306 هـ
918 م
سنه ست وثلاثمائة (ذكر ما دار في هذه السنه من اخبار بنى العباس)

فيها ورد الخبر بوقعه كانت بين مؤنس الخادم وبين يوسف بن ابى الساج، وذلك يوم الأربعاء لثمان ليال خلون من صفر، فكانت الهزيمة على مؤنس  …

واصحابه ولحق نصر السبكى مؤنسا وهو منهزم، وبين يديه مال، فاراد اسره وأخذ المال الذى كان بيده فوجه اليه يوسف: لا تعرض له ولا لشيء مما معه، واسر في هذه الوقيعه جماعه من القواد، فاكرمهم يوسف، وخلع عليهم وحملهم، ثم اطلقهم فود من كان في عسكر مؤنس انهم أسروا.
وفي هذه السنه امرت السيده أم المقتدر قهرمانه لها، تعرف بثمل ان تجلس بالرصافة للمظالم، وتنظر في كتب الناس يوما في كل جمعه، فأنكر الناس ذلك، واستبشعوه، وكثر عيبهم له والطعن فيه وجلست أول يوم، فلم يكن لها فيه طائل، ثم جلست في اليوم الثانى، واحضرت القاضى أبا الحسن، فحسن امرها واصلح عليها، وخرجت التوقيعات على سداد، فانتفع بذلك المظلومون، وسكن الناس الى ما كانوا نافروه من قعودها ونظرها.
وفيها امر المقتدر يمنا الطولونى- وكانت اليه الشرطه ببغداد- بان يجلس في كل ربع من الارباع فقيها يسمع من الناس ظلاماتهم، ويفتى في مسائلهم حتى لا يجرى على احد ظلم، وامره الا يكلف الناس ثمن الكاغذ الذى تكتب فيه القصص، وان يقوم به، والا يأخذ الأعوان الذين يشخصون مع الناس اكثر من دانقين في اجعالهم.
وفي هذه السنه استطاب المقتدر الزبيديه فسكنها، واقام بها مده، ونقل إليها بعض الحرم، ورتب القواد في مضاربهم حوالى الزبيديه، وجلس في يوم سبت لاطعامهم ووصل جماعه منهم وشرب مع الحرم، وفرق عليهن مالا كثيرا.
قال محمد بن يحيى الصولي: ووافق هذا اليوم قصدى الى نصر الحاجب مسلما عليه، فأمرني بعمل شعر اصف فيه حسن النهار، وان اوصله الى المقتدر، ففعلت وما برحت من عنده حتى جاء خادم لام موسى، ومعه خمسه آلاف درهم فقال:
هذه للصولي، وقد استحسن امير المؤمنين الشعر، وكان أولها:

لها كل يوم من تعتبه عتب *** تحملني ذنبا وما كان لي ذنب

وفيها:

كواكب سعد قابلتها منيره *** فلا شخصها يخفى ولا نورها يخبو
واطلع أفق الغرب شمس خلافه *** وما خلت ان الشمس يطلعها الغرب
تلبس حسنا بالخليفه جعفر *** واشرق من اشراقه البعد والقرب
بمقتدر بالله عال على الهوى *** له من رسول الله منتسب رحب

