296 هـ
908 م
سنه ست وتسعين ومائتين

قد ذكرت ميل ابى عبد الله محمد بن داود بن الجراح صاحب الديوان الى ابن المعتز فلما لم يجد عند الوزير ما يريده عدل الى الحسين بن حمدان، …

فاشار عليه بالمعاضده على فسخ امر المقتدر بالله وتمهيد حال ابن المعتز، وبادر الحسين بن حمدان الى الوزير العباس بن الحسن وقد ركب من داره بدرب عمار عند الثريا، الى بستانه المعروف ببستان الورد، عند مقسم الماء، فاعترضه بالسيف فقتله، وقتل معه فاتكا المعتضدي وكان المقتدر بالله قد ركب لمشاهده اجراء الخيل، فسمع الضجة، فبادر الى الدار وكان الحسين قد قصد للفتك به، واغلقت الأبواب دونه، فانصرف الى المخرم، وجلس في دار سليمان بن وهب، وعبر اليه ابن المعتز، وكان نزل بدار على الصراة، وحضر ارباب الدولة من الكتاب والقواد والقضاه فبايعوه ولقبوه المرتضى بالله.
واستخفى ابن الفرات واستوزر ابن المعتز ابن الجراح ومضى ابن حمدان الى دار الخلافه، فقابله الخدم والغلمان على سورها ودفعوه.
وكان مع المقتدر بالله غريب الخال، ومؤنس الخادم، الذى لقبه بالمظفر ومؤنس الخازن.
ولما جن الليل مضى ابن حمدان باهله وماله واصعد الى الموصل واصعد غريب الخال ومؤنس المظفر في الزبازب الى المخرم فهرب الناس من عند ابن المعتز، وخرج وحده، واستجار بابن الجصاص.
واستتر على بن عيسى وابن الجراح عند بقلى، فأخرجهما العامه وسبوهما وسلموهما الى خادم اجتاز بهم فحملهما على بغل وقتل مؤنس المظفر جميع من بايع ابن المعتز غير على بن عيسى وابن عبدون والقاضى محمد بن خلف بن وكيع.
وانفذ المقتدر بالله مؤنسا الخازن لطلب ابن الفرات، وكان قد استتر عند جيرانه، فكتموه امره، فحلف لهم ان السلطان يريد ان يستوزره، فاظهروه وحمله الى الخليفة، فولاه وزارته.
ونم خادم لابن الجصاص بخبر ابن المعتز الى صافى الحرمي، فكبس عليه واخذه وأخذ ابن الجصاص معه، فصودر على اموال جمه وسال ابن الفرات فيه.
واستنقذ ابن الفرات على بن عيسى ومحمد بن وكيع القاضى، وابن عبدون، ونفى ابن عبدون الى الاهواز، ونفى على بن عيسى الى واسط، فلما حصلا بالموضعين قرر سوسن مع المقتدر بالله احضار ابن عبدون وتوليته الوزارة.
فلما حصل بواسط، بلغ ذلك ابن الفرات، فاغرى المقتدر سوسن حتى قتله وانفذ الى ابن عبدون من صادره واعتقله وكتب على بن عيسى الى ابن الفرات يسأله ابعاده الى مكة لتزول عنه التهم ففعل، وسار إليها على طريق البصره.
وظهر موت ابن المعتز فسلم الى اهله ميتا.
وكان ابن الجراح مستترا، وعزم ابن الفرات على التوصل الى الصفح عنه، وأتاه رجل برقعته، فأمره بالاستتار حتى يدبر طريق العفو عن جرمه العظيم، واعلمه ان صافيا الحرمي يعاديه فلم يصبر ابن الجراح، فتتبعت امراه نصرانية كانت تحمل رقاعه، فاخذ وحمل الى مؤنس فقتله.
واتى ابن الفرات رجل، فاخبره انه يعرف مكانه، فقال ان كان هذا صحيحا، فلك الف دينار، والا عوقبت لكذبك الف سوط، فرضى وامر ابن الفرات حاجبا له بمراسلته ليبعد عن المكان الذى هو فيه مستتر فلما علم انه قد تركه، ومضى الى غيره انفذ بالساعى به مع صاحب الشرطه، فلم يجدوه فامر ابن الفرات بضرب الساعى مائتي سوط واشهاره والنداء على نفسه: هذا جزاء من يسعى بالباطل، ثم امر له بمائتي دينار ونفاه الى البصره سرا وقال: لو لم افعل هذا به، سعى بي الى الخليفة بأنني توانيت في امره.
واما ابو عمر القاضى فسال فيه أبوه يوسف بن يعقوب القاضى، فاحترم لكبر سنه، وادى عنه مائه الف دينار على ان يلازم منزله.
وانفذ الخليفة بالقاسم بن سيماء وابى الهيجاء بن حمدان، لمحاربه أخيه الحسين ابن حمدان، فهزمهما، ودبر ابن الفرات حتى كتب له أمانا وولاه قم.
وفي هذه السنه، قلد يوسف بن ابى الساج اعمال آذربيجان وأرمينية، على ان يحمل بعد إعطاء الجند والنفقات مائه وعشرين الف دينار في السنه.
وقدم بارس غلام اسماعيل بن احمد صاحب خراسان في اربعه آلاف تركي مفارقا لصاحبه، فقلد ديار ربيعه.
وكان للوزير العباس بن الحسن ابن كنيته ابو جعفر، واسمه محمد، فمضى بعد قتل ابيه الى بخارى واقام عند الملوك السامانيه، ومن شعره:

لئن اصبحت منبوذا *** باطراف خراسان
ومجفوا نبت عن لذة *** التغميض اجفانى
ومحمولا على الصعبه *** من اعراض سلطان
ومخصوصا بحرمان *** من الأعيان اعيانى
ومكلوما باظفار *** ومكدوما باسنان
وملقى بين اخفاف *** وأظلاف توطآنى
وما ذنبي الى من هو *** عنى عطفه ثانى
سوى انى ارى في الفضل *** فردا ليس لي ثانى
كان المجد إذ كشف *** عنى كان غطانى
ساسترفد صبري انه *** من خير أعواني
واستنجد عزمي انه *** والحزم سيان
وأنضو الهم من قلبي *** وان أنضيت جثماني
وانجو بنجاتى ان *** قضاء الله نجاني
الى ارضى التي ارضى *** وترضيني وترضانى
فان سلمني الله *** وبالصنع تولاني
واوطانى اوطانى *** وأعطاني أعطاني
واخلى ذرعي الدهر *** وخلاني وخلاني
فانى لا أجد العود *** ما عاد الجديدان
الى الغربه حتى تغرب *** الشمس بشروان
فان عدت لها يوما *** فسجانى سجاني
وللموت الوحى الأحمر *** القانى القانى

وقال بعض الشعراء في العباس بن الحسين، وقد ساء خلقه بعلو سنه:

يا أبا احمد لا تحسن *** بأيامك ظنا
فاحذر الدهر فكم اهلك *** املاكا فافنى
كم رأينا من وزير *** صار في الأجداث رهنا
اين من كنت تراهم *** درجوا قرنا فقرنا
فتجنب مركب الكبر *** وقل للناس حسنا
ربما امسى بعزل *** من باصباح يهنى
وقبيح بمطاع الأمر *** الا يتأنى
اترك الناس وأيامك *** فيهم تتمنى

قال جحظه: اضقت مره اضاقه شديده، فجلست مع ملاح، ومعى طنبورى، وانحدرت حتى دار الوزارة بالمخرم، والوزير إذ ذاك العباس بن الحسن، والسماء متغيمه، والستائر منصوبه، والماء زائد على نيف وعشرين ذراعا، فأمرت الملاح، فشد السميريه في الروشن، وغنيته:

عللانى بجامه وبطاس *** قهوة من ذخائر الشماس
سقيانى فقد صرفت صروف الدهر *** عنى بدولة العباس
ملك ينثر الثمين من الدر *** بألفاظه على القرطاس

فامر بي، فاصعدت، وامر لي بألفي دينار.