366 هـ
976 م
سنه ست وستين وثلاثمائة

توفى ركن الدولة ابو على بالري في ثامن عشر المحرم، وقال ابو بكر الخوارزمي يرثيه: احين جرى ملكه في الملوك ورد به الله ملك العجم …
وخط الفناء على قبره بخط البلى وبنان السقم إذا تم امر بدا نقصه توقع زوالا إذا قيل تم وأتاها مؤيد الدولة، وانفصل عن أصبهان، واقر أبا الفتح بن العميد على ما كان اليه، وكان يكتب له في حياه ابيه الصاحب ابو القاسم محمد بن العميد، حسده الصاحب وغيظه من قربه ان حمل الجند على الشغب، فحسم مؤيد الدولة المادة باعاده الصاحب الى أصبهان.
وكان في نفس عضد الدولة على ابن العميد ما ذكرناه، حتى انه كان يقول: خرجت من بغداد، وانا زريق الشارب، وابن العميد خرج ملقبا بذى الكفايتين، لان اهل بغداد كانوا يلقبون عضد الدولة بزريق الشارب.
ونشط ابن العميد للشرب، وتداخله ارتياح، فعمل مجلسا عظيما، وشرب ببقية نهاره وعامه ليله، وعمل شعرا وهو يشرب، وامر بتلحينه والغناء له به، ففعل المغنون ذلك، والشعر:

دعوت المنى ودعوت العلا *** فلما أجابا دعوت القدح
وقلت لايام شرخ الشباب *** الى فهذا أوان الفرح
إذا بلغ المرء آماله *** فليس له بعدها مقترح

ولما غنى له بشعره، واستفزه الطرب، وشرب حتى سكر، وقال لغلمانه:
غطوا المجلس واتركوه على حاله، حتى نشرب عليه ونصطبح، وقام الى بيت منامه وباكره رسول مؤيد الدولة يستدعيه، فركب وعنده انه يخاطبه على مهم، ويعود سريعا، فلما دخل اليه قبض عليه وأخذ أمواله.
ومن شعر ابى الفتح:

يقول لي الواشون كيف تحبها *** فقلت لهم بين المقصر والغالي
ولولا حذاري منهم لصدقتهم *** وقلت هوى لم يهوه قط أمثالي
وكم من شفيق قال: ما لك واجما *** فقلت: ابى ما بي وتسألني مالي

وترامت به الحال الى قتله.
وحكى ان أباه رآه وهو يخطر خطره أنكرها من مشيه امثاله، فقال لمن حضره: انى لأخذه بالأدب حتى لانغص عليه عيشه، فانه قصير العمر، وعمره على ما يدل عليه نجمه ثمان وعشرون سنه، هذا ما حكاه الثعالبي في اليتيمه.
وقال ابن الحجاج يرثيه من قصيده:

رويدك ان الحزن ضربه لازم *** الا فليقم ناعي البحور الخضارم
الا ان هذا المجد قد ساخ طوده *** فاصبح منهد الذرا والدعائم
الا ان بحر الجود قد غاض لجه *** فمن للقلوب الصاديات الحوائم
فيا صارما فل البلى غرب خده *** وكتابه تقرى متون الصوارم
مضى جسمك الفاني وخلفت بعده *** معالى تلك المأثرات الجسائم
اخلاى بالري الذين عهدتهم *** يوفوننى حق الصديق المساهم
الموا جميعا او فرادى بقبره *** وقولوا له عن اجدع الأنف راغم
كظيم وما زال الاسى متحاملا *** على كل موتور السرائر كاظم
أيا راحلا عن قومه غير آئب *** ويا غائبا عن اهله غير قادم
لمثلك فلتبك العيون باربع *** وما فائضا بعد الدموع السواجم
وما كنت الا صارما فل حده *** باخر مشحوذ الغرارين صارم
فلا هز هندي سقى دمك الثرى *** غداه الوغى الا باوهن قائم
ومما يسلى الحزن انك وارد *** على فرح في جنه الخلد دائم
ولم لا وقد قدمت زادا من التقى *** نهضت به مستبشرا غير نادم
تجيء إذ صحف المظالم نشرت *** ببيضاء غفل من سمات المظالم
وكنت إذا الفحشاء نادتك معرضا *** أصم غضيض الطرف دون المحارم
عجبت لمن انحى عليك بسيفه *** فانحى على غصن من البان ناعم
اما راعه ذاك الشباب وحسنه *** فتدركه في الحال رقه راحم
أبا الفتح يأبى سلوتى عنك اننى *** جعلت عليك الحزن ضربه لازم
فما قصرت بي عن حقوقك ونيه *** ولا أخذتني فيك لومه لائم

