295 هـ
907 م
سنه خمس وتسعين ومائتين (ذكر ما دار في هذه السنه من اخبار بنى العباس)

[أخبار متفرقة]
فمن ذلك ما كان من خروج عبد الله بن ابراهيم المسعى عن مدينه أصبهان الى قريه من قراها على فراسخ منها، وانضمام نحو من عشره …

آلاف كردى اليه، مظهرا الخلاف على السلطان، فامر المكتفي بدرا الحمامي بالشخوص اليه، وضم اليه جماعه من القواد في نحو من خمسه آلاف من الجند.
وفيها كانت وقعه للحر بن موسى على اعراب طيّئ، فواقعهم على غره منهم، فقتل من رجالهم سبعين، واسر من فرسانهم جماعه وفيها توفى اسماعيل بن احمد في صفر، لاربع عشره ليله خلت منه، وقام ابنه احمد ابن اسماعيل في عمل ابيه مقامه وذكر ان المكتفي قعد له وعقد بيده لواءه، ودفعه الى طاهر بن على، وخلع عليه، وامره بالخروج اليه باللواء.
وفيها وجه منصور بن عبد الله بن منصور الكاتب الى عبد الله بن ابراهيم المسمعي وكتب اليه يخوفه عاقبه الخلاف، فتوجه اليه فلما صار اليه ناظره، فرجع الى طاعه السلطان، وشخص في نفر من غلمانه، واستخلف بأصبهان خليفه له ومعه منصور بن عبد الله حتى صار الى باب السلطان، فرضى عنه المكتفي ووصله وخلع عليه وعلى ابنه.
وفيها اوقع الحر بن موسى بالكردى المتغلب على تلك الناحية، فتعلق بالجبال فلم يدرك.
وفيها فتح المظفر بن حاج ما كان تغلب عليه بعض الخوارج باليمن، وأخذ رئيسا من رؤسائهم يعرف بالحكيمى.
وفيها لثلاث عشره ليله بقيت من جمادى الآخرة امر خاقان المفلحى بالخروج الى اذربيجان لحرب يوسف بن ابى الساج، وضم اليه نحو اربعه آلاف رجل من الجند.
ولثلاث عشره ليله بقيت من شهر رمضان دخل بغداد رسول ابى مضر بن الاغلب، ومعه فتح الانجحى وهدايا وجه بها معه الى المكتفي وفيها كان الفداء بين المسلمين والروم في ذي القعده ففدى ممن كان عندهم من الرجال ثلاثة آلاف نفس.