ولما هزم ابن ابى الساج مؤنسا الخادم ارجف الناس بالوزير ابن الفرات، وأكثروا الطعن عليه، ونسبوا كل ما حدث الى تضييعه، وانكفى عليه اعداؤه ومن كان يحسده، واغرى الخليفة به، فكتبت رقعه واخرجت من دار السلطان الى على ابن عيسى وهو محبوس، وسمى له فيها جماعه ليقول فيهم بمعرفته، وليستوزر من يشير به منهم، وكان في جمله التسميه ابراهيم بن عيسى، فوقع تحته شره لا يصلح، ووقع تحت اسم ابن بسطام كاتب سفاك للدماء، ووقع تحت اسم ابن ابى البغل ظالم لا دين له، ووقع تحت اسم حامد بن العباس عامل موسر عفيف قد كبر، ووقع تحت اسم الحسين بن احمد الماذرائى لا علم لي به، وقد كفى ما في ناحيته، ووقع تحت اسم احمد بن عبيد الله بن خاقان احمق متهور ووقع تحت اسم سليمان بن الحسن بن مخلد كاتب حدث ووقع تحت اسم ابن ابى الحوارى لا اله الا الله فاجمع راى المقتدر ومن كان يشاوره على تقليد حامد بن العباس الوزارة واعان على ذلك نصر الحاجب ورآه صوابا، فانفذ المقتدر حاجبه المعروف بابن بويح للإقبال بحامد، وقبض على على بن محمد بن الفرات يوم الخميس بعد العصر لثلاث بقين من شهر ربيع الآخر، وعلى من ظفر به من آله وحاشيته، فكانت وزارته في هذه المده سنه وخمسه اشهر وتسعه عشر يوما.
وفر ابنه المحسن من ديوان المغرب وكان يليه، فدخل الى منزل الحسين بن ابى العلاء فلم يستتر امره، وأخذ فجيء به الى دار السلطان ودخل حامد بن العباس بغداد يوم الاثنين لليلتين خلتا من جمادى الأولى عشيا، فبات في دار نصر الحاجب التي في دار السلطان، ووصل يوم الثلاثاء من غدوه الى المقتدر، وخلع عليه بعد ان تلقاه الناس من نهر سابس الى بغداد، ولم يتخلف عنه احد، وراى السلطان ومن حوله ضعف حامد وكبره، فعلموا انه لا بد له من معين، فاخرج على بن عيسى من محبسه، وانفذ الى الوزير حامد ومعه كتاب من الخليفة يعلمه فيه انه لم يصرف عليا عن الوزارة لخيانه ولا لشيء انكره، ولكنه واصل الاستعفاء، فعوفي، قال: وقد انفذته إليك لتوليه الدواوين وتستخلفه وتستعين به فان ذلك اجمع لامورك، وأعون على جميل نيتك فسلم الكتاب الى الوزير شفيع المقتدرى، فتطاول لعلى بن عيسى حين دخل اليه واجلسه الى جانبه فأبى عليه وجلس منزويا قليلا، وقرأ الرقعة، وأجاب فيها بالشكر والقبول وركب الوزير حامد وعلى بن عيسى الى الجمعه، وكثر دعاء الناس لهما وولى ابن حماد الموصلى مناظره ابن الفرات بحضره شفيع اللؤلؤى، واحضر حامد بن العباس المحسن بن على بن محمد بن الفرات وموسى بن خلف فطالبهما بالمال، واسرف في صفعهما وضربهما وشتمهما، فقال له موسى بن خلف: أعز الله الوزير! لا تسن هذا على اولاد الوزراء فان لك أولادا، فغاظه ذلك، فزاد في عقوبته، فحمل من بين يديه، وتلف واوقع بالمحسن، فامر المقتدر بالله باطلاق المحسن، فاطلق.
ولما بلغ ابن الفرات الخبر، اظهر انه راى أخاه في النوم، كأنه يقول له:
أعطهم مالك، فإنك تسلم، فاستدعى ابن الفرات ان يسمع الخليفة منه، فاحضره فاقر له فان قبل يوسف بن بنخاس وهارون بن عمران الجهبذين اليهوديين سبعمائة الف دينار، فاحضرهما حامد، فاقرا بالمال، فأخذه منهما، واقر بمائه الف دينار له عند بعض أسبابه، فأخذت، وأخذوا قبل ذلك منه نحو مائتي الف دينار، فكانت الجمله التي أخذت منه ومن أسبابه الف الف دينار وكان السلطان انفذ جمازات الى الحسين بن احمد الماذرائى، يأمره بالقدوم، فارجف الناس ان ذلك للوزارة وقيل أيضا: ليحاسب عن اعماله، فقدم الى بغداد للنصف من شهر رمضان سنه ست واهدى الى الخليفة هدايا جليله، والى السيده، وحمل مالا، واهدى الى على بن عيسى مالا وهدايا، فردها وامره ان يحملها الى السلطان، واخرج ابن الفرات، واجتمعت الجماعه لمناظرته، فاقر للحسين بن احمد انه حمل اليه عند تقلده الوزارة في الدفعه الثانيه ستمائه الف دينار، فاقر بوصول المال اليه، وذكر وجوها يترفه فيها، فقبل بعض ذلك، والزم الباقى، ورد الحسين بن احمد على مصر وأعمالها، واخوه على الشام، وشخص إليها لست بقين من ذي القعده، وخرج توقيع الخليفة باسقاط جميع ما صودر عليه الحسين بن احمد وابن أخيه محمد بن على بن احمد والاقتصار بهما من جميع ذلك على مائتي الف دينار.
وورد الخبر يوم الترويه سنه ست وثلاثمائة بان احمد بن قدام، ابن اخت سبكرى- وكان احد قواد كثير بن احمد امير سجستان- وثب على كثير، فقتله وملك البلد، وكاتب السلطان بمقاطعته على البلد، وكان كثير هذا يحجب أبا يزيد خالد بن محمد المقتول الذى ذكرنا امره قبل هذا .
وفيها وثب جماعه من الهاشميين على على بن عيسى حين تاخرت أرزاقهم، وقد خرج من عند حامد بن العباس وشتموه وزنوه، وخرقوا دراعته وارجلوه، فخلصه القواد منهم، فحاربوهم وضربوا ضربا شديدا، واتصل ذلك بالمقتدر بالله، فامر فيهم بامور عظام، وان ينفوا الى البصره مقيدين، فحملوا في سفينه مطبقة بعد ان ضرب بعضهم بالدرة، وامر بان يحبسوا في المحبس، فلما وصلوا اجلسهم سبك الطولونى امير البصره على حمير مقيدين، وادخلهم الى دار في جانب المحبس، وكلمهم بجميل، ووعدهم، وفرق فيهم اموالا الا انه اسر ذلك، ثم نفذ الكتاب باطلاقهم، فاحسن اليهم سبك الطولونى، واحضرهم وزادهم، وصنع لهم طعاما ثم وصلهم، واكريت لهم سميريات، فكان مقامهم بالبصرة عشره ايام، ووصلهم حامد وأم موسى وأخوها وعلى بن عيسى.
وفي هذه السنه أخذ من القاضى محمد بن يوسف مائه الف دينار وديعة، كانت لابن الفرات، وزفت ابنه القاسم بن عبيد الله الى ابى احمد بن المكتفي بالله، فعملت لهما وليمة انفق فيها مال جليل يزيد على عشرين الف دينار.
وفيها عزل نزار بن محمد عن شرطه بغداد ووليها محمد بن عبد الصمد ختن تكين من قواد نصر الحاجب.
وفيها مات إسحاق بن عمران يوم الأربعاء لسبع خلون من صفر.
وفيها مات محمد بن خلف، وكان اليه قضاء الاهواز وولى ابن البهلول قاضى الشرقيه مكانه وفيها ورد الخبر في أول جمادى الاولى بوفاه عج بن حاج، امير الحجاز، فكتب السلطان الى أخيه ان يلى مكانه.
وفيها مات القاضى احمد بن عمر بن سريج وكان اعلم من بقي بمذهب الشافعى واقومهم به، ودفن يوم الثلاثاء لخمس بقين من ربيع الآخر.
وفي هذه السنه مات الحسين بن حمدان في الحبس، وقد قيل قتل، وقد كان على بن محمد بن الفرات تضمن عنه قبل القبض عليه ان يغرم السلطان مالا عظيما يقيم به الكفلاء، فعورض في ذلك وقيل له: انما يريد الحيله على الخليفة، فامسك.
وحج بالناس في هذه السنة أبو بكر احمد بن العباس أخو أم موسى.