ولما بلغ عز الدولة وفاه ركن الدولة، قال: انا ولى عهد عمى ركن الدولة، وحلف لعمران بن شاهين، وتزوج ابو محمد عمران ابنه عز الدولة، وحضر بين يدي الطائع، وحلف لعده الدولة ابى تغلب، فقال ابن الحجاج من قصيده:

أنت علمتني المدائح حتى *** صرت فيها مجودا مطبوعا
أنت واصلتنى وكنت على الباب *** طريدا مبعدا ممنوعا
أنت جددت ثوب عزى *** وقد كان لبيسا مفتتا مرقوعا
ملك عين من يعاديه *** لا تطعم غمضا ولا تذوق هجوعا
ايها السيد الذى طاب في المجد *** اصولا كريمه وفروعا
ان يوم الخميس اصبح فيه *** علم المجد والعلا مرفوعا
رفعت رايه الهدى بيد *** النصر وخر النفاق فيه صريعا
دوله عزها وعمدتها *** اليوم اضافا الى الجموع الجموعا
وصلا الحبل بالتصافى فاضحى *** ظهر من يظهر الخلاف قطيعا
وله رايه إذا ضحك النصر إليها *** تبكى السيوف نجيعا
في جيوش تطبق الارض خيلا *** وسيوفا قواطعا ودروعا
ينصرون الامام خير امام *** لم يكن خالعا ولا مخلوعا
ورث الأمر عن ابيه بحق *** لم يكن محدثا ولا مصنوعا
فهو مثل الهلال في الأفق نورا *** وعلوا ورفعه وطلوعا
وترانى بدرتي اصفع الحاسد *** في اخدعيه صفعا وجيعا
لا احابى وحق من خلق الجنه *** لا تابعا ولا متبوعا
ولو انى حابيتهم كنت نذلا *** ساقطا سفله خسيسا وضيعا

وفي رجب، قبض على ابى الفرج بن فسانحس، وحمل الى سر من راى، وتحرك ما كان في نفس عضد الدولة من قصد العراق، فاستخلف عز الدولة على بغداد الشريف أبا الحسن محمد بن عسر، وخرج معه ابن بقية، فزارا مشهد الحسين ع.
وقصد ابن بقية الكوفه وحده، فزار واجتمع، وانحدر الى واسط، وقال ابن الحجاج يودعه:

يا من اليه الامال تختلف *** ومن عليه القلوب تنعطف
ومن بنو عمه واخوته *** ملوك اهل الدنيا به شرفوا
من استقلت بنو بويه به *** كما استقلت بالعاتق الكتف
مولاى صبرا فان سائر ما *** تراه عما تحب ينكشف
وكل ما تشتهى وتؤثره *** ياتى كما تشتهى ولا يقف
ومن أتانا يسوقه طمع *** عنك بخفي حنين ينصرف
تثنيه عن هفوة الشباب غدا *** راى بعيد من النوى نصف
أولا فعزيه ململمه *** تستر منها السيوف والحجف
وذيل يحكم الطعان لها *** بأنها في الصدور تنقصف
وشرب ضمر فوارسها *** لا عزل فوقها ولا عنف
هذا ونفسي الأمير دونك للرماة *** في حومه الوغى هدف
فانهض به نحوهم إذا نهضوا *** وازحف اليهم به إذا زحفوا
وأنت اعلى بنى بويه يدا *** وان تساوى القديم والخلف
كنتم بنى اهل بيت مكرمه *** توصف منهم بمثل ما وصفوا
حتى تلوناكم فكان لكم الفضل *** عليهم والمجد والشرف
والدر جنس لكن له قيم *** في الفضل عند التجار يختلف
وليس يدرى ما فضل فاخره المكنون *** حتى يفتح الصدف
يا من إذا احلف البحار ففي *** نداه من كل فائت خلف
ينتظم المدح فيك متزنا *** وفي سواك المديح ينزحف
مولاى لما بعدت فاشتعلت *** نيران قلبي وطار بي الأسف
جئتك اعدو والشوق يعجلني *** إليك يا دافنى وانصرف

