وانفض جيش ابن رائق عنه، فدخل بغداد واستتر.
وخلع على بجكم دفعتين بعد ذلك، ومضى الى دار مؤنس بسوق الثلاثاء، وهي التي كان ينزلها ابن رائق فنزلها.
فكانت اماره ابن رائق سنه وعشره اشهر وسته عشر يوما، ومده كتابه الكوفى له وتدبيره المملكة تسعه عشر شهرا وثمانية ايام.
قال ابو سعيد السوسي: قال لي بجكم بحضره اصحابه: معى خمسون الف دينار لا احتاج إليها، فلما كان بعد ذلك قال لي: تدرى كم كان معى ذلك اليوم؟ قلت: لا، قال: كان معى خمسون الف درهم، فقلت: اتراك لم تثق بي فكنت تطلعني على الحال! فقال: لو اطلعتك ضعفت نفسك وضعف كلامك، وعولت عليك في رساله، فعجبت من دهائه.
ومات ابو عبد الله النوبختى بعلة السل.
وظفر الراضي بابى عبد الله الكوفى، فسأله فيه ابو الحسن سعيد بن سنجلا حتى صادره على اربعين الف دينار.
واقر الراضي الوزير أبا الفتح على الوزارة وهو بمصر.
وفي شهر رمضان انفذ ملك الروم كتابا بالرومية يتضمن سؤال الراضي الفداء، وكانت الترجمه بالعربية مكتوبه بالفضة، وانفذ مع الكتاب هديه جليله، فأجاب ابن ثوابه عن الكتاب، وفي آخره: وقد اسعفكم امير المؤمنين بما احببتم من هديتكم ورد الرسائل بما سنح من مروءتكم، صيانة لكم عن الاحتشام، ورفعا عندكم من الاغتنام.
وخاطبه ملك الروم بالشريف البهي ضابط سلطان المسلمين، وخاطبهم الراضي برؤوساء الروم.