ذكر عله المكتفي بالله وما كان من امره الى وقت وفاته
وكان المكتفي على بن احمد يشكو عله في جوفه، وفسادا في احشائه، فاشتدت العله به في شعبان من هذا العام، واخذه ذرب شديد افرط عليه، وأزال عقله، حتى أخذ صافى الحرمي خاتمه من يده، وانفذه الى وزيره العباس بن الحسن وهو لا يعقل شيئا من ذلك، وكان العباس يكره ان يلى الأمر عبد الله بن المعتز، ويخافه خوفا شديدا، فعمل في تصيير الخلافه الى ابى عبد الله محمد بن المعتمد على الله، فاحضره داره ليلا، واحضر القاضى محمد بن يوسف وحده، وكلمه بحضرته، وقال له:
ما لي عندك ان سقت هذا الأمر إليك؟ فقال له محمد بن المعتمد: لك عندي ما تستحقه من الجزاء والايثار وقرب المنزله، فقال له العباس: اريد ان تحلف لي الا تخليني من احدى حالتين، اما ان تريد خدمتي فانصح لك وابلغ جهدي في طاعتك وجمع المال لك، كما فعلته بغيرك، واما ان تؤثر غيرى فتوقرنى وتحفظني، ولا تبسط على يدا في نفسي ومالي، ولا على احد بسببي، فقال له محمد بن المعتمد- وكان حسن العقل، جميل المذهب: لو لم تسق هذا الى ما كان لي معدل عنك في كفايتك وحسن اثرك فكيف إذا كنت السبب له، والسبيل اليه! فقال له العباس: اريد ان تحلف لي على ذلك فقال: ان لم اوف لك بغير يمين لم اوف لك بيمين، فقال القاضى محمد بن يوسف للعباس: ارض منه بهذا، فانه اصلح من اليمين.
قال العباس: قد قنعت ورضيت ثم قال له العباس: مد يدك حتى ابايعك.
فقال له محمد: وما فعل المكتفي؟ قال: هو في آخر امره، واظنه، قد تلف فقال محمد: ما كان الله ليراني أمد يدي لبيعه وروح المكتفي في جسده، ولكن ان مات فعلت ذلك فقال محمد بن يوسف: الصواب ما قال، وانصرفوا على هذه الحال ثم ان المكتفي افاق وعقل امره، فقال له صافى الحرمي: لو راى امير المؤمنين ان يوجه الى عبد الله بن المعتز ومحمد بن المعتمد، فيوكل بهما في داره ويحبسهما فيها، فان الناس ذكروهما لهذا الأمر، وارجفوا بهما، فقال له المكتفي: هل بلغك ان أحدهما احدث بيعه علينا؟ فقال له صافى: لا، قال له: فما ارى لهما في ارجاف الناس ذنبا فلا تعرض لهما، ووقع الكلام بنفسه، وخاف ان يزول الأمر عن ولد ابيه، فكان إذا عرض له بشيء من هذا الأمر استجر فيه الحديث وتابع المعنى واهتبل به جدا.
وعرض لمحمد بن المعتمد في شهر رمضان فالج في مجلس العباس بن الحسن الوزير من غيظ اصابه في مناظره كانت بينه وبين ابن عمرويه صاحب الشرطه، فامر العباس ان يحمل في قبة من قبابه على افره بغاله، فحمل الى منزله في تلك الصورة، وانصرفت نفسه الى تأميل غيره.
ثم اشتدت العله بالمكتفى في أول ذي القعده، فسال عن أخيه ابى الفضل جعفر فصح عنده انه بالغ، فاحضر القضاه واشهدهم بانه قد جعل العهد اليه من بعده.

ذكر وفاه المكتفي
ومات المكتفي بالله على بن احمد ليله الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعده سنه خمس وتسعين ومائتين، ودفن يوم الاثنين في دار محمد بن عبد الله بن طاهر.
وكانت خلافته ست سنين وتسعه عشر يوما، وكان يوم توفى ابن اثنتين وثلاثين سنه.
وكان ولد سنه اربع وستين ومائتين وكنيته ابو محمد، وأمه أم ولد تركية، وكان جميلا رقيق اللون حسن الشعر، وافر اللحية.
وولد أبا القاسم عبد الله المستكفى، ومحمدا أبا احمد، والعباس، وعبد الملك، وعيسى، وعبد الصمد، والفضل، وجعفرا، وموسى، وأم محمد، وأم الفضل، وأم سلمه، وأم العباس، وأم العزيز، وأسماء، وساره وأمه الواحد.
قال: وكان جعفر بن المعتضد بدار ابن طاهر التي هي مستقر اولاد الخلفاء فتوجه فيه صافى الحرمي لساعتين بقيتا من ليله الأحد واحضره القصر وقد كان العباس ابن الحسن فارق صافيا على ان يجيء بالمقتدر الى داره التي كان يسكنها على دجلة، لينحدر به معه الى القصر، فعرج به صافى عن دار العباس إذ خاف حيله تستعمل عليه، وعد ذلك من حزم صافى وعقله.

