118 هـ
736 م
سنه ثمان عشرة ومائة (ذكر الخبر عما كان في هذه السنة من الأحداث)

فمن ذلك غزوة معاوية وسليمان ابني هشام بْن عبد الملك ارض الروم
ولايه عمار بن يزيد على شيعه بنى العباس بخراسان …

وفيها وجه بكير بْن ماهان عمار بْن يزيد إلى خراسان واليا على شيعة بني العباس، فنزل- فيما ذكر- مرو، وغير اسمه وتسمى بخداش، ودعا إلى محمد بْن علي، فسارع إليه الناس، وقبلوا ما جاءهم به، وسمعوا إليه وأطاعوا، ثم غير ما دعاهم إليه، وتكذب وأظهر دين الخرمية، ودعا إليه ورخص لبعضهم في نساء بعض، وأخبرهم أن ذلك عن أمر محمد بْن علي، فبلغ أسد بْن عبد الله خبره، فوضع عليه العيون حتى ظفر به، فأتي به، وقد تجهز لغزو بلخ، فسأله عن حاله، فأغلظ خداش له القول، فأمر به فقطعت يده، وقلع لسانه وسملت عينه.

ذكر ما كان من الحارث بن سريج مع اصحابه
فذكر محمد بْن علي عن أشياخه، قَالَ: لما قدم اسد آمل في مبدئه، أتوه بخداش صاحب الهاشمية، فأمر به قرعة الطبيب، فقطع لسانه، وسمل عينه، فقال: الحمد لله الذي انتقم لأبي بكر وعمر منك! ثم دفعه إلى يحيى بْن نعيم الشيباني عامل آمل فلما قفل من سمرقند كتب إلى يحيى فقتله وصلبه بآمل، وأتى أسد بحزور مولى المهاجر بن داره الضبي، فضرب عنقه بشاطئ النهر ثم نزل أسد منصرفه من سمرقند بلخ، فسرح جديعا الكرماني إلى القلعة التي فيها ثقل الحارث وثقل أصحابه- واسم القلعة التبوشكان من طخارستان العليا، وفيها بنو برزى التغلبيون، وهم أصهار الحارث – فحصرهم الكرماني حتى فتحها، فقتل مقاتلتهم وقتل بني برزى، وسبى عامة أهلها من العرب والموالي والذراري، وباعهم فيمن يزيد في سوق بلخ، فقال علي بْن يعلى – وكان شهد ذلك: نقم على الحارث أربعمائة وخمسون رجلا من أصحابه، وكان رئيسهم جرير بْن ميمون القاضي، وفيهم بشر بْن أنيف الحنظلي وداود الأعسر الخوارزمي فقال الحارث: إن كنتم لا بد مفارقي وطلبتم الأمان، فاطلبوه وأنا شاهد، فإنه أجدر أن يجيبوكم، وإن ارتحلت قبل ذلك لم يعطوا الأمان، فقالوا: ارتحل أنت وخلنا ثم بعثوا بشر بْن أنيف ورجلا آخر، فطلبوا الأمان فآمنهما أسد ووصلهما، فغدروا بأهل القلعة، وأخبراه أن القوم ليس لهم طعام ولا ماء، فسرح أسد الكرماني في ستة آلاف، منهم سالم بْن منصور البجلي، على ألفين، والأزهر بْن جرموز النميري في اصحابه، وجند بلخ وهم الفان وخمسمائة من اهل الشام، وعليهم صالح بْن القعقاع الأزدي، فوجه الكرماني منصور بْن سالم في أصحابه، فقطع نهر ضرغام، وبات ليله وأصبح، فأقام حتى متع النهار، ثم سار يومه قريبا من سبعة عشر فرسخا، فأتعب خيله، ثم انتهى إلى كشتم من ارض جبغويه، فانتهى إلى حائط فيه زرع قد قصب، فأرسل أهل العسكر دوابهم فيه، وبينهم وبين القلعة أربع فراسخ ثم ارتحل فلما صار إلى الوادي جاءته الطلائع فأخبرته بمجيء القوم ورأسهم المهاجر بْن ميمون، فلما صاروا إلى الكرماني كابدهم فانصرفوا، وسار حتى نزل جانبا من القلعة، وكان أول ما نزل في زهاء خمسمائة في مسجد كان الحارث بناه، فلما أصبح تتامت إليه الخيل، وتلاحقت من أصحاب الأزهر وأهل بلخ.
فلما اجتمعوا خطبهم الكرماني، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: يَا أهل بلخ، لا أجد لكم مثلا غير الزانية، من أتاها أمكنته من رجلها، أتاكم الحارث في ألف رجل من العجم فأمكنتموه من مدينتكم، فقتل أشرافكم، وطرد أميركم، ثم سرتم معه من مكانفيه إلى مرو فخذلتموه، ثم انصرف إليكم منهزما فأمكنتموه من المدينة، والذي نفسي بيده لا يبلغني عن رجل منكم كتب كتابا إليهم في سهم إلا قطعت يده ورجله وصلبته، فأما من كان معي من أهل مرو فهم خاصتي، ولست أخاف غدرهم، ثم نهد إلى القلعة فأقام بها يوما وليلة من غير قتال، فلما كان من الغد نادى مناد:
إنا قد نبذنا إليكم بالعهد، فقاتلوهم، وقد عطش القوم وجاعوا، فسألوا أن ينزلوا على الحكم ويترك لهم نساؤهم وأولادهم، فنزلوا على حكم أسد، فأقام أياما وقدم المهلب بْن عبد العزيز العتكي بكتاب اسد، ان احملوا إلي خمسين رجلا منهم، فيهم المهاجر بْن ميمون ونظراؤه من وجوههم، فحملوا إليهم فقتلهم، وكتب إلى الكرماني أن يصير الذين بقوا عنده أثلاثا، فثلث يصلبهم، وثلث يقطع أيديهم وأرجلهم، وثلث يقطع أيديهم، ففعل ذلك الكرماني، وأخرج أثقالهم فباعها فيمن يزيد، وكان الذين قتلهم وصلبهم أربعمائة واتخذ أسد مدينة بلخ دارا في سنة ثمان عشرة ومائة، ونقل إليها الدواوين واتخذ المصانع، ثم غزا طخارستان ثم ارض جبغويه، ففتح وأصاب سبيا.

