358 هـ
968 م
سنه ثمان وخمسين وثلاثمائة

في المحرم مات ابو احمد الفضل بن عبد الرحمن بن جعفر الشيرازى
ومن شعره:  …

أهلا وسهلا بالحبيب الذى *** يصفينى الود واصفيه
محاسن الناس التي فرقت *** فيهم غدت مجموعه فيه
قد وضح البدر باشراقه *** والغصن غضا بثنيه
أفديه احميه وقلت له *** من عبده أفديه احميه

وفي هذه السنه اتى الهجريون عين التمر، فتحصن منهم صنبه العيني بشفاثا، فاستاقوا المواشى وانصرفوا.
واتى ملك الروم طرابلس، فاحرق ربضها، وأخذ من بلدان الساحل مائه الف شاب وشابه، وعزم على قصد بيت المقدس، فهاب القرامطة، وقد كانوا نزلوا الشام، وأوقعوا بابن عبد الله بن طغج.
وفي جمادى الآخرة مات الأمير ابو جعفر بن الراضي بالله، وكان نازلا بالرصافة.
وفيه كثر ببغداد موت الفجأة.
وبلغ الكر زياده على تسعين دينارا.
ولم تزد دجلة والفرات والنهروان في هذه السنه.
وفي هذه السنه خطب لعضد الدولة بسجستان، واستخلف على كرمان ابنه شيرزيل ووجد الأكراد في جبل جلود الوقيعه، بسيل كثيف عزارج، معقود فيه مال وصياغات ودراهم، في كل درهم منها خمسه دراهم، وفي احد وجهيه صوره بقره، وعلى الوجه الآخر صوره انسان وعليه كتابه رومية.
وكان ابو تغلب قد سلم الى أخيه حمدان الرحبه، ثم أساء الى وكلائه، فكتب اليه حمدان يحلف بطلاق ابنه سعيد بن حمدان، وبكل يمين انه ان أحوجه استعان عليه بالديلم، فان انتصف والا استعان بالقرامطة، فان بلغ غرضا والا استعان بملك الروم، فكان جواب ذلك من ابى تغلب، ان قبض ضياعه، وطرد وكلاءه، وانفذ أخاه أبا البركات، فانتزع الرحبه من يد حمدان.
فدخل حمدان بغداد في شهر رمضان، وتلقاه عز الدولة وسبكتكين في ميدان الاشنان، وانزله في دار ابن رزق الكاتب النصراني، وحمل اليه مائه وخمسين الف درهم، وثلاثمائة ثوب، أصنافا من ديباج وعتابى ودبيقى، وثلاثين راسا بغالا وخيالا وجمالا وسبع مراكب ذهبا، وكاتب أخاه يسفر في الصلح بينهم، فتم ذلك، ولما خرج شيعه عز الدولة، وحمل اليه اكثر مما حمله أولا عند قدومه.
وحكى انه يوم دخوله صدم سبكتكين العجم احد القواد، فقتله، ورضخ فرسه صاعدا فاعتل، فلما وصل وافاه القاضى ابو بكر بن قريعة مسلما، فقال حاجبه:
ان الأمير نائم، فعاد فلقيه انسان، فقال: من اين جاء القاضى؟ فقال: أتانا حمدان وافدا، لأخيه مباعدا، فقتل قائدا، ورضخ صاعدا، وظل راقدا.
وقال ابن نباته في حمدان قصيده، منها:

إليك صحبنا اليوم ترعد شمسه *** وحيره ليل اسود النجم فاحم
ودهرا سمت حيتانه في سمائه *** وانجمه في بحره المتلاطم
الى صده ان يستخف عتابنا *** وما الظلم فيه غير شكوى المظالم
تكون بها أنفاسنا وحديثنا *** مدائح حمدان المليك القماقم
فتى لم ترق مساء الشبيبة شعره *** على الخد حتى رام شم المراوم
أخو الحرب يثنى جيدها وهو صارم *** ويسلم منها والقنا غير سالم
فتى لا يرى ان الهموم مصائب *** وان سرور العيش ضربه لازم
يؤمل في أمواله كل آمل *** ويرحم من اسيافه كل راحم
إذا السيف لم يستنزل الهام لمعه *** فما هو من آرائه والعزائم
ليهنيك جد يفلق الصخر جده *** ويهتك صدر الجحفل المتلاطم
انك لا تلقى الندى غير باسم *** اليه ولا صرف الردى غيرى حازم

وسار حمدان عن بغداد، وخلف حرمه واولاده، وشيعه عز الدولة، فلما وصل الى الرحبه، عاد الخلف بينه وبين أخيه، وانفذ ابو تغلب أخاه أبا البركات، فانتزع الرحبه من يد حمدان، وسار حمدان عنها في البر الى تدمر، فنفذ زاده، ولحقه عطش شديد، فعاود الرحبه، ودخلها من ثلم عرفها، وقد ترك ابو البركات اصحابه فيها، واصعد الى الرقة، فاستولى حمدان على ذخائره وأمواله واصحابه.
فبلغ ذلك أبا البركات، فانحدر، فتلقاه حمدان وعدته قليله، وقال لأصحابه:
لا بد من الصبر، فقاتل فنصر، وقتل أبا البركات، وانفذه الى أخيه ابى تغلب في تابوت فكفن بسل توبه، واعتذر بانه دفع عن نفسه بقتله، فقال ابو تغلب: والله لألحقنه به ولو ذهب ملكي.
وقبض ابو تغلب على أخيه ابى الفوارس محمد، صاحب نصيبين، وعرف انه وافق حمدان على الفتك به.
ولما عرف هبه الله بن ناصر الدولة ما جرى على ابى الفوارس، ثار به المرار، وانكر فعل ابى تغلب.
وكتب الحسين بن ناصر الدولة الى أخيه ابى تغلب، وهو صاحب الحديثه يقول: ان الله قد وفق الأمير في افعاله، ونحن وان كنا اخوه، فنحن عبيد، ولو أمرني بالقبض عليه لفعلت، فقال ابو تغلب: هذا كتاب من يريد ان يسلم.
وانحدر حمدان واخوه ابو طاهر ابراهيم الى بغداد.
وكان عز الدولة بواسط فانحدرا اليه فتلقاهما، ونزل حمدان دار ابى قره، وانزل أبا طاهر ابراهيم في دار ابى العباس بن عروه، وحمل إليهما هدايا كثيره، واصعدا معه الى بغداد.
وفي شهر رمضان قدم الوزير ابو الفضل العباس بن الحسن من الاهواز وتلقاه عز الدولة واصعد الى بغداد.
وفيه مات ابو الحسين الكوكبى العلوي الذى كان يتقلد نقابه الطالبيين.
وفي ذي القعده انحدر ابو إسحاق بن معز الدولة الى دار السلطان، ووصل الى المطيع لله وعقد لعضد الدولة على كرمان، وانفذ اليه الخلع واللواء والطوق والسوارين.
وفيه نقل عز الدولة أباه معز الدولة الى تربه بنيت له بمقابر قريش، بعد ان كفنه وطيبه، ومشى بين يدي تابوته الوزير ابو الفضل، والرئيس ابو الفرج والأمراء من الديلم والاتراك.
وملك الروم أنطاكية يوم النحر.