ذكر خلافه المقتدر
وفيها بويع جعفر بن احمد المقتدر يوم الأحد لثلاث عشرة ليلة خلت من ذي القعده سنه خمس وتسعين ومائتين وهو يومئذ ابن ثلاث عشره سنه واحد وعشرين يوما، وكان مولده يوم الجمعة لثمان بقين من شهر رمضان من سنه اثنتين وثمانين ومائتين، وكنيته ابو الفضل وأمه أم ولد يقال لها شغب وكانت البيعه للمقتدر في القصر المعروف بالحسنى، فلما دخله وراى السرير منصوبا امر بحصير صلاه فبسط له، وصلى اربع ركعات وما زال يرفع صوته بالاستخارة ثم جلس على السرير، وبايعه الناس ودارت البيعه على يدي صافى الحرمي وفاتك المعتضدي، وحضر العباس بن الحسن الوزير وابنه احمد حتى تمت البيعه ثم غسل المكتفي، ودفن في موضع من دار محمد بن عبد الله بن طاهر.
وذكر الطبرى انه كان في بيت المال يوم بويع المقتدر خمسه عشر الف الف دينار، وذكر ذلك الصولي، وحكى انه كان في بيت مال العامه ستمائه الف دينار، وخلع المقتدر يوم الاثنين الثانى من بيعته على الوزير ابى احمد العباس بن الحسن خلعا مشهوره الحسن، وقلده كتابته وامر بتكنيته، وان تجرى الأمور مجراها على يده.
وقلد ابنه احمد بن العباس العرض عليه، وكتابه السيده أمه وكتابه هارون ومحمد اخويه، وكتب العباس الى الكور والاطراف بالبيعه كتابا على نسخه واحده واعطى الجند مال البيعه، للفرسان ثلاثة اشهر، وللرجاله سته اشهر، وامر اصحاب الدواوين على ما كانوا عليه، وخلع المقتدر على سوسن مولى المكتفي الذى كان حاجبه، واقره على حجابته، وخلع على فاتك المعتضدي، ومؤنس الخازن ويمن غلام المكتفي، وابن عمرويه، صاحب الشرطه ببغداد، وعلى احمد بن كيغلغ، وكان قد قدم مبايعه المقتدر بقوم حاولوا فتق سجن دمشق، واقامه فتنه بها، فحملوا على جمال، وطوفوا، وخلع على كثير من الخدم، فمن كان اليه منهم عمل جعلت الخلعه عليه لإقراره على عمله، ومن لم يكن اليه عمل كانت الخلعه تشريفا له، ورد المقتدر رسوم الخلافه الى ما كانت عليه من التوسع في الطعام والشراب، واجراء الوظائف، وفرق في بنى هاشم خمسه عشر الف دينار وزادهم في الأرزاق، واعاد الرسوم، في تفريق الاضاحى على القواد والعمال واصحاب الدواوين والقضاه والجلساء، ففرق عليهم يوم الترويه ويوم عرفه من البقر والغنم ثلاثون الف راس، ومن الإبل الف راس، وامر باطلاق من كان في السجون ممن لا خصم له ولا حق لله عز وجل عليه، وبعد ان امتحن محمد بن يوسف القاضى أمورهم.
ورفع اليه ان الحوانيت والمستغلات التي بناها المكتفي في رحبه باب الطاق اضرت بالضعفاء، إذ كانوا يقعدون فيها لتجاراتهم بلا اجره لأنها افنيه واسعه، فسال عن غلتها فقيل: له تغل الف دينار في كل شهر، فقال: وما مقدار هذا في صلاح المسلمين واستجلاب حسن دعائهم! فامر بهدمها وإعادتها الى ما كانت عليه.
ولم يل الخلافه من بنى العباس اصغر سنا من المقتدر، فاستقل بالأمور، ونهض بها، واستصلح الى الخاصة والعامه وتحبب إليها، ولولا التحكم عليه في كثير من الأمور لكان الناس معه في عيش رغد، ولكن أمه وغيرها من حاشيته كانوا يفسدون كثيرا من امره.
وفي هذه السنه، كانت وقعه عج بن حاج مع الجند بمنى في اليوم الثانى من ايام منى، وقتل بينهم جماعه، وهرب الناس الذين كانوا بمنى الى بستان ابن عامر، وانتهب الجند مضرب ابى عدنان، وأصاب المنصرفين من الحاج في منصرفهم ببعض الطريق عطش، حتى مات منهم جماعه قال الطبرى: سمعت بعض من يحكى ان الرجل كان يبول في كفه ثم يشربه.
وحج بالناس في هذه السنة الفضل بْن عبد الملك.