وسال عز الدولة الطائع الانحدار، فأجاب وانحدر الى واسط في عاشر شعبان، ومعه ابن معروف، ونزل في دار الوزارة بها.
وساروا الى الاهواز، فوصلوها عاشر رمضان.
وكتب عز الدولة عن الطائع كتابا يدعو الى الصلح، ونفذ به خادم، فقال عضد الدولة للخادم: قل لمولانا امير المؤمنين، لا يمكنني الجواب، إذا مثلت بحضرتك ولم يجب على الكتاب.
ولما اشرفت الحال على الحرب، اصعد الطائع الى بغداد، وكانت الحرب بناحيه يقال لها مشان من اعمال الباسيان، في نصف تموز، وهو يوم الأحد مستهل ذي القعده، وكان دبيس بن عفيف الأسدي على ميسره عز الدولة، فاستامن وعطف على النهب، فنهب، فانهزم عز الدولة، وقتل من اصحابه خلق، وغرق آخرون على جسر عقده بدجيل.
وكان حمدان في جمله المنهزمين، وتفرقت المذاهب بالمنهزمين، فالتقوا بمطارى.
واجتمع عز الدولة وبه جراح بأخيه عمده الدولة، وابن بقية بها على اسوا حال.
وانفذ عمران بابنه الحسن وكاتبه وقواده، في عده سفن الى عز الدولة، وانفذ اليه والى ابن بقية بمال وثياب، وانفذ المرزبان بن بختيار الى ابيه بمثل ذلك من البصره.
وانحدروا الى البصره، وهي مفتتنه، فاراد ابن بقية ان يصلحها، فازدادت فسادا واحترقت الاسواق، ونهبت الأموال.
وورد ابو بكر محمد بن على بن شاهويه صاحب القرامطة الكوفه في الف رجل منهم، واقام الدعوة بها وبسورا، وبالجامعين والنيل، لعضد الدولة واشفق بختيار ان يسير عضد الدولة الى واسط، فيملكها، فتفوته النجاة، فاحترق البطائح، فتلقاه عمران في عسكره، واقام ابن بقية عنده ثلاثة ايام.
وكان عمران قد قال لعز الدولة، لما قصد حربه: سترى انك تحتاج الى، واعاملك من الجميل بخلاف ما عاملني به ابوك من القبح، فعجب الناس من هذا الاتفاق.
واستدعى البصريون من عضد الدولة، من يتسلم بدلهم، فانفذ أبا الوفاء طاهر بن محمد فدخلها.
واقام بختيار بواسط، وتراجع اليه اصحابه وجنده.
ورجع ابن بقية الى ذخيره له بها، واستمال الجند، فرغبوا فيه وآثروه على صاحبه.
وقال بعض البصريين في بختيار:

اقام على الاهواز خمسين ليله *** يدبر امر الملك حتى تذمرا
يدبر امرا كان اوله عمى *** واوسطه بلوى وآخره خسرا