[أخبار متفرقة]
وفي هذه السنة عزل هشام خالد بْن عبد الملك بْن الحارث بْن الحكم عن المدينة، واستعمل عليها محمد بْن هشام بْن إسماعيل ذكر الواقدي أن أبا بكر بْن عمرو بْن حزم يوم عزل خالد عن المدينة جاءه كتاب بإمرته على المدينة، فصعد المنبر، وصلى بالناس ستة أيام، ثم قدم محمد بْن هشام من مكة عاملا على المدينة.
وفي هذه السنة مات علي بْن عبد الله بْن العباس، وكان يكنى أبا محمد، وكانت وفاته بالحميمة من أرض الشام، وهو ابن ثمان – أو سبع – وسبعين سنة.
وقيل إنه ولد في الليلة التي ضرب فيها علي بْن أبي طالب وذلك ليلة سبع عشرة من رمضان من سنة أربعين، فسماه أبوه عليا، وقال: سميته باسم أحب الخلق إلي، وكناه أبا الحسن، فلما قدم على عبد الملك بْن مروان أكرمه وأجلسه على سريره، وسأله عن كنيته فأخبره، فقال: لا يجتمع في عسكري هذا الاسم والكنية لأحد، وسأله: هل ولد له من ولد؟ وكان قد ولد له يومئذ محمد بْن علي، فأخبره بذلك، فكناه أبا محمد.
وحج بالناس في هذه السنة محمد بْن هشام وهو أمير مكة والمدينة والطائف وقد قيل إنما كان عامل المدينة في هذه السنة خالد بْن عبد الملك، وكان إلى محمد بْن هشام فيها مكة والطائف، والقول الأول قول الواقدي.
وكان على العراق خالد بْن عبد الله، وإليه المشرق كله، وعامله على خراسان أخوه أسد بْن عبد الله، وعامله على البصرة وأحداثها وقضائها والصلاة بأهلها بلال بْن أبي بردة، وعلى أرمينية وأذربيجان مروان بْن محمد بْن مروان.