ومن اعجب ما اتفق عليه، انه اسر له غلام اسمه باتكين، ولم يكن يميل اليه، فجن عليه، وتسلى عن ملكه الا عنه، وانقطع الى البكاء، وامتنع من الغذاء، واحتجب عن الناس فخف ميزانه، واستهان به ابن بقية، وانفذ بالشريف ابى احمد الموسوى، والحرب قائمه، يسال عضد الدولة في رد الغلام، وبذل في فدائه جاريتين، كان بذل ابو تغلب بن حمدان في إحداهما مائه الف درهم، وقال لأبي احمد: ان لم يرض عضد الدولة بهما، فأعطه هذا العقد- وكان فاخرا نادرا واضمن له ما اراد.
ولما مضى ابو احمد الى عضد الدولة، وادى الرسالة، امر برد الغلام، وكان قد حمل في عده غلمان الى ابى الفوارس بن عضد الدولة، فاعيد الى عضد الدولة، ولم يكن بين الغلام وبين غيره من الأسرى فرق، فامسكه عنده، وقال لأبي احمد:
لا انفذه حتى تمضى اليه برسائل، وتقرر معه القبض على ابن بقية، واضاف اليه أبا سعد بهرام بن أردشير الكاتب.
فلما وصلا الى بختيار، وخلوا به، اوحش ذلك ابن بقية وكان بختيار ينزل في الجانب الغربي، وعول ابن بقية على طرد بختيار، وان ينفرد هو بالحرب، فعدل بختيار الى تسكينه وتلافيه.
فلما كان في ذي الحجه، اشار ابراهيم بن اسماعيل- وكان بختيار قد استحجبه، بعد ان كان نقيبا- بالقبض عليه إذا عبر اليه، ففعل ذلك، وانفذ أمواله وخزائنه، ووجد له سته آلاف رطل ثلجا، كان أعدها لسماط عزم على اتخاذه للجند، وطلب عز الدولة منه شيئا قبل القبض عليه، فانفذ اليه ثلاثين رطلا.
فكانت وزارة ابن بقية اربع سنين واحد عشر يوما.
واستخلص عز الدولة أبا العلاء صاعد بن ثابت النصراني، من مجلس ابن بقية، وكتب الى بغداد على الاطيار بالقبض على اهله، فوقعت الكتب في ايديهم، فهربوا الى بنى عقيل بالبادية.
وقبض على ابن بقية بمشهد ابن بهرام بن أردشير، واعاد معه الشريف أبا احمد.
وجرت اقاصيص حتى عاد اليه باتكين.
وقال ابن الحجاج يمدح أبا سعد بن بهرام:

أبا سعد قد انكشف الغطاء *** وأمكننا الحضور كما نشاء
وزالت رقبه الواشين حتى *** شفى من لوعة الشوق اللقاء
بنفسي أنت من قمر منير *** له في كل ناحيه ضياء
هزمت القوم أمس بغير حرب *** فامست في خفارتك الدماء
وكان القوم في داء ولكن *** لطفت فصادف الداء الدواء
بقول ما خلطت به نفاقا *** وراى لم يكن فيه رياء
فاضحوا والرجال لكم عبيد *** وامسوا والنساء لكم إماء

ولما حصل باتكين بالبصرة، تواترت البشائر الى بختيار، واظهر من السرور ما لم يعهد، وضمن انه إذا رد الغلام، عاد الى بغداد، واظهر الطاعة.
وامر عضد الدولة أبا احمد، الا يسلم الغلام، حتى يصعد بختيار الى بغداد.
وكان قد ورد عليه عبد الرزاق وبدر ابنا حسنويه، في الف فارس لنصرته، فلما رايا افعاله، كاتبا أباهما بالصورة، وعرفاه ضعف رايه، واختلال تدبيره، واصعدا، وفارقه عبد الرازق بجرجرايا، واستحيا بدر من مفارقته.
وعادت الرسالة اليه بسمل ابن بقية، ففعل وسمل بعده صاحبه ابن الراعى، وأخذت عليه الايمان بطاعة عضد الدولة، واثبات اسمه على راياته، واقامه الخطبه له في كل بلد دخله.
فانصرف عنه بدر بن حسنويه حينئذ.
وكان في جمله ما شرط عليه عضد الدولة، ان يرحل عن بغداد الى الشام، والا يؤذى أبا تغلب.
واتى عضد الدولة الاهواز، فرتب أمورها، وسار منها الى البصره، وقد انصرف عنها المرزبان بن بختيار، فوجدها مفتتنه، فأصلحها وضمن اكابر أهلها اصاغرهم.